المبيدات الكيميائية وآثارها البيئية
م. رابعة بركات
يوم إثر آخر تثبت الدراسات والبحوث النظرية والميدانية أن الإنسان الذي يسعي حاليا للحد منم التلوث والحفاظ علي بيئة نظيفة وآمنة هو السبب الرئيسي في وصول التلوث في الطبيعه الي حدوده الكارثية وهو الذي دأب علي قطع الغابات ونشر الإنبعاثات الغازية ورمي الفضلات وطرح الملوثات في الأنهار والبحيرات والميطات إنتهاء بالنفايات النووية ومحاولة التخلص منها بشتي الطرق ومنها دفنها في حاويات خاصة أو دفنها في الفضتء . ومن الظواهر التي تستحق التأمل ما شاع عن أهمية المبيدات الكيميائية في مكافحة الآفات الزراعية إذ استبشر العالم خيرا ببدأ معالجة كيميائية فعاله للنباتات بهدف تأمين الغذاء الي سكان العالم كافة والقضاء علي العوامل الممرضة التي تفتك به وتهدد العالم بالجوع والاقتصادات بالإنهيار والتراجع وسرعان ما بدأ المدح والثناء يكال لهذه المبيدات وللنتائج المذهلة التي توصلت إليها التطبيقات العلمية .
لمكن مع مرور الزمن وانقضاء فورة النجاحات المؤقتة تبين للعالم أجمع وجود مشكلات شتي وأخطار عذيدة ناتجة عن إستخدام هذه المبيدات وذلك التسبب بوفاة كثير من الأشخاص بسبب سمية المبيدات ونفق آلاف الحيوانات والكائنات البرية والبحرية وتسم التربة الزراعية ومياة البحار والمحيطات إضافة الي انتقال معظم هذه المبيدلت الي خارج النباتات بسبب الطرق المتبعة في رش واستخدام المبيدات الكيميائية .
مؤيدون ومعارضون
يري مؤيدوا استخدام المبيدات الكيميائية معالجة الآفات النباتية المختلفة أن هذه المبيدات تؤدي دورا مهما في الحد من نقص الغذاء إذ إن الآفات الزراعية تسبب خسائر في الإنتاج الزراعي تقدر بنحو (50) في المائة من الإنتاج توزع كالتالي :
14 % خسائر تسببها الآفات الحشرية .
12 % خسائر تسببها الأمراض النباتية .
10 % خسائر تسببها الحشائش .
14 % خسائر تسببها آفات المخازن والطيور .
ويري هؤلاء أن السبيل الوحيد الذي أثبت فعالية وكفائة في مكافحة هذه الآفات هو المبيدات الكيميائية حيث يستهلك العالم سنويا كميات هائلة منها وحسب إحصاءات عام 1998 فإن العالم إستخدم نسبا مختلفة من هذه المبيدات توزعت كالتالي:
35 % مبيدات حشرية
19 % مبيدات فطرية
43 % مبيدات حشائش
3 % مبيدات آفات متنوعة
ويحاول الكيميائيون حاليا التوصل الي مبيدات تعالج جميع الآفات الزراعية بدلا من إستخدام عدة مبيدات وينظر الكيميائيون المؤيدون لإستخدام المبيدات نظره تفاؤلية الي المستقبل ويقولون إن العالم لا يزال يستهلك المبيدات بكثرة أن الطلب عليها مازال قويا وأنها تبقي حتي الآن دون منافس حقيقي في ميدانها وأنها ليست جميعها ذات أضرار بالبيئة .
إلا أن للمعارضين رأيا آخر فمع إقرارهم يكون المبيدات عنصرا قيما في تخفيف خسائر المحاصيل وبعض الأمراض غير أن عدم انتقائها واستخدامها السليمين يسببان مشكلات خطيرة للبيئة والصحة البشرية في كثير من البلدان النامية وكثيرا ما تسبب المبيدات مشكلات للإنتاج الزراعي بقضائها علي أعداء الآفات الطبيعيين وناقلي حبوب اللقاح وبتشجيعها لتطور أنواع من الآفات أكثر مقاومة .
ويري هؤلاء أن المبيدات المستخدمة في الزراعة تؤدي أحيانا الي أن تصبح المركبات الكيميائية المشابهة أقل فعالية في مكافحة ناقلات الأمراض مثل ( البعوض الناقل للملاريا ) في المنطقة نفسها كما يمكن لهذه المواد الكيميائية إذا ما استخدمت استخداما غير سليم أن تقتل الأسمالك والحياة البرية أو تسممها .
