حيوانات تبحث عن هويتها!
سليمان الشراد
من السهل ملاحظة أن الحيوانات تختلف عن بعضها، ولكنها قد تتشابه في بعض الصفات الواضحة. فلاختلاف بينها يضع كلا منها في نوع خاص. أما التشابه فيضعها في مجموعة واحدة من أنواع متشابهة تسمى الجنس، فنجد مثلاً أن الاسم العلمي للأسد هو فيليس ليو Felis Leo والنمر المخطط هو فيليس تيجريس Felis tigris والنمر الارقط هو فيليس باردوس Felis Pardus. وكلمة فيليس هذه هي اسم الجنس، بينما الكلمات ليو وتيجريس وباردوس اسم من النوع أو الاسم الخاص، ومن الغريب أن ينتمي لنفس الجنس، القط المستأنس، فيليس دوميستيكا Felis Domestica إذ على الرغم من أنه أصغر بكثير من الوحوش الثلاثة، إلا أنه يتشابه معهم في كثير من الصفات.
ويرجع الفضل لهذا النظام التصنيفي إلى كارلوس لينيوس Linnaeus (1778- 1701) عالم التاريخ الطبيعي السويدي المشهور، ويعرف هذا النظام بنظام التسمية الثنائية، وذلك بإعطاء الحيوان اسماً مركباً من شقين، الأول ويرمز إلى الجنس والثاني إلى النوع، ويبدأ الجنس بحرف كبير لا يستخدم للنوع مثل كلمتي فيليس ليو Felis Leo وجمع كلمة جنس يكون أجناس. أما النوع فلا يجمع (في اللغة الإنجليزية).
وفي الماضي كانت المملكة الحيوانية تقسم إلى قسمين، الفقاريات Verteb أو الحيوانات التي لها عمود فقاري، واللافقاريات Inverteb التي تفتقر إلى عمود فقاري، ولازالت هذه المصطلحات تستخدم عند الضرورة، وحالياً يعتمد التصنيف على نظام أدق في طبيعته، فتبعاً للتصنيف الحديث، تنقسم المملكة الحيوانية إلى أوليات Protozoa أو حيوانات جسمها مكون من خلية واحدة فقط، وبعديات Metazoa يتركب فيها الجسم من خلايا عديدة قد يصل عددها إلى الآلاف أو الملايين.
وحينئذ، يلاحظ أن تصنيف الحيوانات في مجاميع Groups أو طوائف Categories تزداد حجماً باستمرار، وكل منها يتكون من وحدات Unites من الأنواع السابقة. فمثلاً يتكون الجنس Genus من عدد من الأنواع Species، والفصيلة Family من عدد من الأجناس Genera، والتربة Order من عدد الفصائل... الخ.
وتوضع الحيوانات في هذه الطوائف تبعاً لدى قرابتها لبعضها، وتتبع هذه القرابة من تركيبها.
التصنيف للحفاظ على التنوع
لم يبق في أوروبا حالياً سوى عالمين فقط يمكنها التعرف على أنواع ذبابة الخل التي يبلغ عددها 3000 نوع، وذلك على الرغم من كونها الأكثر استخداماً في تجارب البحث الوراثي، ولولا جهود باحثي مركز "أفري للأبحاث الوراثية" القريب من باريس، لما تم الانتباه إلى أن سمكة تجري عليها دراسات على المستوى العالمي ليست هي المطلوبة للدراسة.
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن علم التصنيف، والذي يعتبر أساساً لجميع العلوم الطبيعية منذ القرن الثامن عشر، بات يعتبر أسلوباً متقدماً وتم بالتالي إهماله.
ويقول مدير معهد التصنيف الباريسي إنه "بعد إبرام اتفاقية التنوع الحيوي في ري ودي جانيرو في البرازيل في عام 1992، سرعان ما تبينت استحالة تحقيق أهدافها من دون اعتماد منهج التصنيف".
ويمكن القول، أنه يستحيل الحفاظ على التنوع الحيوي، بما يعني ضمان بقاء الأنواع وعدم انقراضها بدون جداول تصنيفية واضحة ودقيقة.
وعلى سبيل المثال، فإن تقدير الأضرار التي يمكن أن تسببها حشرة ضارة غير مصنفة بصورة جيدة على المزروعات، مستحيل بقدر ما يتعذر، في غياب مرجع موثوق، كما أن تحديد ما إذا كانت حقيقة جلدية ضبطتها الجمارك قد صنعت من جلد حيوان مهدد بالانقراض أم لا.
وبالطبع، فإن الوضع بدأ يصبح أفضل حالاً، مع القيام أخيراً بإنشاء نظام بيانات عالمي حول التنوع الحيوي، وهو عبارة عن هيئة دولية مهمتها جمع ونشر المعلومات المتعلقة بنحو 1,8 مليون نوع، تمتد من البكتيريا إلى الحوت، عبر الإنترنت وبصورة مجانية، وذلك في موقع "سبيشيز 2000" (أنواع حية 2000).
