أسهل في الحصاد الميكانيكي واليدوي
المدرجات الزراعية: المصاطب تحافظ على التربة في 5 دول عربية
عنود القبندي
المصطبة Terrace مساحة مسطحة في منطقة هضاب مزروعة، مصممة كطريقة للحفاظ على التربة لإبطاء أو منع الانسياب السطحي السريع لمياه الري. وتتشكل تلك الأراضي في الغالب في عدة مصاطب، مما يعطيها شكل الدرج. التصميم البشري لزراعة الأرز في مصاطب تتبع خطوط الكونتور الطبيعية للتضاريس في جروف (خنادق) الحرث الكونتوري، فهي على سبيل المثال سمة مميزة لجزيرة بالي ومصاطب الأرز في باناوه في بنكويت بالفلبين، وفي البيرو، استخدم الإنكا منحدرات يستحيل استخدامها بأي طريقة أخرى ببناء حوائط حجر جاف لخلق المصاطب. هذا النوع من استخدام الأرض شائع في العديد من البلدان، ويستخدم لمحاصيل تتطلب الكثير من الماء، مثل الأرز. والمصاطب أيضاً أسهل في البذر والحصاد الميكانيكي واليدوي من الأراضي ذات الانحدارات العالية. ومنذ بدايتها في الزراعة فإن خلق مصطبة زراعية في موقع ذي انحدار تطور في البستنة. وربما بـنيت حدائق بابل المعلقة على جبل اصطناعي فيه مصاطب.
البدايات التاريخية
تعود البدايات التاريخية لفكرة المدرجات إلى القرون الأولى التي سبقت وتلت الميلاد - العهد الروماني - بعد أن تحول الإنسان من نمط الصيد إلى النمط الزراعي والتجاري، وذلك في عدة أقاليم من العالم في شمالي إفريقيا وشبه الجزيرة العربية (اليمن خصوصاً) وبلاد الشام والصين وغيرها.
لقد دام الاستقرار الزراعي أكثر من ستة قرون حيث تمكن المزارعون بخبرتهم من تعرف التعرية والانجراف في المنحدرات وطبقوا الطرق الملائمة لمقاومتها والحد من تأثيرها في التربة وخصوبتها وفي المياه، فكانت بداية استخدام المدرجات والسدود التعويقية ونشر المياه وغيرها، أساسا في الإدارة الزراعية المتقدمة، وكانت المدرجات تزرع أشجار الزيتون واللوز في حين تشكل الهضاب المراعي المفتوحة. ومن ثم تدهورت الأحوال الزراعية وأساليب حماية التربة وحفظ المياه منذ القرن السابع الميلادي حتى القرن الحادي عشر حين تم تحسين أعمال حفظ التربة والمياه، ثم أهملت من جديد حتى القرن الخامس عشر، لتنتعش مجددا في القرن السادس عشر والسابع عشر (بداية الحكم العثماني)، ثم تدهورت من جديد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وفي القرن العشرين انتشرت أعمال صيانة التربة والمياه في معظم أنحاء العالم ولاسيما في بلاد المغرب العربي والشرق الأوسط.
أنواع المدرجات
تختلف المدرجات فيما بينها كل حسب الظروف البيئية السادئة والوضع الاجتماعي والاقتصادي لسكان المناطق التي تقام فيها وعوامل أخرى.
1. المدرجات الأفقية أو المستوية Level terraces: هذه المدرجات تتماشى مع الخطوط الالتفافية تماما على المنحدر وتكون ذات سعة كافية لاستقبال جميع كميات الأمطار الهاطلة فيما بين كل مدرجين متتاليين وتقام في المناطق الجافة ذات الترب العميقة والنافذة حيث يكون انحدراها نحو 2-8%وتكون قاعدتها عريضة بحيث تسمح باستخدام الميكنة الزراعية. وتوجد منها ثلاثة أنواع وهي مدرجات مستوية قصيرة ومدرجات مستوية طويلة والمدرجات الحوضية الهلالية الشكل المنفردة.
