طريقة جديدة لإعادة استخدام نفايات هدم المباني
م. خليفة بدر الفضالة
أجريت هذه الدراسة كتقييم أولي لإعادة استخدام ركام الخرسانة في الخلطات الإسفلتية، وقد تم الحصول على ركام خرسانة من مبنى عمره 28 سنة وذلك بعد تكسير جسر خرساني وسحب حديد التسليح منه، وتم نخل الخرسانة المكسرة للحصول على حجم الركام الحبيبي اللازم لعمل خلطة إسفلتية محلية تعرف باسم" Type III " وذلك حسب مواصفات وزارة الأشغال العامة الكويتية . وخضعت الخلطة الإسفلتية لعدة اختبارات وهي اختبار "مارشال" واختبار "نسبة الضغط بعد الغمر" واختبار "فقدان الثبات" واختبار "مسار العجلة"، حيث كانت نتائجها موافقة للمواصفات المحلية .
وفي حال إعادة تدوير ركام المباني المهدمة في الخلطات الإسفلتية فإن ذلك من شأنه توفير مبالغ طائلة في مشاريع إنشاء وصيانة الرصف الإسفلتي، وكذلك حماية البيئة من المخلفات الخرسانية وتقليل الطلب على الركام الجديد .
قبل خمسين عاماً تقريباً ازداد الطلب بصورة كبيرة على استخدام الخرسانة المسلحة لبناء الكويت الحديثة، وكان ذلك مصاحباً لازدياد تصدير النفط والنمو الاقتصادي للدولة فأصبحت الخرسانة هي مادة البناء الرئيسية لأكثر المباني، وفي نهاية العقد الأخير من القرن العشرين تزايدت حركة هدم وإعادة إعمار المباني مما أدى إلى تراكم كميات كبيرة من المخلفات التي تشكل الخرسانة جزءاً كبيراً منها، فأصبح ذلك تحدياً جديداً للبيئة المحلية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الحركة العمرانية المستمرة وإنشاء وصيانة الطرق بدولة الكويت يمثل طلباً متزايداً على الركام، مما أدى إلى ازدياد حركة التنقيب عن الصخور في المقالع الصحراوية المحلية، فأصبح ذلك تحدياً وتهديداً آخر للبيئة والموارد المحلية.
وازدادت الصحوة البيئية في دولة الكويت وأنشئت الهيئة العامة للبيئة، وسنت العديد من القوانين لحماية بيئة الكويت الصحراوية والبحرية ولعل من أوضح أمثلة ذلك قانون مجلس الوزراء بمنع استخراج الركام من المقالع المحلية وإعفاء الركام المستورد من الرسوم الجمركية، وقد أجريت أبحاث ودراسات لإعادة تدوير مخلفات البناء واستعمالها مجدداً في صناعة التشييد، بل هناك دول بدأت بوضع المواصفات للإعادة استخدام المخلفات الخرسانية، ومنها : الولايات المتحدة واليابان وهولندا والمملكة المتحدة وألمانيا والدانمارك.
أما بالنسبة لصناعة الطرق فقد قطع شوطاً كبير في مجال إعادة تدوير مخلفات الرصف، ففي جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة يستعمل ما نسبته 15% من الإسفلت المدور في الخلطات الإسفلتية الجديدة، وفي دولة الكويت يخلط ناتج قشط الإسفلت ( Milling ) في تربة القاعدة لتزيد من قوة تحملها، بالإضافة إلى استخدامه كطبقة تكسية مؤقتة لمواقف السيارات والساحات المكشوفة للحد من تطاير الأتربة، وقد أجريت أيضاً عدة دراسات لإعادة تدوير المخلفات في إنشاء الطرق، ومنها الإطارات المستهلكة.
والدراسة تعرض نتائج إعادة استخدام نفاية خرسانية كركام لخلطة إسفلتية مطابقة للمواصفات المحلية، وهي ما يسمى » Type III « والتي تستخدم كطبقة تكسية لمعظم أنواع الطرق بدولة الكويت.
أهداف الدراسة
إن الهدف الرئيسي لهذه الدراسة هو تقييم إمكانية إعادة استخدام الركام الخرساني المدوّر في الخلطات الإسفلتية بدلاً من الركام الجديد، وتحديداً في نوع " Type III " من هذه الخلطات وذلك حسب المواصفات المحلية لوزارة الأشغال العامة، وسبب اختيار هذه الخلطة هو أنها الطبقة السطحية لمعظم أجزاء شبكة طرق الكويت ( عدا الطرق السريعة ) والتي تتعرض دائماً لأعمال الصيانة المتمثلة غالباً في قشط وإعادة فرش نفس الطبقة السطحية، لذا يتوقع أن يكون أكثر الطلب على هذا النوع من الخلطات الإسفلتية.
فوائد إعادة استخدام
الركام الخرساني المدوّر
إن إعادة تدوير المخلفات له فوائد اقتصادية وبيئية واضحة وعديدة، وإعادة استخدام الركام الخرساني تحديداً في الخلطات الإسفلتية له فوائد منها :
* تقليل الحاجة إلى مساحات ردم النفايات، وذلك لأن نسبة كبيرة من مخلفات هدم المباني يتم إعادة استخدامها، وهذا من شأنه توفير هذه المساحات لأغراض أخرى، وحماية البيئة من آثار هذه المخلفات.
