الصقر الطائر النبيل
م. خلود المرزوق
رياضة تدريب الصقور
تعتبر رياضة تدرب الصقور على الصيد بعد صيدها من أقدم الرياضات التى مارسها العرب الأولون إذ تعود هذه الرياضة إلى مئات السنين قبل ظهور الإسلام، ويرجع الفضل فى ذلك إلى البدو الذين وجدوا فى هذه الرياضة ما يناسب خصائصهم وطبيعة حياتهم، فقد عشقها الشيوخ والشباب.
أما مهمة تدريب الصقر على أعمال الصيد فمهمة شاقة تستغرق عدة شهور، وتتوقف على خبرة الصياد فى المحافظة على ريش الصقر منا لكسر أثناء عملية التدريب إذ يصبح الطائر بلا فائدة إذا ما انكسر ريش أحد جناحيه.
وقد كثر فى الكويت هواة الصيد بالصقور وتدريبها رغم أن هذه العملية غير سهلة حيث أن عملية التدريب تعتبر شاقة تستغرق عدة شهور تتوقف على خبرة المدرب حيث تبدأ عملية التدريب بواسطة خبير يسمى "الصقار".
مراحل تدريب الصقر
يصبح الصقر بعدها طائراً وحشياً بحاجة إلى برنامج مكثف لاستثناسه ثم تدريبه للصيد ويمر بمراحل:
أولاً: تدريب الصقر على الوقوف على يد الصقار وأخذ الطعام من يديه
تبدأ عملية تدريب الصقر على الوقوف على يدى الصقار وحمله لمدة ثلاثة أيام ومنعه من النوم بوضعه فى جو مشحون بالضوضاء للتأثير على جهازه العصبى مما يدفعه إلى طاعة الأوامر عن طريق الإرهاق والجوع ويبقتضى ذلك وضع قناع جلدى على رأس الطير مصنوع بشكل خاص يسمى "البرقع" ليحجب بصره.
تبدأ عملية تدريب الصقر على أخذ الطعام من يدى الصقار حيث يأخذه صاحبه فوق قبضة يده المحمية بغطاء جلدى اسطوانى الشكل مبطن من الداخل ومفتوح الجناحين ويقدم له طائراً صغيراً ليأكله فى هذا الوضع فإن لم يفعل وقد يكون خائفاً وجفلا للمرة اولى أيعد القناع "البرقع" الجلدى على راسه ومنع عنه الطعام ليوم آخر، وتتكرر هذه العملية حتى يتعلم الصقر أن يكل على يد صاحبه ثم يجرى تدريبه على أن ينتقل من ماكن قريبة طائراً لنيزل على يد صاحبه، وقد شدت حدى رجليه بخيط طويل خضية فراره، وفى كل مرة يقدم له الطعام وهو واقف على يد صاحبه.
ثانياً: عمليات التدريب العملى:
بعد أن يتم الصقر العملية الأولى من التدريب تبدأ مرحلة تدريب عملى حيث يتم إعداد نموذج مشابه لنوع الصيد المطلوب صديه فى الصحراء حتى يتعرف عليه الصقر، وتستغرق هذه المرحلة أسبوعين تقريباً حيث يتم خلالها ربط خيط رفيع وقوىط وله نحو مائة متر فى نهايته نموذج للطائر المطلوب صديه وعليه بعض الريش، يقوم المدرب الصقار بتحريك النموذج بواسطة شخص آخر ثم يطلق المدرب الصقر نحو الشخص الآخر الذى يخرج فى هذه اللحظة من يده قطعة لحم لإغراء الصقر وتشجيعه على طاعة الأوامر.
