بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الصيد بالصقور

الصيد بالصقور

الصيد في تراث العرب " لذة " ورياضة تحكمها العادات والأعراف 

الباحث والمؤرخ أحمد محارب الظفيري : لا صيد إلا بالصقور اللمح 

ريهام محمد

الصيد بالصقر والسلوقي

يتحدث الظفيري شارحاً استخدام الصقر والكلب السلوقي في الصيد حيث يقول: حالما يشاهد الصياد الطريدة «الغزال أو الأرنب أو الحبارى» كامنة في الأرض فإنه يطلق كلبه «السلوقي» عليها لإثارتها من مكمنها وحالما تتحرك هاربة من الكلب فإن الصياد يطلق صقره عليها، لأنها عندما تتحرك يراها الصقر فتثير غريزة الصيد عنده فينطلق من كف صاحبه متعقبا الطريدة كالسهم السريع القاتل ويؤكد الصيادون المتخصصون «البيزدارية أو البازدارية» في علم وهواية القنص والصيد أن الصقور لا تلاحظ الفريسة «الطريدة» الكامنة إلا عندما تتحرك، لذلك فإن وظيفة كلب الصيد هي تحريك الطريدة ليلحظها الصقر ويصطادها ويرى الصقر على بعد 20كم وعندما ينقض الصقر على الطريدة فإنه يضربها ببراثنه «مخالبه»، ويكون مكان الضرب على الرأس والعيون خاصة فيشل حركتها ويصيبها بضربات قاتلة ومربكة فتسقط على الأرض، ويكر عليها بنهش لحمها حتى يدركه صاحبه فيخلصها منه وهي حية فيذبحها لتصبح حلالاً، وللسلوقي الضاري المدرب فائدة مهمة قد يصل قبل صاحبه إلى مكان الطريدة كالأرنب أو الحبارى ويخطفها من تحت الصقر ويجلبها لصاحبه قبل أن تموت ليذبحها، وفي بعض الأحيان قد يتمكن السلوقي من اصطياد الصيدة وهي تعني بكلام البدو الطريدة كالأرنب وغيره قبل أن يصطادها الصقر. 

تعليم الجوارح

وجاء في أمثال العرب الدارجة «سلوقي بلا طير عناء بلا خير» والطير المقصود به هنا هو الصقر ومعنى المثل أن القنص والصيد بواسطة السلوقي فقط بدون مرافقة الطير له هو عناء وتعب بلا فائدة، وقد أجاز القرآن الكريم تعليم الجوارح «الكواسر من الكلاب والسباع والطير» وتدريبها على الصيد وأكل ما صادته ونستدل على ذلك من صورة المائدة الآية «4»، يقول رب العزة والجلال {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكبلين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب}.

ويروي الجاحظ في كتابه «الحيوان» أن الصقر من جوارح الملوك وأن الاصطياد بجوارح الطير من هوايات الملوك والأشراف، وهذا النوع من الصيد شائع عند العرب في الجاهلية وزاد التفنن والاهتمام به أيام الأمويين والعباسيين وفي عصرنا الحالي ما زالت هذه الهواية محببة لدى الملوك وأمراء دول الخليج العربي وذوي اليسار منهم. 

الصيد بالفهدة أو الفهد

ووصل المؤرخ الظفيري عند الصيد بالفهد أو الفهدة حيث قال: الفهد الذي نقصده في كلامنا هو الفهد العربي الذي كان موجوداً في بوادي جزيرة العرب إلى عهد قريب، ولونه رمادي أو رمادي يميل للبياض منقط جسمه ببقع سوداء كبيرة وهو أكبر من الهر البري وأصغر من النمر «والإثنان الهر والنمر كانا موجودين في جزيرة العرب» والشئ المؤسف الذي يجب أن نلفت النظر هو أن النمر العربي انقرض من جزيرة العرب في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي.

