بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الحياة الفطرية

تدمير البيئات الطبيعية

القضاء علي الحياة الفطرية.. نزيف مادي وإخلال بالتوازن

نيبال نخال

دائما ما يردد ناشطو حماية البيئة حول العالم عبارة شهيرة تلخص ما يعنيه انقراض نوع من أنواع الحيوانات أو النباتات هذه العبارة هي (Extinction For-ever) والتي تعني أن الانقراض عملية أبدية لا يمكن عكس مسارها بعد ما تصل إلي محطتها النهاية المتمثلة في الاختفاء التام لنوع من أنواع الحياة وحيث لا يمكن بعدها استرجاع النوع المفترض بعد أن تتمكن ظلمات الفناء من طي وجوده إلي الأبد.

ولكن إذا ما كان الجنس البشري غير قادر علي إعادة ما فني وانقرض من حيوانات ونباتات فمازال يمكنه أن يقوم بما هو ضروري من إجراءات واحتياطات تمنع اختفاء المزيد من أنواع الحياة وخصوصا تلك الأنواع المعرضة حاليا لأكبر التهديدات لبقائها ووجودها ولكن قبل الدخول في ما يمكن للجنس البشري أن يفعله لوقف النزيف المستمر والخسارة المتزايدة لأنواع الحياة يجب أن ندرك مدي فداحة الخطر الذي يواجه التنوع البيولوجي (Bio-diversity) علي الأرض والتي تمثل الكوكب الوحيد المؤكد وجود حياة عليه من بين مليارات الكواكب الأخرى.

فداحة هذا الخطر وحجمه أظهرهما بوضوح وبشكل جلي تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئية (United Na-tion Environment program) والمعروف اختصارا بـ (Unep) والذي أشار إلي أن واحدا من كل أربعة من الحيوانات الثديية التي تجوب الأرض حاليا يواجه خطر الانقراض والاختفاء تماما من علي سطح الأرض خلال الثلاثين عامل المقبلة وأشار التقرير أيضا إلي أن أكثر من 11 ألف نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض بما في ذلك حوالي ألف حيوان ثدني ونوع من كل ثمانية أنواع من الطيور وأكثر من 5 آلاف نوع من أنواع النباتات ومن ضمن هذه الحيوانات المهددة بالانقراض توجد بعض الأمثلة الشهيرة والتي وصلت إلي مرحلة القضايا العالمية مثل وحيد القرن الأسود والنمر السيبيري بالإضافة إلي حيوانات أخرى كثيرة لا تلقي الاهتمام نفسه من وسائل الإعلام الدولية مثل النسر الفلبيني والفهد الآسيوي.

ويلقي التقرير الذي تأسست توقعاته علي دراسة النمط السائد من تدمير للبيئة الطبيعية خلال العقود الثلاثة الماضية باللوم علي سببين رئيسيين خلف الزيادة الرهيبة والمطردة في إعداد الكائنات الحية المهددة بالانقراض وهما تدمير البيئة المعيشية (Habitat) لتلك الحيوانات وعمليات نقل أنواع من الكائنات الحية من مناطق بيئتها الطبيعية إلي مناطق جديدة لم تكن موجودة فيها سابقا أبدا مما يخل بالتوازن البيئي في هذه المناطق الجديدة ويعل من الصعب علي الحيوانات التي كانت تقطنها الحيوانات التي كانت تقطنها أساسا الاستمرار في البقاء.

وبما أن هذين العاملين الرئيسيين المسببين لكل ما حدث من انقراض لأنواع الكائنات الحية خلال العقود الثلاثة الأخيرة مازالا موجودين بل تزداد وطأتهما وقدرتهما علي التدمير بمرور الأيام فمن المتوقع أن يتسببا في المزيد من الانقراض والفناء التام لأعداد هائلة من الحيوانات والنباتات فالتوسع العمراني والتوسع الزراعي لايزالان يسببان الكثير من الضغوط والتآكل في البيئات الطبيعية وفي الغابات التي تقطنها هذه الكائنات الحية وهما العاملان اللذان يضاعف من تأثيرها التجفيف المتعمد لأراضي المستنقعات والتلوث الصناعي المستمر بالعديد من المركبات الكيماوية.

وقد يبدو للبعض أن عملية الانقراض هذه مسألة ليست حيوية بالنسبة للكثير من المجتمعات البشرية وخصوصا تلك التي تصارع نفسها من أجل البقاء أو أنها قضية يعني أكثر بها الأثرياء من محبي الحيوانات الذين حلت جميع مشكلاتهم ولم يبق ليؤرقهم غير خطر انقراض النمر الآسيوي أو النسر الفلبيني.

هذا الاعتقاد السائد هو بالتحديد أكبر المشكلات التي تواجه المدافعين عن البيئة والعاملين علي درء خطر الانقراض للعديد من أنواع الحياة ويمكن ببساطة دحض هذا الاعتقاد علي العديد من المستويات بإظهار الثمن البيولوجي والاقتصادي الناتج عن الانقراض فعلي المستوي البيولوجي يجب أن ندرك أن كل حيوان أو نبات يتعرض لخطر الانقراض هو في الواقع تركيبة جينية وراثية فريدة استغرق تكوينها علي الشكل الذي نراه حاليا مئات الملايين من السنين.

