تقرير الأرض : سكان الأرض مدينون بيئيا
داود سليمان الشراد
أكد تقرير منظمات ذات علاقة بالشأن البيئي أن كوكب الأرض مهدد بانهيار بيئي شبيه بأزمة القروض المنعدمة التي يشهدها العالم. وأشار «جيمس ليب» المدير العام لصندوق الطبيعة العالمي، إلى أنه إذا ما استمر استنزافنا للكوكب على هذه الوتيرة، فإننا سنحتاج إلى ما يعادل كوكبين بحجم كوكبنا، لمواصلة العيش بالطريقة التي نعيش عليها الآن. ويرى التقرير أن الاستنزاف الذي تتعرض له موارد الأرض الطبيعية، قد تجاوز إمكانياتها بما يقارب الثلث، وقد اشترك في إعداد التقرير الذي يحمل عنوان «تقرير الأرض»، ثلاث منظمات هي صندوق الطبيعة العالمي، وجمعية دراسة الحيوان بلندن، الشبكة العالمية لآثار التلوث. ويقول التقرير إن أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم يقطنون في بلدان حيث الاستهلاك يتجاوز قدرات التجدد والتعويض الطبيعية، وهذا ما يعني أنهم «مدينون بيئيون»، وأنهم يقترضون ويتجاوزون الرصيد المسموح به، فيما يتعلق بالأراضي الصالحة للزراعة والغابات والبحار وموارد بلدان أخرى. ويخلص التقرير إلى أن الاستهلاك المستهتر «للرأسمال الطبيعي»، يهدد مصير العالم ورخاءه، بما يجر ذلك من آثار اقتصادية من بينها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والماء والطاقة. وتتربع الولايات المتحدة والصين على رأس البلدان الأكثر استنزافا لموارد الأرض إذ تقدر نسبة أثارهما البيئية 40 %، ويّظهر التقرير أن الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة توجدان على رأس قائمة الدول الأكثر تلويثا من حيث الأشخاص، بينما تقع المالاوي وأفغانستان أسفل القائمة.
الغابات المحمية
وجاء في دراسة أعدها فريق تابع «لمنظمة الغابات والأخشاب الاستوائية» (ITTO)، إن نحو ثلثي الغابات المحمية في العالم، لم يتم فرض إجراءات الحماية عليها إلا خلال العقدين الماضيين بعد أن لحق بها كثير من التدمير. وكذلك أظهر مسحا لمساحات هائلة من الغابات الاستوائية تبلغ حوالي ملياري هكتار (الهكتار = 10000م²) منتشرة في 33 دولة، وتمثل المساحة التي شملتها الدراسة نحو ثلثي المساحة الإجمالية للغابات الاستوائية في العالم. ولقد تم في جميع تلك الغابات فرض الحماية عليها، وفقا لقرارات صادرة من الحكومات المحلية، أو عن طرق أصحابها أنفسهم، الذين يقومون باستثمار مواردها وفق ما يعرف بنظم «الإدارة المستدامة» أو بموجب قرار يعتبرها مواقع لحماية أنواع مهددة بالإنقراض؟؟ حيث يحظر ممارسة أية أنشطة بها، مع إمكانية السماح بتنظيم زيارات لها ما لم تتسبب في إلحاق أي ضرر بها.
وخلصت الدراسة التي وصفت بأنها الأكثر اتساعا على الإطلاق إلى أن أقل من 5% فقط من تلك الغابات المحمية خلال السنوات السابقة تتبع فيها نظم الإدارة المستدامة في حين أن النسبة المتبقية من الغابات الخاضعة للحماية لا تطبق تلك النظم.
جرف التربة
ومن المعروف أن تدهور الغطاء النباتي وخاصة في مناطق منابع الأنهار وخطوط تقاسم المياه قد أدى إلى حدوث جرف شديد للتربة وخاصة الطبقة العلوية الغنية بما يقلل من قيمتها الإنتاجية، وحتى نتبين خطورة جرف التربة العلوية وصعوبة تعويضها. إن العوامل الطبيعية في ظل الحماية النباتية تحتاج ما بين 100 – 400 سنة لتجديد 10 مم فقط، وتحتاج ما بين 2000 – 8500 سنة لتجديد تربة لعمق 250 مم ومن هذا المنطلق يعتبر جرف التربة مشكلة خطيرة جدا إذ أن ما يجرف منها على المدى المنظور تكون قد فقدناها إلى الأبد وحرمنا من دورها في الإنتاج الزراعي.
