تغير المناخ .. هلى هو أمر حقيقي أم زائف؟
د. محمد رشاد السبع - جامعة القاهرة
يقول بحث جديد بناء على تحليل معلومات قديمة إن الغلاف الجوي للأرض ترتفع درجة حرارته أكثر من ارتفاع حرارة سطح الأرض، وقد يساعد هذا الكشف في رفع قضية الاحترار العالمي عن طريق معضلة جدلية في هذا الأمر وأثبت تحليل بيانات درجات الحرارة من الأقمار الاصطناعية منذ عام 1978 م أن طبقة سمكها 11 كيلومتراً الأولى من الغلاف الجوي "الأقرب إلى الأرض"، وتعرف باسم "التروبوسفير"، لم ترتفع حرارتها بمعدل يذكر إذا كانت حتى ارتفعت في الأساس.
خلال ذات الفترة الزمنية ارتفعت حرارة سطح الأرض بمقدار 17 درجة مئوية سنوياً، وقد أدى ذلك بالعلماء وغيرهم إلى الشك في أن يكون هناك ارتفاع في درجة الحرارة أو أن هذا الارتفاع حقيقي.
لكن الدراسة الجديدة قد تحسم هذا الجدل، فقد طبق باحثون من جامعة ماريلاند والإدارة الوطنية للمسطحات المائية والغلاف الجوي "أميركا" أسلوباً جديداً في تحليل البيانات عن درجات الحرارة المستقاة من الأقمار الاصطناعية خلال الفترة من عام 1978 م حتى 2002 م، واكتشفوا أن طبقة التروبوسفير ترتفع درجة حرارتها بمعدل 24 درجة مئوية خلال هذه الفترة، بما يزيد عن معدل ارتفاع حرارة الأرض.
ويقول جون دالاس - الأستاذ بجامعة واشنطن في سياتل إن هذا الكشف قد يغير الصورة تماماً إذا قبل به العلماء، وقد يكون له دلالات هامة بالنسبة للسياسة العامة بخصوص انبعاث غازات الصوبات الزراعية لكن مجموعة العلماء صغيرة ومستقطبة وليس من المتوقع أن يكون هناك نوع من الإجماع فيما بينها.
وقد قام باحثون من جامعة الاباما بالتحليل الأصلي في عام 1995 م واكتشفوا معدل انخفاض بسيط في حرارة طبقة التروبوسفير وأثبت فريق آخر أن انخفاض الحرارة الذي أثبته الآخرون نتج عن تدهور مدارات الأقمار الاصطناعية مع مرور الزمن أي أنه غير حقيقي.
وصححت مجموعة أخرى هذه البيانات، واكتشفت ارتفاعاً في الحرارة بنسبة 10% سنوياً، وبالتالي قبلت المجموعة السابقة بتبرير تدهور مدارات الأقمار الاصطناعية، وأضافت تصحيحاً من جانبه أفاد بأن الحرارة ثابتة.
ولايزال هناك خلافات بين المجموعتين، لكنهما تجدان أن دراسة فينكيوف وجرودي الجديدة غير دقيقة لأنها لم تأخذ في الاعتبار تدهور مدارات الأقمار الاصطناعية التي تراها مهمة جداً.
ويذكر أنه مع تقدم عمر الأقمار الاصطناعية تميل مداراتها إلى الاقتراب من الأرض، وبالتالي اقتراب أجهزة التسجيل من الأرض وتغير زاويتها فتتغير زاوية سقوط الشمس عليها وبالتالي يقول فريق جامعة الاباما إن النتيجة أن الاحترار غير حقيقي.
ويقول روي سبنسر عضو الفريق إن الاختلال في النتائج يأتي من إهمال عنصر معايرة أجهزة القياس على الأقمار الاصطناعية، لكن فينيكوف وجرودي من الجماعة الأخرى غير قابلين بذلك، ويقول جرودي إن عنصر المعايرة بمفرده لا يفسر هذه الاختلافات ويشير إلى أن الفريقين الآخرين استخداما عنصر المعايرة، واختلفت النتائج التي توصلا إليها أيضاً ويؤكدان الاختلاف في التحليل. وقد طور فينيكوف وسيلة تحليل جديدة بهدف أخذ كل الاختلافات الحرارية اليومية والموسمية في الاعتبار بأبسط طريقة ممكنة.
لكن الفريقين يتفقان على شيء واحد هو أن مشكلة احترار طبقة التروبوسفير نقطة مهمة جداً في الجدل الدائر حول الاحترار العالمي، وعلى الرغم من تعقد المسألة فإن بيانات الأقمار الاصطناعية هي أفضل وسيلة لمعالجة هذه المسألة، غير أن الوصول إلى نتيجة مانعة جامعة شافية لايزال بعيد المنال.
عوامل رئيسية
تصاعد ثاني أكسيد الكربون في الهواء من العوامل الرئيسية في الاحترار العالمي، ويعتقد أن امتصاص الغابات والأشجار لثاني أكسيد الكربون قد يخفض من هذا الأثر.