* توفيـــر بديـــل محلــي أقل تكلفة من الركام الجديد الذي يتم استيراده من الدول المجاورة.
* توفير فرص عمل واستثمار من خلال إنشاء مصانع إعادة تدوير المخلفات الخرسانية، وبالإضافة إلى ذلك فإن إعادة تدوير حديد التسليح قد يزيد من الجدوى الاقتصادية لهذه المصانع.
* إذا صار الطلب على المخلفات الخرسانية أكبر من مخلفات المباني المهدومة، فإنه يمكن فتح مناطق الردم القديمة وإعادة تدوير المخلفات الخرسانية فيها، وذلك من شأنه المساعدة على إعادة تأهيل هذه المناطق.
الخلطة الإسفلتية ومصدر الركام الخرساني المدوّر
تم الحصول على الركام الخرساني المدوّر من أعمال هدم مبنى عمره 28 سنة بمدينة الكويت، وقد تم أخذ عينات خرسانية من ناتج تكسير جسر خرساني في المبنى، وتراوحت العينات الخرسانية في حجمها من 50 - 20 سم، وتم نقلها إلى مصنع تدوير خرسانة حيث تم إدخالها إلى الكسارة وأخذ ناتج التكسير إلى المختبر لفصل حجمي الركام 3/4 بوصة و3/8 بوصة المطلوبين للخلطة الإسفلتية نوع " Type III ".
أما بالنسبة للرمل المكسر ( Crushed Sand ) والرمل الطبيعي ( Natural Sand ) والمادة المالئة ( Filler ) والبيتومين، فقد تم الحصول عليها من وزارة الأشغال العامة، حيث كانت هذه المواد مطابقة للمواصفات المحلية للخلطات الإسفلتية.
ثم تم عمل الخليط الإسفلتي واختباره عند نسب بيتومين مختلفة وذلك للوصول إلى المحتوى البيتوميني الأمثل حسب متطلبات طريقة مارشال القياسية المعتمدة محلياً لعمل تصميم الخلط الإسفلتي.
اختبارات الخلطة الإسفلتية
بعد الحصول على الركام الخرساني المدوّر ونوعي الرمل المعتمد ( الطبيعي والمكسّر ) والمادة المالئة، تم تجهيز خليط الركام الكلي حسب التدرج الحجمي المطلوب لخلطة إسفلتية " Type III ". ويبين الجدول 1 التدرج الحجمي لأجزاء الركام المستخدم، كما يبين التدرج الحجمي لخليط الركام الكلي ( Combined Gradation ) وذلك بعد اعتماد نسب الخلط التالية :
* % 40 : 3/4 بوصة ( ركام خرساني مدوّر ).
* % 30 : 3/8 بوصة ( ركام خرساني مدوّر ).
* % 15 : رمل مكسور ( Crushed Sand ).
* % 12 : رمل طبيعي ( Natural Sand ).
* % 3 : مادة مالئة ( Filler ).
لعمل خليط ركام يقع ضمن حدود مواصفات التدرج الحجمي لخلطة إسفلتية " Type III " كما هو مبين في الجدول، ويلاحظ أن الركام الخرساني المدوّر يمثل نسبة 70% من خليط الركام المستخدم . وتم عمل الخليط، والتي تم الحصول منها كذلك على خواص الخلطة عند المحتوى الأمثل للبيتومين كما سيتبين لاحقاً.
وقد تم اختبار الخليط الإسفلتي ( عند محتوى البيتومين الأمثل ) بثلاثة اختبارات قياسية أخرى هي اختبار نسبة الضغط بعد الغمر، واختبار فقدان الثبات، واختبار مسار العجلة.
اختبار مارشال ( Marshall Test )
تم إجراء هذا الاختبار حسب الطريقة القياسية المعتمدة في مواصفات أعمال الرصف بدولة الكويت، ومن الاختبار تم تعيين المحتوى البيتوميني الأمثل وهو 7.2% لخلطة إسفلتية " Type III "، ويبين الجدول 2 نتائج اختبار مارشال للخلطة الإسفلتية مقارنة بالمواصفات المحلية.
اختبار نسبة الضغط بعد الغمر ( Immersion Compression Ratio Test )
يستخدم هذا الاختبار لقياس نسبة فقد تماسك أجزاء الخلطة الإسفلتية المدمكة بسبب الماء، وذلك بحساب ما يسمى بمؤشر القوة المتبقية ( Index of Retained Strength ). ويقاس هذا المؤشر بمقارنة قوة الضغط لخلطة إسفلتية مدمكة قبل وبعد الغمر بالماء تحت ظروف قياسية . ويبين الجدول 3 نتائج هذا الاختبار على خلطة " Type III " الإسفلتية المستخدمة.
وتتطلب المواصفات المحلية ألا يقل مؤشر القوة المتبقية عن 70% للركام العادي، و90% للركام المغلف بالإسمنت . لذلك يتبين أن خليط الركام المستخدم قد أوفى بمتطلبات المواصفات بالنسبة لهذا الاختبار.