2. المدرجات المنحدرة ذات المجاري: Graded channel terraces تنشأ بشكل مجار خاصة تنقل المياه الزائدة من الأمطار الشديدة وبانحدار مناسب يسمح بسيلان المياه الراكدة في المدرج إلى مجرى مائي أو خندق تجمع المياه. ويغطى هذا المجرى بغطاء نباتي قبل إنشاء المدرج على أن يتناسب الانحدار التدريجي للمدرج مع سرعة المياه ونوع التربة.
3. المدرجات المدرجة: تنشأ على تدرج انحداري بسيط، وتكون مطابقة للمستويات الكونتورية تماما لتلقي كامل المياه ونقلها ولكن يختلف عرضها حسب التربة والميكنة والخدمات حيث أنها تصنف على فئتين هما مدرجات عريضة التدرج ومدرجات ضيقة التدرج.
4. المدرجات الحجرية: تعتبر من أقدم المرجات الزراعية وأكثرها استخداما منذ العصور القديمة الأولى للزراعة، ولا تزال تستخدم في كثير من السفوح الجبلية والوديان في الجبل الأخضر في ليبيا والمغرب وتونس والجزائر وأيضا في جبال اليمن والصين، كما يشاهد كثير منها في المناطق الزراعية المهجورة بعد اجراف تربتها.
هذه المدرجات تنشأ في الأراضي الشديدة الانحدار وتبني جدرانها تدريجيا حسب المنحدر بالأحجار المتوفرة وتملأ الفراغات خلف الجدران بالتربة الزراعية، حيث تتطابق الجدران مع الخطوط الالتفافية ويكون طولها حسب إمكانية المزارع وحيازته واليد والعاملة المتوفرة.
5. مدرجات الهضاب: Steppe terraces وتنشأ في الأراضي ذات التربة السطحية جدا وفي المناطق الجافة القليلة الأمطار، ولابد من المحافظة على طبقة كافية من التربة داخل مجرى المدرج أو نقل تربة إليه، وتكون جدرانه حجرية جافة.
فوائد المدرجات الزراعية
للمدرجات فوائد بيئية جمة فهي تسهم إسهاماً فعالاً في صيانة التربة وحمايتها من الانجراف والتعرية والانغسال، وكذلك في حفظ المياه والحد من انسيالها السطحي وزيادة معدل تسربها الداخلي، وفي تغذية الينابيع والجداول وزيادة تدفقها واستمراريتها وفي دعم الاحتياطي المائي للخزانات الأرضية السطحية والجوفية. كما تعمل المدرجات على تحسين خواص التربة الفيزيائية والكيمياوية ورفع خصوبتها، ولاسيما محتواها من المادة العضوية الناتجة من النباتات النامية فيها وبتأثير إحياء التربة، وتسهم في الحفاظ على التنوع الحيوي النباتي والحيواني ودعمه وإثرائه في المنطقة، والحد من الإطماء شتاءً وربيعاً والغبار صيفاً. وتفيد المدرجات أيضاً في حماية الطرقات في المناطق الجبلية من الانهيارات والردم ولاسيما في فصل الشتاء. تسهّل المدرجات كثيراً أعمال الخدمة الزراعية مثل الحراثة الآلية والري بالراحة وغيرها. يمكن ضبط جريان الأنهار والمسيلات على نحو شبه دائم في مجاريها بإنشاء مدرجات حجرية على يمين مجراها ويسارها لحماية الأراضي المجاورة من الانجراف أو الردم.
تجربة صينية ناجحة
هضبة اللوس تقع شمال غرب الصين يسكنها أكثر من 50 مليون نسمة، يرجع اسمها إلى تربة أراضيها الجافة التي تذروها الرياح حيث شهدت الهضبة افراطا في الاستخدام والرعي الأمر الذي تسبب في زيادة معدلات تآكل التربة وتفشي الفقر فيها. وقد قام البنك الدولي بمشروع لإعادة عافيتها التي تعاني تدهورا شديدا وذلك عن طريق أكبر برامج مكافحة تآكل التربة في العالم إلى أن يكون منطقة إنتاج زراعي مستدام عن طريق عمل مدرجات زراعية.
