المهندس محمد حافظ لـ " بيئتنا "
الشجر الأخضر صون للبيئة واستمرار للحياة
هالة صلاح الدين - القاهرة
إنها معبد الطبيعة.. ورمز الجمال الطبيعي.. ومصدر الإلهام الروحي.. ومصدر الألوان الطبيعية.. فلونها الأخضر يعبر عن استمرار الحياة.. ورغم أنها أضخم أفراد العائلة النباتية وأكبرها حجماً وأعلاها شأناً إلا أنها بطبيعتها زاهدة وكريمة.. شامخة ومتواضعة، لذا قدستها الشعوب القديمة.. ورفعت مكانتها الأديان السماوية، واحترمها وقدرها العلماء والمفكرون والمثقفون في كل زمان ومكان.
إنها "الشجرة" كما يصف جمالها وقيمتها المهندس المصري محمد حافظ أحد أقطاب مهندسي البيئة الخضراء، وواحد من أبرز أعضاء جمعية محبي الأشجار، والذي استهل حديثة عن الشجرة والطبيعة لـ "بيئتنا" قائلاً: "تعلمت أبجديات فنون الطبيعة أثناء دراستي لعلم التخطيط العمراني في جامعة درهام في انجلترا عام 1951 من خلال دراسة تاريخ المدن في مختلف عصور التاريخ، كما درست العلوم الإنسانية كعلم النفس، وكذلك الزراعة والجغرافيا والاقتصاد، وكانت دراسة فنون التخطيط العمراني ثرية جداً علمتني كيفية التعامل مع الطبيعة الخضراء البكر التي لم يمسها بشر. وتشجير المدن وكيفية التنسيق والتصميم".
قيمــة وجمــال
وعندما سألناه عن احترام الشعوب الغربية للشجرة والتشجير أجاب: "إن الطبيعة هناك تتخلل الحياة الإنسانية في كل مكان، وفي ربوع هذه الطبيعة الخضراء ولد حبي للطبيعة وعشقي للجمال لما وجدته فيها من قيمة وجمال خاصة الشجرة التي ضربت جذورها مكاناً كبيراً في تاريخ الشعوب القديمة والحديثة والمعاصرة.
فقد ورد ذكر الشجرة في 25 آية من آيات القرآن الكريم كما في قول الله (تعالى) من سورة الرحمن "والنجم والشجر يسجدان" كما ورد ذكر النخلة في 19 سورة من سوره في قول الله- سبحانه وتعالى- في سورة (يس الآية 33) "وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون".. وفي السنة المشرفة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أقل ما فيها ظلال وأكثرها ثمار".
ويحكي عن أحد حكماء مصر القدامى أن قال: "اصنع لنفسك حديقة وأغرس أشجاراً في كل أركانها، وأملأ يديك بكل الأزهار التي يقع عليها بصرك. فإنك لا تستطيع أن تنفصل عنها أبداً".
وقال القديس برنارد لأحد مريديه: "صدق تجاربي" ستجد الحياة السامية في الغابة لا في الكتاب".
كما قال عاشق الطبيعة الصوفي إسماعيل كامل: "الأشجار هي معابد الطبيعية، ويبعث العيش معها والتأمل فيها إلى سكينة في النفس قد يتجلى خلالها نور الوعي".
أما علماء النفس فقد وجدوا أن للغابات تأثيراً على أخلاق الشعوب والارتقاء بالذوق العام وتوفير الهدوء النفسي والطمأنينة".
خمـس فوائـد
فما هي فوائد الشجرة التي نالت كل هذه المكانة بين الشعوب؟
هناك خمس فوائد للأشجار هي أولاً: بيئية حيث تساعد على ضبط النظام المائي وحفظ التربة ومنع انجرافها، وتحسين التربة بواسطة أوراقها المتساقطة، وصون التنوع الأحيائي في منظومة البيئة الكاملة، والإسهام في الإقلال من ارتفاع درجة التدفئة، وحماية الأرض الزراعية من فقدان الطبقة الفوقية الثمينة، والحد من أخطار التصحر وكبح تمدد الصحراء، وتهيئة المأوى الصالح للحيوانات البرية والطيور لضبط تكاثر الحشرات والديدان.
وفوائد عمرانية وجمالية حيث أنها تحمي المدن والتجمعات والمجاورات السكنية الموجودة على مشارف الصحراء، ووقف زحف المباني خارج الحيز العمراني، ومنع نشوء العشوائيات، وفصل المناطق الصناعية فصلاً طبيعياً عن المناطق السكنية في مجموعة كافية من الأشجار للحد من أضرار الصناعة، وإضفاء الجمال والبهجة في شوارع المدن وحدائقها العامة والخاصة، والإقلال من حدة الألوان البنائية، وتوفير الظلال وحماية السيارات في أماكن انتظارها وملء الفراغات بين المباني المنفصلة التي تقام على حدود الطرق، أو في مجموعات والربط بينها طبيعياً والإقلال من تأثير الضوضاء وضجيج السيارات.
