بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الأنظمة البيئية في مصر

الأنظمة البيئية في مصر

 


وضع حدود قاطعة بين الأنظمة البيئية في مصر أمر صعب


 


لأن معظمها متداخل ولا توجد المعالم الطبيعية الفاصلة


 


 


 


أ. د. عادل سعد عبدالمحسن


 


 


 


يلتقي في مصر، بالركن الشمالي الشرقي من القارة الإفريقية، أربعة من أقاليم الجغرافيا البيولوجية، هي :  


( الإيراني - الطوراني )، و ( إقليم البحر المتوسط )، و ( السندياني الصحراوي )، و ( الإفريقي الاستوائي )؛ ويمثل موقعها - بالوقت ذاته - قلب حزام الصحراء في الإقليم الثالث، السندياني الصحراوي، وهو الإقليم الذي يمتد من «مراكش»، في الزاوية الشمالية الغربية من إفريقيا، إلى صحاري آسيا الوسطى  ثم إن هذا الموقع ينقسم طولياً، إلى جزئين، بواسطة أطول أنهار العالم  النيل؛ كما يحد مصر من الشمال والشرق بحران شبه مغلقين، هما  البحر المتوسط، والبحر الأحمر.


والحقيقة أن وضع حدود قاطعة بين الموائل، أو الأنظمة البيئية الطبيعية، في مصر أمر يصعب تحقيقه، فمعظم الموائل متداخل، ولا توجد المعالم الطبيعية الفاصلة، التي تعطي لكل موئل تفرده وتميزه  وعلى أي حال، فإن وصفنا لمصر، بيئياً، يقوم على عملية مسح جغرافي، نتوقف فيها عند أهم الملامح البيئية المميزة لما اعتبرناه بيئات مختلفة، عددنا منها أربع عشرة بيئة، نوردها، ونصفها وصفاً موجزاً، بالترتيب التالي :


 


1- جبل علبة :


يعد أهم موطن للحياة النباتية والحيوانية في مصر، كما أنه بمثابة الركيزة لمحمية جبل علبة، التي تفترش مساحة خمسة وثلاثين ألفاً وستمائة كيلومتر مربع، في أقصى اتجاه الجنوب الشرقي من مصر .


إن الحياتين النباتية والحيوانية في هذاالجبل تتأثران بكمية المياه المتاحة، وفيهما تتبدى أكثر مظاهر التنوع، مقارنة بأي منطقة أخرى في مصر مساوية لها في المساحة  فأما الحياة النباتية، فتتكون من حوالي 500 نوع، بينها أنواع من النباتات اللازهرية وبينها النبات السرخسي الشهير، المعروف باسم ( كزبرة البئر )، المميز بسيقانه السوداء الصقيلة، وأوراقه السعفية اللينة، وهو ينمو في جوار الماء، بالمناطق الدافئة وتحت المدارية، وله استخدامات صيدلانية، فكان الإغريق القدامى يعالجون به السعال  كما أن جبل علبة هو الموطن الوحيد في مصر لشجرة الأومبيت، واسمها العلمي Dracaena ombet ، ويتحدد وجودها في مصر بالأطراف العليا من جبل علبة، ولا يزيد طولها عن خمسة أمتار، وهي ذات أفرع متشعبة، تنتهي بتيجان من أوراق تشبه نصال السيوف، وتتوزع أزهارها القرمزية في تجمعات طولية قائمة، وقد أدرجت في قائمة الاتحاد العالمي لحماية التنوع الأحيائي، بين الأنواع المهددة بخطر الانقراض.  


الجدير بالذكر، أن منطقة جبل علبة تعد بين المواطن الهامة للطيور في مصر، ومن أبرز أنواعها، ذلك المعروف باسم الدقناش وردي الصدر، وهو غير معروف بمصر إلا في منطقة جبل علبة.


ومن لبونيات جبل علبة، الجحش البري Equus asinus ، وهو حيوان ممشوق القوام، كبير الأذنين، له عرف قصير قائم، ينتهي بذؤابة، وفي بعض الحالات، توجد خطوط على سيقانه  ويصعب التيقن من الوضع الحالي لهذا الحيوان، وذلك بسبب تداخل عمليات التهجين مع النوع المستأنس من الحمير  وبالرغم من سرعة وخفة حركة هذا النوع من الحمير البرية، إلا أن ذلك لم يفلح في عزلها عن المستأنسة  ويروي التاريخ نفسه أن الفرعون رمسيس الثالث كان يصيد الجحوش البرية.  


