بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

مخيمات الربيع

مخيمات الربيع

مخيمات الربيع


تقليد متوارث عن الأجداد والآباء يحافظ عليه الأبناء


م. خلود المرزوق


طحن القهوة في الهاون النحاسيعندما يأتي الربيع تدب الحياة في أرجاء صحراء الكويت لتكسف عن الوجه الآخر لقلبها النابض بالحياة فبعد طول انتظار خلف مواسم القحط ولجفاف تقبل جنة الرعاة علي الأرض تعلن ميلاد الربيع في الصحراء.

التخييم في الربيع كان عند الأجداد عادة منتظمة يتطلعون إليها في شوق كل عام خاصة بعد موسم الأمطار فنجدهم يحملون أمتعتهم البسيطة علي ظهور الحمير ويجرون معهم أغنامهم ويركبون الجمال ويذهبون إلي خارج أسوار مدينة الكويت القديمة لم يكن معهم خرائط دقيقة للمنطقة ولم تكن هناك إشارات يستدلون بها علي أماكن الواحات في الصحراء بل كانوا يسلكون الطرق الضيقة التي شقتها القوافل يقودهم أحد رجال البدو الرحل الذين قضوا طفولتهم وشبابهم جانبا من شيخوختهم في ربوع الصحراء والذي ينزل في أطراف المدينة القديمة صيفا ويتوغل في أرجاء صحرائها شتاء يتبع مواقع المطر والنباتات بإبله وأهله ويصحب معه من يرغب من أهالي الكويت في التخييم في ربوع الصحراء في فصل الربيع.

يستعد الأهالي بعد القفال من موسم الغوص صيفا وبعد موسم الأمطار شتاء بالتجهيز للتخييم في الصحراء فنجدهم يذهبون جماعات حاملين معهم مئونتهم راكبين الجمال المزينة بالهودج وبعد مسيرة يوم أو يومين يحطون أمتعتهم عند نقطة ماء لرعي الأغنام والماشية. فينصبون خيامهم وبيوت الشعر ويبسطون الأرض بقرشات السدو التي تعمل المرأة علي غزلها من شعر الماعز.

وفي وقت مبكر من كل يوم وبعد صلاة الفجر يدب النشاط في المخيم فنجد النساء في كل خيم مشغولات أما بحلب الماعز والنعاج أو في جمع الحطب للنار أو في ملء قربهن بالماء بينما يعمل الرجال في إعداد القهوة فوق النار الموقدة من الحطب أو روث الجمال حيث يبدأون بتحميص البن ثم طحنه في هاون نحاسي وكان من يقوم بهذه العملية يعمد إلي جعل الهاون يرن أثناء الطحن كعلامة علي إعداد القهوة ودعوة الموجودين للحضور.

وبعد شرب القهوة وأكل القدوع وهو طبق من التمر يخرج الرعيان وأضعين بشوتهم علي رؤسهم لرعي الأغنام والماشية ويعودون إلي المخيمات قبل غروب الشمس.

بينما يخرج الأطفال من صبيان وبنات للعب حيث يقضون ساعات بين أشجار العرفج لصيد الجراد الذي يقفز محركا أجنحته لمسافة قصيرة ثم يستقر علي الأرض مرة أخرى فيلقي الأطفال كوفياتهم علي الجراد ويجمعونه فرحين أو بجدهم يتجولون مع أهاليهم فوق التلال العشبية بحثا عن شقوق في سطح الأرض الذي يدل علي وجود الفقع وعندما يجدون واحدة يصرخون فرحين ثم ينبشون الأرض ويتسابقون لجمع كمية أكبر من أنواع الفقع (الكماة) وقد يوكل للأطفال بعض المهام المساعدة لأهلهم فهم يسرخون بالأغنام ويرضعون ضغار الماعز كما تقوم بعض البنات بالاحتطاب وجميع الأشجار.

