بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

عالم البحار

 


عالم البحار .. لم يكتشف بعد


 


 


 


أ. د. عادل سعد عبدالمحسن


 


تظهر احدث الدراسات أن مساعي الإنسان للحفاظ على المحيطات متأخرة مئة عام عن مساعيه لحماية النباتات والحيوانات على اليابسة  ففي حين أن عشر مساحة اليابسة يقع ضمن المحميات والمتنزهات الوطنية، فإن أقل من 1 في المئة من المناطق الساحلية يحظى بذات الحماية في حين أن عرض البحر لا يتمتع بأي حماية على الاطلاق تقريباً  وتأتي هذه الرسالة من منظمي أكبر محاولة إلى الآن لتوثيق تنوع الحياة البحرية ويهدف احصاء الحياة البحرية الذي يستغرق عشرة أعوام إلى التعرف على المرادفات البحرية لبؤر التنوع الاحيائي على اليابسة مثل غابات الامازون المطيرة.


ويأمل العلماء في أن يساعد ذلك صانعي السياسة في تحديد مواقع المناطق البحرية المحمية الجديدة  ومع ذلك حتى الآن فإن 5 في المئة فقط من محيطات العالم تم استكشافها بيولوجياً، بحسب جيسه أوسوبيل مدير مشروع احصاء الحياة البحرية لصالح مؤسسة الفريد سلوان الوقفية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها.


ويعمل في المشروع الذي اطلق في عام 2000 اكثر من 300 عالم من 53 بلداً، وقبل ايام نشر المشروع تقريره التمهيدي الأول الذي يسلط الضوء على مدى جهلنا بالحياة البحرية فقد دأب العلماء القائمون على المشروع على اكتشاف انواع جديدة من الاسماك بمعدل ثلاثة أنواع بالاسبوع.


ويتوقع الباحثون اضافة 2000 إلى 3000 صنف جديد من الاسماك إلى قاعدة البيانات الموثقة بحلول عام 2010 ويقدر الباحثون اجمالي عدد اصناف الكائنات البحرية التي سيتم تصنيفها في تصور العلماء عند سحبه من البحر في أول مرة أن هناك وجوداً بالفعل لما يطلق عليه «الكركن» ذلك الوحش البحري الخرافي الاسكندنافي، وأن الأمر ليس مجرد اسطورة  ولكنهم بعد القيام بسلسلة من التحليلات الدقيقة والفحوص تبين لهم أن الأمر مختلف وأن الحيوان الذي تم سحبه من مياه البحر هو عبارة عن حبار ضخم.  


لم يكن العلماء يتوقعون أن الحبار يمكن أن يصل حجمه بالفعل إلى هذا الحد، ولكن ما أدهشهم بشكل أكبر هو أن التحاليل والفحوصات اثبتت أن هذا الحبار لا يزال صغيراً وأنه لو كان قد عاش أكثر من ذلك لكان قد نما حجمه إلى ماهو أكبر من ذلك.


ولطالما كان هناك وجود للحبار الضخم في أدب الرحلات والقصص الخيالية على امتداد القرون، حيث تعج القصص التي تروى عن صيادي الحيتان بحكايات ومغامرات يشغل فيها هذا الحيوان جانباً كبيراً من الأهمية ومنذ حوالي 400 عام بدأت في الظهور كتابات موثقة يمكن الركون إليها تصف أقدام عدد من الكائنات البحرية كبيرة الحجم خلاف الحيتان والدلافين نافقة على عدد من الشواطئ في مختلف بلدان العالم.


وفي عام 1856 قام الباحث الدنماركي جابتس ستينستريب باطلاق اسم «الحبار الكبير» على هذه الكائنات غير أن عدداً كبيراً من العلماء المعاصرين له كانوا يشكون في أن الحبار يمكن أن يصل إلى هذا الحجم الضخم الذي كانت عليه الحيوانات التي نفقت على الشواطئ.


واستمرت الشكوك حول هوية هذا الحيوان خلال 130 عاماً التي اعقبت العام 1856 ففي ظل غياب نماذج حية أو حديثة النفوق، اضطر العلماء إلى أن يعتمدوا في دراساتهم وتحليلاتهم على جثث متعفنة نفقت على الشواطئ أو على مكونات وبقايا المعدة الخاصة بكل حيوان من تلك الحيوانات والتي كانت الحيتان تتغذى عليها  وبالطبع لم تكن تلك البقايا كافية للوصول إلى معلومات محددة يمكن الاعتماد عليها بشكل علمي دقيق.


ولكن السنوات الأخيرة شهدت نهاية فترة الشك والضبابية هذه فخلال العقد الماضي، ادى تناقص الثروة السمكية في العالم إلى إجبار الصيادين على الوصول إلى أعماق أكبر من المسطحات المائية للبحث عن كميات أكبر من الاسماك، الأمر الذي يعني أنهم باتوا يقتحمون المناطق الخاصة بوجود عدد كبير من الحبار.


