بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

مياه العالم ستنخفض

مياه العالم ستنخفض بمعدل النصف بعد 13 عاما

نيبال نخال


إذا كانت كثرة المياه في بعض الأحيان سبباً للكوارث والفيضانات وغزارة الأمطار التي تضر بالزراعة والصناعة والتجارة وبقية قطاعات الإنتاج الأخرى، فأيضاً لم يعد خافياً على أحد على وجه الأرض مدى أهمية نقطة المياه لكثير من المناطق في العالم باعتبارها مصدر الحياة وأساسها، فمن دون المياه لن تشهد الشعوب تنمية أو تقدماً أو ازدهاراً.

ويجمع الخبراء على أن هناك علاقة بين توافر المياه سواء على شكل ينابيع أو أنهار وبين التقدم والازدهار لكثير من الأمم والشعوب عبر التاريخ القديم والحديث، ولعل أبلغ دليل على ذلك الحضارات العالمية التي نشأت على ضفاف الأنهار الكبيرة في العالم، خاصة حضارة وادي النيل، وحضارة دجلة والفرات، والحضارة الهندية، والحضارة الأمريكية.

لذلك أصبحت إدارة المياه وتحسينها أمراً ملحاً لجميع الشعوب خاصة أن عدد سكان الأرض الذي تجاوز الآن ستة مليار نسمة في ازدياد مستمر، وبالتالي يقل نصيب الفرد م المياه يوماً بعد يوم، ربما يصل نسيبه من المياه فيما بعد إلى الصفر.

وأصبح الأمر يتطلب زيادة تنسيق علاقات التعاون والشراكة القائمة بين الشعوب المتقدمة والنامية في مجال حماية الموارد المائية واستثمار ثورة المياه في تعزيز التنمية المستدامة وتسخيرها من أجل مصلحة البشرية وتأمين مياه الشرب لجميع سكان الأرض.

وإذا وصلت البشرية إلى مرحلة قلة المياه وندرتها فإن أكثر من 2,4مليار نسمة (أي أكثر من ثلث سكان العالم) سيواجهون مشكلات صحية خطيرة بالإضافة إلى أن برامج وخطط التنمية المستدامة ستواجه كثيراً من المشكلات والمخاطر والتحديات التي لا تحمد عقباها، لذلك تتعالى الأصوات داخل أروقة المؤسسات الدولية المعنية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة التي تولى أنشطتها أهمية كبيرة بمجال المياه وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بغيينا التي تتضمن برامج التعاون التقني مع الدول الأعضاء ومشروعات تتعلق بتحلية المياه بالإضافة إلى برامج التقييم العالمي للمياه، تحذر من خطر ندرة المياه في العالم وتطالب مادامت صحة ملايين البشر ومصير الأمم والشعوب ونوعية الحياة في العالم مرهونة بمدى توافر المياه الصالحة للشرب.

فمن دون تحسين إدارة المياه وتخفيض التأثيرات السلبية، ومن دون تجنب إهدار المياه فإن هذه الثروة التي لا تقدر بمال ستصبح عرضه لخطر النضوب في المستقبل خاصة في الوقت الذي يزداد فيه عدد سكان العالم زيادة هائلة دون أن يتم توافر المياه كمصدر أساسي لحياتهم.

وجاء الاحتفال باليوم العالمي للمياه تحت شعار (المياه من أجل التنمية والتقدم) مختلفاً هذا العام حيث يأتي بعد إعلام الأمم المتحدة خلال قمة الألفية الثالثة التي انعقدت في نيويورك العام الماضي، وشارك فيها معظم زعماء دول العالم، والذي تضم تحذير دول العالم من أن الموارد المائية ستنخفض بمعدل النصف في عام 2015 وحيئذاك سعاني الملايين من البشر من مخاطر النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب.

وفي هذه السياق أكد مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا الدكتور محمد البرادعي أهمية دور العلوم وتطبيقاتها التكنولوجية في تحسين إدارة الموارد المائية، واستخدامها بطريقة معقولة ومقبولة، وأوضح أن منظمات الأمم المتحدة المتخصصة، وفي مقدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعمل على قدم وساق وبكل ما لديها من طاقات وإمكانات جل ال من أن الم من أجل مواجهة التحديات والمخاطر التي قد تنجم عن ندرة المياه في الكثير من المناطق التي تعاني الجفاف أصلاً.

لذلك تلعب التكنولوجيا النووية واستخدام الطاقة الذرية م خلال الوكالة دوراً اقتصادياً مهمة في تحلية المياه وإنتاج مياه الشرب في الدول النامية، وهو ما يتطلب ضرورة إعداد وتأهيل الكوادر من العلماء الشباب لإدارة وتحسين الموارد المائية مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات المناخية والتركيز على معالجة مشكلة ملوحة المياه وتأمين الكميات اللازمة من مياه الشرب ومياه الري ويأتي الاحتفال بيوم المياه قبل مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي سيعقد في شهر أغسطس المقبل بمدينة جوهانسبرج في جنوب أفريقيا حيث يتصدر موضوع المياه جدول أعمال هذه القمة.

وتعلو الصيحات المحذرة من نقص المياه الصالحة للشرب لاسيما في قارتي أفريقيا وآسيا وتطالب بالتعاون والتنسيق من أجل معالجة هذه المشكلة الخطيرة.

