الحدود المثلى لأذن الإنسان بين 1- 4 كيلو هرتز
الضوضاء .. موجات متضخمة من الإزعاج
أمل جاسم عبدالله
التلوث الضوضائي من أكثر المشاكل البيئية خطورة، فقد صنفت على إنها ضارة على صحة الإنسان والحيوان والنبات. وتعرف الضوضاء على أنها الأصوات غير المرغوب فيها التي تصدر بشكل حاد وشديد يلهي ويصرف النظر والانتباه فيصبح مزعجا، أي عندما تتجاوز شدة الصوت المعدل الطبيعي المألوف والمناسب صحيا للأذن التقاطه وتوصيله إلى الجهاز العصبي، حيث يصبح الشعور بالصوت غير محتمل ويقلق الراحة ويضر بصحة الأذن، هنا يتحول الصوت إلى مصدر للتلوث السمعي.
يتميز الضجيج فيزيائيا باتساع الطيف الذي يشغله والذي يمتد من حفيف أوراق الشجر إلى صوت الرعد في طقس عاصف (وتأتي الفروع المتخصصة لتحدد المفيد والضار في أجزاء هذا الطيف).
الموجات الزلزالية
الصوت من الناحية البيولوجية هو اهتزازات أو موجات تلتقطها الأذن عند الإنسان التي تستطيع تمييزها عندما تكون ضمن حدود معينه تمتد من حوالي 16 هرتز إلى 20 كيلو هرتز. أما من الناحية الفيزيائية فالصوت عبارة عن تموجات في وسط مرن تتراوح ذبذباتها بين صفر وعشرة آلاف مليار هرتز. التموجات الأدنى من 20 هرتز تسمى الأصوات دون السمعية، ويوجد في الطبيعة الكثير من هذه الأصوات مختلفة الذبذبات مثل الموجات الزلزالية التي تظهر في قشرة الأرض، والموجات التي يزيد عدد ذبذباتها عن 20 كيلوهرتز تسمى موجات فوق السمعية وهذه الموجات تستعمل في تكنولوجيا تصنيع المواد وفي الطب التشخيصي وتكنولوجيا الإتصالات وغيرها. وهناك الموجات التي تتراوح ذبذباتها بين 109 و1013 هرتز تسمى موجات فرط الصوت.
أفادت الجمعية الألمانية للسمع بأن 60 مليون شخص يعانون من الضوضاء في ألمانيا وأن ربع الألمان يعانون من مشكلة في السمع وعزت ذلك إلى سماع الموسيقى الصاخبة.
كما أفاد مكتب البيئة الألماني بأن 13 مليون مواطن ألماني معرضون لمستويات ضارة من الضوضاء تنطوي على مخاطر مثل الأرق وضعف التركيز وأضرار في السمع.
وصرحت يوتا فيسترينج المدير التنفيذي لجمعية الموظفين الألمان، بأن 3 % من الشباب الألماني يستعين بأجهزة سمعية مساعدة. وأشارت فيسترينج إلى أن الشباب الألماني يعرض نفسه لضوضاء بقوة 120 ديسيبل رغم أن مستوى 65 ديسيبل من الضوضاء يعتبر ضار بالأذن، وتصل الضوضاء لمستوى الألم عند مستوى 140 ديسيبل.
الموجات الميكانيكية
الحدود المثلى لأذن الإنسان تتراوح بين واحد إلى أربعة كيلو هرتز، حيث قوة الصوت تساوي 10 – 12 فولت في المتر المربع.
تركيبة أذن الإنسان تسمح لها بتلقي كل الأحداث بشكل متواصل وهي تحول الموجات الميكانيكية إلى إشارات كهروبيولوجية ترسل إلى الدماغ.
تنقسم مصادر الضوضاء إلى قسمين رئيسيين هما : المصادر الطبيعية ومصادر النشاط الإنساني.
