تاريخ صناعة الورق
من نبات البردي ... إلى صناعة الورق من غير الخشب
م. خلود المرزوق
كان الإنسان الأول يرسم علي حوائط الكهوف وعلى الصخور رموزا تعبر عن حياته ومعيشته وقد تم الاستدلال عليها من قبل علماء الاثار والتاريخ وترجمت لتعطينا قصة حياة الانسان الاول ومراحل تطوره.
ثم انتقل الإنسان إلى مرحلة جديدة وهي كتابة الاعداد واستخدام اشارات ورموز للكتابة احتاجت لأن يكون لها وسيلة خفيفة الوزن سهلة الحمل والداول يمكن حفظها غير الصخور وحوائط الكهوف .
ومع هذه الحاجة الملحة للانسان في ان يدون الاحداث التي تمربه وفي ان يجد الوسيلة لحفظ المعلومات خاصة وان ذهنه لم يعد قادرا علي حفظ جميع المعلومات حيث ظهرت لديه رغبة في حفظ التاريخ وليس لنفسه فقط.. بل للاجيال القادمة بعده بدأ اول خطوة نحو تصنيع الورق من نبات البردي وهذا ما قام به الفراعنة ثم لم يلبثوا ان طوروا صناعة الورق من البردي وانتقلت هذه الصناعة الي الحضارات الاخري المجاورة حتي وصلت الي الصين. وتجدر الاشارة الي ان الرسول –عليه الصلاة والسلام – امر في احد غزواته ان تنقل هذه الصناعة الي العرب حتى يفرج عن الاسري وهكذا الي ان تعددت طرق ووسائل تصنيع الورق ليكون المنتج بأشكال واحجام مختلفة.
أول ورق للكتابة عرف في التاريخ
كان نبات البردي أو السمار ينبت في دلتا النيل وفي مصر العليا وكان يستخدم كغذاء وصنع الحبال، بل وأهم من هذا كله في صنع ورق الكتابة وقد كان هذا يتم بأخذ اللب بطوله من قلب اعواد البردي. وتغطية اللباب الطولي بطبقة اخري توضع بالعرض .ثم الطرق علي الطبقتين بمطرقة ذات رأس خشبي وكان ينتج عن هذا اول ورق للكتابة عرف في التاريخ ولعله يرجع ذلك إلى 3000 سنة قبل الميلاد.
كيف كان المصريون يعدون أوراق البردي.
كان المصريون يصنعون الورق من لحاء الاشجار وذلك قبل 2000 عام تقريبا وقد استمرت الصين بصنع الورق وتقطيع الاخشاب من الغبابات الي ان تجاوزت قوة تحمل أرضها حتي ان الصين قد تصبح المستورد الئيسي للأخشاب بعد ان كانت المورد وسوف تشكل احتياجاتها الاستيرادية ضغطا هائلا علي الغابات في كافة انحاء العالم. وقد ذكر السيد (هي بوشوان ) وهو محاضرة في جامعة (صن يان صن) في مدينة جواندونج أن استهلاك الصين من الخشب الخام بلغ حوالي 300مليومتر مكعب سنويا يتجاوز الحصيلة المقبولة لغاباتها وزراعاتها الشجرة بنسبة 30%ومع زيادة تعداد سكانها الذي يبلغ خمس سكان العالم فإن مواردها اخذة في النقصان واستيرادها للسلع ذات المصادر الحيوية (البيولوجية)مثل الاخشاب تعتبر استيرادا غير مباشر للارض والماء والمواد الخصبة وكل العناصر التي يحتاجها رأس المال الايكولوجي لإنتاج الورق.
ميزة الخلايا النباتية
تكون الخلايا النباتية الموجودة في جذوع الاشجار ليفية ومستطيلة الشكل وتبدو تحت اليكروسكوب اشبه بأكياس صغيرة ذات بطانيات تتكون من مادة صلبة تسمي الخشبين (اللجنين) ويصنع السليولوز الصناعي من هذه الخلايا الليفية بعد إزالة الخشبين ويبلغ طول هذه الخلايا حوالي عشر بوصات وقطرها اقل من قطر الشعرة وهي تكون خيوطا رفيعة للغاية يمكن بعد تخليصها من غلافها الخشبين الذي يجعلها صلبة ويتناسخ بعضها مع بعض لانتاج لباد ليفي من السليولوز وهي اساس جميع انواع الورق وفي صناعة الورق يخلص السليولوز أولا من الخشبين والشوائب الاخري الموجودة في الخشب ثم ينقي ويحول إلي كتل ليفية تسمي اللب وهذا اللب يخلط بعد ذلك مع مواد اخري ويحول الي ورق . وفيما يلي استعراض لطرق صناعة الورق من الخشب :
صناعة الورق من الخشب
تعتمد صناعة الورق علي لحاء الاشجار كمادة اولية حيث يتم تقطيع الاشجار بكميات كبيرة وذلك للحصول علي جذوعها ونقلها عبر ناقلات خاصة الي مصانع الورق والتي عادة ما يكون موقعها قريبا من الغابات ويمكن تصنيع الورق بطريقتين ميكانيكية وكيميائية.
مراحل تصنيع الورق ميكانيكيا
اولا: ينزع اللحاء عن الجذور في داخل اسطوانة دوارة في داخل المصنع.
ثانيا: يقطع الخشب الي شرائح ورقية رقيقة يقل طولها عن 2 سنتيمتر باستخدام منشار آلي خاص لتلك العملية.
ثالثا: تعالج الشرائح بالبخار وبعض المواد في حوض خاص للتخلص من كل المواد غير المطلوبة وتضرب لفصل الياف الخشب عن بعضها البعض لتكون عجينة.
