واحات خضراء قي صحراء الكويت
معالجة ما توصل إليه الغطاء النباتي من تراجع
الباحث/ مصطفى محمد ديب
أخذت مني الدراسات زمناً طويلاً من البحث المستفيض. والمراقبة الفعالة لتطور نمو النباتات في بيئاتها وخارج بيئاتها. وما هي العوامل الطبيعية. والعوامل المفتعلة التي حَدَّت من نموها وانتشارها. وانقراض العديد منها، تلك النباتات التي يمكن جمع بذورها، ونثرها في الصحراء قاطبة، وذلك قبل موسم الأمطار بقليل، أو مع سقوط الأمطار بواسطة ما، ولينبت منها ما ينبت، مع تكرار هذه العملية لسنوات عدة، في الأربعينات والخمسينات، والستينات وبداية السبعينات، ساعتئذ لا مانع من إطلاق بعض الماشية ترعى في مناطق تخصص لهذه الغاية، وبدورها تقوم بتزويد التربة بالأسمدة الطبيعية.
ومن الأعمال الضرورية التي يمكن لها أن تُحد من عملية التصحر وزحف الرمال، هو تجنيد طاقم من المتخصصين في جمع بذور النباتات من الصحراء، ويكون هذا الطاقم تابعا إما للجامعة، أو معهد الكويت للأبحاث العلمية، أو إلى الهيئة العامة للبيئة، أو الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية، بالإضافة إلى الاستعانة بجامعات ومعاهد أبحاث من دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر خصباً، لمعالجة ما توصل إليه الغطاء النباتي إلى ما هو عليه من تراجع.
انشاء الواحات
وثاني ما يجب عمله هو انشاء عدد من الواحات في مناطق متعددة من صحراء دولة الكويت، من أشجار بيئية وغيرها مدخلة قد أجري عليها تجارب، وثبتت صلاحيتها وجدارتها وتحملها للجفاف، وشدة الحر، وندرة المياه، وغير ذلك من عوامل طبيعية قاسية، وعوامل مفتعلة، مع حفر آبار ارتوازية تروى منها هذه الواحات، وفتح حفرة كبيرة واسعة، ضمن كل واحة تقام تتجمع فيها مياه الأمطار، طيلة موسم الأمطار، وإقامة مصدات للرياح من أشجار قوية تكون أكثر ملائمة لهذا الغرض، تحد من عملية التصحر وزحف الرمال، علما بأن عملية التصحر ظاهرة طبيعية تحصل في معظم صحاري العالم، تنتج عن انحباس الأمطار وندرتها لفترة طويلة من الزمن، وانعدام الأشجار والشجيرات إلى جانب الرعي الجائر، والقلع اللامسئول للشجيرات المعمرة، بقصد استعمالها كوقود للطبخ والتدفئة من قبل المخيمين في مشارق الصحراء ومغاربها، أو كعلف مثل شجيرات الثمام (panicum turgidum) وغيره من الشجيرات المماثلة، والدوس المستمر للنباتات الحولية التي كانت تحد من وقع خطورة هذه الظاهرة، التي مع مرور الزمن، قد تحول السهول المعشوشبة إلى كثبان من الرمال، وهروب بعض عناصر الحياة الفطرية إلى مناطق أكثر أمنا وملائمة، وأكثر كلأ حتى ولو قطعت الحدود إلى بلدان أخرى مجاورة، ففي كثير من صحاري العالم التي تشبه بطبيعتها هذه المنطقة، كافحوا عملية التصحر، بإقامة مصدات للرياح، وإنشاء واحات لتكون ملجأ لبعض عناصر الحياة الفطرية، كبعض الحيوانات والطيور المهاجرة والطيور المستوطنة.
أشجار بيئية
هناك أيضا قائمة بأسماء أشجار بيئية وغيرها مدخلة، يمكن الاستفادة منها إذا نوقشت ودرست دراسة وافية، فضعف الغطاء النباتي عامة قد يعرض التربة الصالحة للانجراف، والانجراف بحد ذاته لمن أخطر العوامل التي جعلت وتجعل الصحاري تمتد وتتوسع إلى كثير من الأراضي الزراعية، وأن التغيير الذي طرأ على عوامل البيئة التي تعيشها مجموعات نباتية، ولا بد لهذا التغيير إلا أن يحدث بالتعاقب، والتركيب النباتي لتلك المجموعات، وبالتالي يؤدي إلى التغيير الجذري الذي يستحيل فيه استمرار بعض الأجناس أو الأنواع أن تواصل تواجدها.
