بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الغبار

الغبار

الغبار والغازات الصناعية ووسائل السيطرة

م. رابعة بركات

بين الرابع من ديسمبر والتاسع منه في عام 1952 غطت طبقة كثيفة من الضباب كافة الجزر البريطانية وكانت الحالة الجوية غير طبيعية بدرجة كبيرة في وادي نهر التايمز ولاسيما في منطقة مدينة لندن وكانت ظروف حدوث ظاهرة التدرج الحراري المقلوب موجودة وأدى ركود الهواء إلى عدم إزاحة الضباب الذي كان قد امتزج مع دخان المصانع والمدافئ المنزلية التي تعمل على الفحم الحجري بصورة شبه تامة في تلك الفترة وأدى ذلك إلى تغيير لون الضباب إلى اللون البني وتحول تدريجيا إلى اللون الأسود وأصبح مجال الرؤية لا يتعدى امتارا قليلة وقد اضطرت وسائل النقل إلى أن تتحرك بسرعة لا تتعدى ثلاثة كيلومترات في الساعة.

وبعد أثنتي عشرة ساعة فقط من بداية الكارثة وحلول الضباب الكثيف تركزت الملوثات في الجو إلى الحد الذي أدى إلى ظهور الأعراض المرضية وبدأ الضغط بالازدياد على مستشفيات لندن لقد تفاقمت المشكلة والأعراض المرضية وشدة الإصابات وأدى ذلك إلى وفاة عدد كبير من الناس قدر من قبل اللجنة البريطانية لتلوث الهواء بأربعة آلاف حالة.

وليس هناك من شك في العلاقة المباشرة بين هذه الحادثة وتلوث الهواء وفي مدى شهرين بعد الحادثة توفي 8000 شخص إضافة إلى العدد المذكور سابقا.

وعزيت أسباب الوفاة بشكل أو بأخر إلى كارثة التلوث التي أصابت المنطقة المذكورة وكانت أهم الأعراض المرضية التي ظهرت على الأشخاص المتأثرين في أثناء الكارثة هي سعال جاف واحتقان الحنجرة وافراز السوائل من الأنف والتقيؤ المفاجئ وكان اكثر الذين ظهرت عندهم هذه الأعراض أولئك الذين لديهم حساسية والمصابون بالتهاب القصبات المزمن.

وكان للتأثير الترافقي المتداخل بين أكاسيد الكبريت والغبا الصناعي (الدخان) الدور الأساسي في ظهور الحالات المرضية والوفاة.

وعند قياس تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون كان المعد 0.7 جزء بالمليون وتعدي التركيز في نقاط معينة 1.3جزء بالمليون ولكن لفترات قصيرة جدا وقد نتجت هذه التراكيز العالمية نسبيا من حرق الوقود في المنشآت الصناعية ومن المخلفات الغازية للتدفئة المنزلية التي اعتمدت على الفحم الحجري المحتوى على أكثر من 1.5 في المئة من الكبريت وقد قدرت الكمية المستهلكة من هذا الفحم في انجلترا في عام 1948 بحوالي 190 مليون طن وقذفت إلى الجو ما يعادل 4.7 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون المميت.

إشارات تحذيرية

تعد هذه الكارثة وما سبقها وتلاها من كوارث فادحة أدت إلى وفاة آلاف الاشخاص وإصابة عشرات الآلاف بأمراض مزمة واتلاف البيئة الحيوانية والنباتية معالم بارزة من الأخطار الفادحة الناجمة عن تلوث الهواء تلك الأفة التي بدأت بالاتساع مع بداية القرن العشرين ثم أخذت خطورتها تتسارع باطراد وبخطوات كبيرة حتى غدت أحد الأخطار التي تهدد العالم بالفناء.

ويعرف التلوث بأنه التدخل في نقاوة الهواء والماء والتربة بسبب امتزاجها بالمواد الكيميائية المؤذية المتنوعة وخاصة طرح الفضلات الصناعية فيها ويسمى التدخل في نقاوة الناصر الثلاثة المذكورة أو أي تغيير في خصائصها الأساسية تلوثا عندما يؤدي إلى عدم نظافتها مسببا الأذى بدرجات متفاوتة اعتمادا على تركيز المادة الملوثة.