أما حردون البحر الأحمر Agama spinosa ، فهي مثال نمطي للعظاءات المنتشرة في جميع أنحاء الصحراء الشرقية، وتتبدل ألوانها تبعاً للتغيرات الطارئة على درجة الحرارة، وحسب أحوال نشاطها؛ فتضعف حدة الألوان في الجو البارد، وتنصع عندما تصبح دافئة ونشيطة  كذلك تتخذ الذكور ألواناً أزهى من ألوان الإناث، اللاتي يكتفين باللون الأزرق للرأس، والأحمر لبقية الجسم، في موسم التكاثر.


 


2- جبال ووديان الصحراء الشرقية


تمتد الصحراء الشرقية بين وادي النيل والبحر الأحمر، والغالب فيها هو سلسلة من الجبال الوعرة، تتخللها الوديان، التي يعيش بها واحد من أكبر وأغنى التجمعات النباتية والحيوانية في الأراضي المصرية .  


إن مياه الأمطار الهاطلة على تلك الجبال تتخذ هيئة السيول، التي تتدفق إلى الوديان، فتوفر مياه تكفي لأن تنمو عليها النباتات لعدة سنوات.  


وأبرز ما يمثل الحياة النباتية في المنطقة الجبلية من الصحراء الشرقية، ( الكبر البري )، وهو نبات يسترعي الانتباه، على وجه خاص، إذ ينمو على الجُرُف الصخرية، في هيئة تجمعات زاهية الخضرة، تتناثر بينها زهور بيضاء كبيرة، والعجيب من أمر هذه الزهور، أنها تنمو في المساء، ولا تلبث أن تذبل بسرعة، مع ارتفاع شمس اليوم التالي، وعلى ذلك، فإن الفرصة الوحيدة المتاحة لرؤية هذه الأزهار تكون في الصباح الباكر.


ومن حيوانات هذه البيئة، الماعز الجبلي، Capra nubiana وهو حيوان رشيق، ذكوره ملتحية، تحمل رأسه قروناً قوية مضمومة للخلف، وهو ملك الجبال حقاً، ويمت بصلة قرابة للماعز المستأنس، وقد طرأت عليه تحورات كبيرة استوجبتها الحياة في بيئة الجبال  ولسوء حظ هذا التيس، أنه مضطر لمغادرة الجبال إلى الوديان، ليشرب من الغدران، فيفقد حصانته، ويصبح معرضاً للأخطار، ولا تسعفه خفة حركته في درء الأخطار، وهي التي تعينه على الحركة في المرتفعات الجبلية شديدة الانحدار.  


أما طائر القطا Oterocles coronatus ، فإنه يقوم برحلة يومية من أجل الماء، فيقطع 600 كيلو متراً، ذهاباً وإياباً، ليشرب وحين يركن لعشه في موسم التوالد ورعاية الصغار، فإنه يبلل ريش صدره وهو يشرب عند منبع الماء، حتى إذا عاد إلى أفراخه، امتصوا الماء من ريشه  وهو نباتي، ولا تضع الأنثى أكثر من بيضتين أو ثلاثة، في المرة الواحدة، ويتناوب الأبوان احتضان البيض.


 


3- ساحل البحر الأحمر


تتوزع مواقع نمو النوع المعروف باسم ( افيسينيا ) - الشورى - من أشجار ( المنجروف )، في الأرض الرخوة، على امتداد ساحل البحر الأحمر، وأما النوع الآخر من المنجروف  رايزوفورا ، أو القرم، فإنه لا يصل إلى درجة وفرة النوع الأول، وينمو المنجروف كشجيرات أو أشجار صغيرة يتراوح طولها بين متر واحد وثلاثة أمتار، مهيأة بشكل فريد لتنمو في ظروف بيئية قاسية، فتتحمل الملوحة وشح الأكسجين  إن أشجار المنجروف مكون حيوي لا غنى عنه في النظام البيئي الساحلي، فهي تسهم بشكل ملموس في إصحاحه، كما أنها مهد التوالد، والمأوى، لعديد من أنواع الأسماك والقشريات البحرية ذات الأهمية الاقتصادية.


