صاحب متحف طبيعي خاص.. وبيئة لبنان أثرت إحساسه الفني
عمر زيدان: متحف الإنسان والطبيعة يجمع العصور السابقة في وقتنا الحالي
عنود القبندي
من وإلى الطبيعة.. سيمفونية حجرية.. مكان يجمع العصور الغابرة في مكان واحد يشرح فيها بما خلفته العصور من أحافير ودلائل لوجود حيوانات وحياة أخرى سابقة إلى أعمال الإنسان في وقتنا الحالي وهي الشظايا. متحف الإنسان والطبيعة في بلدة فالوغا اللبنانية الواقعة على ارتفاع 1710م، استغرق في إنشائه حتى الآن خمسة عشر سنة والعمل ما زال مستمرا به، يحتوي على متحجرات وصخور وأحافير نادرة تحاكي العصور الغابرة، تحيطه أشجار الصنوبر من كل جهة. الفنان التشكيلي العالمي والرسام والشاعر والباحث صاحب الأنامل السحرية عمر زيدان الأعور الذي نشأ وترعرع منذ الصغر على الإحساس بالفن وتذوقه التي أثرت فيه طبيعة لبنان اللامحدودة في أشكالها ومظاهرها الطبيعية، حول منزله الكائن في بلدة فالوغا اللبنانية إلى مشروع متحف أسماه متحف الإنسان والطبيعة، يضم في جوانبه مجموعة من أغلى الأحافير والصخور في لبنان، يحكي من خلالها تاريخا طبيعيا جغرافيا طويت صفحته منذ آلاف السنين، فهو منسق تجميلي للشئون البييئة حاصل عليها من هيئة الطوارئ الميدانية لشئون الطاقة والثروة المائية. عمل مبهر تلمع له الأعين من خلال تنسيقه ومحتوياته الثمينة والجهد الفردي الذي قام به الفنان، التقيت بهذا الفنان قبل 4 سنوات في مطعمه الصغير المختص بعمل الصاج في بلدة فالوغا ووعدته بلقاء صحفي ولم تشء الأقدار أن أتلتقي به إلا في الشهر السابق في نفس المكان والذي أصريت على زيارة هذا المتحف ولقاء عائلته الصغيرة، وأخذنا الحديث إلى الكثير والكثير عن أعماله وجولاته وجهوده في إقامة مثل هذا المتحف الرائع الذي أنصح الجيولوجين والبيئيين لزيارته والتعرف عليه، كما أود أن أتقدم بجزيل الشكر للفنان على سعة صدره واستقباله وكرمه اللامحدود من خلال زيارتي لمنزله وعلى إهدائه لي بعض الأحافير النادرة، وهنا نص اللقاء:
* متى ولدت فكرة بناء منزلك – المتحف؟
هذه الفكرة ولدت عندما كنت مهاجرا في الولايات المتحدة الأمريكية بأن أقيم مشروعا سياحيا مساهمة مني بإعادة القطاع السياحي في بلدتي، وبعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993 بعد أن قضيت ما يقارب 27 سنة درست فيها إدارة الأعمال وبعدها عملت هناك، وعدت إلى أرض الوطن بعدها رأيت منزلي قد شوه من آثار الشظايا والقذائف التي كانت شاهدا على الحرب فقد عملت على ترميمه وبعدها فكرت في إنشاء سور أو حائط للمنزل من بعض الصخور والأحافير المتنوعة التي كنت أجمعها ليتخطى منزلي الحرب ويسطع وسط بيوت قريتي. كنت أرسم صورا في خيالي للمنزل ولكن مع الارتقاء في العمل فكرت أن أحول هذا المنزل إلى متحف طبيعي يتكون في بنائه من الأحافير والصخور النادرة المتواجدة في جميع أنحاء لبنان والتي أوحت لي هذه الفكرة من خلال جولاتي في جبالها. إن منزلي ملك لكل اللبنانيين فقد جمعت صخوره وأحافيره من جميع أراضي لبنان.
وبدأت الخطوة الأولى أثناء تنزهي في أحد المناطق الطبيعية صادفت حجرا كبيرا فيه معالم رسم قلب غير واضح ولا تراها ربما إلا عين الفنان، فأحضرته إلى المنزل واستخدمت حجرا لنحته، ونحته بصعوبة إلى أن حصلت على شكل القلب، وعرضته عند مدخل المنزل. كان هذا القلب أول حجر أضعه في منزلي لكني وجدته وحيدا فبدأت أكسو الجدران حوله مستخدما الحجر الطبيعي دون أن أدخل عليه أي تعديلات.