الرعي الجائر
إن الرعي الجائر أدى بالفعل إلى تقهقر الغطاء النباتي، وأدى أيضا إلى انجراف التربة التي أدت إلى إفقار هذا الغطاء من حيث الكم والنوع، وجميع هذه العوامل عملت مشتركة على الحد من كثرة النباتات الطبيعية وحدت من قدرتها الإنتاجية ومع مرور الزمن قلت نسبة الماشية التي تعيش عليها وقل السماد الطبيعي التي تعطيه الماشية للأرض.
وهكذا نرى أن انخفاض الغطاء النباتي من جهة ونقص عدد الماشية من جهة ثانية أدى إلى النقص بالمواد العضوية التي تفتقر إليها التربة فأثر على تركيبها الطبيعي وقدرتها على الامتصاص وأضعف خصوبتها وقدرتها الإنتاجية وهكذا اختل التوازن الثلاثي الذي قوامه الأرض، النبات والحيوان وسارت الحلقة التي تربط الأرض بالنبات، والنبات بالحيوان، والحيوان بالإنسان من سيء إلى أسوأ، وما زالت تسير في هذا الاتجاه، وأدى ذلك إلى خلق كثير من المشاكل التي تحتاج إلى حل.
فتحسين بنية المراعي الطبيعية تحتاج إلى مسح ودراسة، وأي تحسين لبنية الغطاء النباتي يحتاج إلى الإقدام والبدء بمسح مجموعاتها النباتية وبيئاتها المختلفة وتقييمها جميعا وأن جزءاً من هذه الأعمال قد بدأ بالفعل وبدأت معه الدراسات التمهيدية التي يرجى منها أن تستمر وتساعدنا بالمستقبل القريب على تكاثر وتجدد النباتات الطبيعية الصحراوية وان لم يتم العمل في تنفيذ تلك الدراسات ستبقى سجينة بين صفحات الأوراق وطيات الكتب.
وما نحتاج إليه من تلك الدراسات المسح الكلي للنباتات الطبيعية في صحراء الكويت وتحديد مواقعها وفوائدها المختلفة بالنسبة إلى التالي:
1- المراعي الطبيعية الصحراوية.
2- التحريج.
3- نباتات الزينة وخصائصها العطرية والطبية والتزيينية.
4- تثبيت الرمال ومكافحة التصحر.
5- الاستفادة من خصائص النباتات الوراثية في تحسينها وتهجينها لإيجاد الأنواع الأكثر قدرة على التكاثر والأكثر نفعا للتربة وخصوبتها.
6- الاستفادة الطبية من بعض الأنواع التي خضعت إلى تحاليل مخبرية ودلت على خصائصها الطبية لاحتوائها بعض القلويات التي تستعمل في حقل الطب عالميا، والعمل على تكاثرها.
الغطاء النباتي.. دراسة وحلول
إن دراسة المرحلة التي يمر فيها الغطاء النباتي، ودراسة الغطاء نفسه إن كان في الكويت أو غيرها لا بد أن يساعد على تفهم الاتجاه الذي يسير فيه، وأن يكشف الغطاء عن حلول لابطال مسببات التقهقر، وعكس اتجاهه، هذا إذا جندت لهذا الغرض جميع الطاقات والوسائل وفق سياسة علمية فنية حكيمة.
1. هناك عقبات أخرى تواجهنا في عملية تحسين المراعي الطبيعية، لا بد من الإشارة إليها وهي المتأتية من الإنسان والحيوان، والسبب أنه ما زال هناك فئة من البدو الرحل في البلاد العربية بأعداد لا يُستهان بها تتنقل من بلد إلى آخر عبر الحدود الإقليمية للدول العربية، سعياً وراء الخصب، فلو طبقت مثلا سياسة معينة للمراعي في بلد عربي ما، البلد ذات الطابع الصحراوي، فإن هذه المراعي لا بد أن تتعرض لغزوات عدة، أو الاستيطان من قبل فئة أخرى من البدو من بلد عربي مجاور.
كما أن تحسين أنواع ونوعية المواشي في الصحراء إن كان بالتهجين أو بالاستبدال يكاد يكون معدوماً، إن لم يكن مفقوداً بالمرة.