ولا تقتصر خطورة جرف التربة steep slope عند حد فقدانها لقيمتها الزراعية، وإنما يؤدي هذا الجرف إلى حدوث أبعاد بيئية خطيرة متمثلة في زيادة سرعة إطماء خزانات السدود وشبكات الري إضافة إلى القضاء على الشعاب المرجانية عند مصبات الأنهار.
ولا يقتصر خطورة تدمير الغطاء النباتي في مناطق منابع الأنهار عند جرف التربة وزيادة كمية المفتتات التي تحملها مياه الأنهار، وإنما تمتد الخطورة لتشمل أيضا حدوث فيضانات فجائية ومأساوية وبدأت تبرز بشكل واضح في السنوات الأخيرة منذ الستينات.
كما يؤدي تدمير الغطاء النباتي في مناطق المنابع إلى تغير وافساد نوعية المياه فقد أدى اجتثاث غابات الكافور Camphor من الهضبة الداخلية بين سلاسل الجبال الجنوبية الغربية في أستراليا بهدف إعداد مساحات أكبر للمراعي إلى ارتفاع محتويات الكلوريد Chloride في مياه الأنهار التي تنساب من حافات هذه الجبال ولما كانت هذه المياه تستخدم في ري بعض الأراضي الزراعية فقد أصيبت التربة بالتلوث الكلوريدي ويعني ذلك التجول في نوعية المياه أن الغطاء النباتي كان يحدث نوعا من الاعتدال في كمية الكلوريد التي يذيبها ماء المطر، وبإزالة الغطاء النباتي وتعرية الأرض زادت معدلات ذوبان الكلوريد وحدث التلوث المائي وما له من إبعاد بيئية خطيرة على الإنتاج الزراعي.
الإفراط في قطع الأشجار
وتتعرض الأشجار والشجيرات في معظم الدول النامية، التي تعاني من التصحر لخطر الإفراط في قطفها، فالأشجار لا تزال تمثل المصدر الرئيسي للوقود وبناء المساكن حيث ترتفع نسبة الأخشاب كمصدر للوقود في بعض البيئات لأكثر من 95 %.
ورغم أن الغابات الإستوائية تغطي 6-7 % من مساحة الأرض، إلا أنها تتقلص بمعدلات رهيبة سنويا، ويفيد المراقبون بأم مساحة الغابات الاستوائية التي يتم قطعها سنويا تتراوح بين 11- 15 مليون هكتار وأكدت دراسة (2001) إن 5 % فقط من الغابات الاستوائية تتلقى حماية من الدول التي تملك هذه الغابات وأن احتمال تدمير شامل لها وارد جدا.
إن نتائج تقطيع الأشجار في الغابات الإستوائية وخيمة على التنوع الوراثي للكائنات الحية، يؤكد الخبراء بأن تقليص مساحة الغابات بنسبة 10 % يعني تدمير 50 % من الكائنات الحية الموجودة فيها.
وهناك ولا شك نتائج سلبية أخرى لتقطيع الأشجار على البيئة إضافة لتدمير موائل الكائنات الحية مثل التصحر وانجراف التربة الخصبة والتأثير على دور الغابات في تنظيم المناخ وحماية مجمعات المياه التي تغذي أكبر أنهار العالم.
نظم فريدة
ويقول العلماء أن الغابات الإستوائية توفر نظما بيئية فريدة، التي تعد موئلا لكثير من الكائنات النادرة أو المعرضة للإنقراض سواء للأنواع النباتية أو الحيوانية بالإضافة إلى دورها الحيوي في الحد من تأثيرات ظاهرة التغيرات المناخية على البشر حيث تعتبر الغابات بالوعات الكربون مما يقلل من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 في الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.
ولك ينتبين مدى خطورة الإفراط في قطع الأشجار في شيوع الجفاف وانتشار التصحر، علينا أن نتذكر الدور المعم الذي تلعبه الأشجار في الدورة الهيدرولوجية من خلال النتح من ناحية، والألبيدو (درجة ارتداد موجات تحت الحمراء) من ناحية ثانية، إضافة إلى دور الأشجار في تثبيت التربة ومنع جرفها من ناحية ثالثة فإزالة الأشجار قد يفيد الزراعة والرعي لفترة قصيرة ولكن بعد ذلك يأخذ مستوى المياه الجوفية في الانخفاض وتبدأ الأرض عبر المحمية تتعرى وتصبح المنطقة أكثر جفافا وأكثر غبارا.