أما تلوث الهواء فإنه يعرف بأنه الزياد في تراكيز المواد الغريبة عن التكوين الأساسي للهواء والتي تؤثر على الناحية الصحية للفرد وتؤدي إلى الإضرار بالممتلكات وعند التحدث عن تلوث الهواء يتراود إلى الذهن نواتج الاحتراقات والفضلات الغازية من الصناعات المختلفة ويشمل هذا النوع من التلوث أضافة إلى ذلك الروائح الكريهة وذرات الغبار الناعمة بما في ذلك الغبار الذري المشع.

وثمة ملوثات في الهواء يكون سببها الطبيعة نفسها ولا دخل للإنسان بها مثل حرائق الغابات والغازات والغبار المقذوفة عند انفجار البراكين وتفسخ النباتات وغبار الطلع والرمل الناتج عن العواصف وأنواع البكتيريا والفيروسات.

مصادر متعددة

إضافة إلى المصادر العامة المعروفة للغبار ثمة مصادر اكتشفت في الأونة الأخيرة منها الرذاذ المحيطي الذي يحمل حوالي ألفي مليون طن من الغبار الملحي إلى الهواء والتكوين الكيميائي لهذه المادة المالحة المتبقية في الهواء بعد تبخر الماء هو ملح كلوريد الصوديوم وكلوريد الكالسيوم وكلوريد المغنسيوم.

كما أن العواصف الرملية الصحراوية التي تحدث أثناء فصل الجفاف وخاصة في المناطق التي لا توجد بها نباتات تحمل آلاف من أطنان الغبار إلى الهواء لمسافات بعيدة قد تصل إلى 2000 ميل بعيدا عن المصدر الأصلي.

ومثال ذلك العاصفة الرملية الضخمة التي حصلت في 12و 13 نوفمبر عام 1933 والتي بدأت من الولايات المنبسطة في أمريكا وسببت تكوين الثلوج في ولايات شمال شرق الولايات المتحدة حيث سقط من الغبار حوالي 25 طنا على كل ميل مربع من الأرض كما لوحظ أن كميات من الغبار في أعالي جاب الألب الفرنسية كان مصدرها الأصلي العواصف الرملية في شمال أفريقيا وقد سببت تكوين الثلوج هناك باللون الأصفر الضارب إلى الحمرة.

وينجم بعض الغبار عن النيازك المتساقطة من أعالي الجو نحو الكرة الأرضية ويقال أن بعض الغبار المغنطيسي الذي لاحظه عدد من العلماء يعود إلى هبوب عاصفة رملية في 13 يناير 1953 في ولاية ساكوني.

وفي عام 1883 قال العالمان موري ورينارد إنهما وجدا غبارا ممغنطا في الترسبات الموجودة في قاع البحر وإن ذرات الغبار ذات قطر يتراوح ما بين 10.2 و 10.5 مليمتر سواء كانت بنية أو سوداء.

وقد أجريت قياسات عديدة لكمية الغبار المتساقط فوق الولايات المتحدة بالنسبة إلى كل ميل مربع شهريا تقريبا وتبين أن ذلك يراوح ما بين 33 طنا و 2000 طن من مدينة إلى أخرى.

الغبار والصحة

يعتبر الغبار من أهم المشكلات التي تواجهها كثير من الصناعات فالغبار قد يؤثر على الآلات والأجهزة والمعدات المختلفة فضلا عن تأثيره الضار بصحة الإنسان والحيوان والنبات والغطاء الحيوي وأسوأ الحوادث التي تحصل وأخطرها تلك الانفجارات الناجمة عن التعدين وفي المناجم عن التعدين وفي المناجم خاصة أو نتيجة انفجار غاز الميثان.

وتحدث هذه الانفجارات عادة نتيجة شرارا كهربائية تتولد في المنجم من الأسلاك أو غير ذلك أما بالنسبة إلى صحة العاملين في المناجم فإنها مهددة دائما بسبب الكثافة الكبيرة لذرات الرمال والغبار التي يمكن أن تكون :

1. سامة وتسبب التسمم لدى الإنسان.

2. أن تكون غبار يسبب الأمراض وبخاصة في المسالك التنفسية.

3. أن تكون غبارا يسبب التليف في الرئتين والقصبات الهوائية أما الغبار السام فيشمل الرصاص والزرنيخ والغبار الذي يسبب أمراض الرئتين يتمثل في عدة مواد منها الاستبستوس الذي مازالت الدراسات تجري عليه للتأكد من مدى خطورته لاسيما مع توسع استداماته.

