امتداد تاريخي لصناعة الجلود
سحر خاص لمدابغ فاس المغربية
عنود القبندي
لا يزال أصحاب مهنة الدباغة يمارسون عملهم في الاستفادة من جلود الحيوانات في صناعة الجلود قرب نهر «فاس» في المملكة المغربية ويصبغون الخامات المستخدمة بأيديهم في براميل مصنوعة من الحجر كما اعتاد أن يفعل أسلافهم. ويعد قطاع الصناعة التقليدية المغربية ثاني أكبر مشغل لليد العاملة بالمملكة بعد الفلاحة،ونحن نلاحظ أن الكثير من المهن اليدوية اندثرت ومع غلاء المعيشة السائد في جميع بلدان العالم الأمر الذي يهدد بقرب اندثار مهارة متوارثة عبر قرون وصعوبة استقطاب اليد العاملة الشابة التي باتت تفضل العمل بمهن لها مدخول أفضل.
مدابغ «فاس» التاريخية
وللمغرب شهرة واسعة في صناعة الجلد إلى درجة أن هذه الحرفة الأصيلة والنبيلة أصبحت تحمل اسم المغرب(ماروكانري)، وهي حرفة ذات أصالة وعراقة ولها امتداد في تاريخ المغرب. وتستعمل في المصنوعات الجلدية جلود الخرفان والماعز والبقر والجمال بعد مرورها بعملية الدبغ. كما أن لرائحة مدابغ مدينة فاس المغربية سحر خاص يستوقف الزائر ويخرجه من سراديب المدينة العتيقة إلى فضاء أرحب لا يخلو من غرابة، فالعديد من العاملين لا يرتدون غير ملابسهم الداخلية، ويتجلون بنشاط بين الأحواض المائية التي تبدو من أعلى، تماما، مثل خلية نحل. ولا تثير الرائحة القوية، وطريقة لباس العمال وجداول الماء المنتشرة على طول أرضية المدبغة، غير الوافدين لأول مرة إلى المدبغة التي مثلت دائما احد أهم رموز المدينة. فمدابغ فاس تشبه خلية نحل التي يعرف كل فرد فيها، بحكم المراس، ما يجب أن يقوم به ويؤديه بطريقة ميكانيكية بعدما يرمي جسده داخل أحواض مائية مليئة بالجلود التي ستصبح بعد شهور أحذية وسترات جلدية ومحفظات يجدها المرء معروضة للبيع في مختلف المدن المغربية. ونجد في شوارع المدابغ الكثير من الشبان يمشون بملابسهم الداخلية فقط، وهو منظر معتاد داخل المدابغ التي لا تلج إليها النساء إلا نادرا، فباستثناء بعض السياح، الذين يغريهم منظر المدابغ التي طالما سمعوا عنها عبر ما تواتر من روايات، لا يقترب سكان فاس منها إلا نادرا.
عمال المدابغ
يدوس العامل برجليه في حوض مائي ويعمل ما يقارب في كل مدبغة 1200 عامل فهي مهنة موروثة من أجدادهم، حيث يقوم العاملون في المدابغ بجلب أبنائهم إلى المدبغة معهم ليتعلموا هذه المهنة ولكن الصغار في البداية يعملون في جمع النفايات في المدبغة وعندما يكبرون قليلا يرقونهم ومن ثم يذهبون إلى قسم الجير ومنه يكتسبون الخبرة الكافية مع مرور الأيام ومنه يسمح لهم بدخول أخواض المدبغة وملامسة الجلد لأول مرة. إن العاملين في المدابغ يحتاجون إلى جسد قوي قادر على الحركة بمرونة وإدارة عشرات القطع من الجلد وسط الماء الملون عدة مرات بحركات متناسقة بدون أن تتعب قدماه أو يباغته التعب فجأة.
معالجة الجلد
العاملون بالمدبغة يستعملون عدة مواد من أجل معالجة الجلد بينها الجير البلدي، وفضلات الحمام والنخالة والدبغ التي يتم جلبها من مناطق متفرقة بعضها من المغرب وأوروبا، ويشير إلى أن هذه المواد لا تضر بالبيئة لأنها طبيعية.
تصدير الجلود
تحتل أوروبا المركز الأول لصادرات المنتجات الجلدية المغربية ويوجه لأسواقها 94.3 % من هذه المنتجات التي يحمل بعضها علامات عالمية معروفة، ويعتمد الاقتصاد المغربي بشكل كبير على المنتجات الجلدية التي بلغ حجم صادراتها في عام 2006 نحو 1.8 مليار درهم (235 مليون دولار) مثلت منتجات الأحذية 78 % منها. وتتصدر فرنسا قائمة الدول الأوروبية التي توجه لأسواقها المنتجات الجلدية المغربية، تليها إسبانيا ثم ألمانيا وإيطاليا وأخيرا بريطانيا، وفقا للنشرة السنوية للجمعية الوطنية لصناع الجلد بالمغرب. ويصدر المغرب ما بين 15 و20 مليون حذاء في السنة، وتشكل الأحذية الحصة الأكبر من صناعة الجلود بالمغرب إذ تبلغ نسبتها 70.5 % من الإنتاج وبلغت قيمتها 1.67 مليار درهم (218 مليون دولار) عام 2006. ويعمل في قطاع الأحذية المغربي ما بين 40 و50 فرعا لـ234 شركة وطنية ودولية، إلى جانب مصانع محلية صغيرة بالمدن المغربية توجه 20 % من منتجاتها للتصدير وتستحوذ على 75 % من نشاط التصدير و76 % من القيمة المضافة وتستقطب 90 % من الاستثمارات.
إن المنتوجات التقليدية العريقة لا تتطلب التأهيل فقط بل تستدعي أيضا النهوض بها وجعلها قادرة على المنافسة على المستوى الدولي. فالسياق الحالي للعولمة يحتم اعتماد الجودة، الأمر الذي يتطلب تحسين وسائل الإنتاج دون المس بالطابع التقليدي للمنتوج، فالمستهلكون المغاربة والأجانب يريدون منتوجا أصيلا يحمل بصمات الصانع التقليدي المغربي. إن تحسين وسائل الإنتاج ووضع نظام للتمويل يتلاءم وحاجيات القطاع وتخفيض أسعار المواد الأولية والتكوين تعد إجراءات كفيلة بإضفاء قيمة أكبر على منتوج الصناعة التقليدية وضمان استمراريته.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 109