إضافة الي ذلك فإن نسبة المبيدات التي تصل الي النبتات تبلغ واحدا في المائة فقط وبالتالي ينتقل أكثر من 99 في المائة إلي النظم الأيكولوجية ليلوث الأرض والماء والهواء وتمثل بقايا مبيدات الآفات الزراعية سببا شائعا للتسمم في الحقول والبيوت فضلا عن أنها قد تكون مصدرا واسعا لإنتشار للتعرض المهني المزمن .
وثمة شكوك كبيرة لدي العلماء في أثر المبيدات علي طبقات الجو العليا وعلي طبقة الهواء لاسيما مع إنتاج هذه المبيدات عددا كبيرا من الملوثات التي تؤثر في رفع درجة حرارة الكره الأرضية كما أن بعض هذه النواتج تقوم بالتفاعل الكيميائي الضوئي ويمكنها أن تؤثر في طبقة الأوزون في طبقات الجو العليا .
كما أن الإكثار من هذه المبيدات يفقدها فعاليتها علي الحشرات حيث تقاوم الأخيرة حفاظا علي بقائها بسلالات جديدة منيعة ويقضي المبيد علي الحشرة مؤقتا ثم لا تلبث أن تعود من جديد أكثر قوة وبأسا مما يضطر الإنسان لاستخدام مبيد جديد وهكذا تتكر هذه الدورة .
المشكلة الكبرى
تكمن المشكلة الكبري في المبيدات الكيميائية في إنتقالها إلي جسم الإنسان عبر طرق شتي ومن ثم تسببها بمشكلات صحية خطرة تقضي إلي الملوث أحيانا أو أنها قد تسبب عاهات مستديمة وتنتقل الي الأجيال الأخرى وهكذا يبدأ عهد جديد من الدلالات المشوهة بسبب هذه الآفات .
فلقد أوضحت البحوث أن بقايا المبيدات التي إستخدمت خلال الأربعين عاما الماضية إنتقلت إلي السلسلة الغذائية وأصبح لا يوجد كائن حي علي سطح الكرة الأرضية سواء في أعلي قمة من قمم الجبال هيمالايا أو في أعمق بقعة في المحيط إلا واحتوي علي بقايا من مبيد ال DDT كما فجرت باحثة أمريكية قنبلة أخري علي هذا الصعيد إذا أوضحت دراساتها احتواء عظام ودم وأنسجة وكلي وكيد وفخ أطفال لم يروا التور بعد علي بقايا مبيدات .
وأثبت العلماء أيضا أن بقايا الملوثات التي تصل إلي الإنسان عن طريق الهواء أو الماء أو الغذاء حتي ولو أخذت بتركيزات أقل من المسموح بها تتراكم في جسم الإنسان إلي أن تصل إلي التركيز الضار فتسبب الإصابة بالفشل الكلوي أو الكبدي أو السرطان وأن هذه الملوثات بعد وصولها إلي جسم الإنسان تنتقل عبر الدم إلي جميع أجزاء الجسم لتجد طريقها الي ألبان الأمهات المرضعات ومن ثم إلي أطفالهن كما أشارت الدراسات إلي أن الجنين في بطن أمه تصل إلية الملوثات عبر المشيمة وتنتقل إلي جميع أجزاء جسمة وقد تؤدي إلي النشوء الجنيني .
وأظهرت دراسة حديثة نشرت في بريطانيا أنه من كل4 آلاف حالة ولادة في بريطانيا يولد طفل بعين صغيرة ( أو ما يعرف بالمايكر وفئاليم ) أو من دون عينين تماما ( وهي الحالة المعروفة باسم أنوفثاليما ) وتتوجه أصابع الإتهام بهذه الاصابات الي المواد الكيميائية المستخدمة في القضاء علي الآفات الزراعية حيث يكثر المرض في المناطق التي تستخدم فيها هذه المبيدات سواء بالنسبة الي الحالة الأولي أو الأخري وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية حوالي نصف مليون شخص ووفاة 5000 شخص سنويا بسبب المبيدات الكيميائية .
