العواصف الترابية ... ظاهرة طبيعية في دولة الكويت
م. خلود المرزوق
لقد كانت العواصف الترابية محط اهتمام العديد من العلماء كونها كارثة طبيعية تؤثر في كافة المرافق والمجالات المعيشية للإنسان بما تنقله من تراب معلق ورمال زاحفة تؤدي إلى مشكلات عديدة في البيئة وتنعكس آثارها السيئة على الكائنات الحية بمختلف أنواعها وعلى الاقتصاد الوطني في شتى المجالات، وقد تركزت الأبحاث حولها منذ الأربعينيات من القرن العشرين، ويعتبر العالم (باجنولد) Bagnold من أوائل الدارسين لها، حيث وضح كيفية تكونها وكيفية حركة حبيبات التربة بواسطة الرياح، ووضع معادلة رياضية حول ذلك يربط فيها بين معدل حركة حبيبات التربة وحجم هذه الحبيبات والوزن النوعي للهواء وعجلة الجاذبية الأرضية وسرعة الرياح، وقد وضع العالم (بوفورت) Beawfort مقياساً لقوى الرياح يبدأ من القوة صفر عندما تكون الرياح ساكنة إلى قوة 12 عندما تحدث الرياح ما يسمى إعصاراً، ووضح مظاهرها على اليابسة وعلى سطح البحر وسرعتها، وما جاء به العالم بوفورت لم يكن جديداً على الدين الإسلامي فقد ذكر القرآن الكريم ووصف الرياح في التقسيمات الاثنى عشر، وقد تم رصدها في جدول عن الأرصاد الجوية محمد حجازي/ النادي العلمي.
يكثر حدوث العواصف الترابية في المناطق الصحراوية القاحلة التي تتصف تربتها بوجود حبيبات رمال دقيقة وذرات تراب ناعمة، تعمل حركة الرياح على انتشارها باتجاه أفقي ورأسي، مما يؤدي إلى إشاعتها في الجو وتشبعه بها، وتحدث هذه الظاهرة عندما تزيد سرعة الرياح على 10- 15 كيلو متراً في الساعة.
تأثير العواصف الترابية في البيئة
تكمن خطورة العواصف الترابية والرملية في تأثيراتها الضارة على تدهور نوعية مكونات النظم البيئية من ماء وهواء وتربة. بالإضافة إلى تأثيراتها على كافة الكائنات الحية النباتية والحيوانية صغيرة كانت أم كبيرة وكذلك على الإنسان نفسه.
ومن أهم مظاهر الخطورة التالي
اضمحلال الرؤية الأمر الذي يهدد ظروف الأمن والسلامة في عمليات النقل والمواصلات ويقلل من نشاطها خاصة أثناء حركة هبوط الطائرات وإقلاعها ورسو السفن في الموانئ وحوادث السيارات في الطرق السريعة.
استنشاق الهواء المحمل بالحيبات الترابية يسبب مشكلات صحية خاصة إذا كان الهواء محملاً بمواد ضارة مثل الميكروبات المختلفة التي تسبب الأمراض المعدية، وقد تتعب المرضى المصابين بالحساسية في الرئة مما يصيبهم بالربو والكحة، هذا وقد تعمل العواصف على نشر الملوثات الغازية الكيميائية والحيوية.
تعمل الرمال والأتربة التي تحملها هذه العواصف على إعاقة الكثير من الأنشطة الإنمائية كما أن ارتطام حبيبات الرمل على واجهات المباني والسيارات يعمل على تآكلها وتلفها.
تعمل الرمال أثناء تقدمها وزحفها على تدمير المزارع فتقلل إنتاجية الأراضي الزراعية وتسهم في انتشار عملية التصحر لكثير من الأراضي.
العوامل المساعدة على حدوث العواصف الترابية
تتهيأ ظروف كثيرة في المناطق الصحراوية لتكون العواصف الترابية أو تساعد الرياح على حمل كميات كبيرة من الرمال كمرور المنطقة بنوبات من الجفاف وعدم هطول الأمطار بكميات مناسبة، بالإضافة إلى الممارسات الخاطئة التي تسهل إحداث العواصف مثل:
1- الرعي الجائر الذي يفقد سطح الأرض غطاءها النباتي الذي يعمل على تماسك حبيبات التربة.
2- استخراج الحصى والصلبوخ والرمال الخشنة من أجل استخدامها في أغراض البناء مما يكشف المنطقة ويؤدي إلى تفكك التربة فتصبح سهلة النقل من مكان إلى آخر.