كما أن الإفراط في قطع الأخشاب في القارة الأفريقية لا يهدد فقط بانتشار التصحر وإنما بات يهدد أيضا بحدوث «مأساة طاقة» حيث غالبية سكان الريف الأفريقي ونسبة كبيرة من سكان مدنه يعتمدون على أخشاب الوقود كمصدر رئيسي للطاقة.
مردودات تدميرية
بجانب الأعداد الكبيرة من الأشجار التي يتم تدميرها تبرز الحرائق التي تنشب من حين لآخر كعامل آخر للتدمير، وليتبين لنا مدى الإفراط الذي يعاني منه الغطاء النباتي وما يصاحب هذا الإفراط من مردودات تدميرية للطاقة الحيوية للنظام التبيؤي وانتشار التصحر الذي يتمثل هنا في اختفاء الأشجار تقريبا وزحف الرمال التي طفت على المزارع والمساكن وآبار المياه.
وفي دراسة تبين فيها أن معدل استهلاك اليومي من الأخشاب يقدر بنحو 1كجم لكل شخص في المناطق الجافة وشبه الجافة ومن ثم فإن أسرة مكونة من 5 أفراد (الحد الأدنى في الدول النامية) تستهلك سنويا نحو 1500 كجم من الأخشاب فإذا أضفنا إلى هذه الكمية أيضا الأشجار التي تقلع بهدف تطهير الأرض وإعدادها للزراعة أو الأشجار التي تحرق لأدركنا مدى الضغط الذي تتعرض له النباتات في هذه المناطق بما يعجل حدوث التصحر وانتشاره.
وفي أفريقيا نجد أنها قد عانت إجمالا حيث يزيد صافي الخسائر من الغابات فيها على 4 ملايين هكتار سنويا وذلك خلال الفترة بين 2000 و2005 ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تحويل أراضي الغابات للاستغلال الزراعي علما بأن غطاء الغابات قد تراجع من 655.6 مليون هكتار إلى 635.4 مليون هكتار خلال الفترة المذكورة.
حرائق الغابات
وذكرت منظمة الفاو في 2006 أن حرائق الغابات تشكل عامل قلق آخر، حيث أن قارة أفريقيا تتصدر العالم في مجال حرائق الغابات لأسباب أهمها تتعلق بالممارسات التقليدية بيتحويل أراضي الغابات للزراعة أو للرعي.
ويعد عدد الحرائق مرتفعا بوجه خاص في الجزء الشمالي من انغولا وفي الإقليم الجنوبي من جمهورية الكونغو الديمقراطية زجنوبي السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، ورغم المشاكل حسب المنظمة فإن افريقيا قد حققت تقدما في مجال السياسات والبرامج ذات العلاقة بالغابات فقد وضعت أكثر من نصف البلدان الأفريقية سياسات وقوانين جديدة للغابات خلال السنوات الخمسة عشر المنصرمة وإن ثلثي تلك البلدان تتمتع ببرنامج وطني فعال لإدارة الغابات في الوقت الحاضر غير أن تنفيذ هذه الإجراءات وفرضها يبقى أمرا هشا لسبب رئيسي يتعلق بنقص التمويلات للمؤسسات الوطنية وضعفها.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن نقص الوقود الخشبي قد أدى إلى استخدام مخلفات (روث) الحيوانات كوقود، ففي الهند مثلا يستخدم ما بين 60 – 80 مليون طن من روث الحيوانات الجافة كوقود وهي تمثل 10 % من جملة الطاقة القومية المستخدمة، ولا شك أن استخدام روث الحيوانات كوقود قد أضر كثيرا بالإنتاج الزراعي زجعل التربة أكثر عرضة للتصحر وقد قدر أن الخسارة في الإنتاج الزراعي في كل من أفريقيا وآسيا والشرق الأدنى نتيجة استخدام روث الحيوانات كوقود تقدر بنحو 20 مليون طن.