ومن الطيور التي تعيش مرتبطة بالبيئة الطبيعية لأشجار الشورى، ( البلشون المخطط ) ، و ( أبو ملعقة )، و ( بلشون الصخر ). 


وتمثل منطقة المد والجزر، حيث يلتقي ويتراكب كل من اليابس والماء، موائل ذات قيمة كبيرة للكائنات الحية التي تعيش عند خط الشاطئ، وتجذب -  في أغلب الأحوال -  تنويعات أخاذة من أشكال الحياة المرتبطة بالمياه الضحلة، التي تشتمل على حيوانات مهيأة للحياة في الماء وخارجه، مثل ( الأطومات ) التي تعد أفضل نموذج للتوافق مع هذه البيئة.


 


4- جزر البحر الأحمر


تكثر الجزر في مياه البحر الأحمر المصرية، وكلها غير مأهولة، مما يجعلها ملاذاً للسلاحف البحرية في مواسم وضع البيض، وكذلك لعدد من أنواع الطيور البحرية والبرية  وثمة أرخبيل في مدخل خليج السويس، يزيد عدد الجزر فيه عن 22 جزيرة، أما خليج العقبة، فلا يوجد في مدخله غير جزيرتين كبيرتين، هما ( تيران )، و ( سنافير ) وبصفة عامة، فإن الحياة النباتية بالجزر قليلة ومتفرقة، وينتشر المنجروف في بعضها.


وتجد سلاحف الماء، وبخاصة النوع المعروف باسم ( العقفاء )، والسلحفاة ( الخضراء )، في شواطئ بعض جزر البحر الأحمر، مواقع مناسبة لوضع البيض.  أما الطيور البحرية، فثمة 16 نوعاً منها تستوطن جزر البحر الأحمر، منها  الأطيش، و النورس أبيض العينين، وموطنه الأصلي البحر الأحمر، وثمة تقديرات تشير إلى أن 30 في المئة من تعداد هذا النوع من الطيور البحرية في العالم، يستوطن مدخل خليج السويس  وبالإضافة إلى ذلك، يتوقف عديد من الطيور المهاجرة، في فصلي الربيع والخريف، لالتقاط الأنفاس، في جزر البحر الأحمر، التي تستضيف أيضاً تجمعات كبيرة نسبياً من صقر الغروب، في موسم التكاثر.


 


5- مياه البحر الأحمر


تحتل الشعاب المرجانية أعلى مكانة بين كل الموائل البحرية، ويوفر البحر الأحمر ظروفاً بيئية مثالية لتكوين الشعاب  التي يوجد منها في هذا البحر شبه المغلق، أكثر من مائتي نوع  وهذه الشعاب هي الموئل الطبيعي لكثرة من النباتات والحيوانات، إذ تكون المجال المناسب الذي تستطيع هذه المخلوقات أن تعيش به، وتأكل، وإليه تلجأ هرباً من أعدائها المفترسين  ويفيد من هذا النظام البيئي الحيوانات القشرية، والديدان، ونجمات البحر، والأسماك.  


ومن اللبونيات البحرية المميزة لبيئة مياه البحر الأحمر، عروس البحر  Dugon Dugon ، وهي حيوان وديع، آمن الجانب، يقضي حياته بكاملها في الماء، مثل الحيتان والدلافين، وإن كان يختلف عنهما في ارتباطه بالمياه الضحلة، وينمو ليتعدى طوله 3 أمتار، ويزيد وزنه على 400 كيلوجرام  وتوجد عروس البحر حيث تجد الموئل المناسب في البحر الأحمر، غير أنها تأتي في مقدمة الكائنات المعرضة لخطر الانقراض، وقد أصبحت نادرة الوجود  وهي عشبية خالصة، ولا يتعدى طعامها نوعاً واحداً من حشائش البحر، هو  هالوديول يونينيرفيس.  


