أغلقت المدارس وعطلت حركة الملاحة الجوية البحرية
دورة الفصول تثير العواصف الترابية في الكويت
محمد فوزي
تعرضت دولة الكويت فى الاونة الاخيرة للعديد من العواصف الغبارية أثرت سلبا على كافة مناحى الحياة، وتسببت فى اغلاق المدارس وتحويل العديد من رحلات الطيران الى مطارات الدول المجاورة واغلاق بعض الموانىء, شدة هذة الظاهرة وعنفوانها أثار ت العديد من التساؤلات المحيرة للجميع. هناك بعض الآراء التي تفسر زيادة هذه الظاهرة فى منطقة الخليج وخاصة فى السعودية والعراق والسبب «دورة الفصول»، وهناك آراء اخرى تعزي هذه الظاهرة النادرة الى «تأثيرات حرب الخليج الثانية على البيئة، نتيجة استعمال القنابل وحركة الجيوش القوية على تربة هي أصلا هشة تفتقر الى الغطاء النباتي»، الذي يساعد على تثبيت التربة.
كما تكشف العاصفة الترابية هذه عدم وجود سياسات منظمة لحماية البيئة والجهل بحركة الطبيعة.
كما تشير الى غياب وسائل الرصد العلمي والتوقعات المناخية. على صعيد السياسات البيئية في العراق مثلا، يتم التغاضي عن مشروع الحزام الأخضر وخصوصا في المناطق الجنوبية، وهو سوف يساعد على تأهيل مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية، ويؤدي الى تلطيف المناخ والنهوض بعائدات الزراعة اقتصاديا، كما يساعد على ازدهار الصحة النفسية للمواطن. اللافت في المناطق الجنوبية هو زحف الرمال حتى الى الطرقات مؤديا تزايد الحوداث المرورية.
وفي جانب متصل بالتغيرات المناخية، تشير دراسة لمعهد بوتسدام الألماني لدراسة التأثيرات المناخية بالتعاون مع جامعة كومبلوتينسا الى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض سوف يضر بالغطاء الجليدي في جزيرة غرينلاندش، وهناك مخاوف حقيقية بذوبان كامل الغطاء الجليدي في حال ارتفاع درجة الحراة على ما هي عليه الآن بزيادة درجتين ما يقود الى ارتفاع مناسيب المياه في البحار والمحيطات مهددة حياة آلاف البشر. ثمة جهل مؤسساتي ومجتمعي في تقدير ما للتأثيرات المناخية من عواقب وخيمة، ليس على صحة الانسان فحسب، انما على واقعه الاقتصادي والمجتمعي، وهكذا يتضاعف حجم الآثار السلبية الذي سيقود الى اهدار طاقات بشرية واقتصادية في حال معالجتها.
أسباب الغبار
ويقول الخبير الفلكي الدكتور صالح العجيري ان سبب موجات الغبار هذة تعود الى «سرعة الرياح وتفكك التربة بسبب شح الأمطار نتيجة الجفاف المستمر».
وقال العجيري «لاحظنا نشاطاً في هبوب الرياح الشمالية الغربية والتي تراوحت سرعتها ما بين 16 الى 35 كيلومتراً في الساعة. الأمر الذي ادى الى انخفاض درجة الحرارة القصوى الى 17 درجة والصغرى 7 درجات مئوية»،
أما الباحث الفلكي عادل السعدون فقال ان الرياح الشمالية الغربية ساهمت بإثارة الغبار على مناطق الكويت والدول المجاورة، وقد بلغت سرعة الرياح أكثر من 50 كيلومتراً في الساعة في المناطق المكشوفة وتدنى مستوى الرؤية الافقية الى اقل من 300 متر.
وأضاف السعدون ان «هذه الموجات الغبارية متوقعة كل عام في مثل هذا الوقت حيث تضطرب الاحوال الجوية بسبب توزع مناطق الضغط الجوي المختلفة من ضغط مرتفع وضغط منخفض حول الجزيرة العربية وشمالها».
ولم ينف احتمال امتداد تغير المناخ في الكويت الى سنوات كما لم يؤكد ذلك أيضا، مشيرا الى أن التفاصيل المناخية «تتغير من سنة الى سنة». واضاف ان النمط العام لمناخ الكويت «ليس لوحده عرضة للتغيرات ولكنه جزء من اقليم مناخي كبير في المنطقة».
وقلل السعدون من «هول بعض التفسيرات للتغيرات المناخية بانها خطيرة ولها تداعيات سلبية»، لافتا الى أن «التحول المناخي التي تشهده الكويت موقت وليس تحولا كبيرا».
