بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

زراعة الأنسجة

زراعة الأنسجة

تقنية زراعة الأنسجة لمقاومة الأمراض

حماية البيئة النباتية في عصر الهندسة الوراثية

د. رضا عبدالحكيم رضوان

البيوتكنولوجيا الحديثة تعني استخدام الحيوانات والنباتات والفطريات والبكتيريا والفيروسات ، كاملة أو أجزاء منها، لإنتاج مواد نافعة يحتاجها الإنسان، كالطعام والدواء والكساء والكيماويات، أو في تحسين كائنات حية موجودة، هي تكنولوجيا عمليات صناعية ترتكز على النظم البيولوجية، تستهدف تطوير عمليات تجارية ومنتجات عن طريق دفع الخلايا الحية إلى القيام بمهام خاصة محددة يمكن التنبؤ بها والتحكم فيها.

البيوتكنولوجيا ومقاومة الآفات النباتية

دورة النيتروجين في الطبيعةليس للنباتات جهاز مناعي كالحيوانات تدافع به عن نفسها، لكنها قد طورت حيلاً وطرقاً لتسعفها في مقاومة الحشرات والأمراض الفيروسية أو البكتيرية أو الفطرية. ربما أمكننا أن نقول إن الجينات المشفرة لبروتينات عائلة التوماتين ( وعائلات أربع أخرى غيرها معروفة ) تكون ما يمكن اعتباره آلية للدفاع. وهناك نباتات تنتج برتينات لقتل الحشرات أيضاً، من بين هذه البروتينات المضادة للحشرات هناك مثبط التربسين Trypsin inhibitor، هذا البروتين يثبط نشاط إنزيم التربسين الذي تفرزه بعض الحشرات لهضم خلايا النبات حتى تصبح في صورة يمكنها أكلها، مخلفة ثقوباً في أوراق النبات أو سوقه فإذا ما ثبط فعل هذا الإنزيم ماتت الحشرة جوعاً.

وتتمثل الهندسة الوراثية في نقل الجينات، وتقوم بعمل لا يمكن للمربي للتقليدي القيام به، إنها تدخل صفة جديدة تماماً إلى نبات لم يعرف أبداً، تماماً مثلما هو الوضع في إنتاج الوردة الزرقاء.

ويأتي الجين المفضل من بكتيريا لا من نبات، ثمة بكتيريا من التربة اسمها Bt – Bacillus Thuringiensis، تحمل هذه البكتيريا جيناً يشفر لبروتين سام ليرقات حشرات حرشفيات الأجنحة ومنها دودة ورق القطن. وكان قد كشف عن سمية هذا الجزئ البروتيني واستخدم كمبيد حشري بيولوجي منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وهذه المادة لا تؤذي الإنسان والثدييات، وتقوم بربط بالمستقبلات على أسطح خلايا القناة الهضمية الوسطية للدودة. وتوقف عملها فتموت الحشرة. لقد تمكنت إحدى الشركات الأمريكية من عزل هذا الجين من البكتيريا وكلونته، بعد أن ضوعفت سميته ثلاثمائة مرة ثم أولج في نبات القطن الأمريكي كذلك في الطماطم ونتجت عنه نباتات تقاوم الحشرات مقاومة ذاتية دون مبيدات وتجرى الآن محاولات لتحوير هذا السم البرروتيني بحيث يصلح لمقاومة مجال أوسع من الحشرات.

تنظيف البيئة

ستسهم البيوتكنولوجيا فعلاً في تنظيف البيئة، ولقد فتحت مجالاً جديداً تماما في مقاومة الآفات النباتية لم يكن له قط وجود قبلها، مجالاً لا يزال يتسع في الحقيقة. ثمة من قد عزل وكلون جينات حشرية تنتج بالحشرات أجساماً مضادة تقاوم بها ما يصيبها من بكتيريا، ثم أولج الجينات في الجهاز الوراثي لنباتات البطاطس، بعد أن عرف أنه من الممكن علاج بعض أمراضها البكتيرية بنفس هذه الأجسام المضادة.

وتقنية زراعة الأنسجة في حد ذاتها قد توفر لمربي النبات وسيلة جيدة وسريعة حقاً لإنتاج سلالات نباتية تقاوم بعض الأمراض، إذا وجدت بعشيرة هذا النبات جينات تشفر لبروتينات مقاومتها (إنما بتكرار منخفض) حيث يلاحظ المربي في حقل أصيب بمرض ما أن قليلاً من النباتات قد قاومه، يستطيع المربي أن يستخدم خلايا هذه النباتات، فيستزرعها في مستنبت يحمل المادة السامة التي يفرزها الكائن الممرض لينتخب منها ما يستطيع أن يتحمل السم فيستزرعه ثانية ربما بعد أن يرفع تركيز السم في المستنبت، وهكذا جيلاً خلوياً وراء جيل سيتمكن المربي من إنتاج سلالة من الخلايا المقاومة، ينميها إلى نباتات كاملة من سلالة مقاومة للمرض.