يوجد حوالي 20 الف هولندي مهددون بالصمم سنويا، بسبب إستخدامهم لسماعات الووكمان، والتي تؤدي إلى مشاكل سمعية خطيرة، بالإضافة إلى آلام الأذن، فضلا عن أنها تؤدي إلى الصمم خلال عشر سنوات (مجلة العلميون).
مصادر الضوضاء الطبيعية والتي ينقلها إلينا أثير الغلاف الجوي وهي عبارة عن ضجيج دائم تتراوح مساحة طيفه ما بين ذبذبات الضجيج ما تحت السمعي (0.003 هرتز) إلى ذبذبات الضجيج ما فوق السمعي.
وتمتد اصوات الضجيج الطبيعي من تكسر أمواج البحر عند الشواطيء إلى انهيار سطوح الجبال بفعل الأمطار والسيول، إلى أصوات الرعد المزمجرة (الرعد الذي ينتج عنه صوت جلجلة وإنفجار يحدث في طبقات الجو نتيجة لتفريغ شحنة كهربائية عالية جدا )، إلى أصوات البراكين (الانفجارات البركانية والتي تعد مظهرا من مظاهر حرارة باطن الأرض التي توجد تحت غلاف الأرض الصخري حيث يصاحب حدوث الانفجارات البركانية دوي هائل وانفجارات عالية) إلى صوت الريح (الرياح هي الهواء المتحرك والتي تصدر أثناء حركتها أصوات تختلف شدتها حسب السرعة التي تتحرك بها) إلى أصوات الزلازل (الزلازل وهي اهتزاز القشرة الأرضية في مكان ما من سطح الأرض وتتفاوت الزلازل حسب قوة الاهتزاز وطبيعة القشرة الأرضية في منطقة الزلزال مما يصاحب ذلك صدور أصوات عالية وضوضاء شديدة)، مرورا بغناء العصافير وأصوات الحيوانات على أنواعها إلى أصوات الشلالات وخرير المياه.
الأنشطة البشرية
أما الضجيج الناتج عن الأنشطة البشرية فإنه يزداد كل يوم وهو يضم كل الأصوات الناتجة عن أدوات التكنولوجيا المتطورة من آلات إلى محركات ومولدات الكهرباء ووسائل النقل وورش البناء، صوت الطائرات والسيارات والدراجات النارية وأصوات الأدوات الكهروميكانيكية التي تستعمل في الأنشطة الصناعية والزراعية والمنزلية. والضوضاء داخل المنازل الناتجة عن أصوات المسجلات والراديو والغسالة والتلفزيون والمكنسة الكهربائية.
شوارع رمسيس والعباسية والقصر العيني ومحمد علي بمدينة القاهرة وجد أن متوسط الضوضاء فيها وصل إلى (80-90 ) ديسيبل خلال جميع أيام الأسبوع. كما أن ضيق الشوارع يضاعف من الضوضاء وخصوصا الشوارع السكنية. إذا كان عرض الشارع ستة أمتار فإن درجة الضوضاء تصبح 105 ديسيبل وإذا كان عرض الشارع 12 مترا فإن الصوت يتضخم بمقدار 5 ديسيبل زيادة، أما إذا كان عرض الشارع 24 مترا فإنه لا يحدث تضخيم للصوت.
يمكن تقسيم التلوث الضوضائي حسب مصدره وقوة تأثيره وإستمراره إلى 3 أنواع هي :
1- تلوث مؤقت لا ينتج عنه أضرار فسيولوجية:
يعد هذا النوع الأقل خطر على الإنسان بصفة عامة وأقلها ضررا، وهو ينتج عن التعرض لفترة محدودة لمصدر من مصادر التلوث الضوضائي المعروفة. وينتج عن التعرض لمثل هذا النوع من الضوضاء ضعف في السمع لفترة محدودة ثم يعود بعد ذلك إلى حالته الأولى خلال عدة دقائق أو ساعات حسب طول المدة التي تعرض لها وقربة من مصدر هذه الضوضاء، بعد أن يبتعد عن مصدر الضوضاء ويذهب لمكان هاديء.
