النمر السيبيري...وخطر الانقراض
حسني عبدالحافظ
والعالم يدخل ألفيته الجديدة.. أطلق الاتحاد العالمي للمحافظة على الحياة الفطرية والمحميات الطبيعية المعروف اختصاراً بـ (I.U.C.N) نداء استغاثة، لإنقاذ الحيوانات التي أوشكت على الإنقراض.. ومنها النمر السيبيري The Siberian Tiger ، الذي لم يعد منه في البرية والمحميات سوى بضع مئات، طبقاً لاستطلاع قامت به بعثة دولية، شارك فيها 675 باحثاً، يمثلون منظمات وهيئات أوروبية وأمريكية وروسية، ظلوا يتتبعون آثار خطى النمر فى مناطقه لعدة أشهر، وقد أذيعت تفاصيل ذلك مؤخراً. فماذا عن النمر السيبيري..؟
وماهي الأسباب الحقيقية وراء تناقص أعداده..؟
وماذا عن الجهود الدولية التي تبذل لإنقاذه من خطر الإنقراض؟
إن النمر السيبيري هو أجمل القطط البرية؟ وأكبرها حجماً على الإطلاق إذ يصل طوله إلى نحو 2.3 متر، باستثناء ذيله.. وعلوه يزيد عن المتر بقليل.. والذكر أكبر من الأنثى، حيث يتراوح وزن الذكر البالغ بين 230 إلى 300 كيلو جرام.. بينما الأنثى يتراوح وزنها بين 190إلى 290 كيلو جراماً. ويعمر النمر، فى المتوسط ، مابين15 إلى 20عاماً.. وتتسم حياته بالعزلة، حيث يقضى معظم وقته وحيداً من دون حياة عائلية..ويصير ناضجاً جنسياً في سنته الثالثة، أو الرابعة على الأكثر.. ويحدث النزاء أو التزاوج، الذى يتواتر كل سنتيتن و نصف السنة، خلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني، وديسمبر/ كانون الأول..ويظل الذكر ملازماً للأنثى نحو خمسة عشر يوماً ، ثم يتركها وحدها تعني بنفسها، بتربية صغارها بعد الوضع، الذي يتم إما في الأجمة الكثيفة، أو الكهوف ، أو بين الشقوق الصخرية التي في الغالب ماتكون بالقرب من نبع ماء.. وفترة الحمل عند النمر السيبيري تتراوح بين الخمسة عشر والستة عشر أسبوعاً.. ويكون الوضع توأماً، وفى بعض الأحيان يصل إلى توأمين ( أربعة نمور).
والنمور المولودة تكون مكسوة بفراء ناعم، أشهب، ذي تخطيط غامق، يساعدها على التمويه والتخفي بين الأعشاب .. وتكون مطبقة العين، وتظل هكذا مدة تتراوح بين 5 إلى 12 يوماً.. ويتراوح وزن النمر عند الولادة ما بين 790 إلى 1610 جرامات وهو سريع النمو، حيث يصل وزنه في عمر الشهرين إلى نحو 4.5 كليوجرام، ويكون في مقدوره التهام شريحة اللحم.. وفترة الرضاعة عند النملا السيبيري، تمتد من خمسة إلى ستة أشهر، إلا أن الصغار تظل ملازمة لأمهاتها بعد الفطام، حتى تصل إلى سنتين و أحياناً ثلاث سنوات من عمرها.. تنفصل بعدها نهائياً، وتهيم بحثاً عن أرض جديدة.
وفي بعض الأحيان يتزاوج النمر مع الأسد، خاصة في حدائق الحيوان، وينتج عن هذا التزاوج مايسمى بـ (تايجونز Tigons ) عندما يكون الذكر نمراً والأنثى لبؤة.. أو ( ليجرز Ligers )، عندما يكون الذكر أسداً والأنثى نمرة.
والنمر السيبيري، على ضخامته، فهو متسلق من الطراز الأول، وسباح ماهر.. ويتميز بقدرته على لاتكيف بسهولة فى المناخات المختلفة.. فهو يتحمل الحياة على المرتفعات الشاهقة، وقد شوهدت أفراد منه على إرتفاع 4000 متر من سطح البحر، فى جبال الهمالايا .. كما يمكنه التكيف في المناخات الثلجية والقاسية البرودة، التي تهبط فيها درجات الحرارة إلى الـ 35 درجة تحت الصفر .. !!
وموطنه الأصلي، شمال روسيا، فى المنطقة التي تمتد من شواطئ المحيط الهادي شرقاً، زحتى ضفاف بحيرة بيكال غرباً، فيما يعرف بالإقليم السيبيري، الذي أخذ النمر منه اسمه.. وكانت أعدادا من النمر السيبيري قد هاجرت إلى الجنوب، لتستوطن مناطق جديدة، في غابات منشوريا، وغابات الهند الصينية، بل وصلت أعداد منه إلى أقصى الجنوب فى كوريا .. ثم تقدم نحو الغرب، حتى وصل إلى جبال أرارات في تركيا .. إلا أن البعثات العلمية الإستكشافية، أثبتت أنه لم يعد له وجود في هذه المناطق.
