التصحر في الوطن العربي
ناصر حسين عباس
تعد ظاهرة التصحر من المشاكل الهامة وذات الآثار السلبية لعدد كبير من دول العالم، وخاصة تلك الواقعة تحت ظروف مناخية جافة أو شبه جافة أو حتى شبه رطبة.
وظهرت أهمية هذه المشكلة مؤخراً، خاصة في العقدين الأخيرين، بشكل كبير، وذلك للتأثير السلبي الذي خلفته على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
على الرغم من قِدَم ظاهرة التصحر، لكن في الفترة الأخيرة تسارعت وتفاقمت إلى الحد الذي أصبحت معه تهدد مساحات كبيرة جداً وأعداد هائلة من البشر بالجوع والتشرد والقحل.
والتصحر حسب التعريف الحديث والمعتمد من قبل UNCCD : هو «تدهور الأراضي» في المناطق الجافة وشبه الجافة، وشبه الرطبة، الناتجة من عوامل مختلفة منها التغيرات المناخية والنشاطات البشرية.
وقبل الخوض في موضوع أسباب التصحر ومشاكله وبعض الجوانب المتعلقة بطرق المكافحة، لابد من إعطاء فكرة عن واقع التصحر في الوطن العربي، وذلك لإبراز الأهمية الكبيرة لهذه الظاهرة ومخاطرها.
موقع الوطن العربي والظروف المناخية
تبلغ مساحة الوطن العربي حوالي 14.3 مليون كم مربع، وهذا يعادل 10.2% من مساحة العالم، ويقع الوطن العربي بين خطي طول 17،60 شرقاً وخطي عرض 30.1 إلى 30، 37 شمالاً، هذه المساحة الممتدة على مدى واسع من خطوط العرض، تتضمن بالطبع مناطق بيئية متنوعة حوالي 90% من مساحة الوطن العربي تقع ضمن المناطق الجافة جداً، الجافة، وشبه الجافة، تتميز هذه المناطق بتباين كبير في كمية الهطول السنوي إضافة إلى تباين كبير أيضاً في توزيع الهطول خلال العام، وبطبيعة الحال تعتبر الأمطار العامل الأهم من عوامل المناخ بالنسبة للنظام البيئي، حيث يلاحظ أن 72% من مساحة الوطن العربي تتلقى أقل من 100 مم سنوياً ومساحة 18% تتلقى ما بين 100 - 300 مم، وفقط 10% تتلقى أكثر من 300 ملم.
حالة التصحر في الوطن العربي
كما ذكرنا سابقاً، إن التصحر ظاهرة قديمة قدم التاريخ، ولم تشكل هذه الظاهرة سابقاً خطراً يهدد حياة الناس، وذلك لتوفر التوازن البيئي الطبيعي آنذاك، ولكن وبسبب مجموعة من العوامل سنذكرها لاحقاً، بدأ التوازن البيئي الطبيعي يعاني من خلال سوء استثمار الموارد الطبيعية، وإلى حد أقل بكثير بسبب التغيرات الطبيعية التي طرأت على الظروف المناخية.
وفي الآونة الأخيرة، وخاصة خلال فترة ما بعد الثمانينات، بدأت ظاهرة التصحر بالتفاقم وتعاظمت آثارها السلبية على كافة الأصعدة البيئية، الاجتماعية، الاقتصادية، والسبب في ذلك يعود بشكل أساسي إلى الزيادة الكبيرة لعدد السكان وزيادة الطلب على الغذاء، التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية والتوسع والتكثيف غير المرشد في استثمار الأراضي، وإلى غير ذلك من جوانب الضغط على موارد الأراضي.