أنظمة مناخية
من جهته، قال مدير ادارة الارصاد الجوية في الادارة العامة للطيران المدني محمد كرم: «السنوات الماضية التي مرت على الكويت عرفت عدة أنظمة مناخية خارجية أثرت في طبيعة الطقس الكويتي».
وذكر كرم أن «تفسير امتداد فترة البرد في الكويت يعود لسيطرة المرتفع الجوي السيبيري على معظم آسيا الى عمق الجزيرة العربية ويسبب في هبوب رياح باردة جافة».
لكن تمت ملاحظة تغير في السنوات القليلة الماضية تجسد في كون البرد الذي يشهده الشتاء في الكويت لم يعد بالحدة نفسها التي كانت بالماضي وذلك حسب تفسير كرم «يعود الى وقوع المناخ الكويتي تحت تأثير مرتفع جوي أوروبي مع تقلص تأثير المرتفع الجوي السيبيري كما كان في الماضي»، مشيرا الى «انحساره وتمركزه في شمال آسيا في المقابل تتعرض الكويت الى مرتفع جوي جديد يأتي من البحر الأبيض المتوسط وذلك من خلال البخار المائي الذي تحمله معه الرياح الى الجزيرة العربية ويتسبب في وقوع برد معتدل لكن مع فترات طويلة».
وأشار كرم أيضا الى أن «الكويت تحت تأثير نظام مناخي ثالث وهو المنخفض الجوي الأفريقي الذي عادة ما يسبب هطول الأمطار»، لافتا الى «عدم انتظام وضعف تأثير هذا المنخفض الجوي على الكويت لذلك لا يوجد موسم محدد لهطول الأمطار»، وفسر قلة الأمطار باستمرار «سيطرة المنخفض السيبيري الذي يمنع المنخفض الجوي الافريقي من الامتداد الى الكويت أو المناطق المحيطة الأخرى».
وبين كرم أن «ارتفاع درجات الحرارة تتم ملاحظتها من خلال جفاف بعض البحيرات في الكويت وبعض المناطق»، مضيفا أن «في السنوات الأخيرة بدأ طقس الكويت يعتاد على اجتياز سقف الخمسين درجة حرارة في فصل الصيف بين يونيو وأغسطس، وهذا ما سبب في تفتيت التربة بما يتيح لأي موجة هواء حار أن تحمل هذه الأتربة المتفتتة من سطح قشرة الأرض، وهو ما تم تسجيله في السنة الماضية من تواتر عواصف تكون ترابية ويكون نسبة ترسب الغبار فيها كبيرة».
ورجح كرم أن «يستمر موسم هبوب الرياح الترابية في الشهرين المقبلين في فصل الصيف مع توقع درجات حارة قد تكسر حاجز الخمسين بسهولة».
محطات أوتوماتيكية
وأشار الى أن موجات الغبار «ستكون موجودة لكن يصعب التنبؤ بمدتها»، مبينا أن «ادارة الأرصاد الجوية تراقب هذه الظاهرة المناخية وتحرك الرياح والتغيرات المناخية بواسطة 26 محطة أوتوماتيكية موزعة على كامل مناطق الكويت خصوصا في المواقع الحدودية وتقدم تقارير آنية وبشكل فوري عن أي ظاهرة مناخية جديدة أو عامل جوي كالصواعق والعواصف الترابية خصوصا التي تعطل حركة السير والملاحة».
وقال ان «التقارير التي توفرها البنية التحتية التكنولوجية في الرصد الجوي بامكانها تقديم تحذير لجهات الملاحة الجوية والبحرية والمرور قبيل 48 ساعة من حدوث العامل الجوي سواء عاصفة رملية أم صواعق أم هطول أمطار».
وأكد كرم ان رصد الظواهر الطبيعية باستعمال الأجهزة المتاحة «يتيح تقديم توقعات لتغيرات الطقس لمدة 4 أيام. الى ذلك يتم العمل على آلية جديدة لرصد الظواهر الجوية على 10 ايام مسبقة وعلى سنة أيضا وذلك من خلال تطبيق جديد تتم تجربته حاليا».
