يسلط عليها الضوء بأفلامه الوثائقية الستة عشر
عبدالله المخيال يصور الصحراء في 7 بلدان عربية
ريهام محمد
عــاشق للــتراث بكــل ومختـلف تفاصيله.. اتخذ من الكاميرا وسيلة لاختزال الجمال الطبيعي الكامن في الصحراء.. التي انطلق منها ابداعه.. مخرج الأفلام الوثائقية التسجيليـــة البيئيــة عبــدالله المخيال.. الذي تصدرت أفلامه الوثائقية قوائم أشهر وأهم الافلام البيئية في العالم.. نال عن الكثير منها جوائز اقليمية وعالمية.. آخرها الجائزة الكبرى في مهرجان الخليج التاسع عن فيلمه الوثائقي «أرض الملوك» عام 2009.
المخيال أكد في حوار خاص له مع «بيئتنا» على ايمانه الشديد بوجود علاقة وثيقة بين البيئة والثقافة كمفهوم، فكلاهما يعمل بالتوازي مع الآخر، وهنا نص الحوار معه:
* متى وكيف بدأت رحلتك مع التصوير الوثائقي للأفلام البيئية؟
الرحلة مع التصوير قديمة وتمتد جذورها إلى مرحلة الطفولة، حيث كنت اعشق التقاط الصور والمشاهد الطبيعية، وكانت الكاميرا رفيقتي الدائمة، ورويدا رويدا تطورت الهواية من التقاط صور ثابتة إلى الرغبة في اختزان وتسجيل مشاهد متحركة تحمل رسائل ومضامين مؤثرة وعميقة، ولم أجد ما هو أجمل وأعمق من الصحراء كي أعبر عنه في أفلامي التسجيلية، وإلى الآن تجاوزت خبرتي في مجال انتاج وإخراج الافلام الوثائقية التسجيلية أكثر من 16 فيلما.
* ولماذا اخترت تحديداً كتابة وتصوير أفلام وثائقية عن الصحراء ولم تحاول تصوير شكل آخر من الأشكال البيئية؟
أنا محب للصحراء بالدرجة الاولى وعاشق للتصوير بالدرجة الثانية، وقد اخترت أن أتخصص في تصوير ما أحب كي أمنح أفلامي بصمة خاصة وهوية مميزة، فكلنا نعرف الصحراء لأنها جزء من تراثنا وثقافتنا وهويتنا، خاصة وأن %80 من الوطن العربي «صحاري»، لكننا لم نعط هذا الملمح من حياتنا القيمة والمكانة التي يستحقها، وقد حاولت أن أسلط الضوء على الصحراء من خلال أفلامي ولكن بأفكار فريدة وطريقة تقديم جديدة، هذا بالإضافة إلى أن مبدأ التخصص هو الذي يمنح أي مجال أو عمل قيمة أكبر وهو وقود النجاح السريع.
* وهل يمكن أن تقدم لنا نبذة مختصرة عن تجربتك مع الأفلام التسجيلية؟
الفيلم التسجيلي يسجل الحقائق على أرض الواقع ولذلك سمي بالتسجيلي، والفيلم التسجيلي له عدة وجوه وأشكال والكثير من التخصصات، فهناك أفلام تسجيلية تختصص بشخصية أو بمكان أو بموضوع. أما تجربتي مع الأفلام التسجيلية أو مع الفيلم الوثائقي تتركز حول البيئة الصحراوية وتوثيق تراث البادية قبل أن تطويها معالم الحضارة والعولمة، حيث أطمح لتكوين مكتبة مرئية عن الصحاري وسكانها البدو في بقاع متفرقة من العالم، فلقد زرت الصحاري في الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات والسودان وسوريا وتونس والمغرب، كما زرت بلدانا غير عربية يمثل سكانها نماذج من البدو غير العرب كالمغول.
وتخصصت في أكثر أنواع الأفلام التسجيلية صعوبة وتطبيقا، فجميع أفلامي تصور في أماكن نائية في الصحراء خارج المألوف والمنظور، وهذا ما يتطلب فريقا فنيا وإداريا متكاملا، كما يتطلب العمل صبرا وانتظارا في تصوير مادة هذه الافلام التي تحوي في أغلبها مشاهد تراثية نادرة أو متابعة لكائنات فطرية في الصحراء، وهذا ما يجعل الجهد مضاعفا ومتعبا في انتظار الأحداث والكائنات التي لا تتلقى التوجيه أو الامتثال لأوامر المخرج، فالعمل التسجيلي في هذا الخط من الأفلام الوثائقية بالذات يعتبر الطريق الصعب الطويل الذي عزف عنه الآخرون، فالمخرج هنا يفتقد التحكم بالكثير من عناصر الإخراج والتوجيه لمادة التصوير، على خلاف مخرج الدراما الذي يتحكم بأداء الممثلين والإضاءة واختيار مواقع التصوير.