ومن أكثر أسماك البحر الأحمر شيوعاً، ( الجراح )، Acanthurus sohal . وهي سمكة ملونة جميلة، إلا أنها مقاتلة شرسة في زودها عن مناطق نفوذها، وهي من العلامات المميزة لبيئة الشعاب المرجانية  وقد أطلق عليها هذا الاسم الجراح بإيحاء من شوكتيها اللتين لهما حدة الشفرة، واللتين تتمفصلان لتتمكنا من الإنغماد في شق على كل من جانبي منطقة الذيل، وهكذا يمكنها توجيه ضربات جانبية بذيلها، فتجرح مناوئيها من الاسماك، وقد تكون الضربات موجهة ليد ادمية تحاول الإمساك بها.


 


6- جبال ووديان جنوب سيناء


تشغل الجبال ذات المنظر الرائع، ووديانها، في جنوب سيناء ثلث الجزيرة تقريباً، وواسطة العقد فيها محمية جبل سانت كاترين، وفيها أعلى قمم جبلية بمصر، وأعلاها  - إطلاقاً  - جبل كاترين، ويبلغ ارتفاعه 2641 متراً  وقد ساعد توفر الأمطار، نسبياً ووجود عدد من الينابيع بالمنطقة، على إغنائها بتنوع في الأحياء النباتية والحيوانية، يشتمل على أكثر من نصف إجمالي عدد الأنواع النباتية مصرية النشأة، من بينها النوع المعرض لخطر الانقراض، المعروف باسم الورد البري، أو وردة سيناء ومن النباتات النادرة الموجودة بالمنطقة، وإن كان غير محلي النشأة، التوت الشوكي، وهو موثق في الثقافة التقليدية، وقد ورد ذكره في الإنجيل.


ومن قوارض جنوب سيناء  الفأر النوامة  أو  الزغبة  وهو حيوان قارض، بين السنجاب والفأر، وعضو بارز في المجموعة الحيوانية بالمنطقة، ويطلق عليه أحياناً صفة قاطع الطريق، بإيحاء من تشكيل يشبه القناع، يغطي عينيه وفي طبع هذا القارض عنف لا يتفق واسمه فأرة نوامة إذ أنه على أهبة الاستعداد في كل الأوقات للدفاع عن نفسه، مستخدما أسنانه الحادة.


ويستوطن جنوب سيناء واحدة من أهم وأخطر الحيات المصرية، هي  حية برتون Echis coloratus ، إنها ثعبان في غاية الخطورة، قد تجد في الوديان الصخرية المعشوشبة، ويمكنه تسلق الأشجار، وهو متغير الألوان، مع ثبات في التشكيل  والحيات التي تنتمي لجنس هذه الحية توقع بالآدميين إصابات قاتلة، تفوق في عددها مجمل ما تسببه كل أنواع الثعابين الأخرى، في العالم، من وفيات  يبلغ نصيب مصر من الثعابين السامة شديدة الخطورة تسعة أنواع.


 


7- وسط وشمال سيناء


إن أودية وسط شمال سيناء هي الموطن لحياة نباتية غنية ومتنوعة، ومن النباتات الشائعة هناك، حبق الراعي ويستخدمه البدو لاكساب الشاي نكهة خاصة، ولعلاج متاعب المعدة ومن الطيور المقيمة بالمنطقة  نقار الخشب السوري ، و العصفور الصياح ، ويتحدد انتشارهما بمصر في هذه المنطقة فقط، كما أن شمال سيناء هو الملاذ الأخير للسلحفاة المصرية، التي أصبحت شديدة الندرة، حتى أنها أدرجت في القائمة الحمراء، التي أصدرها الاتحاد العالمي لصون الطبيعة، عام 2000، المحتوية على الكائنات المهددة بخطر الانقراض، وثمة مشروع لحماية هذه السلحفاة، يجري تنفيذه في محمية الزرانيق، التي تقع بهذه المنطقة.


ومن الزواحف التي يختص بها هذا الإقليم البيئي، قاضي الجبل Savignii Trapelus، فانتشاره محدد بشمال سيناء وجنوب فلسطين  وهي عظاءة سحلية  نهارية النشاط، ومهيأة للحياة في بيئة الرمال، وقد توجد في الأراضي السهلة المغطاة بالحصباء، وتستطيع تسلق الشجيرات الصحراوية، إذا اشتدت درجة حرارة الجو. وألوانها باهتة في عموم جسمها، إلا منطقة الزور الزرقاء، وأجنابها البنفسجية.


 


 


المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 65