بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية

مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية

المنتدى العربي للبيئة والتنمية افتتح مؤتمره برعاية الرئيس اللبناني

تقرير " أفد " حول تغير المناخ : البلدان العربية الأكثر تأثرا

عنود القبندي

حذر تقرير «البيئة العربية: تغير المناخ»، الذي أطلقه المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» في افتتاح مؤتمره السنوي في بيروت الذي استمر على مدى يومين، من أن البلدان العربية هي في طليعة المناطق المهددة بتأثيرات تغير المناخ. فالوضع الحرج أصلاً لشح المياه في العالم العربي سيصل إلى مستويات خطيرة بحلول سنة 2025. وارتفاع مستويات البحار بمقدار متر واحد سيؤثر مباشرة على 41.500 كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية العربية، وعلى 3.2 % من سكان البلدان العربية بالمقارنة مع نسبة عالمية تبلغ 1.28 %. وسوف تتأثر صحة البشر بارتفاع درجات الحرارة، ويزداد تفشي الأمراض المعدية مثل الملاريا والبلهارسيا، وتزداد حالات الحساسية والأمراض الرئوية مع ارتفاع تركيزات ثنائي أكسيد الكربون واشتداد العواصف الرملية وتكرارها. ومع ازدياد قسوة الجفاف وتوسعه وتغير امتدادات الفصول قد تنخفض المحاصيل الزراعية إلى النصف، ما لم يتم تطوير واعتماد محاصيل تحتاج إلى مياه أقل وتتحمل ارتفاع مستويات الملوحة.

وسوف يتراجع «مؤشر السياحة» في أنحاء المنطقة بارتفاع معدل الحرارة، كما سيؤثر ابيضاض الشعاب المرجانية وتآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار على المراكز السياحية الساحلية. وسيؤدي ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين إلى انقراض ما يصل إلى 40 % من جميع الأنواع الحية. وقدر التقرير أن 75 % من المباني والبنى التحتية في المنطقة معرضة بشكل مباشر لتأثيرات تغير المناخ، وستكون الجزر الاصطناعية التي تبنى في بعض البلدان العربية من المواقع الأولى التي سيبتلعها ارتفاع مستويات البحار بسبب صغر حجمها وانخفاض علوها. وإذ نبه التقرير إلى ضرورة أن تأخذ شروط التطوير الساحلي تهديد ارتفاع مستويات البحار في الاعتبار، أشار إلى عدم تنفيذ برامج شاملة ومتكاملة لجعل البلدان العربية مهيأة لمواجهة تحديات تغير المناخ.

خيارات عربية

رحب أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب بالحضور قائلاً: «معنا اليوم، إلى جانب ثلاثين مسؤولا حكومياً ورئيساً لمنظمات إقليمية ودولية، قادة من 120 شركة، 45 جامعة ومركز أبحاث، 35 جمعية أهلية، 70 وسيلة إعلامية عالمية وعربية ومحلية. ومعنا أيضاً ممثلة أول كتلة برلمانية عربية بيئية، فاتن الشرقاوي، النائب في البرلمان التونسي، عن حزب الخضر للتقدم، العضو في المنتدى العربي للبيئة والتنمية، هذا الحزب الذي أوصل منذ أيام ستة نواب إلى المجلس التشريعي التونسي، لأول مرة وفق برنامج سياسي بيئي». وأمل صعب أن تقدم نقاشات المؤتمر خيارات سياسية تساعد البلدان العربية على أن تكون أطرافاً فاعلة في المفاوضات المقبلة المتعلقة بإبرام معاهدة تلي معاهدة كيوتو. وشكر هيئة البيئة ـ والتنمية، الراعي الرسمي للمؤتمر، وصندوق أوبك للتنمية الدولية لدعمه برامج المنتدى.