* هل قام أحد بمساعدتك في هذا العمل؟
إن كل ما ترونه أقيم بمجهود فردي، فأنا الذي يتجول ويقوم بانتقاء الأحجار ويبحث عن الأحافير وأنا الذي أصنفها وأركب أشكالها وأنظفها بحجرة نفسها، وأعمل بيدي وبمجهود شخصي لا تدخل الآلة في أعمالي، فقط أعمل في الحجارة من الطبيعة وإلى الطبيعة.
* هل انتهى العمل بهذا المتحف؟
لم ينته العمل بهذا المتحف إلى الآن، ولكن لدي المواد الكافية من الحجارة والأحافير التي جمعتها وأنتقيتها قطعة قطعة لإنهاء هذا العمل ولكنها تحتاج إلى جهد كبير.
* من خلال جولتي في منزلك لاحظت وجود الكثير من الأحافير المتنوعة المستخدمة من قبلك في بناء هذا المتحف لأي عصر ترجع هذه الأحافير؟
إن الأحافير الموجودة لدي ترجع إلى العصر الجيولوجي الرابع التي يصل عمرها إلى أربعمائة مليون سنة، تبعا لدراسات أنجزت عليها خلال إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وقد أظهرتها كقيمة علمية بشكل فني.
* وما الهدف من إنشاء مثل هذا المتحف؟
أتمنى أن يكون هذا المتحف معلما سياحيا ومركزا للأبحاث العلمية في لبنان، وأن يكون موئلا لطلاب العلم والباحثين عن فرصة تأمل في متحف علمي ومعرض فني في كيفية توظيف الطبيعة في عمل علمي فني. إن الأحجار النادرة التي جمعتها خلال جولاتي التأملية في الجبال والأودية اللبنانية التي كنت أقصدها لاستلهم منها أفكارا لأعمالي الفنية التي غالبا ما تكون الطبيعة حاضرة فيها، تعتبر الآن مجموعة غنية من الأحافير وهي في الوقت عينة تمثل قيمة علمية كونها تشمل أصداف بحرية وغيرها من بقايا النباتات والحيوانات المتحجرة النادرة التي ترجع إلى عصور جيولوجية مختلفة.
* هل شاركت في معارض محلية أو دولية؟
تم استضافتي في الملتقى الأدبي بدعوة من الشاعرة أنصاف الأعور معضاد وبحضور نخبة من الشعراء والأدباء والفنانين ورئيس بلدية فالوغا والأعضاء. كما سجلت متحجراتي في «متحف المتحجرات» في بوسطن وفي «متحف العلم والصناعة» في فلوريدا الولايات المتحدة الأمريكية.
* وماذا عن لوحاتك الفنية؟
من بعض أعمالي الفنية في الرسم صنعت صورة لجبران خليل جبران من خيالي وأهديتها إلى مستشارة "ريغن" في البيت الأبيض. بالإضافة إلى أعمال فنية كثيرة منها معرض الصالة الزجاجية برعاية الوزير فتوش بالإضافة إلى المعرض الذي أقيم عام 2006 في ولاية فلوريدا والذي نال الكثير من الإعجاب، فلقد تصدرت أعمالي الفنية الصفحات الأولى للصحف الأمريكية إثر مشاركتي لمعارض الرسم الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية.
* وما هو حلمك بعد أن قضيت كل هذه الفترة في اعداد وتجهيز مثل هذا العمل الفني؟
أمتلك أرضا وأحلم بإنشاء متحف علمي طبيعي جيولوجي من خلال تمويل ما في يوم من الأيام وأن يصبح هذا المعلم أحد المعالم البارزة العلمية في جبل لبنان.
الأحافير والصخور في جولتي
تعرف الأحافير بأنها بقايا او آثار كائنات حية نباتية أو حيوانية كانت تعيش منذ آلاف أو ملايين السنين. بعض هذه الأحافير طبعة أوراق نبات أو أصداف أو هياكل، كانت قد حُفظت بعد موت الكائن الحي. وبعضها الآخر آثار ومسارات أقدام الحيوانات في الصخور الرسوبية. تشكلت هذه الأحافير من بقايا نباتات أو حيوانات طمرت في الرسوبيات مثل الطين أو الرمل المتجمع في قاع الأنهار والبحيرات والمستنقعات والبحار. وبعد مرور آلاف السنين، فإن ثقل الطبقات العليا الضاغطة على الطبقات السفلى يحولها إلى صخور. وهناك عدد قليل من الحفريات التي تمثل نباتات أو حيوانات كاملة لإنها حُفظت حفظا كاملا في جليد أو قطران أو إفرازات الأشجار المتجمدة. ومن خلال جولتي في متحفه وجدت التالي:
* لقد تنوعت الصخور والأحافير الموجودة وكانت لأحافير بحرية فوجدت أحافير لقواقع متنوعة جدا كما وجدت أحفورة الأمونيت ammonite التي عاشت خلال الحقبتين المبكرة والوسطى، والأمونيت اليوم هي من الفهارس الأحفورية الشائعة، حيث أنها هامة جدًا لأغراض توقيت الأحافير ومعرفة تاريخها وتستخدم بشكل خاص لتوقيت أحافير العصرين الجوراسي والطباشيري، ولهذا السبب فإن أحافيرها تعد بالغة الأهمية نظرًا إلى غناها في السجلات الأحفورية.