إن هناك أخطار جمة ناجمة عن الغبار داخل المصانع لذا يجب استعمال الاقنعة ووسائل التهوية الجيدة في المصانع وكذا استعمال المكانس الكهربائية والمراوح للتخفيف من كثافة الغبار كما أن ترطيب الهواء بالماء يقلل من نسبة كثافة الرمال في الجو وبالتالي يخفف من ضررها كما يجب على العمال ارتداء الأقنعة على أنوفهم وأفواههم للتخفيف من نسبة الاستنشاق.

مراقبة الهواء بالضوء

اخترع العلماء الفرنسيون طريقة حديثة لمراقبة الهواء فمن برج سانت جاك تنبعث ليلا ونهارا ضوئية تتجه شطر الشرق ويطلق الخبراء على الجهاز الباعث للضوء (السيكلوب) تشبيها له بالعملاق الأسطوري ذي العين الواحدة.

وبعد أن تقطع الأشعة مسافة 1600متر تصطدم بجهاز استقبال (لاقط) مثبت فوق سطح أحدى العمارات العالية التي تحوي في إحدى غرفها جهاز يسمى (فلتر هواء باريس) ويكمن الهدف من هذا الجهاز في قياس ومراقبة نسبة تلوث الهواء في باريس وسيتمكن الخبراء عن طريق تحليل أطياف هذه الأشعة المصطدمة في الهواء من قياس التلوث في الجو المحيط بالعاصمة الفرنسية.

وينطلق هؤلاء في دراستهم من المبدأ القائل أن كل عنصر ملوث يمتص بشكل خاص جزءا من الطيف الضوئي بمعنى أن الأشعة المنطلقة من برج سانت جاك ستمكن خبراء البيئة من متابعة تركز معمدلات اكاسيد النيتروجين والأوزون وثاني أكاسيد النيتروجين والأوزون وثاني أكسيد الكبريت والبنزين وغيرها.

ويستخدم خبراء البيئة جهاز أخرا باعثا للاشعة الضوئية يسمى المنظار الطيفي الامتصاص التفاضلي ويرمز له اختصارا (داوس) يتم وضعه فوق عمارة أخرى لقياس ثاني أكسيد الكبريت وأوكسيد الأوزون.

وقام الخبراء بربط (فلتر هواء باريس) بأجهزة الأرصاد الجوية الفرنسية ومختبرات أورساي ليتمكنوا من التنبؤ بنوعية الهواء خلال ساعات الصباح الباكر وفي الساعة العاشرة وذلك لتتمكن السلطات الفرنسية من برمجة الساعات التي سيتم فيها منع التجول لارتفاع نسبة التلوث في الجو المحيط.

الغبار الصناعي ووسائل السيطرة

يلوث الغبار الصناعي مناطق واسعة وينتشر بشكل خاص في أجواء المصانع والمناطق القريبة المحيطة به ولا ريب في أن هذا الغبار يحمل أضرارا كبيرة بالبيئة وقد يسبب مشكلات صحية مستعصية ووفيات في بعض الأحيان.

ومن أجل هذا تلجأ الدول والحكومات إلى وضع ضوابط معنية للمصانع من أجل الحد من انتشار الغبار الصناعي منها إنشاء المصانع بعيدا عن المناطق السكنية واختيار اتجاه الريح المناسب إضافة إلى الطرق التكنولوجية المتبعة للسيطرة على هذا الغبار.

وتعتمد هذه الطرق على حجز دقائق الغبار قبل انفلاتها إلى الجو ويستند اختيار كل طريقة إلى حجم وتوزيع الدقائق الناتجة عن المصدر الصناعي ومن أهم هذه الطرق:

1. طريقة التركيد:

تمرر الغازات الخارجية من المصنع مع محتوياتها من الغبار من خلال حيز كبير الحجم يسمح بتقليل سرعة اندفاع الغاز الحامل للدقائق وبذلك يتسنى للدقائق الكبيرة التي يزيد حجمها على 50 مكرونا أن تركد نتيجة وزنها وتأثير الجاذبية عليها ولا تصلح هذه الطريقة لإزالة الدقائق التي يقل حجمها عما ذكر بسبب الوقت الطويل اللازم لذلك.

2. طريقة التجميع بواسطة الطرد المركزي:

يعتمد أساس هذه الطريقة على القوة الطاردة المركزية الناتجة عن تدوير الحامل للدقائق داخل المجمع السايكلوني مما يؤدي إلى انقذاف الدقائق بسبب وزنها إلى الخارج وارتطامها بجدران المجمع ثم انسيابها إلى الأسفل وتجميعها في النهاية المخروطية للمجمع.