كما أعتمد على معادلة إخراجية بسيطة تعنى في مجملها متعة وإثارة بلا مط وإطالة، قد تبدو هذه المعادلة بسيطة كقاعدة لكنها صعبة التنفيذ كنتيجة، فهي تتطلب اختيارا دقيقا وانتقائيا للمشاهد وترتيب أفكار السيناريو لجذب المشاهد.
* وهل ترتبط دراستك النظرية الأساسية بعملك كمخرج محترف للأفلام البيئية الوثائقية عن الصحاري في العالم؟
على العكس تماما دراستي الأساسية بعيدة عن مجال الإخراج والتصوير، فأنا خريج كلية الآداب قسم خدمة اجتماعية وأعمل في بلدية الكويت، وعملي كمخرج انطلق من الهواية المعززة بالموهبة والتي نمت عبر سنوات الممارسة وتبلورت في الأفلام الوثائقية التي أنتجتها.
* وهل درست أصول فن إخراج الأفلام وكل التفاصيل المتعلقة به قبل انخراطك في هذا المجال؟
كنت أملك موهبة في كتابة النص والسيناريو ولم أدرس الاخراج أو أتعلم أصوله، وإنما اكتسبت خبرتي ومهارتي في التصوير والإخراج للافلام الوثائقية البيئية من الممارسة العملية، حيث كانت أخطائي هي مدرستي الخاصة التي تعلمت منها طبيعة المشاهد وزوايا الكاميرا وحركتها المناسبة التي تحقق الهدف المنشود من قبل المخرج، فأنا أؤمن أن الموهبة والرؤية الخاصة التي تشكلها الموهبة والاحساس أهم بكثير من دراسة أسس وقواعد فن الإخراج.
* البيئة والثقافة مفهومان يلتقيان أحياناً ويختلفان أحياناً أخرى، فما هي برأيك المواقع أو العناصر التي يتفقان بها؟
مفهومي المتواضع عن البيئة أنها تسير بالتوازي والتزامن مع الثقافة، فكلاهما خطان متلازمان، فالحفاظ على البيئة سواء بتسليط الضوء على ما يضرها أو ابراز الجمال الخفي والكامن فيها يتطلب قدرا من الثقافة التي يتفرع عنها أساليب وطرائق عديدة تختلف من منطقة إلى أخرى في العالم.
* وماذا عن البيئة والإعلام؟
الاستغلال الجيد والمدروس للاعلام يخدم كثيراً البيئة ويؤدي إلى تنمية الثقافة والوعي لدى الجماهير بأساليب تطويرها وطرق المحافظة عليها، ووجهات النظر العالمية تختلف كثيراً في رسم معالم وملامح الخط البيئي، لكن للأسف ثقافة الإعلام البيئي المبدعة والمتميزة التي تجبر المتلقي على اتخاذ مواقف ايجابية وفاعلة لصالح البيئة بدافع الحب والاستمتاع بذلك معطلة ومفقودة في الكويت، فالرسائل الإعلامية البيئية في الكويت لاتزال دون المستوى المطلوب، حيث تعتمد على الخطاب المباشر للمتلقي الذي لايخلو من الملل مما يدفعه إلى العزوف والاحجام عن مجرد الانصات أو الاهتمام بما يوجه إليه من رسائل، وحقيقة حاولت من خلال عملي ككاتب سيناريو ومخرج للأفلام الوثائقية البيئية أن أضيء شمعة في هذا الظلام المخيف، وقدمت المعرفة الثقافية البيئية الكامنة في الصحراء بأسلوب جديد يمتزج فيه المضمون العميق بالمتعة والأهداف الإنسانية. فالصحراء مدرسة تعلمنا ونتعلم منها الكثير من مضامين ومفاهيم الحياة، ففيها نشهد الحياة والموت والبعث، فيها الصبر والاصرار على البقاء الذي تجسده كائناتها التي تعيش على قطرات الندى لفترات طويلة، فيها الثقافة والاصالة والعلم وكل شيمنا العريقة، وقد حاولت من خلال افلامي قراءة وترجمة هذه التفاصيل الرائعة ولكن وفق أسلوبي الخاص.
