السراب في القرآن اعجاز علمي
ابراهيم النعمة
قال الله تعالى في القرآن الكريم : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب}- (39) سورة النور.
رأي المفسرين
جاء في صحيح مسلم بشرح الإمام النووي في كتاب الإيمان باب معرفة طريق الرؤية رقم الحديث302 - (183) قوله صلى الله عليه وسلم: (فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً)، السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوى وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وابن كثير في قوله {كسراب بقيعة} يقول: أرض مستوية المنبسطة، وجاء في: تفسير الجلالين للإمام جلال الدين المحلي{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} جمع قاع أي فلاة وهي شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري. وبذلك يكون المعنى في قوله تعالى {كسراب بقيعة} أن القاع ما انبسط من الأرض واتسع وفيه يكون السراب عند اشتداد الحر وبالتالي السراب ملازم للقيعة ولا يتشكل بدونها.
تعريف ظاهرة السراب
هي خدعة بصرية (ضوئية) تحدث نتيجة ظروف البيئة المحيطة من اشتداد درجة الحرارة والأرض المستوية واختلاف في معامل الانكسار مما يجعلها في حالة توهج شديد حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض ليعكس صورا وهمية للأجسام وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبيرة, وترجع تسمية السراب عند العرب سرب الماء أي جرى وسار, أما التسمية الإنكليزية لهذه الظاهرة فتعود إلى كلمة mirage وتعني المرآة باللغة الفرنسية.
السبق العلمي لدراسة ظاهرة السراب
كان السبق في دراسة هذه الظاهرة لعلمائنا المسلمين الكبار وعلى رأسهم صاحب كتاب المناظر في البصريات العالم المسلم الحسن ابن الهيثم البصري الذي كان رائدا في هذا المجال وكان أول من أعطى تفسيرا لهذه الظاهرة بشكل علمي وفيزيائي .
أنواع السراب
1- السراب الصحراوي (السفلي): يحدث هذا النوع في الصحراء نتيجة الحرارة الشديدة التي تنعكس عن رمالها مما يجعلها في حالة توهج شديد ليأخذ شكل سطح مائي أمام عين الناظر (المسافر) وكأنه سطح مرآة ينعكس عليه صفحة الماء الهادئ يمتد أمامه إلى مالا نهاية بسبب شدة الحرارة بدليل أنه كلما اقترب منه ابتعد عنه.
2- السراب في المدن: يحدث هذا النوع من السراب في المدن وخاصة على الطرق المبلطة فترى من بعيد وكأنها بركة من المياه ويعكس الأجسام البعيدة.
3- السراب الجانبي: وهو انعكاس لأحد الجدران العمودية الساخنة بتأثير الشمس.
والسبب الفيزيائي للسراب السفلي والجانبي: يكون الهواء بالحالات الثلاث السابقة أسخن بالقرب من الأرض ومعامل الانكسار ضعيفاً مما يجعل الضوء يسير بسرعة أكبر وتنحني أشعة الضوء إلى الأعلى لذا نرى انعكاس السماء أو جسم بعيد على الأرض كما لو كان هناك ماء وما يحدث في هذه الحالة ليس مجرد انعكاس بل ما يسمى بلغة الفيزياء (الانعكاس الكلي) ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن يكون الشعاع الداخل في طبقات الهواء مائلا أكثر من الميل الذي هو عليه وفيما عدا ذلك لا تتكون لديه (الزاوية الحرجة) لسقوط الشعاع التي لا يحدث بدونها انعكاس كلي ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن تكون طبقات الهواء الكثيفة أعلى من الطبقات التي تقل عنها كثافة وتتحقق هذه الحالة بوجود الهواء المتحرك حيث لا تتحقق بدونه، وعند الاقتراب من السراب تزداد قيمة الزاوية المنحصرة بين الأشعة والأرض فيقل انحناء الأشعة فيختفي الماء.
4- السراب القطبي (العلوي): وهو ظاهرة مألوفة لسكان الشواطئ خاصة في المناطق الباردة وفيه تبدو الأجسام الموجودة على سطح الأرض وكأنها مقلوبة ومعلقة في السماء. وتحدث هذه الظاهرة عندما تكون طبقات الهواء السفلي باردة بينما تهب في الطبقات العليا تيارات ساخنة، وبذلك تقل كثافة طبقات الهواء بزيادة بعدها عن سطح الأرض، وبالتالي تقل معاملات انكسار طبقات الهواء المتتالية صعودا.
وجه الاعجاز
أما في قوله سبحانه {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} فهذا يعني أن السراب لا يحدث إلا في الأرض القيعة والتي تعني الأرض المستوية أو ما ابسط من الأرض ولا يتكون السراب إلا بوجود هذا المكان الخاص.
وفي قوله عزّ من قائل {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء} و(يحسبه) تدل على أن الماء غير موجود وبالتالي فالسراب خدعة بصرية وأما الظمآن فهو ما اشتد عطشه.
والإعجاز المبهر والذي لا جدال فيه عند أصحاب الاختصاص, تشبيه السراب بالماء وليس بالمرآة مثلما قال العلماء الغربيون والمعادلة الفيزيائية لظاهرة السراب تكمن بقوله تعالى {حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}، نستنبط من هذه الكلمات الربانية أنه كلما اقتربنا من السراب ابتعد عنا وبالتالي فإن المسافة بين عين الناظر والسراب ثابتة.
والسؤال هنا من أخبر وعلم المصطفى عليه صلوات الله وسلامه قبل 14 قرنا عن ظاهرة السراب وتفسيرها العلمي والفيزيائي؟ إنه بلا شك الذي ضرب لنا في القرآن من كل مثل وفتح علينا العلم من أوسع الأبواب ونرجو منه لنا ولكم ولوالدينا ولكافة المسلمين في الدنيا والآخرة الأجر والثواب.
والله أعلم
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 91