سياسات محددة

بعد عرض أول للفيلم الوثائقي «البحر والصحراء»، الذي أعده المنتدى حول أثر تغير المناخ على البلدان العربية، قدّم رئيس مجلس أمناء المنتدى الدكتور مصطفى كمال طلبه تقرير «البيئة العربية: تغير المناخ». فلفت إلى بعض الصعوبات التي واجهت معدي التقرير، ومنها: عجز شديد في البيانات والأرقام والمعلومات بسبب نقص محطات الرصد وضعف قواعد المعلومات، نقص واضح في فرق العلماء المؤهلين في مجالات الرصد وإعداد النماذج الرياضية ودراسات الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لتغير المناخ. ونوه إلى أننا لا نملك تنظيمات واضحة للتعامل مع قضية تغير المناخ، وبالتالي ليس لدينا سياسات عربية محددة للتعامل مع ما يهددنا من آثار مدمرة بسببه». كما دعا الدول العربية إلى تبادل المعلومات والبيانات والخبرات بدلاً من تكرار الجهود، وتفعيل ما اتفق عليه وزراء البيئة العرب في هذا الشأن وأمل «أن تقوم الدول العربية بدور ريادي بين الدول النامية للحوار مع الدول الصناعية على أسس من المنطق والعلم، وعرض أفكار قابلة للتنفيذ وليس مجرد اتخاذ مواقف متضادة».

 أول مدينة

وزير البيئة والمياه في الإمارات الدكتور راشد أحمد بن فهد رأى أن العالم أصبح على أتم الاستعداد لتبني الحلول المستدامة والمساعدة في الحد من تغير المناخ من خلال الاستثمارات النظيفة ورفع مستوى الوعي بضرورة تقليل البصمة الاستهلاكية. وأشار إلى بعض مساهمات الإمارات في مجال مكافحة تغير المناخ، ومنها استضافتها مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة )ايرينا(، وإنشاء شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» التي تقوم ببناء أول مدينة في العالم خالية من انبعاثات الكربون والنفايات بالاعتماد الكامل على مصادر الطاقة المتجددة، فضلاً عن مبادرات كالعمارة الخضراء وتطوير وسائل نقل مستدام، وإنشاء جائزة زايد لطاقة المستقبل. ودعا الوزير الإماراتي إلى توحيد الرؤية العربية «لنكون أكثر فاعلية ومشاركة مع العالم نحو إيجاد حلول مناسبة لظاهرة تغير المناخ»، لافتاً إلى أن «مستقبل عالمنا العربي مفعم بالأمل في المنافسة في سوق الطاقات البديلة التي تزخر بها دولنا، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح».

المواد الهيدروكربونية

وقال مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية )أوفيد( سليمان الحربش أن أوفيد ينظر إلى البيئة على أنها أحد الأركان الثلاثة للتنمية المستدامة، بالتساوي مع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، وهو يخصص 20 % من تعهداته لقطاع الطاقة الأحفورية والمتجددة. واعتبر أن المواد الهيدروكربونية أثمن بكثير من أن تحرق، حيث بالإمكان تحويلها إلى العديد من المنتجات العالية القيمة، إلا أن واقع التكنولوجيا اليوم يحتم وجودها بشكل أساسي في خدمة قطاع النقل والكهرباء. ولفت إلى أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع من دول الأوبك أن تلبي 86 % من الطلب الإضافي على النفط حتى 2030، وهذا يتطلب ضرورة التحرك بهدوء نحو تنويع مصادر الطاقة بما في ذلك الطاقة المتجددة.

واختتمت جلسة الافتتاح بالإعلان الشبابي حول تغير المناخ، الذي ألقاه طلاب مجموعة مدارس «أمسي» الدولية الصديقة للبيئة. ومما جاء فيه: «الأرض، هذا الفردوس الذي نعيش فيه، يواجه تغيرات كارثية. لقد اختل توازنه، وتغير المناخ يضربه بعنف. ولكن ما زال هناك أمل. علينا أن نعمل الآن. لقد بدأنا المسيرة في أمسي. الوقت يمضي. ساعدونا لكي نصنع فرقاً. علمونا. تحركوا الآن». 