3- عدم وعي بعض رواد الصحراء بغرض التنزه وإقامة المخيمات بأهمية المحافظة على البيئة الصحراوية وعدم تدميرها.
مناطق العواصف الترابية في العالم
ينتشر حدوث العواصف الترابية في أنحاء متفرقة من سطح الأرض وتتركز في المناطق التالية:
1- منقطة السهول الواسعة في الولايات المتحدة: والتي تتعرض لعواصف ترابية عنيفة خاصة في منطقة تكساس، حيث أنها سميت (وعاء الغبار)، وكذلك في المناطق الشمالية الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يصل تكرار حدوثها إلى 12 مرة في السنة الواحدة وتسمى رياح الهبوب الأمريكية.
2- منقطة مدينة الخرطوم في السودان: وقدر عدد مرات حدوث العواصف الترابية فيها بحوالي 24 مرة في السنة الواحدة، وتسمى رياح (الهبوب)، وتحدث في تلك المنطقة بين شهري يونيو ويوليو، وقد لوحظ أن كميات كبيرة من الأتربة تنقل بوساطتها قدر ارتفاعها عند تراكمها أمام عائق بحوالي 3,5 متر.
3- منطقة وسط وغرب أفريقيا: حيث تتعرض الصحاري الجنوبية فيها إلى تيارات شديدة نتيجة تحرك تيار هوائي ضخم من جهة الشرق إلى الشمال الغربي فوق الصحاري الرملية لموريتانيا والنيجر، ويصل طول هذه العواصف أحياناً إلى 2500 كيلو متر وعرضها حوالي 600 كيلو متر، وقد تنتقل خلال المحيط الأطلسي لتصل إلى السواحل الشرقية لأمريكا الجنوبية.
4- منطقة الشمال الغربي من السودان: وتعتبر المنطقة الثالثة في العالم من شدة تعرضها لهذه العواصف، حيث تحدث عندما تتلاقى التيارات الهواية الشمالية الغربية الباردة مع تيارات الرياح الموسمية الجنوبية الشرقية الحارة، وينتشر الغبار نتيجة ذلك ليعم المنطقة الشمالية الغربية من السودان من نهر النيل حتى البحر الأحمر، وقد تعبره لتصل إلى شبه الجزيرة العربية.
العواصف الترابية في الكويت
هناك تفاوت فصلي في حدوث هذه العواصف في الكويت. ففي الشتاء تعبر البلاد منخفضات جوية غربية، لذا فإن الرياح العاصفة تهب أحياناً وتؤدي إلى إثارة الغبار وتصاعده في مقدمة هذه المنخفضات أيضاً تسود الرياح الجنوبية الشرقية (الكوس) لمدة يوم أو يومين يهبط فيهما مدى الرؤية إلى كيلو متر واحد أو أقل.
وفي فصل الربيع يزداد حدوث هذه الظاهرة، خاصة في شهري أبريل ومايو، حيث تكثر العواصف الترابية المفاجئة والمصحوبة بالعواصف الرعدية بسبب عبور جبهات هوائية باردة، يصل متوسط عدد العواصف الترابية خلال الشهر الواحد في الربيع إلى ثلاثة أو أربعة أيام تقريباً، وأما متوسط حدوث الغبار المتصاعد فيصل إلى 5 أو 6 أيام.
وفي شهور فصل الصيف يتكرر حدوث هذه العواصف لتصل قمتها خاصة خلال يونيو ويوليو، وعندما تسود الرياح الشمالية والغربية القوية، وقد تحدث هذه العواصف في فترات تستغرق كل فترة فيها من 3- 7 أيام تقريباً، ويتدهور تبعاً لذلك مدى الرؤية إلى أقل من 1000 متر يهبط إلى أقل من 500 متر أحياناً.
ويتراوح متوسط عدد حدوث العواصف خلال الشهر الواحد في الصيف من 5 أيام في شهري يونيو ويوليو إلى يومين في أغسطس، وقد يهبط إلى يوم واحد في سبتمبر، أما الغبار المتصاعد فقد يستمر لمدة 17 يوماً في الفترة ما بين شهري يونيو إلى سبتمبر.
يعتبر فصل الخريف من أهدأ الفصول ومع ذلك تتعرض الكويت خلاله لعواصف ترابية نتيجة عدم الاستقرار الجوي، ويصل متوسط عددها الشهري بين 1,2 يوم في أكتوبر إلى 0.3 يوم في نوفمبر.
بعض إحصاءات العواصف الترابية في الكويت
من العواصف الترابية الشديدة التي حدثت في الكويت تلك التي سجلتها الأرصاد الجوية في مطار الكويت خلال الفترة من 16 إلى 22 يونيو سنة 1973 حيث وصلت سرعة الرياح إلى 45 ميلا في الساعة وهبطت الرؤية إلى 500م وحجبت السماء لمدة 14 ساعة متواصلة.