الأمازون يعاني
تعتبر غابات الأمازون في البرازيل واحدة من الغابات التي تعاني الكثير والكثير من الويلات، وحتى الإجراءات السابقة يبدو أنه لم يكن لها أي تأثير في منع تدميرها، وقد اكتشف العلماء البرازيليون (2005) أثناء تصفحهم بعض الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية أن 25.500 كم² من غابات الأمازون قد اختفت عام 2002 وذلك بعد 12 عاما من تعهد العالم بتحسين أساليبه المدمرة في قمة الأرض التي عقدت في ريو دي جانيرو (البرازيل) وحظيت بضجة إعلامية شديدة، باءت الطرق البديلة بالفشل. إذ تبين أن الطرق الانتقائية لقطع الأخشاب أي تقليم الأخشاب مكتملة النمو من دون القضاء على الغابة مكلفة وغير فعالة، وحتى النشاطات الصادقة غير المضرة بالبيئة كجمع الفاكهة البرية والمطاط والجوز عبارة عن اقتراحات تؤدي إلى خسارة الكثير من الأموال وأسوأ من ذلك وقد حذر الصندوق العالمي للطبيعة «من أن الطلب المتنامي على العلاجات الطبيعية» دفع بـ 4000 إلى 10000 نبتة إلى شفير الإنقراض، فالمشروعات التجارية الناجحة تلحق ضررا كبيرا بالبراري في حين أن المشروعات الأقل ضررا بالبيئة لا تحافظ على الأشجار.
إن خلاص الأمازون يكمن في الجراحة الاستوائية الموجهة: حيث يقطع الخشب الثمين مثل الماهوغاني Mahogany والأرز بعناية لإتاحة المجال أمام أشجار جديدة لكي تنمو مستقبلا لقطعها من جديد.
وتبدو سجلات قطع الأشجار الموجهة في المناطق الاستوائية محبطة، وقد أعلن معهد أبحاث الأمازون القومي بالبرازيل أنه كان لا بد من رؤية أخشاب من الجيل الثاني والثالث والرابع في الأسواق الآن، لكن ليس هناك شيئا منها، والآن يتوجه الخشابون الآسيويون إلى البرازيل لأن مخزونهم قد نفذ ووحده حفنة من شركات قطع الأشجار الأمازونية وفت بمعايير الاستدامة الدولية وأحدها بدأت تفتقر إلى الأخشاب قبل دورة قطع الأخشاب المخطط لها على مدى 25 عاما. ويقول أحد علماء البيئة في معهد أبحاث الأمازون القومي أن بعد قطع تلك الأخشاب الكبيرة القيمة التي تبلغ عمرها 100 عام يصبح الأمر أكثر صعوبة، ولا عجب أن غالبية الخشب الذي يسقط في الغابة المطيرة مهرب.
وقد أعلنت البرازيل في سنة 2006 عن خطط لزيادة حماية غابات الأمازون المطيرة عبر زيادة المناطق المحمية على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وقال وزير البيئة البرازيلي أن بلاده ستعلن أكثر من 200 ألف كم² من الغابات المطيرة منطقة محمية وذلك خلال الأعوام الثلاثة المقبلة وذلك في إطار حملة لإبطاء تدمير أكبر حياة برية متبقية في العالم.
يذكر أن مساحة حوض الأمازون تقدر بنحو 4 ملايين كم² في البرازيل فيما يمتد أيضا في كل من بوليفيا والإكوادور وبيرو وكولومبيا وفنزويلا، وكانت غابات الأمازون المطيرة قد تعرضت إلى التدمير خلال العقود الماضية وفي العام 2003 وحده فقد الجزء البرازيلي من حوض الأمازون 23750كم² من الغابات.