أما الهر والفهد فهما على وشك الانقراض وما تبقى منهما عدد قليل حسبما سمعنا من الصيادين والقناصين، واذكر وأنا فتى يافع في سنة 1955 أن أحد أعمامي اصطاد فهدا صغيرا بالقرب من الرقعي وكنا نلعب عليه ونستأنس «نفرح» بوجوده بيننا، ولا ننسى أن اسم فهد واسم فهدة من الأسماء الشائعة والمفضلة عند رجال ونساء جزيرة العرب إلى يومنا هذا.

ومن يتصفح كتاب التاريخ والأدب والشعر عند العرب يلاحظ أنهم منذ عصر الجاهلية ومروراً بكل العصور اللاحقة، وإلى العهد القريب كانوا يأخذون الفهدة أو الفهد الصغير ويربونه ويدربونه على الصيد بواسطته يصطادون الغزلان والمها «بقر الوحش». ويصف الشاعر العباسي ابو النواس فهدته الضارية على الصيد والاقتناص قائلا:

رقم ديابيج على أثوابها ... مخطفة الكشخين في اضطرابها

كأنها الفتاة في انتصابها ... والحية الرقطاء في انسيابها

وسرعة العقاب في انصبابها ... وتارة كالليث في وثابها

فأبصرت من حيث يممنا بها ... عفر الظباء وهي في أسرابها

الرحالة الأجانب

وقد ذكر بعض المستشرقين والرحالة الأجانب الذين زاروا جزيرة العرب وعاشوا مع قبائلها وتجولوا في ديارها أن الكثير من شيوخ هذه القبائل ورجالها كانوا يصطادون الصيد بواسطة الفهود والصقور والكلاب وزينوا مؤلفاتهم بصور فوتوغرافية لهذه الفهود المدجنة وهي راكبة خلف أصحابها (ردفا لهم) على صهوات الخيل أوالهجن أو تجد صورها واقفة بجانب أصحابها مع كلاب الصيد والصقور.

ومن الجدير ذكره ان الصيد الجائر الذي رافق ظهور السيارات والبنادق قد عجل بانقراض حيوانات جزيرة العرب فتدهورت الحياة الفطرية على هذه الأرض المباركة في زماننا الحالي، ولكن ما يبعث الأمل في النفوس هو مباشرة الحكومات في إنشاء المحميات الطبيعية للمحافظة على البيئة وحيواناتها وأعشابها وشجيراتها وسن القوانين المتعلقة بالبيئة. 

ومن الأسماء اللامعة في تاريخ الصيد عند العرب:

يذكر الاخباريون العرب القدماء أن من أوائل العرب الذين تولعوا بالصيد ومارسوه واشتهروا به هو (الحارث بن معاوية بن ثور الكندي) فهو من أوائل من صادوا بالصقور وكان خبيرا في تربيتها وتضريتها (تعويدها وتدريبها) وتذكر كتب التراث أيضا أن (وائل بن ربيعة بن الحارث التغلبي) شيخ قبيلة تغلب في العصر الجاهلي كان مولعا بالصيد ودائما على يده صقر ويرافقه كلبه الضاري في كل تنقلاته وسفراته وقنصاته وأصبح معروفا عند عرب زمانه وعرب زماننا باسم (كليب بن ربيعة بن الحارث التغلبي)، وكانت عربان الجاهلية تضرب به المثل بالعزة والمنعة ويقولون فلان امنع من كليب وائل، وبسبب مقتل هذا الشيخ المنيع الجانب قامت حرب ضروس بين قبيلتي تغلب وبكر تسمى بحرب البسوس التي دامت أربعين سنة. كما قال الشاعر أبو نواس ممجدا الصيد بالصقور:

لا صيد إلا بالصقور اللمح ... كل قطامي بعيد المطرح

والقطامي من أسماء الصقر الحر عند عرب الجاهلية وعند العرب الحاليين، والاسم جاء من قطمة اللحم بمنقاره من قطم الجناحين أي قصرهما وهي صفة محببة في الصقر، وتذكر كتب التاريخ أن الخليفة الأموي الوليد الثاني بن يزيد الثاني والخليفة العباسي محمد المهدي اشتهرا بحب وممارسة هواية الصيد والقنص وكانا ينفقان عليها أموالا طائلة.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 103