سنلاحظ هنا سرعة إجراء عملية الانتخاب، مقارنة بما كان للمربي أن يفعله إذا كان عليه أن يعدي النباتات في الحقل الكائن الممرض ( بما في ذلك خطورة ) لينتخب منها ما يقاوم، لبضعة أجيال. إن كل ما يلزمه للانتخاب في مزراع الأنسجة هو أن يعرف السم أو أن يستخلصه، ونجحت هذه الطريقة بالفعل في انتخاب سلالة من البطاطس مقاومة للفحة البطاطس وفي انتخاب سلالات مقاومة للأمراض في الكثير من النباتات كالطماطم والجزر والبطاطا وغيرها بل ونجحت في تطوير سلالة من الذرة مقاومة لبعض أنواع مبيدات الحشائش غير الضارة بالبيئة أو بالإنسان أو الحيوان والتي كثيراً ما تبيد المحصول نفسه – وانتخاب مثل هذه السلالة من الذرة سيحميها من فعل مبيد الأعشاب عند استخدامه.

كثيراً ما تظهر عند زراعة نسيج نباتي واحد في المستنبت نباتات تتباين كثيراً تعرف هذه الظاهرة " بالتباين الخضري الكلوني " على الرغم من أنها فرضاً متطابقة وراثياً ويبدو أن هذا الفرض ليس صحيحاً تماماً فمن الممكن للمربي أن ينتخب بينها وينتج سلالات مختلفة ثابتة وراثياً، وأمكن بالفعل استغلال هذه التباينات الحضرية الكلونية في استنباط سلالة من قصب السكر مقاومة لمرض العين الذي يسببه أحد الفطريات إذ أضيف السم الذي يفرزه إلى مكونات البيئة المغذية بالمستنبت لترفع نسبته في كل جيل نسيجي حتى أمكن إنتاج السلالة في ظرف عام لا أكثر وهي المهمة التي لا يمكن لمربي النبات التقليدي أن ينجزها في أقل من عشرة أعوام.

البيوتكنولوجيا وتسميد النبات

النيتروجين ( الأزوت )، واحد من أهم العناصر التي يحتاجها النبات لبناء أنسجته – فكل حامض أميني في بروتين يحتوي بجانب الكربون والهيدروجين والأكسجين على ذرة نيتروجين على الأقل. يشكل النيتروجين نحو أربعة ٨٠٪ الذي نتنفسه لكن النباتات لا تستطيع أن تستفيد منه إلا إذا كان في صورة أزوت مثبن "Fixed”، إما متحداً مع الأكسجين في صورة نترات أو مع الهيدروجين في صورة أمونيا، يوفر المزارع لنباته الأزوت في شكل أسمدة اصطناعية غالية الثمن، وتضاعف المستهلك من مثل هذه الأسمدة بصورة هائلة مع تطوير السلالات غزيرة الإنتاج من محاصيل الحقل فمثل هذه السلالات تحتاج من الأزوت ما يزيد كثيراً عما توفره التربة طبيعياً.

ليس هناك من الكائنات الحية ما يمكنه تثبيت النيتروجين سوى بعض أنواع البكتيريا والطحالب الخضراء المزرقة، لكن بعض النباتات تمكنت من خدعة ثمة عائلة من النباتات يمكنها أن توفر لنفسها الأزوت كالبقوليات التي تؤوي جذورها أنواعاً مختلفة من بكتيريا الريزوبيوم المثبتة للنيتروجين التي تعيش في صورة تكافل مع هذه النباتات، فالنباتات توفر المأوى والطاقة والبكتيريا بدورها توفر الأزوت. عندما تدخل البكتيريا الشعيرات الجذرية تتحرك نحو لحاء الجذر وتنشط بها جينات معينة تؤدي إلى ظهور نتوءات تسمى العقد الجذرية وسرعان ما تمتلئ بملايين البكتيريا التي تقوم بتثبيت النيتروجين، وتعمل كمصنع لتوفير الأزوت للنبات العائل ولما كانت البكتيريا تختلف في قدرتها على تثبيت النيتروجين فقد مكن المربون من استنباط سلالات منها أكثر كفاءة، لكن نباتات كالقمح والذرة لا تؤوي البكتيريا فقد اتضح أن أنواع نباتات البقول المختلفة تفرز مواد معينة تجذب بها أنواع الريزوبيوم الخاصة بها.

البكتيريا تثبت الأزوت عن طريق إنزيم “النيتروجينيز” وجهاز وراثي يسمى “ جهاز تثبيت النيتروجين – نيف “ مؤلف من 12 جيناً وبالفعل تم نقل هذا الجهاز على بلازميدة إلى بكتيريا “ إكولا “ فأصبحت هذه البكيريا تثبت النيتروجين أو أن ينقل جهاز نيف إلى بعض البكتيريا الحرة في التربة لتثري التربة بالنيتروجين المثبت.

في الواقع إن بالتربة بكتيريا حرة يمكن أن تستخدم كمصدر أزوت للنبات، من هذا النوع كلبسبيلا وأمكن استنباط سلالة من هذه البكتيريا تحمل طفرة في جين بها تجعلها تنطلق تنتج أيونات الأمونيا في البيئة حولها دون توقف.

المشاريع

بالفعل هناك مشاريع هدفها تحسين علاقة تكافل ثلاثي معروفة من زمان طويل لدى مزارعي الأرز في فيتنام والصين، ولتوفير الأزوت لنبات الأرز إذ ينمو في حقول الأرز سرخس مائي اسمه أزولا Azolla يعيش في أوراقه طحلب أخضر مزرق اسمه أنابينا أزولي Anabaena Azollae ومع نحال سرخس أزولا يصبح الأزوت الذي ثبته به الطحلب متاحاً لنبات الأرز، يعمل المهندسون الوراثيون على دفع هذا النظام التكافلي إلى إنتاج مستويات من الأزوت المثبت أعلى ليخدم في الأرز وزيادة إنتاجه.

المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 89