جهود الحكومات

بعد جلسة الافتتاح، قدم أمين عام المنتدى نجيب صعب نتائج استطلاع الرأي العام العربي حول تغير المناخ، الذي أجراه المنتدى في 19 بلداً عربياً كجزء من تقريره السنوي. بينت نتائج الاستطلاع أن 98 % تعتقد أن المناخ يتغير، واعتبر 89 % أن ذلك ناتج من نشاطات بشرية، بما فيها الاستعمال المفرط للطاقة واستنزاف الموارد. واعتبر 51 % من المشاركين في الاستطلاع أن الحكومات لا تقوم بما يكفي للتصدي للمشكلة. وبلغت نسبة الذين قالوا إن تغير المناخ يشكل تحدياً جدياً لبلادهم 84 % على مستوى المنطقة. والجدير بالملاحظة أن أكثر من 94 % يعتقدون أن بلدانهم سوف تستفيد من المشاركة في الجهد العالمي للتعامل مع تغير المناخ، وتعهد 93 % بالمشاركة في عمل شخصي لخفض مساهمتهم في المشكلة.

وعرض الدكتور إبراهيم عبد الجليل، مدير برنامج الإدارة البيئية في جامعة الخليج العربي في البحرين، الجهود العربية للتخفيف من مسببات تغير المناخ. فمع أن البلدان العربية تساهم بأقل من 5 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ( الدفيئة )في الغلاف الجوي، عليها أن تباشر جهوداً تخفيفية كجزء من جهد عالمي. وينفذ كثير من البلدان العربية مجموعة من السياسات والتدابير الصديقة للمناخ. ومن الأمثلة المحددة استخدامات طاقة الرياح على المستوى التجاري في مصر، واستعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتسخين المياه في فلسطين وتونس والمغرب، واعتماد الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل في مصر، وأول مشاريع الطاقة الشمسية المركزة في مصر وتونس والمغرب والجزائر، وأول مجلسين عربيين للأبنية الخضراء في الإمارات ومصر، وبرنامج التحريج الضخم في الإمارات، والمدينة الأولى الخالية تماماً من الكربون «مصدر» في أبوظبي، والمشروع الرائد لاحتجاز الكربون وتخزينه في الجزائر، واعتماد إعفاءات من الرسوم والضرائب في الأردن لتشجيع استعمال السيارات الهجينة «هايبريد». لكن غالبية هذه المبادرات مجزأة ولا يبدو أنها تنفذ كجزء من إطار سياسي شامل على المستوى الوطني، ناهيك عن المستوى الإقليمي. وفي تطور واعد بشكل خاص، اختارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ( IRENA )، التي تم تأسيسها حديثاً، مدينة مصدر في أبوظبي مقراً لها. ولا تنحصر أهمية هذا الخيار في انعكاسه على العالم النامي برمته، بل يؤمل أن يفضي أيضاً إلى أبحاث جوهرية واستثمارات في الطاقة المتجددة في الإقليم العربي.

والبلدان العربية لها مصلحة خاصة في الدفع بقوة للوصول إلى اتفاقية قوية تشمل تشكيلة من التدابير الصارمة لتخفيف تغير المناخ والتكيف معه، والأهم من ذلك ضمان مساعدة مالية وتقنية للذين يحتاجونها لتحقيق أهدافهم. والحكومات العربية، كدلالة على رغبتها بالمشاركة في الجهود العالمية للحد من تغير المناخ، يمكنها التشديد على تطوير تكنولوجيات الطاقة النظيفة، خصوصاً في ضوء وفرة موارد الطاقة المتجددة المتاحة في العالم العربي، وبالتحديد طاقة الشمس والرياح والمياه. ونظراً لأهمية صناعة الوقود الأحفوري في الإقليم العربي، فإن للبلدان العربية مصلحة خاصة في المساعدة على تطوير تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه للمساعدة في مقايضة الانبعاثات نتيجة استعمال الوقود الأحفوري.

ارتفاع البحار

خصصت جلسات في اليوم الأول  من المؤتمر لتقديم تقرير «أفد» حول أثر تغير المناخ على البلدان العربية، الذي كتب فصوله نخبة من الاختصاصيين العرب. كما عقدت جلسة حوار بعنوان «بحار ترتفع وصحراء تمتد»، ترأسها الدكتور راشد بن فهد وزير البيئة والمياه في الإمارات، وتحدث فيها الدكتور فاروق الباز مدير مركز علوم الفضاء في جامعة بوسطن، والدكتور عتيق رحمن رئيس شبكة تغير المناخ لجنوب آسيا، والدكتور يوبا سوكونا المدير التنفيذي لمرصد الساحل والصحراء.