وتدل الإحصاءات المناخية الموثقة أن وزرة الأتربة المتساقطة على الكيلو متر المربع الواحد في شهر يوليو وصل إلى 144 طناً من الأتربة ليصل وزنها 457 طناً على الكيلو متر المربع الواحد خلال شهر أغسطس.
والغبار يسيطر على 27% من الوقت خلال النهار في شهور (مايو/ يونيو/ أغسطس)، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 34% خلال شهري يونيو/ يوليو باعتبارهما أكثر شهور السنة غباراً.
ولقد أظهرت الدراسات الحقلية أن الكويت تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من مسار حزامين كبيرين من الرمال الزاحفة أحدهما أكثر نشاطاً يقع عبر الحدود الكويتية العراقية في منطقة (الهويملة)، والآخر يقع عند حدوده الشمالية في منطقة (القشعانية)، مما يجعل سطح الأرض في الكويت يتعرض لزحف الرمال بشكل ملحوظ. مما يجعل تمركز الإعمار في مدينة الكويت يقع مباشرة على الساحل الجنوبي لجون للاحتماء من العواصف الترابية، وكذلك أهمية التفكير في إيجاد الطرق الكفيلة بالتخفيف من حدة تلك العواصف الترابية، خاصة عند التخطيط للتنمية العمرانية في منطقة شمال جون الكويت مثل منطقة الصبية.
مقاومة العواصف الترابية
لمواجهة هذه المشكلة أجريت الدراسات الميدانية في أكثر من جهة وأكثر من مجال لوضع حلول مناسبة لها، وذلك بعد التعرف على مسبباتها الرئيسية من سرعة الرياح واتجاهاتها السائدة خلال شهور تكون هذه العواصف ومدى تفكك حبيبات التربة في الأماكن التي تشكل مصدراً لهذه العواصف، وقد كانت الاقتراحات كالتالي:-
- عمل مصدات هوائية من أشجار مناسبة طويلة الجذوع قليلة الاحتياج للماء، وذلك حول المكان المراد حماية حيث تواجه الرياح السائدة فتكسر من حدتها وتقلل من سرعتها وتأثيراتها الضارة.
- زراعة أنواع مختلفة من النباتات والشجيرات الصغيرة لتثبيت التربة من العواصف.
- رش التربة بالمواد القارية والمخلفات البترولية الناتجة عن عمليات تكرير النفط خاصة على جوانب طرق السفر السريعة، وذلك لتغطية الرمال ومنعها من الانتشار أثناء هبوب العواصف وتثبيتها.
- مكافحة الرعي الجائر من قبل الأغنام والماشية والجمال لنباتات الصحراء الطبيعية التي تشكل كساء خضرياً مهما يعمل على تماسك حبيبات التربة وتثبيتها.
الهجوم المطلوبة لتخفيف حدة ظاهرة العواصف الترابية
تعمل كثير من الدول المتقدمة على تجهيز مراكز مخصصة لمواجهة الكوارث بجميع أشكالها سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان وتسعى تلك المراكز جامدة لتيسير المعونات الدولية بأقصى سرعة ممكنة لمواجهة الكوارث حال حدوثها في البلاد المنكوبة، وكذلك تقديم التدابير والاحتياجات اللازمة في هذا المجال إضافة إلى ما يتابعه من تجهيزات تكنولوجية حديثة تعمل على التنبؤ بحدوث الكوارث، ومن ثم العمل على تفادي حدوثها إن أمكن أو التخفيف من حدتها.
وحيث أن الكويت تتعرض لعواصف ترابية فهناك أهمية بإعداد المزيد من الدراسات من قبل المتخصصين عن الوقاية والتنبؤ بوقوع تلك الكارثة مع توفير أجهزة الرصد والتنبؤ التكنولوجية المتنوعة والمتطورة، والإعداد لرفع مستوى التخطيط الذي يسبق الكارثة والتهيؤ له بما في ذلك القدرة على الإشراف، والوضع في الاعتبار تلك الظاهرة خاصة عند إعداد دراسات المردود البيئي لمشاريع التنمية وعند التخطيط، مع ضرورة نشر الوعي للمواطنين خاصة المرضى منهم والأطفال بخطورة العواصف الترابية وتأثيراتها على الصحة وإلزامهم المنازل في أثناء هبوبها، وذلك للتخفيف من وطأة هذه المآسي الطبيعية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 45