غابات لصد الأمواج
نتيجة لدور الإنسان السلبي في تدمير الغابات، فإننا نلاحظ ذلك جليا نم بعد تأثيرا أمواج تسونامي (ديسمبر 2004) والتي كان لها أهمية خاصة بالنسبة إلى علماء البيئة والمهتمين بحمايتها، الذي يقولون أن لولا تدمير غابات القرم Mangrove والشعب المرجانية التي تكون حاجزا طبيعيا ضد الأمواج، فإن عدد القتلى ربما كان أدنى بكثير. إن بعض المناطق التي دمرت تدميرا هلائلا اهتمت بهذا الموضوع وقد وضعت استعادة أشجار القرم أهم أولوياتها فقد تعهدت اندونيسيا بغرس مساحة 600000 هكتار من الأراضي بأشجار القرم على طول ساحلها المدمر أما ولاية كيرلا الهندية فقد أعلنت عن إقامة حاجز واق من أشجار القرم، كما قام مسئولو الغابات في تايلاند وماليزيا وسيريلانكا بتقييم مشروعات مماثلة. إن المشكلة بالنسبة إلى فكرة خلق حواجز سواء كانت طبيعية أو غير ذلك للحماية ضد خطر تسونامي تبدو فكرة غير واقعية وذلك وفق آراء بعض العلماء.
وليس هناك من شك في أن أشجار القرم أنقذت بعض القرويين مثل أولئك الأشخاص في بعض جزر أندونيسيا التي نجت من الدمار الهائل رغم وجودها بالقرب من مركز الزلزال، ولا يمكن بأي حــــال تعميم ذلك بالنسبة إلــــى كـــــل الإقليم ولسبب واحـــــد هــــو أن أشجار القرم لا تنمو في كل المناطق وإن ما بين 10 – 12 % من الساحل الهندي و25 % من الساحل الأندونيسي، على سبيل المثال هو مكان طبيعي لنمو القرم. إذ كانت 20 % من تلك الغابات ضاعت نتيجة الصناعة بين عام 1980 و2000، كما يشير برنامج الغذاء والزراعة العالمي التابع للأمم المتحدة أو أنه حتى 50 % كما تصر بعض جماعات الحفاظ على البيئة فإن ذلك قد يجعل جزءا محدود جدا من الساحل عرضة للمخاطر.
إن الغابات لا يمكن غرسها في أي مكان، فقد فكرت الحكومة الأندونيسية في غرس حزام من الأشجار حول كل إقليم «آتشيه» الذي دمره تسونامي، إلا أن أشجار القرم تزدهر فقط في المناطق العالية ذات التربة المالحة والتي تكون عادة موقعا لدخول مياه مالحة وخروج مياه عذبة من الأنهار. وتلك الأشجار تموت في التربة الرملية التي تمثل الجزء الأكبر من تلك السواحل، إن محاولات عدة من جانب المنظمات غير الحكومية لغرس أشجار القرم في أندونيسيا فشلت.
ولاشك أن إعادة غرس أشجار القرم سيوفر مكانا لعيش الأسماك الصغيرة والسلطعون والروبيان والرخويات، كما أن ذلك سيوفر عشا لمئات الطيور وسيكون ملاذا للنمور الملكية البنغالية في الهند وبنغلادش وكذلك الحيوانات المهددة بالانقراض إن تلك أسباب كافية لغرس الأشجار.
المناخ والغابات
يرتبط تغير المناخ وبيئة الغابات ارتباطا لا ينفصم، فمن جانب يجهد التغير المناخي الغابات وبيئتها من خلال ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوية، وبفعل تبدل أنماط التهطل المطري وتكرر أحداث الطقس الأشد تطرفا، وفي الوقت ذاته فإن للغابات والأخشاب وظيفة أساسية في ابتلاع وخزن ثاني أكسيد الكربون CO2 مما ينهض بدور رئيسي في التخفيف من ظاهرة تغير المناخ، أما الوجه الآخر للعملة فيتضح في أن تدمير الغابات أو استغلالها فيما يفوق طاقاتها الطبيعية يمكن أن يجعل منها مصدرا متواصلا لإطلاق غاز الاحتباس الرئيسي أي ثاني أكسيد الكربون وإضافة نحو 6 مليارات طن من هذا الغاز إلى الأجواء كل سنة.
وتساعد الأشجار والغابات على تخفيف تلك التغيرات بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتحويله، من خلال عملية التمثيل الضوئي Phytosynthesis إلى كربون، إلى مختزن على هيئة خشب ونباتات ويطلق على هذه العملية تسمية «ابتلاع الكربون» وتتألف الأشجار عموما من نحو 20 % كربونا في تركيبها وبالإضافة إلى الأشجار ذاتها، فإن الكتلة تاعضوية الحية (الكتلة الحيوية Biomass) للغابات تؤدي أيضا دور «بالوعة الكربون» وعلى سبيل المثال تؤدي المادة العضوية في تربة الغابات – كالدبال Humus المنتج طبيعيا بفعل تحلل المادة العضوية – وظيفة «مخزن» للكربون أيضا.