وبعد نقاش مفتوح قدمت الدكتورة إيمان غنيم، من مركز علوم الفضاء في جامعة بوسطن، عرضاً خاصاً عن تأثر البلدان العربية بتغير المناخ كما يشاهد من الفضاء. فبناء على صور فضائية حديثة عالية الجودة، تم للمرة الأولى تطوير سيناريوهات للآثار الممكنة لارتفاع مستوى البحار على الشواطئ العربية. واحتسبت المضاعفات على السكان والعمران والغطاء النباتي والمياه. وقد أنجز هذا العمل خصيصاً لتقرير «أفد» مركز علوم الفضاء في جامعة بوسطن بإدارة العالم الدكتور فاروق الباز.

السياسات المطلوبة من الدول العربية لمواجهة تغير المناخ، ومبادرة الاقتصاد العربي الأخضر التي أطلقها المنتدى

في اليوم التالي من المؤتمر عقدت جلسة تحت عنوان «نحو عالم أقل اعتماداً على الكربون»، أدارها مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية سليمان الحربش. وعرض الدكتور محمد العشري، عضو اللجنة الدولية للمناخ والتنمية، خيارات عربية لسياسات الاقتصاد النظيف، فاعتبر أن هناك اليوم فرصة سانحة لمواجهة تغير المناخ وفي الوقت نفسه التصدي لتحديات التمويل والوظائف والطاقة والصحة والمياه والغذاء التي يواجهها العالم حالياً. وقد بلغت الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة 155 مليار دولار عام 2008. ومؤخراً أعلنت مجموعة شركات ومصارف أوروبية كبرى مشروعاً ضخماً لإنتاج 300 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية الحرارية في صحراء شمال إفريقيا العربية وتصديرها إلى أوروبا. ودعا العشري العرب إلى انتهاز الفرصة للاستثمار في المستقبل بأخذ موقع قيادي في ميدان الطاقة النظيفة.

وتحدثت كارول سانفورد، رئيسة المجموعة الدولية للاقتصاد التنموي، عن التحول من الكربون الحيادي إلى الكربون الإيجابي. وأشار المستشار الاقتصادي الدكتور مروان إسكندر إلى أن البلدان العربية تملك 60 % من احتياطات النفط العالمية، لكنها لا تزود أكثر من 22 % من الاستهلاك النفطي العالمي. ودعا البلدان العربية إلى دعم إنتاج تقرير حول انبعاثات غازات الاحتباس الحراري )الدفيئة( والتنمية في العالم العربي شبيه بتقرير ستيرن العالمي الذي صدر عام 2006 بتفويض من الحكومة البريطانية. وبعد نقاش مفتوح، قدم عرضان خاصان عن وضع البيئة العربية وعن تغذية شبكة الكهرباء في أبوظبي بإمدادات الطاقة الشمسية.

وكانت مبادرة الاقتصاد العربي الأخضر التي أطلقها المنتدى العربي للبيئة والتنمية محور جلسة ترأسها وزير البيئة الأردني خالد ايراني. وتحدث فيها حسين أباظة رئيس قسم التجارة والاقتصاد في برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن الفرص والتحديات في العالم العربي، وكارول سانفورد عن اقتصاد الاستدامة، وبشار زيتون مدير برنامج المسؤولية البيئية في «أفد». وعرضت تجارب عملية لشركات رائدة في تطبيق برامج الاقتصاد الأخضر لمواجهة تغير المناخ. وعقد بعد الظهر نقاش مفتوح مع وزراء البيئة والطاقة المشاركين.

التوصيات

لقد جاءت توصيات المؤتمر بالموافقة على ما ذكره تقرير «أفد» من أن البلدان العربية هي من المناطق الأكثر تعرضاً للتأثيرات السلبية المحتملة لتغير المناخ، وأبرزها الإجهاد المائي، وتراجع إنتاج الغذاء، وتأثيرات ارتفاع مستوى البحار، وخسارة التنوع البيولوجي، وتردي الصحة البشرية، وأن في الدول العربية ضعفاً في قواعد البيانات وفرق العلماء المتخصصين في قضايا تغير المناخ. ودعا المؤتمر الحكومات العربية إلى تحديد أهداف واضحة لخفض الانبعاثات وتطوير وتنفيذ خطط تنموية وطنية لتحقيق ذلك.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 120