وهنا يشير الخبراء المتخصصون إلى أهمية دور الموارد المائية وتطويرها وتحقق التنمية المستدامة وتطبيق المبادئ السامية التي تضمنها إعلان الألفية الثالثة ولاسيما ما يتعلق منها بمكافحة الفقر، ومن أهم الهيئات الدولية المعنية بموضوع المياه بطريقة مباشرة هي برنامج التقييم العالمي للمياه التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وقد دعت أمانتها العامة إلى ضرورة تطوير الأدوات والمهارات اللازمة للتوصل إلى فهم أفضل للعمليات الأساسية والممارسات الإدارية والسياسات التي من شأنها المساعدة على تحسين نوعية موارد المياه العذبة في العالم، وتؤكد التقارير الدولية الصادرة عن برنامج تقييم المياه العالمي أن عدداً كبيراً من أهم العناصر الأساسية اللازمة لاستكمال صورة المياه في العالم يجب أن تأتي من الدول ذاتها، خاصة الدول النامية في أفريقيا وآسيا، التي قد تكون أولى الدول التي تستفيد من برنامج التقييم العالمي للمياه لأنها في غالب الأحوال تعتبر الأكثر تعرضاً لنقص المياه والقضايا المرتبطة بها.

كما تشدد التقارير على ضرورة التعاون المشترك بين جميع الدول على مختلف المستويات والأصعدة الثنائية والمتعددة الأطراف والإقليمية والدولية بهدف حماية الموارد المائية، وعدم إهدارها، وذلك من خلال البرامج والخطط التي تركز على أهمية دعم بناء القدرات المتخصصة في هذا القطاع الحيوي والحصول على الحصول على المساعدات التقنية وتحليل البيانات العملية حول مخزون المياه والينابيع والأنهار على المستويات الوطنية، وتتناول تلك التقارير سد الثغرات وإزالة العقبات التي تسهم في تفاقم مشكلة المياه في العالم وأهمها الحاجة إلى وجود بيانات شاملة وموثقة حول واقع ومستقبل الموارد المائية، خاصة في الدول النامية فضلاً عن وجود صعوبات في تحديد وتقييم ومقارنة المعلومات الواردة من مصادر وطنية ودولية.

وإذا تم إيجاد طرق لأزمة لسد كل هذه الثغرات فستظهر حينئذ صورة عالمية واضحة حول الموارد المائية ومخزونات المياه في باطن الأرض.

ولم تكن مفاجأة للبعض الذين يقدرون أهمية المياه في مسألة الاستقرار والأمن سواء على المستويات الوطنية أو الإقليمية أو حتى الدولية تلك التحذيرات التي انطلقت في السنوات الأخيرة خشية نشوب ما سمته حرب المياه في منطقة الشرق الأوسط أو في أفريقيا.

وحذر أحد الخبراء الاستراتيجيين السويسريين من أن الدوافع لن تكون سبباً للحرب في الشرق الأوسط في المستقبل، وهو التحذير نفسه الذي أطلقه الدكتور بطرس غالي عام 1987م.

فقد أشار هذا الخبير إلى أن الاهتمام تعاظم بمخزون المياه في المنطقة مع تزايد السكان والاستهلاك حتى أصبح الحصول على المياه والسيطرة على مصادرها أمراً يتعلق بالسياسات الأمنية لدول المنطقة.

كما أشار إلى أن الخطر يكمن من اعتماد إسرائيل على مياه نهر الأردن بينما لا تسيطر على كامل مناطقه،كما أن المستعمرين الإسرائيليين يستهلكون عشرة أضعاف المياه التي يستهلكها المزارعون الفلسطينيون في الضفة الغربية لنهر الأردن، أما محور الخطر وفقاً في مفتاح المياه في الشرق العربي وهو نهرا دجلة والفرات، ويقع هذا المفتاح في مناطق الأكراد التي تمثل مصدراً للقلاقل والخلاف بين تركيا والعراق وسوريا.

كما أن إسرائيل تدرك أهمية المياه جيداً كعنصر له وزنه في الصراع العربي الإسرائيلي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يؤكده تجمد مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل بسبب بحرية طبريا، كما يفسر سبب تدخل إسرائيل للقضاء على المشروع التركي الطموح في عهد رئيس الوزراء التركي تورجوت أوزال في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي لحل مشكلة المياه في الشرق الأوسط، وهو ما كان يسمى آنذاك أنبوب السلام الذي تعهدت بمقتضاه تركيا ببيع مياه نهري سبحان وجيهان العذبة إلى دول الخليج العربي مروراً بسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية، بعد أن هددت تلك أبيب بنسف الأنبوب إذا لم تكن من الدول المستفيدة منه، ولا تعبر المياه قضية الدول الفقيرة والنامية فقط بل تعتبر أيضاً تتسرب من الأنابيب التي تستخدم في النقل تكلف أوروبا نحو عشرة مليارات دولار سنوياً وفقاً لما أعلنته الأمم المتحدة وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها بسبب الملوثات العضوية التي تنتقل إلى مياه الشرب بسبب المصانع وتسبب الإصابة بمرض السرطان.

فأزمة المياه العذبة أزمة عالمية مزمنة واسعة الانتشار وتتفاقم باستمرار، لذلك يركز برنامج التقييم العالمي للمياه في تقرير له على أهمية النبات الحسنة وضمان المصالح المشتركة الوطنية والإقليمية والدولية كأفضل وسيلة لمواجهة قضية المياه باعتبارها قنبلة موقوته ستنفجر يوماً من الأيام إذا لم تتعاون الدول وتتكاتف من أجل مواجهة تلك المشكلة.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 43