ولقد تم إدخال ممارسات الزراعة المستدامة والتي أدت إلى ازدياد مستويات دخل المزارعين بواقع الضعف من حوالي 70 إلى 200 دولار للفرد وانعاش البيئة المتدهورة وحماية الموارد الطبيعية حيث أدى رعي الأراضي بصورة غير منظمة، والزراعة الكفافية، وجمع الحطب لاستخدامه كوقود، وزراعة المحاصيل في المنحدرات والسفوح إلى تدمير مساحات كبيرة من هذه الهضبة. وقد شجع هذا المشروع تجديد الأراضي العشبية وغطاء الأشجار والشجيرات تجديداً طبيعياً على أراضي المنحدرات التي كانت مزروعة في السابق. ومكّنت إعادة زراعة تلك المناطق والحظر المفروض على الرعي فيها من زيادة نسبة الغطاء النباتي الدائم من 17 إلى 34%.
لقد انخفض تدفق الرواسب من الهضبة إلى النهر الأصغر بأكثر من 100 مليون طن ستويا، وأدى إلى تحسن مكافحة الترسيب إلى الحد من أخطار الفيضانات مع إقامة شبكة من السدود الصغيرة الحجم للمساعدة على تخزين المياه لأغراض تلبية احتياجات البلدات، وكذلك لأغراض الزراعة عند انخفاض هطول الأمطار.
لقد كانت موجات الجفاف المتكررة في السابق تتسبب في إخفاق المحاصيل المزروعة في المنحدرات والسفوح، ولم تؤد عملية تدريج الأراضي )على شكل مدرجات ومصاطب( إلى زيادة متوسط المحاصيل الزراعية فحسب، بل وأدت أيضاً إلى انخفاض تباينها بصورة كبيرة. وتغير الإنتاج الزراعي من زراعة عدد قليل من أنواع المواد الغذائية والحبوب المنخفضة القيمة إلى زراعة منتجات عالية القيمة. وخلال فترة تنفيذ المشروع الثاني، ازداد إنتاج الحبوب بنسبة الفرد من 365 إلى 591 كجم سنويا. وقد ساهم هذا المشروع في إعادة هيكلة القطاع الزراعي، وتكييفه ليلائم البيئة الاقتصادية الموجهة نحو السوق وتهيئة الظروف المناسبة اللازمة لاستدامة التربة والحفاظ على المياه.
ولقد تطلبت عملية تدريج الأراضي تعبيد شبكة من الطرق سهلت إمكانية وصول العربات ومعدات المزارع والعمالة إلى تلك المناطق. كما ساعدت مكافحة الترسيب والانتفاع من الأراضي غير المُنتجة سابقاً والتي جرى تحويلها إلى مساحات محصولية قيمة على زيادة تخزين المياه لاستخدامات المجتمعات المحلية والاستخدام الزراعي، وأدى ذلك بدوره إلى الحد من مخاطر الفيضانات. وخفض أسلوب المدرجات المزروعة مدخلات ومستلزمات الأيدي العاملة، ومكّن المزارعين من القيام بأنشطة جديدة مُدرة للدخل.
نباتات المدرجات
تتوقف زراعة الأنواع النباتية لزراعة المدرجات عل العديد من الشروط البيئية المناخية والأرضية والاجتماعية للسكان وأيضا على نوع المدرج نفسه، وعادة تستخدم الأنواع النباتية المتكيفة مع البيئة. ففي المناطق الجبلية العالية الباردة الرطبة وشبة الرطبة يمكن زراعة الكرز والتفاح واللوز والدراق وأيضا الأرز والصنوبر وغيرها من الأنواع الحراجية. أما المناطق الجبلية الجافة وشبه الجافة ذات التربة الطلسية فمن الممكن زراعة الفستق الحلبي والتين والعنب واللوز، وفي المناطق الجبلية الفقيرة بالكلس )البازلتية( يمكن زراعة الكستناء إذا توفرت المياه.
وفي المناطق التي تشهد نشاطا زراعيا ورعويا يمكن تدعيم الجوانب الوحسية للمدرجات بالنباتات أو الأنجم الرعوية المعمرة كالروثة والرغل وغيرها، أما مدرجات مجاري الأنهار فيمكن تدعيمها بزراعتها بالحور والصفصاف والدردار والنغث وغيرها.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 147