حقائق وأسرار خطيرة عن تلوث البيئة في العراق
صدام يأمر .. اطرحوا النفايات المشعة في دجلة
د. طلال العازمي
ستة عوامل أدت إلى تلوث البيئة في العراق وهي:
1- انهيار نظام الصرف وتقنية تعقيم المياه.
2- تجفيف الأهوار.
3- حرق آبار دولة الكويت.
4- تهريب النفط والبقع الزيتية.
5- النفايات النووية والكيماوية العراقية.
6- اليورانيوم المنضب إذ يعتبر نظام الصرف الصحي وتعقيم المياه من الأنظمة المترابطة الحساسة والتي تتأثر بأي خلل يحصل في أي جزء من مفاصلها، كما يعتبر من أساسيات البناء المدني والضاري التي تأسست على البيئة الصحية للمجتمعات المدنية، حيث يؤدي إضافة إلى وظيفته المدنية الإنسانية وظيفة وقائية في وسط هو من أكثر الأوساط نقلاً للأمراض وهو الماء والمياه الثقيلة حيث تشكل الأخيرة ببيئة خصبة وعاملاً من عوامل التلوث. وفي الوقت الذي حصل ويحصل نظام صدام على موارد كبيرة فإن شبكة الصرف الصحي والمياه الثقيلة وفضلات المعامل والمناطق الصناعية قد تعرضت للإهمال ولم تجدد أو توسع وتعرضت إلى اتلف في أجزاء كبيرة منها حتى داخل العاصمة بغداد. مما أدى إلى طفح هذه المجاري إلى السطح وتشكيل بحيرات من المياه الأسنة الملوثة إلى مصدر كبير للأمراض خصوصاً بين الأطفال، كما أن نظام صدام أهمل برنامج تنقية المياه الخاصة بالشرب مثل المدن الجنوبية التي تعاني من عدم وجود المياه الصالحة للشرب، حتى بغداد، عانت أيضاً ومحطتها الرئيسية للتنقية من تراجع كبير لتعمد النظام عدم توفير مستلزمات التعقيم مثل الكلور والشب وغيره مما جعلها لا تستطيع تغطية احتياجات العاصمة وعدم توفير قطع الغيار لها، وتعرضت شبكة توزيع مياه الشرب إلى الطعب والتلوث بمياه الصرف الصحي، مما نشر الأمراض والأوبئة كمرض التهاب الكبد الفيروسي وحمى مالطا والحمى التيفونيد التي تعتبر من الأمراض المنقرضة في العراق وزار العراق فريق من منظمة صوت البرية، وأعلن ديفيد شاورل في تقرير له من بغداد لصحيفة الغارديان أن ما بين 4 إلى 5 آلاف طفل عراقي يموتون كل شهر نتيجة تلوث مياه الشرب وقلة الغذاء وانعدام الرعاية الصحية ويمكن هنا ذكر حقيقة مهمة وهي أن منشآت التصنيع العسكري في مدينة المحمودية جنوب بغداد والمناطق القريبة منها تطرح نفاياتها الصناعية دون معالجة إلى مجرى المصب العام المسمى نهر صدام والذي يخترق المنطقة بين دجلة والفرات ويمر في الأهوار الجنوبية ويصب شمال البصرة فيما تلقى مصانع سامراء نفاياتها في دجلة.