أسباب التصحر
يمكن أن تعزى ظاهرة التصحر إلى مجموعتين من الأسباب
1- أسباب ناتجة من الظروف الطبيعية
يقصد بالأسباب الطبيعية، التغيرات المناخية التي حصلت خلال فترات زمنية مختلفة، سواء تلك التي حصلت خلال العصور الجيولوجية القديمة والتي أدت إلى ظهور وتشكل الصحاري التي غطت مساحات واسعة مثل الصحراء الكبرى في أفريقيا، والربع الخالي في الجزيرة العربية، وعلى الرغم من أن نشوء وتكوين هذه الصحاري قد اكتمل منذ فترات زمنية بعيدة، إلا أن تأثيرها لازال قائماً على المناطق المجاورة.
أما التغيرات المناخية الحديثة، يقصد بها تلك التي حدثت في الماضي القريب من حوالي عشرة آلاف سنة، والتي لعبت دوراً مهماً في عملية التصحر وتكوين الكثبان الرملية، علماً أن هذه التغيرات المناخية الحديثة لم تكن سلبية في جميع المناطق، بل في بعض المناطق كان التغير إيجابياً، ويعتقد الآن أن هناك فترة من الجفاف تسود في المنطقة العربية حيث تتصف بالتالي :
- تكرار فترات الجفاف.
- التباين الكبير في كمية الهطول السنوي وتوزيعه.
- سيادة الرياح القارية الجافة على الرياح البحرية.
- الفرق الكبير في المدى الحراري اليومي.
2- أسباب ناتجة من النشاط الإنساني
يمكن أن تعود هذه الأسباب إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان، والتي رافقها زيادة في الاستهلاك وكذلك التطور الاقتصادي والاجتماعي، أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية، هذه العوامل دفعت الإنسان إلى زيادة استغلاله للموارد الطبيعية والتي جاءت في غالب الأحيان بشكل غير مرشد، إضافة لذلك فقد بدأ نشاط الإنسان مؤخراً يمتد إلى المناطق الهامشية ذات النظام البيئي غير المستقر والهش.
ومن أسباب التدهور نجد
- تدهور الغطاء النباتي : بسبب الاستثمار غير المناسب، مثل الرعي الجائر، قطع الأشجار والشجيرات، مما أدى إلى تدهور الغطاء النباتي، وخاصة في مناطق المراعي، وقد بلغت نسبة التدهور في أراضي المراعي في بعض الدول العربية حوالي 90% وهذا ينطبق على حالة الغابات أيضاً، فقد خسرت بعض الدول العربية 60% من أشجارها الغابية خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب العالمية الثانية، وعموماً خسرت الدول العربية أكثر من 11% من غاباتها خلال الثمانينات فقط.
- تدهور الأراضي : يأخذ تدهور الأراضي أشكالاً عدة منها التدهور بفعل التعرية الريحية أو المائية أو كليهما معاً، التدهور الفيزيائي والكيميائي والحيوي، وكل ذلك يعود إلى الطرق الخاطئة في إدارة موارد الأراضي، فعلى سبيل المثال تقدر كمية التربة التي يتم خسارتها سنوياً بالتعرية المائية حوالي 200 طن / هكتار في بعض الدول العربية.
- خسارة التربة الزراعية : تتعرض التربة الزراعية الخصبة وخاصة حول المدن إلى الزحف العمراني، مما يترتب على ذلك خسارة مساحات كبيرة منها، وهذا الزحف يأخذ أشكالاً عدة منها أبنية سكنية، منشآت صناعية، بنى تحتية إلى غير ذلك، ونتيجة لذلك فقد خسرت معظم الدول العربية خلال الأعوام 1960 - 1980 ما يزيد على 20 ألف هكتار من تربها الزراعية للاستعمالات الحضرية، إضافة لذلك، فإن عمليات الري غير المرشدة أدت إلى خسارة مساحات واسعة في كثير من المناطق الزراعية المروية، وهناك أيضاً العامل الاجتماعي.
وكنتيجة لما سبق يمكن أن نميز مجموعة من عمليات التدهور أو التصحر، والتي يمكن أن تتطور في منطقة ما، حسب ظروف المنطقة المعنية، ومن أهم عمليات التصحر نذكر باختصار ما يلي :
- التدهور بفعل التعرية الريحية.