وكنتيجة لذلك تخزن الغابات كمية هائلة من الكربون وفي المجموع طبقا للدراسات تخزن غابات العالم وتربة الغابات أكثر من تريليون طن حاليا من الكربون – أي ضعف الكمية الطليقة في الأجواء.
وفي 4 ابريل 2007 حذر «الصندوق الدولي للطبيعة» من أن التغير المناخي يهدد عشر مناطق أو أجناس حية تعتبر من الموجودات الطبيعية الهامة ومنها غابة الأمازون وحواجز المرجان.
وأشار برنامج المناخ في الصندوق عند عرضه لدراسة أجرتها المنظمة في بروكسل «من السلاحف إلى النمور، من صحراء شيواوا إلى الأمازون كل الكائنات والمواقع الطبيعية تلك مهددة بفعل الاحتباس الحراري الذي يهدد كذلك احتياطي المياه العذبة على الأرض».
إذ أن الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى تحول ما بين 30 إلى 60 % من غابات الأمازون التي تحوي 40000 نوع من النبات و 427 جنسا من الثديات إلى سهول قليلة النبات والأشجار.
التغيرات المناخية
وأشارت الدراسة إلى أن التغيرات المناخية تهدد أيضا غابات فالديفيان المعتدلة في تشيلي والأرجنتين حيث تنبت شجرة معروفة باسم «اليرس» وهي شجرة نادرة جدا تعمر ثلاثة آلاف سنة. كذلك أدرجت على لائحة المواقع المهددة صحراء شيواوا الممتدة بين الولايات المتحدة والمكسيك التي تؤوي 3500 نوع من النباتات وحيوانات نادرة.
أما في آسيا فإن الاحتباس الحراري يطاول الغابات الواقعة بين الهند وبنغلادس وهي أكبر غابات القرم في العالم وتعيش فيها أنواع نادرة من الحيوانات مثل نمور البنغال. وقد أبدى الصندوق مخاوف بشأن غابات سواحل شرق أفريقيا على طول كينيا وتنزانيا وموزمبيق. وأخيرا فقد تبين أنه يوجد في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبية نحو 1.3 مليار هكتار من الغابات التي تم إعلانها كمحميات طبيعية وفقا لنظم الإدارة المستدامة إلا أن ما يقارب 27 مليون هكتار فقط هي التي تخضع فعليا للحماية.
أما في منطقة آسيا والمحيط الهادي، تم إعلان الحماية على نحو 415 مليون هكتار من الغابات الاستوائية ولكن تخضع 48 مليون هكتار فقط منها، للحماية الفعلية.
وفي أفريقيا وجدت الدراسة أن 14.8 مليون هكتار فقط تخضع للحماية الفعلية ومن بين ما يزيد على 272 مليون هكتار معلنة كمحميات طبيعية، وتضم منظمة الغابات والأخشاب الاستوائية والتي يوجد مقرها في يوكوهوما باليابان وفي عضويتها 59 دولة يمثلون معظم الدول التي تحتوي أراضيها على غابات وتعمل منذ 1984 على تنظيم تجارة الأخشاب الاستوائية، وتم إنشاء هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة في عام 1986 بهدف تعزيز إجراءات حماية الغابات الاستوائية في مختلف أنحاء العالم.
وفي تقرير دولي حديث نشر في 13 مارس 2007 أشاد بالآثار الايجابية للتطو الاقتصادي والتسيير الحكيم للغابات كما سجل اعتماد أكثر من 100 دول لبرامج وطنية في إدارة الغابات.
وقد أبدت العديد من الدول، إرادة سياسية في تحسين أعداد الغابات وذلك بمراجعة السياسات والتشريعات ودعم مؤسساتها الغابية، كما سجل وجود اهتمام متزايد للمحافظة على التربة، الماء، التنوع الحيوي والعديد من الثروات البيئية غير أن الدول التي يتوجب عليها رفع التحديات الحقيقية من أجل تحقيق أعداد مستدامة للغابات هي ذاتها التي يسود عندها الفقر والاضطرابات الأهلية.