والغذاء المفضل لدى النمر السيبيري هو ظباء الإيلكا والغزلان.. كما يتغذى على الخنازيرالبرية، وغيرها من الحيوانات اللاحمة.. وهو يترصد فريسته، ويظل متربصاً لها، وفى أول غفوة منها ، يباغتها بقفزة قوية، مطبقاً على رقبتها.. ويكون من الصعب عليها التخلص من هذا الهجوم الصاعق، ولا يهاجم النمر الإنسان إلا فى حالتين فقط :
- إذا تعدى على منطقة نفوذه ، بما يشكل خطراً عليه .
- إذا تعرض لنمرة مرضعة، حيث تكةن فى حالة انفعال شديد، خوفاً على صغارها.
من عائلة السناسير
ويصنف النمر السيبيري ضمن الجنس المعروف باسم Panthera، الذى يتبع عائلة السنانيرFelidea ، ومنها الأسد، والفهد .. وهذه العائلة تتبع بدورها الرتبة الحيوانية المعروفة باسم Carnivora ، وتبع هذه الرتبة طائفة Mammalia ، التي تنضوى تحت شعبة Verbrara .
وأبناء عمومة النمر السيبيري، سبعة أنواع رئيسية ، وهو ثامنها ...
والجدول التالى يوضح هذه الأنواع ، وأسمائها العلمية ، وأماكن استيطانها:
م |
النوع |
اسمه العلمي |
أماكن استيطانه |
1 |
النمر السيبيري ( The Siberian Tiger ) |
Panthera tigris al -rica |
إقليم سيبيريا في روسيا |
2 |
النمر البنغالي (Bengal Tiger ) |
Panthera tigris ngris |
شبه القارة الهندية |
3 |
النمرالصيني (Chinese Tiger ) |
Panthera tigris ameyensis |
فى الصين وهو نادر جداً |
4 |
النمر القزويني ( Caspian Tiger ) |
Panthera tigris Virgnha |
فى أفغانستان و إيران |
5 |
النمر السومطري ( Sumatran Tiger ) |
Panthera tigris Sumarac |
فى سومطرا بأندونسيا |
6 |
النمر البالي ( Bali Tiger ) |
Panthera tigris baliea |
فى جزيرة بال وهونادر جداً |
7 |
النمر الهندوصيني ( India-Chinese Tiger ) |
Panthera tigris Corberli |
فى دروما وتايلند وماليزيا و لاوس وفيتنام وكموديا |
8 |
النمر الجاوي (Jawa Tiger ) |
Panthera tigris Sondiaca |
فى جزيرة جاوا بأندونسيا |
الصيد الجائر .. وأسباب أخرى
وكانت بعثة دولية ، شارك فيها عدد كبير من علماؤ البيئة والحياة الفطرية ، بتمويل من الصندوق الدولى لدعم أبحاث الطبيعة، قد سجلت مؤخراً نحو 410 نمور سيبيرية، تجوب فى البرية الممتدة من نهرآمور، وحتى الشواطئ الروسية المطلة على المحيط الهادي .. وإذا كان هذا الرقم يعد كيبراً ، قياساً بإحصاءات سابقة، كان أقصى ما أحصى فيها 180نمراً سيبيريا، فإن الباحث بول توبن يخذر من أن البرية ربما تخلو نهائيا من النمر السيبيري ، خلال السنوات القليلة القادمة . ويمكننا أن نحدد الأسباب الحقيقية، التى تهدد النمر السيبيرس بالإنقراض ، فى النقاط التالية:
عمليات الصيد الجائر: كان مجلة ( نيو سينتست ) قد أشارت فى تقرير لها حول هذا الموضوع إلى ان ومالايقل عن 50نمراً سيبيريا يافعاً، يتم إصطيادها سنوياً بطرق غير قانونية.. وقد برزت هذه المشكلة، فى أعقاب إنهيار الإتحاد السوفياتي ، حيث أدى فتح الحدود الروسية الجنوبية |إلى تسلل الصيادين من الصين وجنوب شرق آسيا إلى مناطق تواجده.. وخلال شتاء 92/1993م ، وقعت مجزرة جماعية للنمور السيبيرية ، حيث قتلت أعداد كبيرة منها .. وهربت جلودها وعظامها عبر الحدود الجنوبية ، لتباع بأثمان مرتفعة فى أسواق جنوب شرق آسيا., فنمر واحد يحقق أرباحاً تصل إلى 15 ألف دولار .. وتعد الصين ، وكوربا السوق الرئيسية لأعضاء و عظام النمر السيبيري ، التى تسحق وتدخل ضمن تركيبا بعض الأدوية فى الطب الشعبي..!!