هواية القنص باستخدام الصقور

كما يذهب الرجال لممارسة هواية القنص باستخدام الصقور وهي هواية قديمة تعود جذورها العرقية إلي ما قبل الإسلام وتبدأ مواعيد الصيد بواسطة الصقور غالبا في الصباح الباكر أو وقت الغروب ويمنع الصيد وقت الظهيرة نظرا لارتفاع درجة الحرارة وهو ما قد يهدد حياة الصقر وعند الخروج للصيد تغطي عيناه لمنعه من الروية ويحمله الصياد علي يده التي بغطيها قفاز من الجلد السميك لحمايتها من مخالب الصقر الحادة وعندما يري الصياد الحيوان أو الطائر الذي يريد اصطياده يرفع العمامة عن عيني الصقر الذي ينطلق تجاه الفريسة في سرعة خاطفة منقضا عليها ليشل حركتها وفي هذه اللحظة يطلق الصياد كلابه لاستكمال المهمة ثم يلحق به لاستخلاص الفريسة ويكافئ صقره بقطعه من اللحم ثم يعيد تقييد ذراعيه ويضع العمامة فوق عينيه مرة أخرى من الجدير بالذكر أن العرب القدامى يطلقون أسم "الطائر النبيل" علي الصقر لما يتمتع به من عزة نفس وكبرياء فهو لا يستسلم لصائده إلا تحت وطاة الجوع كما يعرف عنه الشجاعة في الدفاع عن النفس والسرعة في الانقضاض علي فريسته إنه الصقر ذلك الطائر ذو العينين الثاقبين الحادتين عاشق الهدوء والراقص في الهواء.

الأمسيات الليلية في الصحراء

وعند الغروب عندما تختفي الشمس ببطء خلف الأفق نجد الرجال يراقبونها وينتظرون إلي أن يختفي آخر شعاع للشمس يتجمع الرجال ليشكلوا صفا خلف الإمام ليصلوا جماعة صلاة المغرب.

ثم يعودون إلي حيث النار التي توضع عليها القهوة وقد ألقيت أغصان جافة فوق الجمر وتصاعدت فيها السنة طويلة من اللهب أمام كومة الرماد الهائلة يجلس الرجال حول النار لتدور القهوة علي الجميع ويقدم الشاي مرات ومرات إلي أن يلتقي الجميع.

بينما تتجمع النساء في خيامهن ويرتدين أفضل ما لديهن من ثياب باهية الألوان وذلك بعد أن ينتهين من إعداد الطعام وتقديمه في صينية كبيرة مملوءة بالأرز واللحم فوق حصير أمام الخيمة لينضم الجميع بتناول أشهي طعام عشاء في ضوء القمر.

فالأمسيات الليلية في الصحراء لها سحر خاص حيث تحمل نسمات الليل عبق الأعشاب الصحراوية التي تملأ صدور المجتمعين حول النار المتأججة انتعاشا وتفاؤلا إلي جانب ذلك الرونق الفضي الذي يرسله القمر فوق رؤوس المجتمعين ويقطع سكون الليل بعض الضحكات والحكايات التي تخرج بكل تلقائية وعفوية من أفواه الحاضرين كما ينام الجميع وتحرسهم الكلاب التي قد يعلو نباحها عند قدوم غريب أو خروج الذئاب والثعالب التي تبحث عن طعام لها فتحاول مهاجمة قطيع الخراف فتقف لها الكلاب بالمرصاد إلا أن ذلك لا يمنع من تمكن الذئاب من الصحراء علي فريسة من قطيع الغنم.

أوقات الصلاة

كانت معرفة أوقات الصلاة تعرف بقياس الظل خاصة صلاة الظهر والعصر أما أوقات الفجر والمغرب والعشاء فعلاماتها واضحة وجلية مؤقت صلاة العصر هو الوقت الذي يصير فيه ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال ومعرفة أن قامة كل شخص سبعة أقدام بقدمه أو أربع أذرع بذراعه ومعرفة الزوال أن اغرز خشبة مستوية في أرض مستوية ويجعل عند منتهي ظلها علامة فمادام الظل ينقص عن العلامة فالشمس متحركة ومتى وقف فهو وقت الاستواء وقيام الظهيرة.

عمل المرأة

تؤدي المرأة عملا بارزا ومهما في هذا المجتمع فهي الأسرة وركن أساسي من أركانها لا سبيل لإنكار فهي تقوم بإدارة شؤون عائلتها وتقوم بأعمال كثيرة ومتنوعة وقاسية كحياكة بيت الشعر ونسجه من شعر الماعز وبناته أيضا كما نجدهم في حركة دائبة ترعي الأطفال وتجمع الحطب وتحمله علي ظهرها وهي عملية شاقة ومتعبة وتأخذ الكثير من الوقت والجهد ثم تقوم بالطبخ والخبز وتفرح باستقبال القناصة عند عودتهم من رحلة القنص لطبخ ما اصطادوه من طيور الحباري أو الأرانب أو الغزلان فتعمل النساء في المخيم مجتمعات علي طهر الطعام من اللحوم أو مما جمعه الأولاد من الكمأة كما تعمل المرأة علي حلب الماعز والنعاج وصنع اللبن وحين تزداد كميات الحليب واللبن عن الحاجة يحولونه إلي لبن جامد يسمي (اليقط) حيث تجمع المرأة اللبن تستخرج الزبد منه وتضعه في إناء ثم تغليه علي النار لفترة زمنية لا يقل عن ساعتين حتى يتخثر اللبن ثم تبرد وتضعه في إناء وتعمل منه أقراصا يظهر فيها شكل الأصابع واضحة ثم تضعها في مكان مكشوف لتجف تماما.