إلا أن الحصول على المعلومات الجيدة المتوفرة ليس يسيرا، إذا إن موقع "سبيشيز" الذي يراد له أن يكون نواة المعطيات العالمية حول التنوع الحيوي يتضمن حالياً 220 ألف نوع، وكذلك 360 ألف مرادف 170 ألف اسم جنس.
ولاشك أن البحث عن معلومات عن نوع محدد يمكن بلوغها أحياناً من خلال إعطاء أسماء مترادفة لأنواع قريبة، ولهذا يتوجب "اختيار اسم واحد ثابت وغير مبهم" في تسمية الأنواع، من بين مترادفات عدة.
ولكن المشكلة الرئيسية ليست في نشر المعلومات المتوفرة وإنما في الحصول عليها، فقد تم وصف أقل من مليوني نوع حيواني. في حين أن عددها يقدر بنحو عشرة ملايين، وربما ما يفوق ذلك، لاسيما من الحشرات.
إن وضع قاعدة للبيانات لا يفي لوحده في تحقيق الغاية المنشودة، وإنما لابد من توفير التمويل اللازم لأفراد الأبحاث والدراسات بل وعمل الكثير والكثير حتى يمكن الكشف عن الفوارق والعلاقات ما بين العديد من الكائنات الحية المتنوعة.
وفي كل الأحوال تظل المشكلة قائمة، وهي أن العلماء لا يعرفون شيئاً عن ملايين الأنواع من الحشرات والحيوانات، وما يعرفونه لا يستطيعون تصنيفه وتبادل المعلومات عنه بسهولة!
التنوع الحيوي في دولة الكويت
على الرغم من فقر التنوع الحيوي في دولة الكويت، إلا أنه تتواجد أنواع عديدة من الأحياء البحرية والبرية التي لها مردود مباشر وغير مباشر، وتحتوي البيئة البرية على نحو 374 نوعاً من النباتات معظمها نباتات حولية يستفاد منها بالرعي. كما تحتوي الأراضي البرية أنواعاً عديدة من الطيور تقدر بنحو 350 نوعاً من 18 نوعاً مقيماً، وهناك 40 نوعاً من الزواحف، وأما الثدييات فيبلغ عددها نحو 82 نوعاً منها خمسة أنواع مهددة بالانقراض مثل الثعلب الحصني، والثعلب الأحمر، والضرنبول والقط البري والنمس، وأما البيئة البحرية فتشمل 250 نوعاً من الرخويات و200 نوع من Phytoplankton Zooplankton كما تشمل أكثر من 240 نوعاً من الأسماك، 95 منها تعيش في الشعاب المرجانية. كما تحتوي البيئة البحرية 105 أنواع من الأعشاب البحرية التي تم تصنيفها.
وتتوفر في دولة الكويت معلومات عديدة عن التنوع الحيوي وتحديداً في البيئة الصحراوية، ومن الضروري أن تحدد الثغرات وأن تجمع المعلومات ويتم إعداد قوائم كاملة بكل عناصر التنوع الحيوي الموجودة في البيئات المختلفة، ويتطلب ذلك تعريف ورصد الأنواع والنظم البيئية والعوائل والعشائر والعوامل الوراثية والجينات التي توصف بأن لها أهمية اجتماعية أو علمية أو اقتصادية، ويعتبر تجميع المعلومات عن المكونات المختلفة للتنوع الحيوي أساساً لوضع البرامج للمحافظة على التنوع الحيوي واستخدامه بشكل دائم، وذلك عند توجيه أنظمة الرصد نحو منهج في اتخاذ القرارات وطرق في التدبير تمكن من تنفيذ أهداف الإستراتيجية بصورة أكثر فاعلية، ومن الأولويات التي تتطلب اتخاذ إجراءات تنظيمية بصورة عاجلة على سبيل المثال مراقبة ورصد الوضع الراهن للمخزون السمكي، وكذلك إنتاج الغطاء النباتي للأراضي الرعوية.
إن المراقبة والرصد للتنوع الحيوي تعتبر ضرورية وتحديداً للأنواع المهددة بالانقراض، وتلك التي لها أهمية اجتماعية واقتصادية، وعند تجميع المعلومات وتحليلها وتقييم الوضع الراهن للأنواع وتحديد الأنشطة والعمليات المضرة التي تمثل تهديدات مباشرة للتنوع الحيوي، فسوف يؤمن ذلك بأن تكون جميع المعلومات متاحة لمتخذي القرار وقابلة للاستعمال من أجل الحفاظ على التنوع الحيوي واستخدام مكوناته على نحو دائم، وتجنب الآثار المعاكسة على التنوع الحيوي أو التقليل منها إلى أدنى حد.
وأخيراً لاشك أن هناك سعياً حثيثاً يتطلع له العلماء، حتى يمكن كشف ودراسة كل أنواع الأحياء المختلفة من حولنا، ولكن ذلك لن يتحقق بصورة صحيحة وناجحة إلا من خلال وضع جداول تصنيف شاملة وواضحة، وهو ما سيسهل تحديد هوية كل كائن على وجه البسيطة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 46