التوازن البيئي

ويعتبر وجود هذا الحيوان أو النبات عاملا مهما ومؤثرا في الحفاظ علي التوازن البيئي بأكمله في المنطقة التي يعيش فيها ولذا يشكل اختفاء هذا الحيوان أو النبات اختلالا شديدا في بيئته يمتد تأثيره إلي جميع الكائنات الحية التي تقطن المنطقة نفسها من حيوانات ونباتات بما في ذلك الإنسان نفسه وهناك العشرات من الأمثلة التي أختل فيها التوازن البيئي في منطقة ما بسبب انقراض حيوان أو نبات معين منها بسبب تصرفات الإنسان في الغالب ولم تنجح أبدا أية محاولات لاحقة لاستعادة هذا التوازن يتطلب استعادة ذلك الحيوان المنقرض بحد ذاته وما يحمله معه من عادات غذائية واجتماعية بما في ذلك ما يشكله كمصدر غذاء لحيوانات أخرى في ذلك النظام البيئي المستقر سابقا والمختل حاليا إلي الأبد.

هذا عن التكلفة البيولوجية البيئية المصاحبة لانقراض نوع من أنواع الحياة أما عن التأثيرات الاقتصادية فقد أظهرتها بشكل واضح دراسة أخرى نشرت مؤخرا في المجلة العلمية (Science وأجرها مجموعة من الباحثين البريطانيين والأمريكيين بدعم من الحكومة البريطانية(Royal Society for The Pro-Tection of Birds) والجمعية الملكية لحماية الطيور وتخلص هذه الدراسة إلي حقيقة مهمة وفريدة في مفهومها وهي أن العائد النقدي من حماية المناطق الطبيعية يزيد بأضعاف عما يتحقق من أرباح مالية نتيجة تطوير هذه المناطق وتحويلها إلي مناطق سكنية ومنتجعات سياحية.

خسارة كبيرة

وقبل شرح هذا المفهوم الجديد يجب أن نتوقف قليلاً عند مصطلح تطوير (Develop-ment) وهو اللفظ اللغوي الشائع عند تحويل المناطق سكنية أو صناعية وبصراحة لا يتضح للمدقق كيف يسمي ما يحدث (تطويرا) لهذه المناطق بتحويلها إلي كتل خراسانية تفضيل بينها مساحات سوداء من الإسفلت فمعني التطوير أنك بدأت بشيء متخلف أو رجعي وحولته إلي ما هو أفضل ولذا ربما يجب أن يستبدل هذا اللفظ والمترجم في جميع الكتابات قرينه في اللغة الإنجليزية بمصطلح خرسنة هذه المناطق وأن كانت قضية التسمية هي من الاختصاص الأصيل لخبراء اللغة العربية وعودة إلي تلك الدراسة يري القائمون بها أن الجنس البشري يخسر ما يوازي 250 مليار دولار سنويا من جراء تدمير البيئيات الطبيعية ولا تتوقف هذه الخسارة علي ما يوازي 250 مليار دولار سنويا من جراء تدمير البيئات الطبيعية فقط ولا تتوقف هذه الخسارة عند العام الذي دمرت فيه البيئة بل تتعداه إلي جميع السنوات اللاحقة وبذلك تتراكم الخسارة بشكل لا نهائي عبر مرور السنين ويقيس الباحثون القيمة الاقتصادية للنظم البيئية (Ec-osystems) من خلال الفوائد والمنافع التي توفرها مثل الحفاظ علي استقرار المناخ وتنقية وترشيح المياه والتكوين المستمر للتربة الملائمة للنباتات، وتوفير مستلزمات الحياة للعديد من أنواع النباتات والحيوانات.

خلاصة التطور

كل هذه الفوائد والمنافع لا تباع أو تشتري في الأسواق الاقتصادية المعتادة ولذا كان من الصعب وضع سعر يحدد قيمة كل منها ولذا قامت مجموعة من الاقتصاديين بوضع قيمة افتراضية لهذه الفوائد بناء علي التكلفة المالية التي يتطلبها استرجاع هذه الفوائد أو بناؤها من جديد وأيضا علي حسب ما يفترض أن المجتمعات البشرية علي استعداد لدفعه مقابل الحصول علي تلك الفوائد في بيئتها المحيطة والخلاصة بعد كل تلك الحسابات المالية المعقدة أن الباحثين اكتشفوا أن المناطق الطبيعية تفقد نصف قيمتها الاقتصادية بعد ما يتم تطويرها إلي مدن ومصانع واكتشفوا أيضا بعد دراسة خمس حالات مختلفة أن فقدان الفوائد التي كانت تقدمها هذه المناطق الطبيعية للمجتمعات البشرية المحيطة بها سابقا مل الحماية من العواصف والفيضانات وتنقية الهواء من ثاني أكسيد الكربون وما تقدمه من دخل مالي من خلال السياحة الطبيعية كان أكبر في القيمة الاقتصادية مما حققته تلك المجتمعات من خرسنة هذه المناطق.