تأثير البيئة الصحراوية علي الأطفال

للبيئة الصحراوية تأثير إيجابي علي نشأة الطفل فكريا ومعنويا رغم صعوبات المعيشة فيها فبعد أن يترعرع الطفل منطلقا علي سجيته يتلقي الصحراء حيث رحابة المكان وسعة الأفق الطبيعة البكر ومضارب القبائل والليل ووحوش البادية فيجالس الرجال ويستمع شعراء البادية وما يكتسوبه من مدح وهجاء القبائل وأحبارهم.

كما للصحراء تأثير علي صحة أجسام الأطفال فالسير مشيا علي الأقدام لرعي الماشية وركوب الخيل والحمير والمشاركة في سباق الإبل أكسب الأطفال قوة جسدية كما أن مواجهة طقس البادية وتقلبانه وجها لوجه جعلت الطفل يتحمل هواء الطبيعة القاسية لا يحميه سوى خيمة مصنوعة من شعر الماعز أو صوف الأغنام.

ثم ظهر البترول الذهب الأسود في صحراء الكويت فكان نعمة من نعم الله علي أهلها حيث تغيرات المدينة القديمة بأسرها وبسرعة هائلة فقد حلت البنايات الحديث مكان البيوت القديمة وأمتد العمران إلي خارج السور حتى أن التغيير شمل مخيمات الربيع.

أصبحت سيارات اللوري ذات لون دم الغزال أو اللوانيتات القرمزية اللون صورا تمثل شعار كل خيمة وأصبحت هناك ورشة في الكويت اسمها مصنع النمر متخصصة في إضافة جوانب حديدية فاخرة لهذه السيارات مدهونة بألوان زاهية مع وضع مقاعد حديدية في مؤخرة السيارة وتثبيت إطار حديدي في أجناب الجزء الخلفي من السيارة يغطي بقماش مقوي مضاد للماء يحمي الركاب والأمتعة وأصبح السائق يشغل المذياع ليسمع الأغاني العربية أثناء تنقله في الصحراء حاملا معه جالونات للبترول إضافية ونجد الأهل يركبون الشاحنة فوق الخيام وبقية الأمتعة.

وفي داخل الخيام تغير الفرش فلم يعد المرء يري الهودج المزين وأصبحت الأرض تفرش بسجاجيد قطنية كبيرة ألمانية الصنع وأصبح النسيج الوحيد الذي تغزله المرأة البدوية حتى اليوم هو بيت الشعر لعدم وجود نسيج أخر بكفاءته.

لم تعد المرأة تبحث عن الماء وتحمل قرب الماء الثقيلة من الواحات أو الآبار ولم يعد عناك حاجة لشرب الماء فالماء الحلو يحمل إليهم عبر عربات تحمل برميلا مملوءا بالماء يسمي (التنكر) حيث تملأ خزانات معدنية تسمي (توانكي) توضع جانبا في المخيم للشرب ولسقي الماشية فلم يعد هناك داعي للرعي بالأغنام مسافات طويلة.

ولم تعد المرأة تجمع الأخشاب والأشجار لإشعال النار للطهي حيث أصبح الطباخ الذي يعمل علي الغاز الطبيعي أحد منتجات البترول أسهل وأنظف وأصبح هناك خيمة خاصة للطهي.

وقد أصبحت موائد الإفطار غنية بالحلويات مثل الرهش والحلوي وقرص العقيلي وخبز الرقاق كما أصبح التيرموس الياباني يحل محل دلة القهوة وعلي الرغم من أن التغيير اكتسح المدينة القديمة وغير من أسلوب الحياة البدوية وأصبح الناس يستمتعون بتكييف أنفسهم وأسلوب الحياة المتمدية إلا أنهم ظلوا متمسكين بعادة التخييم التي اختلف الغرض من ورائها فبعد أن كان لهدف رعي الأغنام في فصل الربيع أصبحت لهدف المتعة والتمتع بالحياة الطبيعية في الصحراء.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 54