غير أن دراسة أجريت في سويسرا تفيد بأن الأشجار الكبيرة قد لا تساهم في تخفيف أثر ثاني أكسيد الكربون في الاحترار العالمي عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد.
فقد يكون لدى هذه الأشجار ما يكفيها من ثاني أكسيد الكربون ولا تحتاج إلى امتصاص كميات جديدة منه، فإذا انتشرت هذه الظاهرة بين الأشجار ستشكل نكسة للذين يعلقون آمالاً على أن الغابات القائمة أو المستحدثة سوف تحد من ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الهواء.
وهناك جدل كبير حول إمكانية انخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الهواء بسبب علاقة الأمر بمعاهدة كيوتو، حيث إن الأعضاء في هذه المعاهدة يعوضون انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغازات الصوبات الزراعية بزراعة مزيد من الغابات.
قام جتز هورسن وزملاؤه بجامعة بازل السويسرية باختبار فرضية أن ثاني أكسيد الكربون بمستوياته الحالية تحد من التمثيل الغذائي للنبات والتالي من نموه فكان هناك اعتقاد بأن الأشجار الكبيرة مثلاً تعتمد كثيراً على خزانات الكربون من السكر والنشا والدهون لأن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي غير كاف.
لكن الدراسة أثبتت أن الأشجار البالغة من العمر 100 عام بالقرب من بازل تستخدم فقط 22.45 % من مخزونها الكربوني في المتوسط سنوياً.
وقام الفريق البحثي بقياس المحتوى الكربوني في أوراق وخشب أشجار يبلغ طولها 30 مترا على مدى ثلاث سنوات.
وأفادت النتائج بأن الأشجار في هذه الغابة على الأقل تحصل على كفايتها بالفعل من ثاني أكسيد الكربون، ولا يحتمل أن تمتص المزيد منه في المستقبل ويقول هوش إن الأشجار تواصل نموها بالكامل من خلال مستويات ثاني أكسيد الكربون الحالية.
ويقول ريتشارد نوربي اختصاصي رد فعل الغابات على التغيرات المناخية بمعامل أوك ريدج الوطنية «الأمريكية» إن الدراسة رائعة، لكنه يعتقد أن الأشجار لاتزال تستطيع امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد حتى إذا لم تكن تستخدم مخزونها حالياً، كما نفعل نحن عندما نأكل كميات زائدة من الطعام حتى لو كنا بدناء.
الرأي السائد
الرأي العلمي السائد في هذه القضية هو أن الغابات القائمة حالياً سوف تخفف من ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون بنفس الدرجة، غير أن هناك أموراً كثيرة غير مؤكدة حتى الآن. فأشارت إحدى الدراسات حول أشجار تم زراعتها بشكل غير طبيعي وسط تركيزات مرتفعة من ثاني أكسيد الكربون إلى أنها لا تمتص أي كميات إضافية من الغاز ويبدو أنه لا يزداد نموها عن المعدل الطبيعي.
وتجري تجارب حالياً في بازل لاكتشاف إذا كان رفع مستويات ثاني أكسيد الكربون بشكل اصطناعي سوف يؤدي إلى مزيد من نمو الأشجار هناك، ويعتقد هورسن أن الفراغ فوق الأرض أو تحتها يمكن أن يحد من نمو الأشحار.
الغابات الجديدة
والمتوقع أيضاً أن تؤدي زراعة غابات جديدة إلى امتصاص كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون، لكنه ليس من الواضح الكمية التي قد تمتصها ولأي مدى زمني، ويقول نوربي " من السذاجة أن نعتقد أن الغابات الجديدة سوف تحل المشكلة، لكن زراعة غابات جديدة يزيد من حجم المشكلة " .
مخازن إضافية
تعتبر دراسة هورسن واحدة من أكثر التحليلات شمولاً بخصوص اختزان ثاني أكسيد الكربون في الأشجار. فقد سجل الفريق البحثي مستويات ثاني أكسيد الكربون في الأوراق والأفرع والسيقان في عشرة أنواع من الأشجار، منها البلوط والصنوبر وغيرها من الأشجار الكبيرة.
وتخزن بعض الأشجار كميات كافية من الكربون لتحل محل كل أوراقها بأربعة أضعاف وقد تحتاج هذه الأشجار إلى خزانات أكبر في حال فقدت أوراقها بفعل الحشرات كما يقول هورسن.
لكن " رام أورين " الباحث بجامعة ديوك في نورث كارولينا غير مقتنع بأن الأشجار تستخدم هذه الكميات الهائلة من ثاني أكسيد الكربون، لكنه يقول إن بعض الأشجار لا يمكن قياس مخزونها من الكربون من الجذع حتى الأزهار، لكن هورسن يحاول ذلك من خلال تجاربه.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 62