باحث بيئي ونباتي ..
مصطفى ديب .. 50 عاما مع النباتات البرية بصحراء الكويت
رجب السعيد
كشف لمجلة «بيئتنا» ملامح وأسرار نصف قرن.. قضاها مع الصحراء بالكويت.. تعرف خلالها على المئات من النباتات والأعشاب.. ورسمها ووثقها.. بيده الفنية.. في لوحات «علمية» تخصصية.. الباحث البيئي والنباتي مصطفى محمد ديب.. التقيناه ليلقي مزيدا من الضوء حول النبتات البرية التي أنشأ معها علاقة فريدة وخاصة..
* نحو 50 عاما وأكثر قضيتها مع صحراء الكويت في البحث والدراسة عن نباتاتها وأعشابها وخرجت بالعديد من الاصدارات المرجعية القيمة، ولكن نود ان نتعرف على بدايتك مع هذا المجال؟
بعد تخرجي مباشرة وانتهائي من الدراسة بلبنان قدمت للكويت عام 1957 والتحقت بالعمل في دائرة المعارف كرسام ومصمم في المتحف، وخلال تلك الفترة قمت بعمل العديد من الديكورات وتصميم الحديقة المحيطة به، ورسمت الكثير من اللوحات الفنية المعبرة عن الحياة الكويتية آنذاك في كافة صور الحياة، وأعتبر تلك اللوحات نوعا من التوثيق لواقع الصناعات خاصة السفن، وكذلك حرب الجهراء ومجسم القصر الأحمر.
* وبعد تلك الفترة الثرية بالأعمال الفنية وتألقك مع اللوحات المعبرة كانت لك أعمال أخرى بوزارة التربية فكيف يمكنك ايجازها في السطور التالية؟
انتدبت للعمل كموجه للوسائل التعليمية «قسم وسائل الإيضاح» والذي كان النواة الأولى لادارة التقنيات التربوية فيما بعد، ووقتئذ قدمت الكثير من الأعمال في قسمي العلوم والطباعة وقسم إنتاج البرامج التعليمية، ولكن من أبرز وأغلى ما قدمت هو تصميم المصورات العلمية بمختلف موادها لجميع المراحل التعليمية فضلا عن تصميم ورسم الخرائط بمختلف مواضيعها.
* فلننتقل إذن لمحور حديثنا الرئيسي والخاص بتخصصك كباحث بيئي ونباتي وزراعي، فكيف تقدم نفسك في هذا المجال؟
- ازددت شغفا بهذا الصنف من البحث والدراسة خاصة في مجال البحث في عالم البناتات الحقلية والبيئية، ومنذ عام 1959 وطوال عشر سنوات من العمل المتواصل والتخصصي قمت برصد 409 أنواع من النباتات البرية المعمرة بالكويت من خلال عمل حصري فضلا عن النباتات الحولية والحئولية بجانب نباتات البر وأشجار الزينة في الكويت، وخلص ذلك العمل الى خير تتويج للجهد من خلال اصدار كتاب «نباتات البر وأشجار الزينة في الكويت» وكتاب عن بعض الحشائش والزنابق، والأخير فاز بجائزة مسابقة الكويت البيئية التي نظمها الصندوق الوقفي البيئي عام 1997.
* بعد تلك المرحلة وتواصلك مع النباتات البرية بصحراء الكويت واستمرارك في البحث عن أسرارها، تواصلت كذلك اصداراتك فماذا قدمت بعد تلك المرحلة؟
بعد العديد من الدراسات والتجارب الحقلية انجزت كتابي «زراعة الأشجار في الاراضي القاحلة» ويتضمن 113 بين أشجار بيئية ومدخلة، وهذا الكتاب زودته بأعمال ورسومات فنية يدوية وكذلك صور فوتوغرافية ملونة، وهذا الكتاب غاية في المنهجية العلمية لاشجار الظل والزينة والاشجار المثمرة واشجار الحواجز والشجيرات البرية، ولكن يبقى الأثر الطيب والمؤثر للجزء الخاص بالاشجار الطبية او بالأحرى بالجانب الطبي لها ومدى معالجتها للأمراض.
* ولكنك ذكرت ان هذا الكتاب كان ثمرة لدراسات حقلية بيئية فبماذا خلصت من تلك الدراسات؟
تناولت في جزء هام بالكتاب نحو 45 فصيلة نباتية من خلال التصنيف العلمي المنهجي.
* ولكن البحث في طبيعة النباتات الصحراوية ألم يأخذك الى مجال بحث ودراسة كائنات تلك البيئة؟
بالفعل بحثت في التاريخ الطبيعي والحياة الفطرية المنقرضة والنادرة أو "قل النادرة جدا"، سواء كان ذلك من جوانب البيئة والنبات والحيوانات والزواحف والطيور والحشرات، وكطبيعة الأشياء بعضها انقرض أو ندر.