2. العقبات الجغرافية المناخية، وأعني بها المتعلقة بالأرض والجو، والأرض التي فقد خصوبتها من جراء عمليات الانجراف المزمنة، ولا يمكن إعادة الخصب إليها بالسهولة التي يتصورها بعضنا، فعودة الخصب والحياة الفطرية إليها تحتاج إلى جهد صادق متواصل خلال فترة زمنية طويلة جدا، ويعاد بناء التربة بإدخال النبات الذي يتجاوب ويتكيف مع تلك التربة التي فقد خصوبتها، والذي بوجوده فيها يساعد على إدخال نباتات أخرى معه، ربما كان له سابق وجود ثم انقرض وتنتهي هذه بالتالي في تكوين مجموعات نباتية متجانسة من حيث تقبلها للعيش معا، في بيئة ما من منطقة ما، والتي من شأنها أن تفيد التربة مع مرور السنين بالتحسن التدريجي الذي يطرأ عليها بإعادة المواد العضوية إليها، والتي تساعد على رفع مستوى الخصب فيها.
إن عوامل المناخ في الصحاري قاسية جدا، والنباتات الجديدة، أو الحديثة الإنبات نادرا ما تستطيع التغلب عليها، إلا إذا توافرت ظروف ملطفة كزيادة نسبة الأمطار في فترة معينة، متبوعة بحرارة معتدلة في فصل الحر، وأمطار متقدمة في أوائل الخريف، طبعا هذا بالنسبة للنباتات المعمرة، أما العقبات والمتعلقة منها باختيار النباتات فإنها تحتاج إلى دراسات متواصلة لأنواع من النباتات وبيئاتها المختلفة التي تعيش فيها، وما هي العوامل التي يمكن بها أن تتحمل وتتقبل العيش بمثل هذه الظروف المناخية القاسية.
3. إنشاء منظمة عربية علمية للأبحاث الصحراوية، على أن تكون محررة من الروتين الذي يعيق تحركات العاملين المجدين فيها، والباحثين الذين يدفعهم حبهم للأرض وما عليها من كائنات فطرية للتعامل معها على أسس علمية فعالة، وأن تتولى هذه المنظمة من ضمن اختصاصاتها الإشراف على أعمال معاهد الأبحاث الصحراوية الموجودة في دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان العربية الأخرى، وعلى تنسيق الأبحاث وإقامة الدورات العلمية في حقول البحث عن النباتات والحيوانات والزواحف والطيور والحشرات، وعلى تبادل المعلومات، ووضع الخطط والمشاريع للتطوير الشامل للثروة النباتية والحيوانية في المناطق الصحراوية وفي ضوء المعلومات، ووضع الخطط والمشاريع للتطوير الشامل للثروة النباتية والحيوانية في المناطق الصحراوية وفي ضوء المعلومات التي تتوافر، نتيجة للبحوث كنقطة انطلاق نحو تعمير ما يمكن تعميره من الصحاري العربية، واحتضان جميع الباحثين المستقلين الأكفاء، وشملهم بالعناية والرعاية، ومد يد المساعدة البناءة لهم، لتمكنهم من الاستمرار، ومواصلة أبحاثهم ودراساتهم الحقلية التي تعتبر العمود الفقري الذي يساعد على اكتشاف كل خبايا الطبيعة وخيراتها.
خرائط ومسوحات
فلنعد إلى المسح والدراسة بالقول إن جزءاً من هذه الأعمال قد بدأ بالفعل، وقد نتج عنه عدد ثلاث خرائط، لقد قمت بالبحث عنها وإعادة تصميمها وإخراجها بطريقة علمية مبسطة بما يتفق والهدف الذي أعيد طباعتها من أجله.
1. خريطة لمجموعات أراضي دولة الكويت، وهي عبارة عن خريطة جيولوجية شاملة لدولة الكويت، صدرت عن )وزارة التجارة والصناعة( كانت نتيجة لأبحاث قامت بها مؤسسة الأبحاث النمساوية، النمسا )1968(، وتشمل هذه الأبحاث دراسة جيولوجية الكويت، تاريخها طوبوغرافيتها، مناخها، التربة والغطاء النباتي، التراكم الطبيعي للطبقات الرسوبية للسطح، وعوامل التعرية التي أدت إلى بروز الصخور الرملية في جال الزور، واللياح وغيرها بتكوينات جميلة، مختلفة الأشكال، بفعل الأمطار الغزيرة، والعواصف الشديدة، إلى جانب البتروغرافيا )Petrography(، وهي وصف للصخور وتصنيفها، بالإضافة إلى تصنيف القواقع البحرية والرخويات البحــرية الحديثة التكـــوين، الســـوطيات )Flagellata(، والسياتوم أى الطحالب البحرية المجهرية.
2. خريطة للمجموعات الرئيسية للنباتات الصحراوية المعمرة في دولة الكويت، زودت بصور لنباتات هذه المجموعات الرئيسية للاستفادة منها بشكل أفضل.