وتبلغ حاليا مساحة غطاء الغابات عبر العالم نحو 4 ملايين هكتار فقد منه 3 % ما بين سنة 1990 و 2005 أي هناك تراجع لهذه المساحة بمتوسط 0.2 % سنويا.
أكبر الخسائر
كما سجل بين سنتي 2000 و 2005 نمو مساحات التشجير لدى 57 دولة وتراجع عند 83 دولة أخــــرى وفي نفس تلك الفترة سجلت أكبر الخسائر فـــي الغــــابات عند 10 دول يتركــــز بها 80 % من الغابات الكبرى في العالم، والتي من بينها أندونيسيان المكسيك، غينيا الجديدة، والبرازيل في حين تقدر خسائر الغابات حاليا بــ 7.3 مليون هكتار سنويا أي نحو 20 ألف هكتار في اليوم الواحد.
ويؤكد التقدير، أن كلا من قارة أفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي، تعتبر من أكثر المناطق التي تتعرض لخسائر كبيرة في الغابات، فأفريقيا التي تمثل الغابات فيها 16 % من المساحة الكلية المشجرة فقدت أكثر من 9 % من غاباتعا بين سنتي 1990 و 2005، أما أمريكا اللاتينية والكاريبي والتي يوجد بها 47 % من غابات العالم فقد سجلت في نفس الفترة نموا في الفقد السنوي تراوح ما بين 0.46 و0.51 % أما بالنسبة للقارة الأوروبية وأمريكا الشمالية فقد سجل توسعا صافيا للمساحة الغابية بين سنتي 1990 و2005.
وفي قارة آسيا والمحيط الهادي، سجل ارتفاع في المساحة التي تم تشجيرها بين سنتي 2000 و2005 عاكسة بذلك التراجع التي عرفتها سابقا.
كوكب الأرض مهدد بانهيار بيئي
أظهرت الدراسات البيئية أن غالبية الغابات الاستوائية حول العالم، إن لم تكن جميعها تفتقد للإجراءات الفعالة والنظم الكفيلة بتوفير الحماية لها ضد المخاطر المتباينة التي تهدد بتناقص وجودها بمعدلات قياسية وغير مسبوقة.
ولا شك أن هناك عدد من الأخطار الذي يحلق بالغابات كالحرائق التي يمكن أن تعقد من وضعيتها، إذا ما كان هناك استمرار في الاحتباس الحراري، وهجمات الحشرات الضارة والأمراض كما أن وسائل النقل الحديثة والتجارة الدولية قد سهلت عملية تنقل وانتشار الآفات التي تصيب الغابات وبالطبع تمثل نشاطات وأفعال البشر السلبية العامل الأساسي في دمار الغابات.
إن الغطاء النباتي يتعرض بصفة خاصة إلى تناقص كبير في مساحته واستنزاف سريع لموارده مما يفقد البشرية الكثير من قيمته الاقتصادية والتبيؤية وما يصاحب ذلك من مشكلات عديدة. فإذا أخذنا الغابات المدارية المطيرة وهي أغنى الغابات وأكثرها تعرضا للتدمير نجد أنها تحرق أو تقطع في الومن الراهن بمعدل كبير وترى بعض التقديرات أنه إذا ما استمر هذا المعدل التدميري قائما، فإن هذا النوع من الغابات سيختفي لا محالة خلال فترة زمنية قصيرة جدا، وتشير بعض التقديرات أن ما يقع في المناطق المنخفضة والتي تعتبر أكثر قيمة وأغنى في التنوع النباتي والحيواني ستختفي في فترة زمنية تقل عن ذلك بكثير إذ يقدر أن مثل هذه الغابات الغنية (غابات المناطق المنخفضة) ربما تختفي تماما خلل عقد واحد فقط وسيصبح من المتعذر اتعادتها مرة أخرى ولاريب أن في هذا خسارة حيوية وجسيمة لا يمكن تقدير قيمتها.
وقد بلغ تدهور غابات الأخشاب اللينة درجة خطيرة أيضا في أمريكا الوسطى، ولما كانت أنواع أشجار الصنوبر الخاصة بهذه المناطق تمدنا الموروثات الخاصة ببرامج تهجين سلالات جديدة لتشجير الكثير من دول المناطق المدارية وشبة المدارية الأخرى، فإن تدميرها يعتبر ولا شك خسارة حيوية هائلة أيضا.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 109