تجفيف الأهوار
جفف نظام صدام الأهوار وأحرقها وشرد سكانها بأساليب وحشية نادرة الحدوث، مما أدى إلى اضطراب النظام البيئي المائي، فقد كانت الأهوار تشكل مع الأنهار وحدة متكاملة تحافظ على نوعية المياه ونسب الأملاح فيها والأيونات التي اختلت نتيجة إقامة كل هذه السدود وهو ما أدى إلى تغير تركيب المياه والذي أثر في النظام الصحي والغذائي للجسم الإنساني وظهور حالات كثيرة مرضية غير مسبوقة، وأدى التجفيف إلى حصول تأثيرات عكسية على المناخ المحلي، ذلك أن الأرض تصبح بحاجة إلى الري ويحدث التغيير الكبير بشكل خاص في المخزون الحراري، فكيفية الحرارة الأساسية الواصلة إلى الأراضي المجففة يصبح القسم الأكبر منها موجهها لتسخين الهواء والتربة ويحدث تناقصاً للرطوبة النسبية في الهواء ويتزايد المدى الحراري اليومي وجفاف الطبقة السطحية الخاضعة للحراثة وتطور عمليات التذرية الريحية وبينت دراسة الخواص الفيزيائية والمائية للطبقة السطحية للأرض أنه عند استصلاح الأراضي المستنقعة وتحويلها إلى أراضي زراعية لابد من تنظيم مزدوج للنظام المائي- تجفيف فيض الماء الفصلي والاحتفاظ بمستوى المياه الجوفية على ارتفاع محدد تحت سطح الأرض من أجل تأمين رطوبة معتدلة لطبقة التربة، كما أدت عمليات الحرق بعد تجفيف الأهوار إلى إطلاق الغازات السامة كالكربون والكبريت وهي سامة جداً وعند انتقالها إلى أعضاء الأحياء فإن أكاسيد الكربون ستمتص الأوكسجين من مركباته في الدم الهيموغلوبيني ويعطي هيموغلوبين أوكسيد الكربون وأن الميل إلى تفاعل واتحاد أوكسيد الكربون مع الهيموغلوبين يفوق الميل إلى التفاعل مع مركبات الأوكسيجين بـ (300) مرة. إضافة إلى ذلك وتحت تأثير الأشعة الشمسية فإن كمية معينة من غاز الكربون تتفاعل مع أوكسيد الأوزون. أما بالنسبة لغاز الكبريت فهو غاز سام مهيج للعين والأغشية الدمعية والمجاري التنفسية. كما يؤدي الهواء الحاوي على نسبة قليلة التركيز من غاز SO2 لفترة طويلة إلى تضخم الرئتين إضافة إلى التأثيرات السامة لهذا الغاز على النباتات، وبخاصة أشجار الفواكه، كما أن التغيرات المناخية الكبيرة الناتجة عن هذه العملية الإجرامية في المنطقة الجنوبية على صعيد درجة الرطوبة وتأثيرات الشمس والأمطار وهي عوامل كلها تؤثر في صحة الإنسان ونشاطاته الحيوية.
حرق الآبار وتهريب النفط
لقد شكل تهريب النفط عاملاً من عوامل تلويث البيئة وأثر ذلك على البيئة في الخليج، فقد استخدم نظام حاويات غاطسة تقطرها المراكب الصغيرة ومراكب قديمة للنقل من موانئ البصرة المهدمة والمهملة، مما ترك الباب مفتوحاً لتسرب دائم للنفط إلى مياه شط العرب وفي الزبير والخليج العربي، كما أن تعرض الناقلات الصغيرة للعطب أو الغرق أطلق أكثر من بقعة زيتية أثرت بشكل كبير على الحياة في شط العرب والخليج وعلى الأحياء المائية والطيور، وكانت الجريمة التي ارتكبتها النظام بضخ النفط الخام إلى الخليج مباشرة أثناء الحرب قد خلق مشكلة بيئية لا تزال آثارها قائمة.. لكن الأثر الأكبر في البيئة تركته عملية إحراق آبار النفط وسحب السخام والدخان الكثيفة التي غطت المنطقة وامتدت آثارها إلى جنوب بغداد إذ تركت الأمطار المحملة بالسخام آثاراً واضحة على كل شيء في مدينة المحمودية جنوب بغداد مثلاً وشكلت تلك العملية تلوثاً خطيراً للبيئة وآثاراً سلبية خطيرة وأمراضاً منها الأمراض السرطانية.
