حسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة
التصحر يلتهم 42 بليون دولار سنويا!
عنود محمد القبندي
كلمة التصحر تستحضر معها إلى الخيال مساحات شاسعة من الرمال التي تجتاح الأرض، ولكنها في الواقع ظاهرة من الممكن حدوثها بعيدا عن الصحاري الشاسعة الرملية، فالتصحر كلمة تشير إلى تردي التربة المتواصل الذي يقودها إلى تآكل طبقة التربة السطحية الغنية بفعل الرياح والمياه وإلى فقدان الزراعة فجميع هذه القوى عندما تجتمع تحول الأرض إلى أرض عديمة الفائدة عمليا والتي تعرف بالتصحر. وأصبحت عواقب ظاهرة التصحر وأضرارها على كوكبنا واضحة وظاهرة، ومن الممكن أن تكون مدمرة، فقد تحتاج إعادة تكوين طبقة التربة السطحية أو إعادة نمو الغابات المئات من السنين. وفي حال كانت الأضرار فادحة فإن الأراضي المتضررة قد لا تستعيد عافيتها مطلقاً، علاوة على ذلك يمكن أن يقود التصحر إذا ترافق مع الجفاف إلى المجاعة على نطاق واسع الأمر الذي يؤدي إلى هجرة الناس من أماكن عيشهم والاضطرابات الاجتماعية وأيضا النزاعات. .
الدول العربية
هناك مناطق تغطي مساحات كبيرة من الكرة الأرضية معرضة للأخطار بسبب التصحر فهي مناطق نظامها البيئي هش وهي منطقة الساحل الأفريقي وهذا الشريط من الأراضي الجافة الذي يجتاز القارة ما بين الصحراء الكبرى إلى شماله وبين البطحاء الرطبة إلى الجنوب، وبشكل عام تعتبر الدول العربية بحكم موقعها الجغرافي من أكثر المناطق الجافة ذات الأنظمة البيئية الهشة، حيث يلعب المناخ دوراً هاماً في تركيبها، إلا أن الآثار السلبية لهذه الظاهرة تزداد انتشاراً بمعدلات متسارعة نظراً لارتفاع درجة الحرارة الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويجتاح التصحر الأراضي العربية في وقت أصبح فيه ارتفاع نسبة الإنتاج الزراعي والحيواني لمواجهة النمو السكاني وارتفاع مستوى المعيشة ضرورة ملحة جداً، كما يقدر برنامج الأمم المتحدة للبييئة القيمة الإنتاجية المفقودة سنويا في الدول النامية بسبب التصحر بـ 16 مليار دولار.
ولكن هناك العديد من الجهود البشرية المستمرة التي تعمل على محاربة هذه الظاهرة والتي تشمل أنظمة انذارات مبكرة حول المناطق المعرضة للخطر بحيث يمكن للسكان والحكومات الإقليمية من اتخاذ الإجراءات لعكس اتجاه هذه الظاهرة قبل أن يتضح تأثيرها الخطير.
إنذار مبكر
ونتيجة لهذه الكارثة تولدت أول محاولة عالمية وأول معاهدة ملزمة عالميا للتصدي لامتداد التصحر فقامت معاهدة مكافحة التصحر (CCD) والتي أطلقتها الأمم المتحدة والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1996 بإلزام الدول الأطراف في المعاهدة بالتنسيق في الجهود لجمع وتحليل المعطيات العلمية حول الجفاف والتصحر لكي تتيح توفير «الإنذار المبكر والتخطيط المسبق لفترات التقلبات الشديدة في المناخ» لأن أسباب التصحر معقدة. كذلك ذكرت المعاهدة أن أنظمة الإنذار المبكر يجب أن تعتمد على معطيات من مصادر متنوعة بدءا من أجهزة القياس العالية التقنية المحمولة على الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، وصولاً إلى المعارف التقليدية للناس المحليين “ الذين تعلموا على مدى آلاف السنين “.
اختفاء الأراضي من آثار التصحر
التصحر ليست بظاهرة حديثة فقبل ألفي سنة قبل الميلاد وصف السومريون الأرض التي تحولت إلى صحراء بعد أن تم قطع كل ما عليها من الأشجار، وفي القرن الرابع قبل الميلاد شكا أفلاطون من الأراضي التي «إذا ما قورنت بما كانت عليه سابقاً تبدو كهيكل إنساني أهلكه المرض»، واليوم وفي كوكب يزداد اكتظاظاً بالسكان يصل التصحر إلى معظم أنحاء الكرة الأرضية.