رابعا: تغسل العجين في حوض اخر للتخلص من الشوائب مع اضافة اللون المطلوب .
خامسا: تدخل الذعجينة في ما كينة صنع الورق حيث تصب علي شبكة معدنية لطرح الماء منها .
سادسا : تمرر صحف الورق بين اسطوانات تعصرها وتجففها تماما.
سابعا: يمرر الورق اخيرا بين اسطوانات ثقيلة تصقله وتجعله ناعما ولامعا.
مراحل تصنيع الورق كيميائيا
تعتبر عملية تصنيع الورق كيميائيا عملية بالغة التعقيد اذا ما قورنت بالطريقة الميكانيكية الا ان إضافة المواد الكيميائية تعطي منتجات ورقية اكثر متانة ونقاوة وتمر عملية التصنيع بمراحل طويلة ويمكن استعراض مراحلها الرئيسية بالخطوتين التاليتين :
الخطوة الاولي : تصنيع الكتل الليفية (اللب):
1- تقطع جذوع الشجر إلى اجزاء يبلغ طولها من متر إلى مترين وينزع اللحاء عنها ثم تغسل.
2- تمرر الكتل الخشبية خلال كسارة خاصة تعمل علي تقطيع الكتل الخشبية إلى قطع صغيرة (جذاذات).
3- تفرغ الجذاذات في غلايات كبيرة أو هاضمات تغطي بمحلول كيميائي الأخشاب ويخلصها من الالياف السليولوزية.
4- ثم تمرر في جهاز يسمي مفكك اللب ثم تسحق الالياف وتقطع في مضربات وتضاف اليها مواد لاكساب الورق الخواص المطلوبة وهي:
* تضاف مادة الراتنج أو الشب لتسهيل الكتابة على الورق دون أن يسيل الحبر.
* تضاف الصبغات والمخضبات لصنع الأوراق الملونة .
* يضاف الجيلاتين لتقوية الورق.
5 - تستخرج الالياف وتغسل لازالة جميع المواد الكيميائية والشوائب الاخري ليتكون خليط مائي وقد كان قديما تجفف وتقطع إلى أفراخ بمقاسات تلائم التداول والنقل وترص الافراخ وتكون جاهزة للاستعمال، ثم تطورت صناعة الورق واصبح الخليط المائي يرسل الي ماكينة خاصة ليتم تحو الي رولات ورقية.
الخطوة الثانية: وحدة إنتاج الورق
عند استكمال معالجة لحاء الاشجار وتحويله الي عجينة رطبة او خليط مائي فإنه يكون جاهزا لتحويله إلى ورق عبر ماكينة ضخمة ومعقدة قد يصل طولها إلى 90 مترا حيث يضخ الخليط المائي في أحد طرفي الماكينة وخرج من الطرف الاخر علي هيئة لفافة متواصلة من الورق ومع نهاية القرن العشرين تقدمت صناعة الورق ودخل الكمبيوتر في التصنيع وتطورت الماكينات والمعدات المستخدمة وزاد إنتاج الورق في العالم بأشكال واحجام ومقاسات مختلفة.
ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب علي الورق في العالم في السنوات القادمة وفي حالة الاعتماد الكلي علي الاشجار لن تصبح الغابات كافية لتحمل التوسع في الانشطة الاقتصادية المختلفة التي تقوم علي الاشجار واذا استمرت المعدلات الحالية لاستخدام الاشجار الطبيعية مع زيادة النمو السكاني بالقدر المتوقع فإن عام 2010 سيهبط نصيب الفرد من مساحات واراضي الغابات بنسبة 30% واصبحت الغابات تغطي ثلث اراضي الكرة الارضية بعد ان كانت تصل نحو 55 بالمائة من مساحتها. وعليه فإن هناك جهودا متنوعة لايجاد البدائل المختلفة لوقف او التقليل من تصنيع الورق من لحاء الأشجار.
إنتاج الورق من غير الخشب
توجه البعض لتحسين كفاءة استخدام الاخشاب والحد من فقد الخشب والورق عن حاجتنا و استخدام التكنولوجيا في مجال الاخشاب ليس لتحسين كفاءة التقطيع – أي عدد الأشجار المقطوعة في الساعة – وإنما مكنولوجيا تجعل كل جزء مقطوع من جذوع الشجر يستخدم الاستخدام الامثل مع زيادة كفاءة التصنيع وإعادة تدوير أكبر كم من الورق بهدف هبوط استهلاك الخشب بنسب أكبر .كما كان هناك توجه إلى تحويل الانتاج إلى ورق من غير الاشجار أي ورق مصنوع من مواد بخلاف لب الشجر ويعتبر نبات القنب والخيزران والجوت واشجار الكيناف من بين المواد البديلة لأشجار الغابات حيث ينتج هكتار الكيناف وهو نبات سريع النمو كمية العجائن التي تعادل مرتين إلى أربع مرات ما تنتجه أشجار الصنوبر وبعجائن نفس الخواص الأساسية اللازمة لصنع معظم اصناف الورق ويمكن استخدام هذا النوع من الورق بزيادة كبيرة اذا ما قوبل بالحافز الاقتصادي المناسب والدعم التكنولوجي والتنمية لاسواقه. وقد عصبحت الصين بعد تدهور الغابات عندها تصنع الورق من مصادر اخري بخلاف لحاء الشجر كما ان هناك 45 بلدا يصنعون الورق من غير الخشب حسب احصائيات عام 1992 وهذا يعادل 9% من مجمل كمية الورق في العالم . ومن الجدير بالذكر ان مناطق الغابات التي أزيلت أشجارها يمكن أن تنتج مرة أخرى غير أن إنتاجها علي أي حال سيكون أقل تنوعا من الغابة الأصلية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 36