الملاحة في الكويت
وتأثرت الملاحة الجوية والبحرية الكويتية بموجات الغبار والعواصف الرملية التي سجلت أكثر من مرة العام الماضي وفي فترات من السنة الحالية آخرها قبل أيام. وتمثل تأثيرها في توقف بعض رحلات الطيران وحركة السفن وذلك بسبب تدني الرؤية وحدة العواصف الرعدية. ويقدم المرصد الجوي تقارير أولية لهذه الجهات التي يتحكم المناخ في سير نشاطها. وفي حال رصد أي ظاهرة يتم تحذير هذه الجهات في غضون 24 ساعة على أقصى حد حتى تستعد وتأخذ التدابير اللازمة.
وقال كرم ان حالة الطقس «من المرجح أن تسوء أكثر اذا بقيت الكويت تتعرض الى عوامل جوية أهمها المنخفض الهندي الآتي من الشرق الذي يؤثر بشكل كبير على ارتفاع درجات حرارة الكويت». وأكد أن الكويت «تعمل من خلال ادارة الأرصاد الجوية على تعزيز دقة التنبؤ بالظواهر المناخية خصوصا الموجات الترابية للتقليص من الخسائر التي تسببها خصوصا في ما يتعلق بقطاعات الملاحة الجوية والبحرية والمرور».
الكويت الأكثر تضرراً
ويقول خبير الارصاد الجوية وعلوم المناخ في الادارة العامة للطيران المدني خالد الشعبي ان الكويت على رأس الدول الخليجية تأثراً بالتغيرات المناخية وظاهرة التصحر التي تنتشر بشكل ملحوظ.
وأضاف الشعبي ان الاهتمام بتأثيرات التغيرات المناخية ضعيف، فضلاً عن نقص التشريعات المطلوبة في هذا الشأن لمنع الانشطة الاقتصادية والصناعية التي تؤثر في المناخ، كما ان القوانين قاصرة عن منع التلوث.
وشدد على ضرورة تطبيق الاتفاقيات الدولية بشأن التغير المناخي والتي تنص على التزام الدول الصناعية بالتقليل من انبعاثات الغازات للحد من ارتفاع درجات الحرارة.
واكد ان الكويت شهدت في السنوات الثلاث الماضية هبوب موجات من غبار متلاحقة كانت تستمر احياناً لعدة ايام متصلة، مبيناً ان الغبار من الظواهر الطبيعية لكنه في الاونة الاخيرة اصبح غريباً بسبب قدومه في فترات لم تكن معهودة كالربيع والخريف والشتاء، كما ازدادت نسبته بشكل ملحوظ حتى اصبح مزعجاً، والسبب وراء ذلك الجفاف، اذ تؤكد الاحصائيات ان هناك ارتباطا بين ندرة الامطار والجفاف وبين موجات الغبار التي عانت منها الكويت في السنوات الماضية فضلا عن قلة الغطاء النباتي الطبيعي والرعي الجائر.
ولفت الشعبي الى ان تغير المناخ يؤثر في كل الامور المتعلقة بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية حيث ان الظواهر الجوية العنيفة وازدياد فترات حدوثها تؤديان الى خسائر مادية كبيرة فضلا عن الخسائر في الارواح.
وذكر ان الارض حاليا تمر بفترة من ارتفاع الحرارة وهي الاعلى منذ نهاية العصر الجليدي القصير، الذي حل باوروبا وشمال اميركا في بداية القرن السابع عشر.
واضاف: وفي السنوات الاخيرة ظهرت مخاوف من امكان تأثير النشاطات البشرية على العمليات الطبيعية التي تنظم درجة الحرارة على الارض، حيث ان عملية استخدام الوقود في انتاج الطاقة وتقليص مساحة الغابات رفعا كمية ثاني اكسيد الكربون في الجو بنسبة هائلة حيث اصبحت دورة ثاني اكسيد الكربون الطبيعية في الجو غير قادرة على استيعاب هذه الكمية مما يؤدي الى تراكمها في الغلاف الجوي. وشدد على ان مواجهة التغير المناخي ضرورة لحماية البيئة من التلوث والحفاظ على صحة البشر.
دراسة علمية
بدوره كشف الفلكي عادل السعدون انه «ليست هناك اي دراسة علمية تفسر التغيرات المناخية التي حصلت بالكويت في الآونة الأخيرة، لكنه رجح أن تكون أولى علامات ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يؤثر على مسار تغير المناخ في العالم وسبب في ظواهر مناخية جديدة». وأكد السعدون أنه «ليس هناك مقياس علمي لتفسير طبيعة المناخ المتغيرة في الكويت»، مستبعدا أن «تكون زيادة السكان وانتشار أجهزة التكييف، وقلة المساحات الخضراء وازدحام الكويت بالسيارات السبب الرئيسي في ارتفاع درجات الحرارة».
المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 148