- التدهور بفعل التعرية المائية.
- التدهور الفيزيائي.
- التدهور الكيميائي.
- التدهور الحيوي.
مكافحة التصحر
لقد ذكرنا سابقاً، أن ظاهرة التصحر قديمة قدم التاريخ، وتفاقمها في العقود الأخيرة من القرن الماضي كان بسبب غياب التوازن البيئي الطبيعي بين عناصر البيئة المختلفة، وذلك نتيجة للاستثمار الجائر وغير المرشد للموارد الطبيعية حتى وصلت الأمور إلى مرحلة الخطر، وفي بعض الأحيان تجاوزتها.
أمام هذا الواقع، كان لابد من أن تدرك الجهات المعنية خطورة الموقف والقيام باتخاذ الإجراءات والوسائل الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة والوصول في المرحلة المتقدمة إلى إيقافها، مع إيلاء المناطق التي تدهورت الأهمية الكافية لإعادة تأهيلها.
بطبيعة الحال لم تنشأ ظاهرة التصحر دفعة واحدة، بل كان ظهورها بهذا الحجم نتيجة لتراكمات التعامل غير المناسب مع الموارد الطبيعية خلال فترة طويلة من الزمن، وبالتالي فإن معالجة هذه المشكلة يحتاج إلى وقت طويل، ولا توجد لها حلول سريعة، لكن يجب البدء باتخاذ الإجراءات الأولية التي تحد من تسارع هذه الظاهرة، ومن ثم وضع الخطط اللازمة لمكافحتها على المدى البعيد.
ومن المبادئ الأساسية التي يمكن الاسترشاد بها لوضع خطط عمل لمكافحة التصحر، وذلك حسب المؤتمرات الدولية المعنية بذلك.
- استخدام المعارف العلمية المتاحة وتطبيقها، خاصة في تنفيذ الإجراءات الإصلاحية العاجلة لمقاومة التصحر، وتوعية الناس والمجتمعات المتأثرة بالتصحر.
- التعـاون مــــــع كافة الجــهات المعنية بذلك، على الصعيد المحلي، القطري، الإقليمي والدولي.
- تحسين وترشيد استخدام الموارد الطبيعية بما يضمن استدامتها ومردودية مناسبة آخذين بعين الاعتبار إمكانات وقوع فترات جفاف في بعض المناطق أكثر من المعتاد عليها.
- القيام بإجراءات متكاملة لاستخدام الأراضي، بحيث تضمن إعادة تأهيل الغطاء النباتي، وخاصة للمناطق الهامشية، مع الاستفادة بشكل خاص من الأنواع النباتية المتأقلمة مع البيئة.
- يجب أن تكون خطة عمل مكافة التصحر، عبارة عن برنامج عمل لمعالجة مشكلة التصحر من كافة جوانبها.
- يفترض أن تهدف الإجراءات المتخذة إلى تحسين ظروف معيشة السكان المحليين المتأثرين بالتصحر، وإيجاد الوسائل البديلة التي تضمن عدم لجوء هؤلاء السكان إلى تأمين حاجاتهم بطرق تساهم في عملية التصحر.
- على الجهات المعنية بهذا الشأن إصدار القوانين الخاصة بحماية الموارد الطبيعية بأنواعها المختلفة، وتطبيق هذه القوانين بشكل فعال وجاد.
- اعتبار السكان المحليين جزء هام من مشروع مكافحة التصحر، وتوعيتهم وإشراكهم في هذا المشروع منذ البداية، وتكوين الاستعداد لديهم للعمل في المشروع والدفاع عنه، لأنه من المعروف أنهم هم الهدف النهائي لمكافحة التصحر، وذلك من أجل تحسين ظروفهم المعيشية، هذا يرتب على الجهات العاملة في مكافحة التصحر تأمين حاجات تلك المجتمعات بالشكل المناسب والذي يضمن عدم عودتهم إلى الاستغلال الجائر أحياناً لبعض الموارد الطبيعية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 81