2- تلوث مؤقت ينتج عنه أضرار فسيولوجية:
وهو نوع من التلوث الضوضائي ناتج من التعرض المباشر لمصدر أو أكثر من مصادر الضوضاء، مثل الضوضاء الناجمة عن دوي المفرقعات والقنابل، حيث تحدث من جراء هذا النوع من التلوث الضوضائي أضرار فسيولوجية دائمة مثل : إصابة الأذن الوسطى بسبب موجات الضغط التي تصاحب تفجير المفرقعات مما يؤدي إلى حدوث ثقب في طبلة الأذن يسبب صمم دائم فيها أو تلف الأعصاب الحسية بها، كذلك الضوضاء الصادرة عن المطارق الثقيلة المستخدمة في بعض الصناعات.
3- تلوث مزمن:
هذا النوع من التلوث ينشأ عن التعرض الدائم والمستمر لمصدر أو أكثر من مصادر الضوضاء، وعادة ما يحدث للذين يتعرضون يوميا لضوضاء عالية ومستمرة. من أمثلة ذلك الأصوات الصادرة عن السيارات والشاحنات ووسائل النقل والمواصلات في أثناء سيرها في الشوارع، والاستخدام السيء لآلة التنبيه بواسطة بعض السائقين، كذلك الضجيج الناشيء عن أعمال البناء والتشييد حيث تتراوح الضوضاء الناتجة من هذه الأعمال بين أصوات آلة الحفر والبلدوزرات والجرارات وأصوات المطارق وغيرها.
يتعرض لهذا النوع من الضوضاء سكان المنازل وموظفي المكاتب وكذلك رواد المتاجر التي تقع في وسط الأماكن التي تعج بمثل هذه الضوضاء.
الضجيج مضر بصحة الإنسان ويشكل تهديدا بتخريب أداة السمع لدى الإنسان إضافة إلى أنه يؤدي إلى تشوهات في الأعضاء الأخرى، وفي الطب هناك مرض يسمى الضجيج وقد يترافق مع إرتفاع أو إنخفاض ضغط الدم أو مع إنحرافات صحية أخرى.
من المهم معرفة مستوى الضجيج الذي يتعرض له الإنسان، طبيعته، محتوى طيفه فترة التعرض لمفاعليه وخصوصية الفرد في تحملة وفي حال التعرض لضجيج قوي ومتواصل فإن ذلك من شأنه التأثير على الجهاز العصبي والغدد والجهاز الهضمي، كما يمكن أن يقود إلى فقدان قوي في السمع.
أظهرت التجارب وجود علاقة مباشرة بين إنتشار وتعدد الأمراض العصبية وبين إرتفاع مستوى الضجيج في المدن، وتبين أن الموجات مادون الصوتية تؤثر على حاستي السمع واللمس. وعندما يكون مستوى ضغط الصوت أكثر من مئة ديسيبل بذبذبات 2-5 هرتز يحدث تصدع في طبلة الأذن وألم في الرأس وصعوبة في البلع.
عندما يتعرض الإنسان إلى الضجيج لفترة طويلة تظهر عليه أعراض مرضية مثل السهاد، تلبك الجهاز الهضمي، تخريب في حاستي الذوق والنظر. إن الحد الأقصى لمستوى ضغط الصوت الذي تحتمله إذن الإنسان هو 154 ديسيبل وعند التعرض إلى هذا المستوى يشعر الإنسان بالإختناق وألم حاد في الرأس وتعطل في جهاز الإستقبال في العين وتقيؤ.
الضجيج يسبب مشاكل قلبية وأمراض عصبية وهناك من يعيد أسباب حالات الميغرين ( ألم الرأس الحاد) بنسبة %80 إلى الضجيج المرتفع.
تشير دراسة ألمانية حديثة أجريت على 400 طفل تراوحت أعمارهم بين الخامسة والحادية عشر عاما، إلى أن الضجيج يضعف مناعة الأطفال ويزيد من مخاطر إصابتهم بأمراض الحساسية.