تعامل نظام صدام حتى عام 1990 مع النفايات الكيماوية والنووية بشكل سهل وسريع غير مبال غلا بتحقيق نتائج في أعمال البحث في مصانع التصنيع العسكري وغير مهتم حتى بشروط السلامة الصناعية للعاملين في هذه المصانع والمشاريع والبحوث الذين ظهرت بينهم إصابات كثيرة بالسرطان وصارت هذه النفايات التي كانت تعامل قبل طرحها أو دفنها تحت الأرض تطرح في الأنهار دون معالجة.
يقول الفيزيائي محمد عبد الكريم الحلى الذي فر من العراق العام الماضي والذي كان يعمل خبيراً في منظمة الطاقة الذرية العراقية أن هناك داخل منطقة الطاقة الذرية العراقية في منطقة (التويثة) على طريق سلمان باك في بغداد قسماً مهماً جداً هو قسم الوقود النووي ونسميه المشروع الإيطالي لأن شركة إيطالياً هي التي نفذته، هذا القسم يتولى مسئولية استلام الخام المشع- اليورانيوم- من مناجم عكاشات وتذويبه ثم تجفيفه عن طريق أفران دواره ضخمة وفرن الاختزال للحصول على ثاني أكسيد اليورانيوم.. ولدينا في هذا القسم حوض خاص تجمع فيه النفايات المشعة السائلة والتي يجب أن تتم معالجتها قبل طرحها في نهر دجلة الذي يقع على الجهة اليمنى لمنطقة الطاقة الذرية، وقبل أن تطرح تلك النفايات فإن كادرا متقدماً متخصصاً يوافق على تلك العملية قبل طرحها، وذلك لخطورة العملية، ولكن في عام 1988 م مثلاً وبعد أن قاطعت الدول المتقدمة العراق وامتناعها عن تجهيزه بمواد المعاملة الضرورية امتلأ الحوض المذكور بالنفايات المشعة فأعلنت رئاسة المنظمة ذلك وكانت مواد المعاملة غير متوافرة كما ذكرنا، فرفع الأمر إلى صدام باعتباره المشرف الأعلى على ذلك ففوجئنا بالأمر الصادر منه شخصيا: (اطرحوا النفايات المشعة في نهر دجلة على حالها) ضارباً عرض الحائط بما يمكن أن يحدث للمواطنين جراء استعمال ماء النهر الملوث بالأشعة.
الموقع 405 ومعمل الأنيرا
وقد استمر صدام حسين في الأمر بطرح النفايات في النهر دون معالجة خلال السنوات اللاحقة وهي نفايات خطرة تؤدي إلى الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية، وقد نقل أحد العاملين في موقع الطاقة الذرية، إن مجاريها الملوثة تصب مباشرة في نهر ديالي وأن الموقع 405 المتخصص بتخصيب اليورانيوم هناك يلقي بنفاياته في النهر مباشرة دون معاملة ويمكن لكل من يلقي نظرة على النهر في تلك المنطقة (جسر ديالي) أن يلاحظ اللون الأسود في مياه النهر، وتستمر عملية تلويث نهر دجلة لتصب فيه نفايات معمل الأثير التابع للتصنيع العسكري في منطقة (جرف الصخر) في بغداد.
إن نظام صدام قد تصرف منذ أكثر من 12 عاماً بصورة إجرامية أمام الشريان الذي يغذي الحياة في محافظات الحلة وواسط والعمارة والبصرة وغيرها وتحول النهر الذي يستفيد منه الناس للشرب وللاستخدامات الأخرى إلى مستنقع للنفايات النووية والكيماوية الخطرة على الصحة العامة.. هذه النفايات التي ارتفعت نسبتها مع عملية إعادة بناء ترسانة أسلحة الدمار الشامل خلال النصف الثاني من التسعينيات وهي الفترة التي تصاعدت فيها نسبة الإصابات بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية في المحافظات كافة والمستفيدة من هذا النهر تحديداً.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 42