وتتميز هذه الطريقة بأنها ذات كفاءة عالية لتجميع الدقائق ما بين المتوسطة والخشنة ورخصها وأنها لاتكلف كثيرا في تشغيلها وإدامتها.

3. طريقة التجميع بالكهرباء الساكنة:

عند تمرير الهواء المحمل بالدقائق من خلال مجال كهربائي عالي القولتية تتولد شحنة كهربائية ساكنة على سطوح هذه الدقائق وتتوقف طبيعتها على طبيعة هذه الدقائق وبعد ذلك يوجه الهواء والدقائق المشحونة إلى مجال كهربائي أخر يؤدي إلى عزل الدقائق عن الهواء الناقل بسبب انجذاب الدقائق المشحونة إلى القطب المعاكس لها في الشحنة.

4. طريقة مجمعات الغبار المبللة:

تستعمل هذه الأنواع من غاسلان الهواء لتنظيف من الغازات الملوثة له بالدرجة الأولى حيث تتم عملية التنظيف اعتمادا على قابلية هذه الغازات للذوبان في الماء ويمكن في الوقت نفسه استعمال غاسلات الهواء لإزالة الغبار منه.

تنتج من المصانع أنواع عدة من الغازات منها ما ينبعث منفردا ومنها ما ينبعث من النواتج المختلفة والنفايات المتعددة للمصانع وهذه الغازات تلوث البيئة وتحدث أضرارا مختلفة فيها كما أنها تسبب أضرارا بالغة بصحة الإنسان والحيوان ومن أجل ذلك تم دراسة طرق مختلفة للسيطرة عليها والحد من تأثيرها وتتباين هذه الطرق إحداها عن الأخرى حسب نوعية الغاز.

1. أكاسيد الكبريت:

يعد حرق الفحم الحجري المصدر الأول لأكاسيد الكبريت وهذا الفحم لا غنى عنه كوقود في معظم دول العالم وتتركز الأبحاث على التوصل إلى طرق تسهم في الحد من أكاسيد الكبريت المنبعثة عن الفحم الحجري ومن أهم الطرق التي تم ابتكارها طريقة حقن كربونات الكالسيوم وطريقة ويلمان ولورد وطريقة ملح الصوديوم لحامض الستريك.

2. أول أكسيد الكربون:

تنتج أكبر كمية من هذا الغاز من عوادم السيارات ويعتبر هذا الغاز من أشد الغازات سمية وأضرارا بالبيئة ومن أهم الطرق المتبعة للسيطرة عليه :

‌أ. تطوير محركات السيارات .

‌ب. تطوير مفاعلات صغيرة تربط بالعادم لإكمال الاحتراق وتحويل أول أكسيد الكربون إلى ثاني أكسيد الكربون.

‌ج. تطوير وقود جديد للسيارات لا يسبب تلويثا للجو.

‌د. تطوير ماكينات للسيارات لا تعتمد على حرق الوقود الهيدروكربوني مثل السيارات الكهربائية والغازية والبخارية.

3. أكاسيد النيتروجين:

تسهم عمليات التفسخ البكتيري للمركبات الحاوية على نيتروجين في انبعاث القسم الأكبر من أكاسيد النيتروجين الموجودة في الهواء وثمة غازات من هذه الأكاسيد ضارة بالبيئة لا سيما أول أكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد النيتروجين.

ومن أهم الوسائل المتبعة للسيطرة على هذه الأكاسيد استعمال أنواع متعددة من الوقود قد تختلف في طبيعتها أو الطور الذي تستعمل فيه واستعمال تصاميم مختلفة من الحراقات وإزالة أول أكسيد النيتروجين من غازات الاحتراق وضبط ظروف الاحتراق.

ولا ريب في أن اتباع الوسائل الحديثة للسيطرة على الغبار الصناعي وعلى الغازات المختلفة الضارة بالبيئة والناتجة عن العمليات الصناعية العديدة أمر مهم وحيوي ليس من أجل البشر فقط بل من أجل الحيوان والنبات والمحيط الحيوي على المصانع المختلفة أن تنتج أفضل الوسائل المناسبة من أجل التوصل إلى سيطرة مثلى على هذه الملوثات.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 8