ومن أمثلة ذلك ما حدث عام 1953 إذ ظهرت علي العديد من صيادي السمك فيفي خلية ميناماتا الياباني أعراض الهلوسة والجنون كما ما العديد منهم وكان السبب في ذلك أن أسماك الخليج تلوث غذاؤها من الأحياء المائية الدقيقة بمادة ميثيل الزئبق ( ماده سامه) فأكل الصيادون السمك والسم معا فتركز السم في أبدائهم حتي وصل التركيز الحرج فظهرت آثاره إما ..... أبدائهم بأنواع من السرطان أ- ابتسام عقولهم بالهلوسة ولقد تكررت هذه الأحداث بشكل كارثي في اليابان عام 1970 كما فضت مادة ال DDT علي نحو 800 ألف سمكة في كندا عام 1956 بعد أن تم تعقير الغابات بهذه المادة وتدهورت الحياة المائية في نهر الراين عندما سقطت فيه كمية لا تزيد علي 100 كغ من مادة الكبريتات الأندوليه ( إندوسلفات ) حيث مات نحو 40 سمكة
كما مات في الفترة ما بين 1960 و 1963 مالا يقل عن 15 مليون سمكة بفعل تسرب المبيدات الكيميائية الي نهر الميسيسبي
إحصاءات مخيفة
دلت الإحصاءات الحديثة التي قامت بها المنظمات الدولية والحكومية والبيئية أن الإنسان حقق في المحيط الحيوي الذي يعيش فيه من خلال ال47 عاما الماضية 210 ملايين طن متري من المبيدات و 1503 ملايين طن من الأسمدة النتروجينية وهذ1 يعني حقن البيئة بنحو 1699 مليون طن من أكاسيد النيتروجين و 932 مليون طن من اكاسيد الفوسفور الناتجة عن استعمال الأسمدة الفوسفورية
وبسبب ازدياد الآفات الزراعية ازدهرت صناعة المبيدات الكيميائية وتطورت بشكل مطرد وتعددت أنواعها بتعدد الآفات المطلوب مكافحتها حيث ارتفع عدد المبيدلت الي أكثر من ألفي نوع منها نحو 250 نوعا تستخدم علي نطاق واسع
وتظهر الإحصاءات أيضا أن مجموع مبيعات مبيدات الآفات الزراعية في العالم بلغ عام 1975 نحو 5.5 مليار دولار في حين بلغ نحو 28 مليار دولار في عام 1985 ويمثل ذلك زيادة سنوية في المبيعات قدرها 18 في المئة وتستخدم البلدان المتقدمة حوالي 80 في المئة من مبيدات الآفات المستخدمة في العالم وقد قدر أنه إذا كان للناتج الزراعي أن يتضاعف بين عامي 1980 و2000 فسوف يتطلب الأمر أن يزيد استهلاك مبيدات الآفات في البلدان المتقدة النمو وبمعدل يتراوح بين إثنين وأربعة في المئة سنويا بمعدل يتراوح ما بين 7 وثمانية في المئه في البلدان النامية .
وفي الكويت تم استخدام كميات هائلة من مبيدات الآفات عام 1993 إذ بلغت 19845 كيلوغراما من المبيدات الحشرية ونحو 5846 كيلوغراما من المبيدات الفطرية و 3619 كيلوغراما من المبيدات الأكاروسية و 1047 كيلوغراما من مبيدات الحشائش أو الأعشاب و 2226 كيلوغراما من مطهرات التربة مما يؤكد عظم مشكلة تلوث المنتجات الزراعية بمتبقيات مبيدات الآفات المختلفة وما يستتبع ذلك من اضرار علي الصحة العامة والبيئة .
تدارك الأخطار
ويسبب الإدراك المتزايد لأخطار هذه المبيدات والنتائج الوخيمة لاستخدامها بشكل غير سليم وضعت منظمة الصحة الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1973 برنامجا لمعايير صحة البيئة بهدف الي تقييم آثار المواد الكيميائية علي صحة الإنسان ونوعية البيئة وفي عام 1980 أدمج البرنامج في البرنامج الدولي للأمن الكيميائي وقد تم في إطار هذا البرنامج نشر معايير صحة البيئة لعدد من المبيدات مثال ال DDT والهيتاكلور والباراكوات والديكوات والاندوسلفات والكوينتوزين والتكنازين وغيرها كما اعتمد البنك الدولي سياسات متشددة في عام 1985 تؤكد أهمية النظر الي هذه المبيدات علي أنها مجرد شكل واحد من أشكال الاستجابة لتزايد الآفات الي مستويات ضارة إقتصاديا وأهمية استخدامها بالتنسيق مع أساليب المكافحة الأخري غير الكيميائية المعروفة بإسم إدارة الآفات المتكاملة وتقدم مبادئ البنك أمورا توجيهية تفصيلية بشأن الاختيار الدقيق للمبيدات المناسبة للظروف البشرية والبيئية التي يستخدم فيها المبيد .
كما استجابت بعض الشركات الكبري لضغوط حماة البيئة فأنتجت بضعة مبيدات كيميائية أكثر سلامة من سابقاتها من وجهة النظر البيئية ومن ذلك مركب فوسفات الكربوهيدرات ( غليوفوزات ) الذي أنتجته شركة مونسانتو ومجموعه من المركبات تدعي سلفونيل البوريا طورتها شركة دويونت
وعلي الرغم من ذلك فإن الأمل مازال معقودا علي المكافحة البيولوجيه للآفات الزراعية بشتي أنواعها وهي مكافحة تطور باطراد ويتوقع لها نتائج باهرة في المستقبل القريب.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 15