* وماهي الرسالة الخاصة التي تحاول ايصالها من خلال أفلامك؟
في الحقيقة هناك أكثر من هدف أو رسالة ولكن أهمها هي المحافظة على التراث والبيئة وعلى الصحراء التي امتع نفسي كثيراً عندما أصورها وأوثقها بمشاعري المحبة وفؤادي العاشق لكل تفاصيلها لانها جزء من كياني وهويتي، وهذا ما اكسب اعمالي نكهة خاصة تختلف شكلا ومضمونا عن البصمة والنكهة الغربية في التصوير، وسرعان ما تذوق الغرب ما قدمته وتلمسوا جماله وكرموا أعمالي بالجوائز تارة وبعرضها على القنوات الفضائية البيئية العالمية تارة أخرى مثل قناة ناشيونال جيوغرافيك.
* وما هي المصاعب والتحديات التي تواجهها أثناء عملك؟
المصاعب كثيرة مع العمل في الصحراء كنقل فريق العمل الإداري والفني، والمخرج لايتحكم في عوامل المناخ كالعواصف الترابيه الأمطار والبرد والحر، وكذلك التعامل مع الحيوانات الفطرية يتطلب جهدا مضاعفا وساعات كثيرة للتسجيل لأخذ لقطات نادرة، لأنك تتعامل مع حيوان فطري لايتحمل ولايقبل التوجيه والإرشاد، بعكس مخرج الدراما الذي يتحكم في جميع عناصر الإخراج من خلال التحكم بالإضاءة والديكور والجو أو بأداء الممثل وكذلك جهده مقاسا بوقت معين ومحدد مسبقا.
* وهل يمكن أن تعطينا نبذة مختصرة عن أهم الافلام البيئية التي أنتجتها؟
إنها عديدة ولكن أذكر منها فيلم «ظلال الصحراء» وتم تصويره في مواقع متفرقة من السعودية، وهو عبارة عن وثيقة مرئية تعكس أهمية الإبل في مجتمع البادية واستغرق انتاجه 3 سنوات من كتابة النص إلى المكساج.
وهناك أيضا فيلم «بادية العرب» وهو عبارة عن توثيق مشترك لبادية العرب المعاصرة في جزيرة العرب وبادية الشام، حيث تم تصويره في العديد من المواقع منها الربع الخالي وإقليم الصمان والدهناء وصحراء الحماد والبادية الشامية في سوريا، حيث تناول جوانب الحياة الاجتماعية عند البدو ومدارس الصحراء والمرأة البدوية.
وفيلم «قناصة العرب» والذي تم تصويره في تونس فهو عبارة عن رحلة في الجنوب التونسي من خلال عرض الطبيعة الجبلية في الغابات الخضراء والصيد بالجوارح ومقارنة للصيد بالصقور عند العرب في شبه الجزيرة. وعن فيلم «البادية السمراء» لقد كانت رحلات تصوير هذا الفيلم شاقة وطويلة حيث تم تصويره في السودان ما بين الشمال والشرق والغرب وأطراف من الجنوب من خلال تضاريس متباينة بين الصحاري والكثبان والسهول والحقول والغابات والأدغال، وقد عبر هذا الفيلم عن البادية التي حفظت هويتها.
كما تم تصوير فيلم «المغول رعاة السهول» على جزئين في مناطق من منغوليا، وامتدت رحلة تصوير هذا الفيلم أكثر من 6000 كم على أرض المغول، وفي الجزء لأول تم اظهار رعاة السهول، في تلك الأرض التي تحظى بالتنوع الجيولوجي والأشكال الطبيعية التي توزعت ما بين رمال وأنهار وسهول وجبال، بالإضافة إلى وصف سكان المنطقة لحياتهم الاجتماعية وحياتهم وثرواتهم الحيوانية. بينما الجزء الثاني تضمن زيارة لصحراء «غوبي الشهيرة» التي تقع بين منغوليا والصين وإيضا زيارة بحيرة خوفس كول الكبرى وقبائل التستان التي تشتهر بتربية غزلان الرنة.
وفيلم «نداء الصحراء» الوثائقي تم تصويره في جزر ومحميات السعودية، فهو عبارة عن وثيقة مرئية تعكس واقع الحياة الفطرية، وقد سعى الفيلم لإيصال رسالة للجميع تمثلت في احترام قيم الأرض والمحافظة عليها.
* وماذا تعد حاليا؟
أعمل حاليا على انتاج واخراج فيلم وثائقي بيئي جديد برؤية دولية يحمل اسم «حديث الصحراء»، ومدته 21 دقيقة ولن يحتوي على أي كلمات منطوقة وانما فقط موسيقى وصور، سأعرض وأقدم خبايا وعناصر الصحراء المختلفة من خلال الصورة التي تعتبر لغة عالمية وهي أبلغ من ألف كلمة ويدركها الجميع مما يساعد على سرعة وصولها وزيادة انتشارها.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 136