تمبكتو أسطورة حضارة الغرب الأفريقي
جوهرة تغوص وسط رمال الصحراء الأزوادية
عنود القبندي
تمبكتو.. المدينة الأسطورة، عروس الصحراء ومهد حضارة الغرب الافريقي الذي بدأ قبل ألف سنة مضت، عرفت هذه المدينة بالعلم والتجارة فهي مدينة يقصدها السياح من كل أنحاء العالم بغية الوقوف على أطلال المدينة الأسطورة التي امتلأت بها الكتب الأدبية في شتى الثقافات العالمية، حيث أضحى اسمها «تمبكتو» مثالا يضرب لكل ناء وبعيد. اليوم لا تكاد تجد أوروبيا واحدا، لا يعرف تلك الجوهرة التي تغوص وسط رمال الصحراء الأزوادية شمالي جمهورية مالي، فحسن الوزان نفسه الذي افتتن «بتمبكتو» يقول عنها: إنها هي المنطقة التي تفجرت فيها صبابته، حيث أعرس بها وكانت له بها منادمات، لم ينسه إياها بلاط البابا في روما، ولا رحلاته إلى الآستانة أو القاهرة، فكما يقول: إن الوصول إلى تمبتكو هو سر أسرارها، فقد كانت ملتقى القوافل الذي يربط أهل إفريقيا غربا وشرقا، وكان الوصول بحد ذاته يعني نوعا من المغامرة، حيث لا يربطها بأي من عواصم التجارة المشهورة أية محطات لمن يؤمها.
عاصمة العلم
ولا شك أن أكثر ما تزدهر به تمبتكو في ذلك الوقت هو التجارة فقط أكثر من أي شيء آخر، ولكن الأهمية ازدادت يوما بعد يوم، حينما صارت إلى جانب تلك الخاصية عاصمة للعلم، فصار فيها ذلك التزاوج الذي جعلها في مصاف كبريات مدن العصر في ذلك الوقت كقاهرة المعز، والآستانة، وفاس وغيرها من المدن.
أصل الكلمة
وعود على بدء، فقد تأسست «تين بكتو» وليست «تمبكتو» وهو الخطأ الشائع، في أوائل القرن الخامس الهجري الموافق لسنة 1080 ميلادية، ولذلك (أي تأسيسها) قصة، وهي أن الطوارق كانوا يعيشون أثناء موسم الأمطار في ربوع صحرائهم ويعودون في فترات الجفاف إلى المناطق الخصبة حول نهر النيجر الشهير، وهو ما دفعهم إلى اختيار موقع تينبكتو حذاء ثنية نهر النيجر، كمكان مناسب لتخزين احتياطي الغذاء. والموقع كانت تسكنه امرأة عجوز من الطوارق من قبيلة «ايمقّشرن» اسمها بتكو، وعليها سمى المكان بـ«تين» بمعنى (مكان) «بكتو». وقد ظلت تمبتكو في البداية عبارة عن مخيم للطوارق، ثم تحولت مع مرور الأيام إلى قرية، وظلت تنمو باضطراد إلى أن تحولت بفضل موقعها من ملتقى للطرق التجارية الى مدينة يؤمها آلاف التجار والزوار؛ ووصل ذلك أوجه في بداية القرن الرابع عشر الميلادي، حيث انتزعت وبكل جدارة مكانة مدن كبيرة في ذلك العصر مثل «ولاتة» في موريتانيا و«برنو» في غانا، اللتان كانتا من أهم أسواق التجارة في الغرب الأفريقي آنذاك.
النمو والازدهار
وقد بدأت تمبكتو بلفت الأنظار إليها كمركز إشعاع علمي بعد رجوع ملك المندينغ «منسا موسى» من رحلة الحج الشهيرة التي قام بها عام 1325م ووزع في طريقه إليها آلافاً مؤلفة من سبائك الذهب، خاصة في القاهرة. مما تسبب في هبوط أسعار الذهب، وقد أمر السلطان الشاعر الغرناطي الملقب بالسهيلي بتصميم جامع كبير والأشراف عليه (هو جامع تينبتكو القائم إلى يومنا هذا)، وكانت تلك النواة الأولى لبناء صرح علمي في تينبتكو حيث صار مع مرور الأيام مركزا للعلم، خاصة تبرع امرأة من سركولو (إحدى القبائل المالية) ببناء جامع آخر فيما بعد، وقد ازدهر العلم مع تقاطر الطلبة من شمال وغرب أفريقيا على تينبتكو، وقد ساعد على ذلك الإنفاق السخي الذي قام به التجار على دور العلم فكان أروع تزاوج بين المال والمعرفة في عروس الصحراء.
كان الحرير والتوابل والنحاس الأحمر من أكثر البضائع الرائجة في تينبكتو ومن أفخر بضائع الدنيا حيث كان التجار يقايضون بها ببضائغ مملكة مالي الفاخرة التي أشتهر سلاطينها بملوك الذهب. كانت تينبتكو من أكثر مدن أفريقيا التي تصدر الألماس والذهب والعاج وريش النعام، إضافة إلى ملح صحراء "أزواد" الذي اشتهرت قوافله حتى عصرنا هذا، وكانت مثار إعجاب الأوروبيين.
التصحر
ترقد تمبكتو بمحاذاة نهر النيجر الذي يلتف بها من جهة الجنوب، و لظاهرة التصحر في هذه المدينة أثر كبير مدمر، حيث غطت الرمال الغطاء النباتي الذي كان يحيط المدينة وردمت فلاع النهر الذي يبلغ طوله حوالي 7كم والذي يصل المدينة بالمجرى الرئيسي لنهر النيجر الذي كان يسهل نقل البضائع إلى قلب المدينة بواسطة الملاحة النهرية.
و بالرغم من استغلال الحكومة المالية للسمعة التاريخية الواسعة للمدينة في جلب السياح الغربيين، إلا أن نصيبها من مشاريع البنية التحتية لا يكاد يذكر، مما أثر على السياحة في المدينة نفسها، هذا فضلا عما نتج عن ذلك من مظاهر الفقر والبؤس، وبالرغم من هذه الصورة القاتمة إلا أن تنبتكو تبدو على الدوام شامخة ومصدر اعتزاز ومتعة إذا ما نظرنا إلى واقعها الثقافي، إذ أنها من المناطق القليلة في العالم التي حافظت على ذلك النوع الثقافي الكوزموسي، حيث استطاعت المدينة صهر عدة ثقافات في بوتقة واحدة، لتصنع منها ثقافتها التي قلما تجدها في مكان آخر. فسكان تنبتكو يجيد معظمهم سبع لغات ويعني ذلك أنه يعيشون سبع ثقافات امتزجت عبر تاريخ شعوب المنطقة، وهم: الطوارق، والعرب، والفلان، والبمبارا، والسنغاي، إضافة إلى الفرنسية كلغة رسمية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 142