وآثار التصحر وفق إحصائيات الأمم المتحدة مذهلة، فأكثر من 250 مليون من سكان العالم متضررون بشكل مباشر من التصحر، و135 مليونا يواجهون خطر احتمال مغادرتهم لأراضيهم وسبل عيش بليون نسمة أي حوال ما يعادل خمس سكان العالم يحيطها الخطر.
إن 70% من جميع الأراضي الجافة المستخدمة في الزراعة في حالة متردية، وأكثر من 110 بلدان فيها أراض معرضة للتصحر حيث تصل التكلفة على المستوى العالمي للتصحر 42 بليون دولار سنوياً.
صحيح أن التأثر بالتصحر هو الأقوى في البلدان النامية في أفريقيا، إلا أن القارة التي فيها أعلى نسبة من الأراضي الجافة المتضررة من هذه الظاهرة أي ما يعادل %74 تقع في أميركا الشمالية.
الرمال المتحركة
وفي الحقيقة إن 30 % من الأراضي إلى الغرب من نهر الميسيسيبي في الولايات المتحدة وأجزاء من أقاليم سهوب المروج الثلاثة في كندا تظهر لها إشارات ميل إلى التصحر.
كذلك المشكلة تعتبر حادة ومأساوية في آسيا حيث قدرت الأمم المتحدة أن اكثر من 1.2 بليون هكتار من الأراضي أًصبحت منكوبة، فمنذ الخمسينيات من القرن الماضي وتحديدا في الصين وحدها ابتلعت الرمال المتحركة والأراضي المتصحرة مجددا أكثر من 6 ملايين هكتار من الغابات والأراضي التي كانت تغطيها الأشجار، و2.33 مليون هكتار من الأراضي الحرجية، 680.000 هكتار من الأراضي المحروثة، و24 ألف قرية، و30.000 كم من الطرق، و50.000 كم من القنوات والمجاري المائية مهددة دوما بتراكم الرمال والغبار.
فالتصحر لا يعرف الحدود القومية فأكثر من ربع مساحة أميركا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي على سبيل المثال صحار أو أراض جافة، وحتى في مناخ ايسلندا البارد والرطب أدى الرعي الجائر للمواشي وإزالة الأحراج إلى تآكل خطير للتربة، وإلى إنتاج 5000 كيلو متر مربع من المناطق المتصحرة التي هي ربما أوسع منطقة رملية في العالم خارج المناطق القاحلة.
الحياة البرية
إن الكثير من الناس يعرفون البيئة التي يعيشون فيها من حيث الكائنات الحية فيها فهم يقرأون التفاعلات بين المظاهر الطبيعية والحياة من حولهم، فمعاهدة التصحر تعطي للمعارف التقليدية فيها على أساس أنها «مؤشرات شعبية» يعتمد عليها الكثير من الشعوب من خلال مراقبة حياة النبات والحيوان وسلوك الطيور والكثير للتنبؤ بموعد وكمية هطول الأمطار وخصوبة التربة، العديد من الدراسات العلمية أيدت إمكانية الاعتماد على المؤشرات التقليدية، فعلى سبيل المثال أنواع وكميات النبات التي تنمو بصورة طبيعية أصبح من المعترف به حاليا على نطاق واسع كمؤشرات على حال التربة وأيضا كنوع من التاريخ الحي لاستخدام الأرض.
هناك الحيوانات البرية التي تأكل الأعشاب والأنواع الأخرى قد تحافظ على توازن النظام البيئي عن طريق أكل كل منها لنباتات مختلفة. لكن الماشية تأكل الأعشاب بصورة حصرية ومتى زالت الأعشاب تنبت مكانها الشجيرات الصغيرة غير المستساغة والتي عادة تتمدد بسرعة وتمتص المواد المغذية للتربة. فمثلا في العديد من المناطق كدولة نامبيا في جنوب غرب أفريقيا تعتبر تلك الزيادة في النباتات الخشبية والتي تعرق بـ«تعدي الدغل» كجزء من عملية التصحر.
دور التقنية العلمية
مهما تكن فائدة المؤشرات الشعبية فهي تبقى محدودة ضمن مناطق معينة، لكن الرصد العلمي يتيح رؤية الصور بشكل أوسع وأكبر، كما يسمح بوضع مخططات للاتجاهات العامة للتطورات العامة إقليميا وقوميا وحتى عالميا، فالعلماء يعتمدون على الجمع بين أجهزة القياس المقامة على الأرض ن وعلى أجهزة الاستشعار عن بعد وبالدرجة الأولى على أجهزة الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض في تعقب التغيرات التي قد تقدو إلى التصحر.