وفى المراحل المتقدمة من التدريب يؤخذ الصقر إلي البراري ليتم تدريبه علي عملية الصيد ذاتها فيقذف صاحب الصقر طائرا صغيرا وينطلق خلفه الصقر وفي كلا الحالات يربط في إحدى ساقية خيط طويل قطني متين وعندما يعود الصقر بالطريدة إلي يد صاحبه يدعه يأكل من صيده قليلا ثم تؤخذ منه ليعطه بدله طعاما آخر ثم تؤخذ الطريدة من الصقر دون أن يمزقها وتتكرر تلك العملية مرتين يوميا حتى يتأكد الصياد من إطلاق الصقر دون خيط ويطمئن إلي أنه لن يهرب من المكان ومن الجدير بالذكر أنه يتم اختيار خيط من القطن أو الصوف لأن الخيوط المصنوعة من الليف أو النايلون تؤذي ساق الصقر ومع انتهاء فترة التدريب يقدم للصقر الطعام بصورة عادية ويتكون من نصف حمامة فقط يوميا أو عصفورين صغيرين أو قطعة من اللحم الطازج ولا يشرب الصقر الماء إلا في فصل الصيف وبذلك يألف الصقر صوت صاحبه الذي يلوح له بريش الحباري أو الطيور ويحثه علي مهاجمة الفريسة ويكافئه في كل مرة يحقق فيها تقدما في إتقان الصيد.
ثالثا: عمليات التدريب علي العمل الجماعي:
وبعد ذلك يبدأ التدريب والتعود علي الجماعات حيث يطلق الصفار الصقر وهو علي صهوة جواده أو دخل سيارته فيألف الصقر الخيول والسيارات وكلاب الصيد السلوقية عند مطاردتهم الطريدة فلا يهاب منها ولا يضطرب كما يعتاد الصقر بمجرد سحب القناع البرقع من رأسه أن ينطلق كالسهم من مكانه فوق زند صاحبه الذي يتبعه بجواده أو سيارته ولا يلبث أن يعود إليه حاملا الطير بين مخالبه إن كان طائرا صغيرا أو يهوي فوقه كالسهم البارق علي الأرض أن كان كبيرا كالحباري أو الأرانب أو الغزلان ويمنحه طعاما شهيا مكافأة له.
مراحل تدريب الصقر علي الصيد "تدريب علمي"
1- يربط نموذج للطائر المطلوب صيده بواسطة خيط وعليه بعض الريش.
2- يتم وضع النموذج علي بعد 100 متر تقريبا ويتم تحريكه بواسطة شخص أخر يساعد القناص.
3- يطلق القناص المقر بعد أن يزيل البرقع من عينه نحو الشخص الأخر.
4- يخرج الشخص الأخر قطعة لحم لإغراء الصقر وتشجيعه علي طاعة الأوامر.
رياضة الصيد بالصقور (القنص)
برزت رياضة الصيد (القنص) باستخدام طريقة الصيد بالصقور منذ قديم الزمان وهي طريقة عرفها العرب قبل مئات السنين في الجزيرة العربية وخلدها الشعراء في قصائدهم فقد عرفت الصقور في العصر الجاهلي حيث كان الحارث ب معاوية يصطاد بالصقر ثم اتخذه العرب فيما بعد للصيد ثم ازدهرت تلك الرياضة في العصر الأموي حيث عرف الخلفاء الأمويون بحبهم للصيد وكان الخليفة يزيد بن معاوية من أشهر الخلفاء عشقا للصيد كما ازدهر فن الصيد في عهد العباسيين وكان الخليفة المهدي من أعظم الصيادين والخيالة بين الخلفاء العباسيين.