وبهذا تكون هاتان الدراستان قد أكدتا أن مفاهيمنا في التعامل مع قضايا البيئة هي مفاهيم مبنية علي سوء إدراك سواء بما يشكله انقراض أنواع الحياة من خسارة أبدية للتنوع البيولوجي أو ما يسببه تحويل المناطق الطبيعية إلي كتل خرسانية من خسارة اقتصادية خفية.

دعوة لتفكير بيئي يحافظ علي الطبيعة

تهدف أفكار روبرت كوستانزا إلي تغيير أسلوب تفكير العالم إزاء الدمار في البيئة فقد استحدث كوستانزا عالم اقتصاديات البيئة قواعد يعتقد كثير من الخبراء أنها ستكون أساسا لفرع أكاديمي في العقود المقبلة ذلك أنه يسعي إلي حساب ثمن المكاسب التي يجنبها البشر من الطبيعة وبالتالي فهو حسب أيضا التكلفة الاقتصادية لتدمير الموارد الطبيعية ولكن ما يسترعي الانتباه أكثر هو الحجج التي يبدو أنها تدين إدانة دامغة نظاما اقتصاديا يتمتع فيه ملاك الأراضي من الأفراد والشركات بحرية استغلال الموارد الطبيعية بدون اعتبار التبعات الاقتصادية الحقيقية لأفعالهم ويقول خبير الاقتصاد المجدد أن الفضيحة المحاسبية يحق كوكبنا تجعل فضائح شركتي "إنرون و وورلد كوم" تتضائل لحد تافه.

وقد لفت كوستانزا الأنظار أول مرة عام 1997 عندما نشر مقالة أحدثت ضجة في مجلة "نيتشور" المعنية بالشؤون البيئية قدر فيها قيمة الخدمات التي تقدمها الطبيعة مثل التحكم الطبيعي في المناخ والحماية من العواصف والتحكم في التآكل وتكوين التربة طبيعيا ودورات الغذاء وخدمات التلقيح التي تقدمها الحشرات والطور وخدمات الإمداد الطبيعي بالمياه والغذاء والمواد الخام وإعادة تجديد الطبيعة لمواردها بنفسها والموارد الوراثية والفوائد الثقافية والعلمية وتراوح الرقم الذي توصل إليه بين 18 و 61 تريليون دولار سنويا ويقوم في المرحلة الراهنة ببحث تكلفة تدمير أنظمة البيئة ويقارنها بتكلفة حفظ البيئات الطبيعية للكائنات الحية ويقول كوستانزا من جهة نظر اقتصادية بحتة عندما تحافظ علي الطبيعة فإنك تجني علي الأقل مائة ضعف ما تنفقه وما يدعو للدهشة أن المبلغ المطلوب للمحافظة علي أراض برية وطبيعية شاسعة منخفض نسبيا ويقدر كوستانزا التكلفة السنوية للحفاظ علي 15 في المائة من الأراضي التي تعيش فيها الكائنات الحية علي البر و30 في المائة من المحيطات بما لا يزيد علي 45 مليار دولار سنويا وأما الخدمات الطبيعية التي يحصل عليها البشر من هذه المنطقة فقد قدرها بما يتراوح بين 4,5 و5,5 تريليون دولار سنويا.

إلا أن هيكل اقتصاد الشركات يمنع المجتمع في القيام بهذا الاستثمار المجدي حسبما يؤكد كوستانزا الذي قال أن في وسع الملاك من الأفراد أن يجنوا مكاسب خاصة وهو ليسوا مضطرين إلي دفع التكاليف الاجتماعية وأضاف ومن ثم فمن منطلق رؤيتهم الخاصة يبدو الأمر جيدا جدا من الوجهة الاقتصادية ولكنه يبدو سيئا جدا من الوجهة الاجتماعية معبرا عن اعتقاده أن الحل هو إرغام الشركات علي دفع التكاليف الاجتماعية والتي يمكن حاليا تقديرها بشيء من الدقة فعلي الرغم من قوانين منظمة التجارة العالمية التي وضعتها الدول الصناعية لحماية مصالحها تتناقض مع المبادئ التي أقرتها قمة ريو ومع نظريات قمة جوهانسبرغ.

أن الاهتمام العالمي بقضايا البيئة بات مسألة في غاية الأهمية خصوصا في ظل التغيرات المناخية التي ظهرت خلال الآونة الأخيرة وليس أدل علي ذلك من الفيضانات التي اجتاحت وسط أوربا خلال الشهر الداري ناهيك عن التقارير الصادرة عن المنظمة الدولية والتي تفيد بأن سكان العالم الذي يبلغ عددهم الآن ستة مليارات نسمة باتوا يستخدمون قدرا أكبر من موارد كوكب الأرض مقارنة بأي وقت مضي وأنه ما لم تتخذ إجراءات مهمة في هذا الخصوص فإن حجم الضرر الذي يلحق بالبيئة سيتضاعف لا محالة في ظل استمرار النمو المطرد لسكان العالم.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 54