كما أن المواصفات المحلية تتطلب ألا تقل القوة المتبقية ( Net Retained Strength ) عن 14 كجم / سم2، ويلاحظ من الجدول 3 أن القوة المتبقية للخلطة المختبرة ( 28.4 كجم / سم2 ) قد أوفت بهذه المتطلبات.
اختبار فقدان الثبات ( Loss of Stability Test )
هذا الاختبار شبيه بالاختبار السابق مع بعض الاختلاف في طريقة تنفيذه وطريقة حساب مؤشر فقدان الثبات . ويبين الجدول 4 نتائج هذا الاختبار على خلطة » Type III « الإسفلتية المستخدمة.
اختبار مسار العجلة ( Wheel Track Test )
يستخدم هذا الاختبار لقياس مدى انضغاط الخليط الإسفلتي ( بعد دمكه ) تحت تأثير الأحمال المرورية, وذلك بوضع العينات الإسفلتية تحت عجلة محملة تمر عليها مرات متتالية مع قياس مقدار الانضغاط ( التخدد ). وقد أجري هذا الاختبار عند درجتي حرارة 45 و70 درجة مئوية، وبعد انتهاء الاختبار تكون العينات الإسفلتية .
والجدول 5 يشمل نتائج هذا الاختبار على خلطة " Type III " الإسفلتية المستخدمة، والذي يبين أن كل العينات المختبرة لم يتجاوز فيها الانضغاط ( Maximum Depth ) عن الحد الأعلى المسموح به وهو 15 مم.
النتائج والتوصيات
إن أكثر مخلفات هدم المباني عبارة عن خرسانة تحتوي في الجزء الأكبر منها على ركام بحالة جيدة، وهذه الدراسة تبين أنه يمكن اعتبار هذا النوع من المخلفات سلعة يمكن إعادة استخدامها في مشاريع تتطلب كمبيات كبيرة من الركام كإنشاء وصيانة الطرق.
وصيانة الرصف الإسفلتي في الكويت غالباً ما يشمل قشط الطبقة السطحية وفرش طبقة جديدة، فإذا علم أن 95% تقريباً من الخليط الإسفلتي هو عبارة عن ركام، فإن التوفير في هذه المادة ينتج عنه توفير كبير في مشاريع إنشاء وصيانة الرصف.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المخلفات الخرسانية تحتوي عادة على كميات من حديد التسليح الذي يمكن إعادة تدويره كذلك مما قد ينتج عنه مصدر إضافي للربح.
وكذلك فإن إعادة تدوير المخلفات الخرسانية لها إيجابيات بيئية واضحة تتمثل في تقليل الحاجة لمواقع الردم وبالتالي تقليل التلوث البيئي.
وهناك وفر إضافي أيضاً من ناحية أن الخلطات الإسفلتية تكون أقل تكلفة بسبب أن نسبة كبيرة من الركام فيها هو ناتج عن إعادة تدوير وليس ركاماً جديداً . وهذا بدوره سيقلل الحاجة إلى مواقع مقالع الأحجار مما يؤدي إلى زيادة المحافظة على هذه الموارد الطبيعية .
وقد تم في هذه الدراسة إجراء أربعة اختبارات قياسية على خلطة إسفلتية " Type III " ، كانت نسبة الركام المدوّر فيها 70%، وقد اجتازت الخلطة الإسفلتية كل هذه الاختبارات بنجاح.
وبناء على هذه الدراسة
يمكن التوصية بالتالي :
* إجراء اختبارات مماثلة على خلطات إسفلتية أخرى لجمع خبرة أكبر في التعامل مع الركام المدور في صناعة الرصف الإسفلتي، وخاصة تلك الخلطات المستخدمة في طبقات الربط والقاعدة.
* يمكن اختبار مصادر متعددة للخلطات الخرسانية مثل : أحجار الرصيف ( Curbstone )، الرصف الخرساني والحواجز الخرسانية.
* إنشاء مقطع طريق تجريبي باستخدام خلطات إسفلتية ذات ركام مدوّر لاختبار أدائها تحت ظروف مناخية ومرورية حقيقية.
* يمكن تكسير مخلفات الطابوق الإسمنتي وإعادة تدويره في الخلطات الإسفلتية كبديل للجزء الناعم من خلطة الركام .
* يجب الاستعداد لإعادة تدوير الخرسانة الناتجة من مخلفات الهدم وذلك بوضع المواصفات والمقاييس التي تقيم وتحكم استخدام هذه المادة . ويمكن اعتبار هذه الدراسة كخطوة في هذا الاتجاه.
* البدء باستخدام نسب أقل من الركام المدوّر في الخلطات الإسفلتية ( 10 أو 20% مثلاً ) ثم زيادتها مستقبلاً بعد أن يتم قبولها والاطمئنان إليها من قبل متخذي القرار .
* النتائج الأولية في هذه الدراسة مشجعة وتحث على إجراء دراسات مشابهة لتقييم إعادة تدوير مخلفات البناء وخاصة الخرسانية منها.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 69