الصيد بالصقور في الكويت قديما
كانت صحراء الكويت زاخرة بأنواع من الحيوانات كالغزلان والأرنب وأنواع من الطيور كالحباري (الأنثى) والخرب (الذكر) وطائر القطا وغيرها وان الصيد (القنص) محببا إلي نفوس الكويتيين قبل ظهور النفط فعند حلول فصل الربيع كانوا يخرجون جماعات وقد حملوا الزاد والماء وأدوات الصيد وذهبوا إلي الصحراء ينصبون خيامهم ويمارسون رياضتهم المفضلة حيث تبدأ مواعيد الصيد بواسطة الصقور غالبا في الصباح الباكر أو وقت الغروب ويمنع الصيد في وقت الظهيرة نظرا لارتفاع درجة الحرارة وهو ما قد يهدد حياة الصقر وعند الخروج للصيد تغطي عينا الصقر لمنعه من الرؤية ويحمله الصياد علي يده التي تغطي بقفاز من الجلد السميك لحمايتها من مخالب الصقر الحادة وعندما يري الصياد الحيوان أو الطائر الذي يريد اصطياده يرفع البرقع من عيني الصقر الذي ينطلق صوب الفريسة في سرعة فائقة منقضا عليها ليشل حركتها وفي هذه اللحظة يطلق الصياد كلابه لاستكمال المهمة ثم يلحق بها لاستخلاص الفريسة ثم يكافئ الصياد الصقر بقطعة من اللحم ثم يعيد تقييد ذراعيه ويضع البرقع فوق عينيه مرة أخرى.
طريقة صيد الغزلان بالصقور
يشارك في عملية صيد الغزلان ثلاثة صقور أحدها في المقدمة ويسمي الدليل والصقران الآخران يكون أحدهما علي اليمين والآخر علي الشمال ويكون ارتفاع الصقر الدليل أعلى من مستوي ارتفاع الصقرين الآخرين حيث يبدأ هذان الصقران بالتبادل بالانقضاض علي عيني الغزلان لإعاقة سرعته في حين يكون الصقر الدليل مرشدا لسيارة قافلة الصيد ليدلهم علي مكان الفريسة ونتيجة لذلك يصاب الغزال في نهاية الرحلة بالتعب والإجهاد في حين تكون السيارة قد بلغت مكان الغزال ليتم صيده حيا.
الأدوات التي كان الصفار يستعملها
من الأدوات التي يستعملها الصقار لتدريب الصقر أو لممارسة رياضة الصيد بالصقور وهي كالتالي:
- البرقع: وهو غطاء جلدي بحجم رأس الصقر يستخدم لحجب الرؤية.
- المنقلة: وهي الدرع الذي يقي الصقار من منقار الصقر عند إعطائه وجبة الغذاء.
- الدس: هو القفاز الذي يلبسه الصقار ليحميه من مخالب الصقر عندما يقف علي يديه.
- السبوق: وهو خيط من القطن أو الصوف يربط طرفه برجل الصقر وطرفه الآخر عند الصقار ولا يستخدم خيط النايلون أو الليف حتى لا يضر أرجل الصقر.
- الوكر: وهو المكان الذي يجثم فوقه الصقر للراحة والنوم.
المخاطر التي تواجه الصقر في أثناء عمليات الصيد
يتعرض الصقر أحيانا إلي المخاطر كان يفقد السيطرة علي نفسه ويصطدم بالأرض اصطداما مروعا فيلقي حتفه أو يكسر ريشه مما يستدعي تجبير الجناح وقد يدخل الصقر المدرب في معركة ضاربة مع الحباري عندما يهوى بها أرضا فتضربه بأرجلها ومنقارها وتقذف عليه فضلاتها التي لو مسه شيء منها لإصابة الجرب وتساقط عنه الريش ومات لقوة وشدة مكوناتها ومفعوله وقد تنهك الحباري الصقر قبل أن يتمكن من الفتك بها لذلك يتم تدريب كلاب الصيد السلوقية أثناء الصيد لتندفع إلي ميدان المعركة وتساعد الصقور في الإمساك بالفريسة وهي علي الأرض كما لوحظ أن وجود عقاب في الجو وخاصة العقاب الذهبي ملك الطيور يجعل الصقور جاثمة خائفة لا تجرؤ علي الطيران والصيد وكم من صقر داهمه عقاب في الجو وفتك به أو خطف منه طريدته. وقد يصاب الصقر بأمراض مثل الجدري أو تورمات أسفل القدم كما قد يصاب بأمراض معدية تتوجب عزله وعلاجه.