الأقمار الصناعية
هذه التكنولوجيا تمكنا من تعيين المناطق المعرضة للتصحر والتنبؤ بظواهر الطقس التي قد تسبب الجفاف، ومن هذه الأجهزة «الراديوميتر» المتقدم المحمول فضائيا للانعطاس والإرسال الحراري ASTER، كما يمكننا قياس سرعة انصراف المياه عن السطح والتبخر من الأجسام المائية ومن تعرق النباتات ويعتبر أكثر الأجهزة قيمة من ناحية عملية احتساب مخاطر التصحر هو جهاز «الرايوميتر المتقدم العالي الوضح جداً» AVHRR الذي يقيس الأشعة تحت الحمراء وشبه تحت الحمراء التي تعكسها النباتات وعندما يجري ذلك ينتج نوعا من مؤشر الإخضرار الذي يتيح للعلماء والباحثين تحديد كمية وحيوية النبات عبر الكرة الأرضية.
ولكن حتى صور الأقمار الصناعية لها حدودها فهذا التصوير لن يحل محل المراقبة القائمة على الأرض، فالدراسات الميداينة قاردة على تأكيد المعلومات الواردة من الأقمار الصناعية، أو على كشف الفجوات في تلك المعلومات.
المعلومات الجغرافية
هذه الأداة تتيح للعلماء للعمل على معطيات قائمة على الأرض كما من مصادر قمرية، للحصول على صورة لكيفية تأثيرات العمل المشترك لمختلف القوى في كبح التصحر، فباستخدام برامج كمبيوتر متقدمة جدا يستطيع الخبراء وضع خريطة عامة أساسية للأراضي، فجمع العديد من المعطيات من عدد من المصادر تتم معالجتها وتحويلها إلى صورة ورسوم بيانية وجداول لتوفر لنا معلومات تفهم من خلالها تردي حال الأرض والتصحر والمناخ والكوارث الطبيعية وأي شي متغير على الأرض.
واستخدام العلماء لنظم المعلومات الجغرافية بالإضافة إلى خرائط التربة والمعطيات عن درجة الحرارة ورطوبة التربة المستقاة من 25000 محطة رصد أرضية حول العالم، لتحديد مناطق التوتر المعرضة للتصحر وبالتالي للنزاعات الاجتماعية التي قد يساعد التصحر في تفجيرها، فتقريبا %75 من سكان العالم يعيشون في مناطق لا تملك القدرة العالية على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية.
الاستفادة من المعطيات
إن جميع المعلومات التي تم الحصول عليها خلال السنوات الماضية أدت إلى اكتشافات مثيرة للاهتمام حول كيفية تأثير التصحر على البيئة حول العالم والتي دلت على أن الغبار الذي يولده تردي حال التربة ربما من الممكن أن يعجل عملية التصحر.
وخلصت لجنة مؤقتة حول أنظمة الإنذار المبكر والتي أنشئت بموجب معاهدة مكافحة التصحر إلى القول أن معلومات الإنذار المبكر حول الجفاف والتصحر لم تستعمل حتى الآن بصورة كافية في التخطيط القومي على المدى الطويل، غير أن القدرة على التنبؤ بالجفاف وبظواهر المناخ قبل حدوثها بستة أشهر تتيح للدول والمناطق الأخرى الاستعداد للجفاف الحاد وللنقص في المواد الغذائية الذي قد ينتج عنها. فعل سبيل المثال شبكة «أنظمة الإنذار المبكر للمجاعة» FEWS NET والتي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تجمع معطيات الأقمار الصناعية وتلك القائمة على الأرض حول الطقس والمحاصيل وأحوال الأراضي الحرجية وذلك لرصد تأثير التصحر وتقلبات المناخ، وبدورها تستخدم الشبكة تلك المعلومات لإنذار 17 دولة والعديد من المراكز الإقليمية في أفريقيا حول التهديدات المحتملة التي تواجه أمنها الغذائي لتعمل على تعزيز قدراتها في التعاطي مع الأزمات الغذائية.
في النهاية نقول أنه التحدي الأكبر يكمن بالنسبة للمجتمع الدولي في تنسيق الجهود على المدى الطويل لرصد البيئة الأرضية التي من خلالها من الممكن أن يكون هناك حلول للتقليل من آثار الآفة الصامتة وهي التصحر على الأراضي.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 102