* وأيضا أحافير البلمانيت belmenite حيوان من الرأسقدميات، منقرض، عاش خلال حقب الحياة الوسطى.
* وأحافير الجاستروبودا gastropods
* ونجــم البحـر Astropecten matilijaensis.
* وقد شاهدت آثارا للكائنات الحية «الطبعات» Imprints للأسماك ولقواقع ومحاريات ونجم البحر وقنفذ البحر، ونعني بالطبعة هنا بأن تترك بعض الحيوانات طبعة أقدامها على المواد الرسوبية الطرية، وعندما تتصلد هذه الرواسب يحفظ الطبع كنوع من الأحافير.
* كما شاهدت ظاهرة الاستبدال المعدني أو الاحلال Replacement للترايلوبيت Trilobite وغيرها الكثير، ونعني هنا بالاستبدال المعدني بأن أصبحت نباتات وحيوانات كثيرة متأْحفرة بعد أن تسربت المياه المحتوية على معادن في مسام الأجزاء الأصلية الصلبة. ويسمى هذا الفعل بالتحجر. وفي العديد من هذه الحفريات فإن بعض المادة الصلبة إن لم يكن كلها قد أبقتها المعادن بل قوّتها وصلّبتها. وتسمى هذه العملية بالتمعدن. وقد أحضر الباحث هذه الأحفورة من المغرب العربي.
* وقد شاهدت بعضا من عظام الإنسان ولبعض الحيوانات ونيازك وشظايا وأخشاب متحجرة،.
* بالإضافة إلى العديد من الصخور النارية البركانية وهو البازلت Basalt وأيضا الكثير من الصخور الرسوبية والمتحولة، كذلك رأيت الكثير من الصخور المتعرقة والتي بينت بأن المنطقة تعرضت إلى حركات أرضية أدت إلى حدوث صدوع متفرقة في طبقات الصخور الأمر الذي أدى إلى وجود شقوق وصدوع بين الطبقات وعلى سطح الطبقات نفسها، ومع وجود عوامل التعرية أدى إلى ترسب الرمال في هذه الفوارق والشقوق ومع عوامل الشغط والحرارة أدى إلى انصهار المعادن المكونة بالتربة حيث ملأت هذه الفراغات على شكل عروق. وبعد حديثنا الطويل مع الشاعر والفنان قال لي بعضا من شعره الذي كتبه
بنيت بيتا من يتم الفن وهبات جنون بنيته من متحجرات أحافير شظايا وفنون
أدراجه ورد حجارته وعد تزينه صنوبر تفترش سقفه غيمة تحرسه النجوم
متحجرات تحاكي العصور الغابرة وشظايا تروي قصة استعمارات عابرة
لم يعد الفن يتيم لقد تبنته الشظايا وتبنته البقايا وتبنته الصخور
وتبنته أرزة فتية هي أدرى بهبات العواصف وللعواصف هبات جنون
بنيت وتمنيت تمنيت أن يزوره شاعر حبره دمع
من نهر الفرح ومن نهر الشجون وأن يزوره نحات يقول لي فر الازميل من يدي
عندما رأى العصور فر الازميل من يدي ولن يعود وأن يزوره فكر دون قيود وقلب دون حدود
وناي ترخى أنفاسه من السماء ومن السماء تعود ينام له الأطفال وتنهض له الأبطال
وترقص له الأشجار موسيقار دغدغة أوتاره أذن الخلود وأن يزوره رسام تواكب ريشته أجنحة الملائكة
ترفرف فوق قوس قزح على بحر من الألوان تعوم لترسم به عالم تحلق به عصافير المهج
حيث تبيت الشمس هناك حيث تبيت الأحلام وراء الشمس الليل هناك رمادي لكنها ساطعة هي النجوم
أول من قدم الصاج إلى العامة
وفي سنة 1993 أنشأت مقهى ومطعما على جسر فالوغا مقابل عين الفوارة بما أن الموقع مقابل العين الشهيرة التي يؤمها المئات يوميا من مختلف المناطق اللبنانية وما أن أطل الصاج منه حتى طارت الفكرة وغزت الفنادق والمطاعم والمقاهي في مختلف القرى والمدن اللبنانية وأصبحت مورد رزق شريف لعشرات الآلاف إن لم يكن أكثر.
المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 150