* وإذا تحدثنا عن أبرز المحطات في رحلة بحثك في البيئة ونباتاتها فماذا يمكن أن تذكر في هذا الإطار؟
بعد رحلتي عبر سنوات طويلة مع البحث في الصحراء ورصد نباتاتها وكائناتها وطبيعتها وتوثيقي للكثير من ذلك خاصة النباتات برسوم ولوحات فنية قمت بتصميم خمسين طابعا بريديا لنباتات برية بالكويت لصالح وزارة المواصلات وكان ذلك عام 1983، وإذا اعتبرت ذلك محطة بارزة فقد أعقبها نشر تلك الأعمال الفنية «الطوابع» وهي بالأساس لوحات فنية تخصصية في كتالوج أديندا، ولا يفوتني ذكر اختياري من قبل جماعة الأحمدي للتاريخ الطبيعي لأدون نباتات الكويت البرية، وكنا خلال ذلك نخرج في رحلة برية كل أسبوعين وأقوم بالشرح التفصيلي عن مكونات وأجزاء وأسرار النباتات البرية، ثم طلبوا مني عرض أعمالي في معرص مصغر في قاعة وزارة النفط بالأحمدي، وأذكر أن تلك الفترة امتدت لنحو 6 سنوات كموثق نباتي معهم.
* فلننتقل لمحور آخر وهو الحديث عن النباتات وخصائصها وأهم مشاهداتك في هذا المجال بعد بحث ودراسة امتدت لنحو 50 عاما.؟
طوال نحو نصف قرن مع صحراء الكويت تعرفت على أكثر من 400 نبتة وعشبة ونحو 20 شجرة زينة، ولكن أغرب ما أود ذكره هنا أنني شاهدت نبتة منقرضة تنبت بسور العمارة التي أسكنها وهي نبتة «كاليسوجا»، وأود أن أشير إلى أن سكان البادية كانوا يعالجون مرضاهم بالنباتات البرية، وأذكر هنا الرمرام لعلاج لسعة الأفاعي والمسيكة لعلاج لسعة العقرب، وطوال رحلتي تعرفت على النباتات السامة وهي في ذات الوقت «طبية» ومنها نباتات الجعدة التي تعالج مرض السكري ولكن إذا اسيء استعمالها فإنها تجر الإنسان نحو الموت.
* عفوا أستاذ مصطفى، كيف كنت تجفف وتحفظ النباتات والأعشاب التي تجمعها؟
كنا نرسلها للمعشبة بجامعة الكويت لتتولى حفظها وأرفق مع كل منها شكل ومراحل التطور الخاصة بها بعد رسمها في لوحات فنية معبرة وموضحة وتفصيلية.
* فلنتواصل مع حديثك عن النباتات التي وثقتها؟
في البداية لا بد أن أشير إلى أنني كنت أتذوق النباتات والشجيرات والأعشاب كنوع من التعرف عليها، كما أنني لاحظت أن أهل البادية يطلقون كثيرا من المسميات على مناطق أو أشياء انطلاقا من أسماء نباتية والعكس، فمثلا سألتهم عن الرحية فقالوا الحنظل وأكدوا أنني إذا دست عليها وهي يابسة فإنها تكون نوعا من أنواع «المسهلات» بعد نفاذها إلى الجسم من أسفل القدم وبالفعل جربتها كثيرا ولكني لا أنصح المريض المعوي باستخدامها، ومن غرائب ما رأيت خلال تلك السنوات نبتة الينبوت وثمرتها كأنها ظهر إنسان «قفا» وهي شجرة ببادية العراق تستخدم كسياج لحماية المزارع من الحيوانات ولا يمكن اختراقها من شدة أشواكها.
وكذلك من أغرب وأدهش ما شاهدته أنني حصلت على ثلاثة أنواع من الخشخاش مزروعة بالجزيرة الممتدة من (بيت البدر حتى فندق ماريوت) ولا أعرف سبب وصولها إلى الكويت ومن زرعها وانتهزت الفرصة ورسمتها باليد.
ولكن تبقى في ذاكرتي بهذا الخصوص شجرة الطلحة «الشجرة الوحيدة» وقد صورتها عام 1958 بالأبيض والأسود ثم صورتها عام 1975 وعدت وصورتها عام 2000 وهذه الشجرة موجودة بمحمية صباح الأحمد، وأخيرا نخلة برية حولها «رواكيب» أو الفروع التي تنمو على جانب الشجرة نفسها وتنزع لزراعتها في مكان آخر، وكانت تلك النخلة بالصبية ولكن نزعوها وأزالوها وكانت هي النخلة البرية الوحيدة بالكويت.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 112