تتقلص المساحات الطبيعية، التى كان النمر السيبيري يمارس فيها حياته.. نتيجة تخريب الغابات،وشق الترع، وامتداد المناطق الصناعية إليها.
قلة الغذاء الطبيعي.. وهذا السبب مرتبط بسابقه ، يقول فاسيلي جرامتسوف :"لم تعد التايغا كما كانت عليه قبل عشرين، أو حتى عشر سنوات .. إذ يقوم المسؤولون الإقتصاديون بقطع أشجار الأرز دون رحمة، بينما يقتات على بتدقها العديد من الحيوانات، وبشكل خاص الخنازير البرية احد اهم الاطعمة التقليدية، وعندما تخلو التايغا من بندق الارز تحل المجاعة.. كما يفعل فعلته الجدب ، الذي يصيب اشجار البلوط بصورة دورية . وزاد الطين بلة ان الوصوليين من المسؤولين عن الحياة الطبيعية كانوا يقدمون ارقاما مبالغا فيها حول عدد الخنازير والثيران البرية والغزلان، ومن عاما لاخر .. وبالتالي كانت تزداد خطط اصطيادها ، ونتيجة لذلك بدا النمر يشعر بالجوع في التايغا وخرج الي القري ، يواجه طلقات الرصاص .
محميات.. وسلوكيات
وللحفاظ علي آخر ما تبقي من النمور السيبيرية ، اقيمت اربع محميات طبيعية.. اكبرها محمية سيحوته / الينسكي ، التي تقع في الاقليم الجبلي ، جنوب شرق روسيا ، وتمتد من المحيط الهادي الي وديان نهري آمور واوسوري المتاخمة للحدود الصينية ، وتبلغ مساحتها نحو 120 الف هكتار .. وتقدر النمور التي تتواجد في هذه المحمية باثنين الي اربعة نمور ، لكل الف كيلو متر مربع .
ومحمية لازوفسكي ، التي تصل مساحتها الاجمالية الي نحو 60 الف هكتار .. وتقدر النمور التي تسكنها باثنين إلى ثلاثة في الألف كيلو متر مربع، وهذه المحميات تقع فب قلب التايغا.
أما المحميتان الباقيتان، فتقعان إلى الغرب من سابقتيهما، وبالتعاون بين علماء من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، أقيم على أطراف كل محمية مختبر ومعمل طبيعي، تصل مساحته إلى نحو 3.5 كيلومترمربع، تجلب إليه النمور الصغيرة، لرعايتها، ودراسة سلوكها واسلوب حياتها.. ومعرفة الفوارق الجوهرية .. بينها وبين غيرها من أنواع النمور الأخرى، خاصة فيما يتعلق بـ(سلوك فليمان)، الذى يبحث فى العلاقات المتبادلة بين الحواس المختلفة من جهة، وبينها وبين الحزم العصبية من جهة ثانية.
وفى دراستهم لغريزة الافتراس عند النمور الصغيرة، التى لم تتلق تمرينات صيد من أبويها .. قاموا بتعليق مجسم بشكل غزال من الإسفنج، ثم أطلقوا عليه نمراً صغيراً، فلم يبد أى سلوك عدوانى ضده(!!) وعندما أضافوا رائحة بول الغزال للمجسم، هاجمه النمر(!!)، ونفس الشيء تكرر مع مجسم خنزير بري .
وحول أهمية دراسة سلوكيات النمر السيبيري، يقول فيكتور يودين، أستاذ علم بيولوجيا الفقاريات، فى أكاديمية العلوم الروسية، والذي ينعت نفسه بـ ( عاشق النمر السيبيري ):"إن الهدف النهائى هو السعى إلى مساعدة النمر السيبيري على أن يعيش بشكل طبيعي فى الغابات.. وحتى يحقق ذلك، فإننا نقوم بدراسات عميقة ومستفيضة حول سلوكيات النمر، وأسلوب حياته، وقد أظهرت هذه الدراسات عدة أمور مهمة ، منها على سبيل المثال، أن اللعب بين صغار النمور، لا يتم لمجرد اللهو، بل هو في الحقيقة تدريب يساعد على تنمية مهارات الصيد. وأظهرت الدراسات أهمية دور الغريزة فى حياة النمر..".
وفي تعليقه على ذلك يقول فاسيلي جرامتسوف، مدير محمية لازوفكسي:" إن دراسة سلوكيات النمر السيبيري، وإكثاره في مزارع تربية خاصة، خطوة مهمة على طريق إنقاذه.. ولكن إذا أخذنا بعين الإعتبار آفاق تطور الإقليم، وصناعته، وزراعته، فأي براري سنطلقه فيها..!! إن مواصلة هجوم الإنسان على التايغا، لن يبقي مكاناً لتعيش فيه النمور بأمان!!". هل ستنجح الجهود الدولية التي تبذل في إنقاذ النمر السيبيري من براثن الإنقراض..؟!!
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 25