برهن خبراء في نيويورك أن الضجيج يؤثر على النمو الجسدي والعقلي عند الأطفال، كما برهن الخبراء في أستراليا أن الضجيج المرتفع قد يؤدي إلى تقصير العمر مابين 8 إلى 12 سنة.
وقد إتضح أن الضوضاء العالية المفاجئة وغير المتوقعة تسبب حدوث بعض التغيرات في جسم الإنسان، فهي قد تسبب إنقباض الشرايين والشعيرات الدموية مما يؤدي إلى رفع ضغط الدم، كذلك تتسبب في زيادة ضربات القلب وزيادة سرعة التنفس، كما تؤدي إلى تقلص العضلات.
لما كان هناك إرتباط كامل بين الأم وجنينها وكذلك بين مشاعر الأم وحالة جنينها، فإن تأثير الضجيج يصل إلى الجنين في رحم الأم الذي يتأثر بالمشاعر المتباينة للأم والأصوات المختلفة التي تصل إليه من العالم الخارجي. وقد ثبت أن الضجيج يؤثر على تكوين الجهاز العصبي للأجنة في أرحام أمهاتهن، ويبدأ ذلك في الشهر الرابع من الحمل، وهي لحظة بدء تكوين الجهاز العصبي، وهذا بدوره يؤدي إلى سلوك غير عادي عندما تخرج هذه الأجنة للحياة.
أما بالنسبة لتأثير الضوضاء على الكائنات الحية مثل الحيوان والنبات فقد أثبتت الدراسات أن إدرار اللبن والكفاءة التكاثرية عند بعض الحيوانات تقل كلما زاد تعرض هذه الحيوانات للضجيج. وأثبتت الدراسات أن الحيوانات التي تعيش في بيئة هادئة تأكل أكثر وتنمو أسرع من الحيوانات التي تعيش في بيئات مزعجة يكثر فيها الضجيج.
وضعت بعض الحيوانات تحت تأثير صوت شدته 130 ديسيبل ماتت بعد أربع ساعات !
كما أن الصدمات الصوتية المفاجئة والمتكررة من المصادر الصوتية وفوق الصوتية تحدث اضطرابا للطيور مما يؤدي إلى تشتتها وهجرتها، كما تضطر الطيور والعصافير المغردة في المدينة لرفع طبقة صوتها والشدو بصوت عالي حتى يمكن سماعه وسط الضجيج في المدن.
الأحياء البحرية أيضا تتأثر بالضجيج وذلك لأن عشرات الألوف من السفن التجارية ومراكز البحث العائمة تمثل أصوات لا تتوقف عن الهدير ضمن كتلة المياه التي تغمر البحار والمحيطات، وتعد مياه البحر المالحة أكثر قدرة من الهواء على نقل الصوت إلى مسافات أبعد. ويعتقد بعض الباحثين أن الأصوات التي تتردد دون إنقطاع في مياه البحار والمحيطات يمكن أن يصيب الحيتان والدلافين بالصمم.
أفاد باحثون من جامعة شيفايلد في العدد الأخير من مجلة رويال سوسايتي أن طائر أبو الحناء الأوروبي أصبح يفضل أن يشدو ليلا حتى لا يغني ضد الضوضاء التي يحدثها الإنسان. ووجد الباحثون أنه كلما إرتفع مستوى الضجيج البشري في محيط الطائر كلما إزداد إحتمال أن يصدح هذا الطائر الحساس ليلا.
يمكن مكافحة الضوضاء أو الحد منها عن طريق خفض الأصوات المسببة للضوضاء أو عن طريق وضع واقيات للأذن عند التعرض لأصوات عالية أثناء العمل.
الأعتناء بالتشجير خصوصا في الشوارع المزدحمة يقلل من حدة الضوضاء حيث ثبت علميا أن وجود ساتر من الأشجار يحجب حوالي 8 ديسيبل من ضوضاء الطريق. فلقد أثبتت الدراسات أن أشجار الفيكس تحقق أكبر قدر لتقليل الضوضاء لما لها من كثافة كبيرة وعرض وسمك أوراقها.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 104