الخطر القادم
م. عبدالوهاب السيد
فجأة وبلا سابق مقدمات، راح العالم يتحدث في جزع من ثقب في الغلاف الجوي للأرض، أطلق عليه العلماء اسم (ثقب الأوزان).. ولكن كيف حدث هذا؟ .. وأين؟ .. ولماذا؟ و ... دعونا نبدأ من البداية.. والبداية تقول أن لكوكبنا (الأرض) غلاف غازي يحيط بها، ويعرف باسم (الغلاف الجوي) وهو يتكون من أربع طبقات تعرف أقربها إلى الأرض باسم (التروبوسفير)، وتليها (الاستراتوسفير) ثم (الميزوسفير) وأخيراً (الأيونوسفير).. ولكن دعونا من الأسماء الثلاثة المعقدة الأولى ولتفقز مباشرة إلى طبقة الأيونوسفير، ومن أسمها نعرف أن الهواء فيها متأين، أي أن ذراته تحمل كلها شحنات كهربائية، دمجت كل ثلاث من الأكسجين معاً، لتصنيع منها جزئ من غاز الأوزون، الذي يتكون عند حدوث تفريغ كهربائي، في وسط من الأكسجين.. وهذا الأوزون يصنع من طبقة (الأيوتوسفير) درعاً واقياً، يحمي الأرض من انهمار الأشعة الكونية وأشعة جاما عليها، ويعمل على دفعها إلى الانكسار فوقه والعودة إلى أعماق الكون السحيقة، ولولا هذا لما بقى مخلوق حي واحد على سطح الأرض بسبب التأثير الضار والقاتل للأشعتين، ومنذ بدء الخليقة، راحت طبقة الأينوسفير تزود عن الإنسان في بسالة، وهو يتركها تحيا في سلام، في تعايش سلمي غير مكتوب، ثم جاء التقدم.. وجاءت الحضارة.. وفي كل شوارع العالم، راحت السيارات والدراجات البخارية تهدد، وتنطلق بأقصى سرعتها، مخلفة عوادمها وأدخنتها، لتختلط بأدخنة وأبخرة المصانع، وراحت الموجات اللاسلكية تجوب العالم من أقصاه إلى أقساه، وتفجرت القنابل الذرية والهيدروجينية والنووية، وهنا شعرت طبقة الأيونوسفير بأحشائها تتمزق، وأدركت أن التلوث والأشعات الذرية تسلبها تآين ذراتها وهوائها، وتنتزع منها الكثيرون من الأوزون، لتعيده كما كان حقنة من الأكسجين، وفقدت منطقة التمزق قدرتها على صد وعكس الأشعة القاتلة، التي وجدت سبيلها أخيراً إلى الأرض.. وانكمشت نباتات كوكبنا في رعب مع الأشعة القائلة، وانطلقت منها أطنان من ثاني أكسيد الكربون، وراحت تحيط بالأرض في غلاف جديد، غلاف له خاصية فريدة.. إنه يحيط الكرة الأرضية بما يشبه الصوبة الزجاجية، التي يستخدمونها لزراعة الطماطم.. وللصوبة الزجاجية خاصة متميزة، فهي تنفذ الحرارة القادمة من مصدر مباشر، ولا تنفذها غذا ما انعكست عن مصدر غير مباشر.. وهكذا.. وبدلاً من أن تكتسب الأرض حرارة الشمس، وتفقدها على نحو منتظم راحت تكتسبها فحسب. بسبب صوبة ثاني أكسيد الكربون.. وازداد الصيف حرارة. وذابت جبال الثلج.. وارتفع منسوب البحار والمحيطات، وهدد قارات الأرض بالفرق... ومازال الإنسان يفجر القنابل الرهيبة، ويطلق عوادم صناعاته، ومازال ثقب الأوزون يتسع ويتسع ويتسع.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 4