أما الفوائد الصحية فهي تنمية الهواء من الغازات السامة، فالشجرة الواحدة. كاملة النمو- تعطي أكسجيناً كافياً لحوالي عشرة أشخاص تمتص نحو 50 كيلو غراماً من غاز ثاني أكسيد الكربون، وتنقية الجو من الغبار المتطاير وتحسين المناخ فضلاً عن توفير الظروف الصحية للسكان. إذ تقل أمراض العيون والصدر، كما أن لأوراق الأشجار قدرة على طرد الناموس كأشجار الكافور، وعلاج بعض الأمراض إذا ما استخدمت أوراقها في إنتاج الأدوية مثل العزوف عن التدخين عن طريق مضغ أوراق شجر الكافور بعد غسلها، كما كانت للغابات في بداية القرن العشرين أكبر الأثر في مقاومة مرض الملاريا في مدن الإسماعيلية ومنطقة قناة السويس في مصر.
وفوائد غذائية في إنتاج ثمار الفاكهة ذات القيمة الحيوية للإنسان، وإنتاج التمر والعجوة من نخيل البلح وهما غذاءان أساسيان في كثير من الدول العربية، واستخراج زيت الطعام، والاستفادة من ثمار الموز وغيرها في المناطق الاستوائية في الحصول على دقيق أو عجينة تستخدم في صناعة الخبز، كما تستخدم فروع الأشجار مثل البامبو اللينة في إعداد وجبات عام شهية.
وأخيراً فوائد اقتصادية وصناعية في توفير مصادر للدخل العام وإتاحة ملايين فرص العمل لأبناء الدول المتقدمة، وإنتاج الأخشاب بكافة أنواعها في عمليات التشييد والبناء، وفي صنع الأثاث والورق والألياف، والسفن والقوارب، وفي استخلاص العسل والخل والكحول والصمغ والمطاط والزيوت والجلوكوز، وإنتاج المبيدات الحيوية غير الضارة، وإنتاج حطب الوقود والفحم النباتي والسماد العضوي من الأشجار.
أنــواع وألــوان
لكن هل تختلف أنواع وألوان وأحجام الأشجار من منطقة إلى أخرى؟
نعم .. فلكل منطقة ما يلائمها من الأشجار، فالمناخ العام ودرجة الحرارة ودرجة التبخر ونوع التربة وطبوغرافية الموقع ومعدل سقوط الأمطار وطبيعة النمو من العوامل الأساسية لاختيار نوع الأشجار، حيث تشمل طبيعة النمو الشكل العام (مستديراً أو مخروطياً)، وحجم الأشجار (صغيرة أو متوسطة أو كبيرة)، ونظام تفريعها واتجاه نمو فروعها سواء كانت قائمة إلى أعلى أو أفقية أو متعامدة على الساق أو متدلية.
والأشجار إما متساقطة أو مستديمة الخضرة والمستديمة الخضرة إما أوارقها أبرية أو عريضة.
والأشجار المخروطية ذات الأوراق الأبرية تصلح كأشجار للتربة لجمالها واستمرار تأثيرها طوال السنة، وعادة ما تترك لتنمو طبيعياً دون حاجة إلى التقليم سواء كانت منتظمة الشكل أو غير منتظمة كما تصلح لأغراض التنسيق الطبيعي أو الحدائقي.
والأشجار مستديمة الخضرة ذات الأوراق العريضة أو الطويلة فهي تظهر باسقة جميلة طوال فصول السنة، وتناسب المسطحات الكبيرة والحدائق العامة، ويصلح بعضها لتثبيت جول الترع والقنوات المائية وعلى جانبي الطرق الزراعية.
أما الأشجار متساقطة الأوراق خلال فصل الشتاء فغالباً ما تكون مزهرة في باقي الفصول، وهي تنمو في شوارع المدن وفي التجمعات السكنية وأماكن الترفية والترويح وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات الداخلية.
رغم كل هذه الفوائد والقيمة والجمال ما الذي جنته الأشجار حتى أصبحنا لا نهتم بزراعتها؟
إن نسبة نمو الأشجار في كل دول العالم تتراوح بين 4,3% باستثناء اليابان، يث تزيد نسبتها على 10% كما ورد في بعض المصادر الرسمية، فقد دخلت الأشجار عصر الندرة مثل الأشياء القيمة، فثلاثة أرباع الكرة الأرضية الآن عاربة من الأشجار، فحتى منتصف القرن العشرين كانت الأشجار تظلنا جميعا ما عدا الصحاري والمناطق القطبية الصحاري والمناطق القطبية، وتعدنا بالخيرات وتساعد على النقاء من التلوث، ولكنها مثل باقي الكائنات الحية تعرضت إلى أمراض الأرض مثل الجفاف والتناقص المتزايد مع انخفاض معدل التجشير وانجراف التربة واختلال التنوع الأحيائي، وهذه أهم أسباب تواري الغطاء النباتي عن سطح الأرض من أضخم أفراد العائل النباتية "الشجرة".
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 44