سوق بيع الصقور في الكويت
تدرجت أماكن سوق بيع الصقور في الكويت منذ القدم فقد كان السابق تباع الصقور قرب قصر نايف وكانت الأسواق موسمية ترتبط بمواسم القنص ونجد بعض الصقارة يبيعون الصقور في ساحة الصفاة ثم انتقل السوق إلي وسط المدينة قرب سوق الجت استمر السوق إلي السبعينيات من القرن العشرين ومع مرور الزمن اختفت الصقور من هذا السوق ولنقص التنظيم كان لابد من وجود مكان مخصص لذلك ففي بداية الثمانينيات تم تخصيص مكان خلف المشاتل الزراعية في منطقة الري يجمع الصقارين من أبناء الكويت ويرتاده جميع أبناء دول الخليج وفي تلك الأسواق يتجمع الهواة والقناصة ويتم حولها الجدل والمفاصلة والبيع والشراء وكانت تعرض عليهم بعض الصقور الجميلة والنادرة حيث يساوم عليها بأسعار مرتفعة.
ومن الجدير بالذكر انه في الماضي كانت أسعار الصقور زهيدة بينما تبلغ أسعار الصقور الاعتيادية في سوق الصقور الحالي ما بين الثلاثمائة والألف دينار والبعض الآخر من الألف إلي ثلاثة آلاف وقد وصلت قيمة أحد الصقور من نوع الحر الفارسي الأبيض إلي 15 ألف دينار ومن الجير بالذكر أنه إذا كان الصقر فرخا ارتفع سعره وفي كل موسم يوجد عدد 3 – 4 صقور من هذا النوع في الجزيرة العربية.
- المرحلة الأولي من تدريب الصقور بعد صيده هي الوقوف علي يد الصقار وأخذ الطعام من يده ويظه في الصورة القفاز الدس الذي يلبسه الصقار ليحميه من مخالب الصقر عندما يقف علي يديه.
الوضع الحالي لهواية الصيد بالصقور
رغم قدم هواية الصيد باستخدام الصقور في البلدان العربية وجذورها العريقة التي تعود إلي ما قبل الإسلام إلا أنها تواجه خطر الانقراض وخاصة في ضوء القوانين العديدة التي تمنع الصيد سواء لأسباب أمنية أو حدودية خاصة بعد تصاعد حملات أنصار البيئة البرية والخوف علي أنواع معينة من الطيور كالحباري وكذلك الغزلان من الانقراض ويمكن تحديد تلك الأسباب كالتالي:
1- طريقة صيد واستئناف الصقر عملية مجهدة للغاية وبحاجة غلي وقت طويل وصبر فذ وسعة بال.
2- ارتفاع اثمان الصقور خاصة تلك المدربة.
3- الامتداد العمراني وكثرة الحركة في الصحراء عملت علي ابتعاد طيور الحباري والصقور من الأماكن المأهولة.
4- في الماضي كانت هناك حرية في الانتقال مما يشجع القناصة علي ممارسة هوايتهم في الصيد بالصقور أما الآن فالحدود البرية أصبحت عائقا أما تنتقل القناصة في رحة الصيد والحاجة إلي إصدار التراخيص للتنقل من مكان إلي آخر.
وعلي الرغم من الصعوبات التي يواجهها الهواة فإنهم يجدون متعة ولحظة التوفيق فيها مصدر سعادة كبيرة والصيد بالصقور يكون عملا جماعيا يدعم روح الألفة والجماعة والتعويد علي الصبر والتحمل والنشاط ولذلك لا يزال لهذه الهواية محبوها حتى الآن وإن كان هناك أهمية المحافظة علي البيئة البرية أثناء التنقل في الصحراء المعرضة للانقراض كما نأمل أن يتم توثيق تلك الهواية في الكتب ووسائل الإعلام المختلفة لقلة مصادرها.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 49