3. خريطة لأهم المناطق الزراعية في دولة الكويت، والتي قامت بفرزها وتوزيعها الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية زودت أيضا بصور لأنواع الخضروات والفواكه التي تقوم بإنتاجها مزارع هذه المناطق، وتكون الخريطة قد أخرجت بحلة جديدة. والجدير بالذكر أن مجلس حماية البيئة آنذاك، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية قاما بمشروع توثيق وتقييم النباتات الطبيعية خلال فصل الربيع، وتحديد مواقعها على الخريطة، بسجل نباتات الكويت البرية، تأليف الدكتورة سميرة أحمد السيد عمر، وتصوير بدر الحجي، وكذلك الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية لها باع طويل في دراسة أشجار ونباتات الزينة والخضروات، ولها عدة مؤفات بأنواع وطرق الزراعة المختلفة، بالإضافة إلى تربية الدواجن بأنواعها، والماشية والمناحل، ويمكن أن يكون لها باع بالاشتراك مع معهد الكويت للأبحاث العلمية، والهيئة العامة للبيئة، وبتمويل من مؤسسة التقدم العلمي في إقامة هذه المحميات والواحات ومصدات الرياح التي اقترحت إقامتها في صحراء دولة الكويت، فأعود وأكرر قولي إن المفهوم الحقيقي للمحميات هي أن تكون صحراء الكويت كلها محميات.
مكافحة التصحر
وأضيف بالقول إن للأشجار والشجيرات والآجام، أهمية كبرى في مكافحة التصحر، وصد الرياح، وعلاج التوازن البيئي، والصحي والغذائي، وأضيف أيضا أنه لمن أهم مالياً ما يأخذ على عاتقه الإنسان إنشاء محمية، غرس شجرة، ونثر بذرة في أرض جرداء لا نبت فيها ولا زرع ولا شجر، وعلاج جرح ومريض، وإطعام جائع، وفك ضائقة معوز، وتنظيف مكان ملوث، وتعبيد طريق في مكان يصعب السير فيه، فيحسن بذلك من مقومات بيئته، ويحد من تدهور مواقعها، وانتشار الأمراض فيها وبذلك تحيا الأرض بعد موتها، لأن الشجرة عنصر هام جداً في التوازن البيئي، الصحي، الغذائي والجمالي، وهي إحدى الركائز الأساسية لهذا التوازن.
دراسات صحراوية
إن دراسات النباتات الصحراوية أينما كانت في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي في مصر أو سوريا أو غيرها من البلدان العربية هي عمل هام للغاية وحاجتنا إلى الكثير من تلك الدراسات مطلب أساسي للحصول على مزيد من المعلومات عن هذه النباتات التي استطاعت أن تستمر رغم ما تتعرض له من رعي ودوس وقلع وتواصل عيشها في عوامل طبيعية قاسية جدا، والنباتات المتبقية في الصحاري حتى اليوم والتي تعرضت لعوامل مختلفة تعتبر حصيلة اختيار طبيعي جرت خلال مئات القرون وفهمنا لها يعتبر الخطوة الأولى في تقدمنا نحو قهر الصحراء.
ولا شك أن هذه الدراسات قد تفيد إلى حد بعيد في اختيار الأنواع التي ستدخل تجربة عكس التطور الذي يسير فيها من سيئ إلى اسوأ وسيجعل من هذه المحاولة أكثر واقعية هذا إذا توافرت لهذه النباتات الحماية والوقاية اللازمين ويستفاد من خصائصها الوراثية في عملية التحسين والتهجين إذا أردنا أن نعكس هذا التطور السيئ للغطاء النباتي إذا كان في الكويت أو غيرها من البلدان العربية وتغيير اتجاهه فما علينا إلا أن نقوم بمسح ودراسة شاملين لجميع النباتات واختيار الأنواع ذات الصفات المميزة المرغوب فيها لشتى الأغراض والأهداف التي نسعى إليها حتى يجرى بعدئذ تحسينها وتهجينها واستخلاص أنواع جديدة تفيد في جعل هذه المحاولة أكثر فاعلية وأضمن نجاحاً.كما علينا أن نضع الأنظمة والتشريعات في جميع البلدان العربية التي تضمن للنباتات الطبيعية الوقاية والحماية المطلوبة لتكاثرها، وتعطل الوضع الاجتماعي السائد حاليا بين شعوب الصحاري المتنقلة، وذلك عن طريق خلق وضع جديد يجعل من أي نظام يسن، أو تشريع يوضع أن يكونا عمليين وذات فاعلية، ويكونا موضع التنفيذ.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 145