وفي هذا الصدد نجح الباحثون في العثور على أكثر من 300 حبار كبير الحجم، استطاع عالم واحد يدعى ستيف اوشيا، وهو خبير في سلوك وبيئة الحبار، أن يقوم باختبار 105 حيوانات منها.


والآن وفي ضوء ما تم من دراسات وفحوصات أصبح الباحثون والعلماء على يقين من أن الحبار يمكن أن ينمو ليصل طوله إلى 13 متراً وأن الأنثى منه تنمو بصورة أكبر من الذكر وتبين كذلك أن هذا الحيوان يملك عيوناً ضخمة تصل في قطرها إلى 30 سنتيمتراً، وذلك حتى يتمكن من الرؤية خلال الظلام الدامس للمناطق العميقة من البحار والمحيطات التي يعيش بها ويستطيع أن يجد ويصطاد فرائسه.


 


غرائب وعجائب


ومن أغرب الأشياء التي تم اكتشافها عن هذا الحيوان في نظر العلماء هو أن الحبار بالفعل لا يستحق ما يُشعر تجاهه من رهبة وخوف في ضوء حجمه الرهيب الذي كان يتم التأكيد عليه خلال الأدب القصصي ومغامرات البحارة  فعلى الرغم من ذلك الحجم الكبير للحيوان فإن هذا الجسد يتسم بالضعف قياساً للضخامة التي يتميز بها الطول الكبير لهذا الجسد، كما أن مجساته تتميز بالنحول وعضلاته ليست بالقوة التي كان يتوقعها العلماء.


وفي سياق الدراسات التي أجراها العلماء والباحثون على خصوصيات واسلوب حياة هذا الحيوان، حاول البعض الوصول إلى أماكن تجمع هذه الحيوانات، أو بالتحديد البقاع المفصلة لها، لا سيما بعد التأكد من أنها حيوانات اجتماعية تعيش بأعداد كبيرة مع بعضها البعض.


وعلى الرغم من أن العلماء عثروا على هذا الحيوان في مناطق عدة في مختلف ارجاء العالم ابتداء من نيوزيلاندا حتى ابردين في اسكتلندا، فإنه يتبين أن هذه الحيوانات تفضل التناسل والتجمع في المياه الغنية بالمواد الغذائية عندما يتلاقى تيارا محيط معاً، وفي النصف الشمالي من الأرض فإن مثل تلك المناطق تقع قبالة سواحل غرينلاند والنرويج بشكل خاص وفي النصف الجنوبي من الكرة الأرضية يمكن أن يعثر على هذه الحيوانات في أميركا الجنوبية وجنوب أفريقيا ونيوزيلاندا، حيث تم العثور خلال السنوات القليلة الماضية على عدد من الحبار يفوق مثيله في أي منطقة أخرى بالعالم.


لا يعلم أحد بالتحديد كم عدد الحبار الضخم الموجود في نيوزيلاندا أو حتى متى تتجمع هذه الحيوانات بأعداد كبيرة هناك، ولكن استناداً إلى بعض المعلومات، يعتقد العالم اوشيا أن هناك مجموعتين جغرافيتين منفصلتين في مياه نيوزيلاندا، تهاجرا إليها من أجل التناسل، المجموعة الأولى تتجمع قبالة الساحل الغربي لساوث ايلاند في شهري يوليو واغسطس في حين تتجمع الأخرى قبالة الساحل الشرقي في الأيام الأخيرة من أشهر ديسمبر ويناير وفبراير.


 


الاسرع نموا


وقد توصل العلماء كذلك إلى حقيقة أخرى متعلقة بهذا الحيوان اللغز، حيث تبين أنه اسرع الحيوانات نمواً على كوكب الأرض ففي ضوء أن أنثى هذا الحيوان البالغة يمكن أن يصل طولها إلى 13 متراً وتزن حوالي 275 كيلوغراماً، فربما يتخيل المرء أنها تحتاج إلى سنوات عدة كي تصل إلى هذا الحجم الضخم.


ولكن الأمر ليس كذلك على الاطلاق كما يؤكد الباحث جورج جاكسون من جامعة تسمانيا حيث يشير الرجل إلى أن الفترة التي تحتاجها الأنثى لبلوغ هذا الحجم لا تتعدى سنتين  وقد توصل العالم إلى هذا التقدير الزمني بعد اجراء سلسلة مطولة من البحوث والفحوصات على اعضاء مختلفة من جسد الحيوان.


وعلى الرغم من الكم الكبير من المعلومات التي توصل إليها العلماء قياساً لما كان معروفاً عن هذا الحيوان في الماضي فإنه لا يزال هناك عدد من الالغاز متعلقة بحياة هذا الكائن مثل طريقة تناسله وعدد السلالات الخاصة به، الخ.


وهناك من العلماء، مثل الخبير كلايد روبر، من متحف سميثونيان الوطني للتاريخ الطبيعي في واشنطن، من يقول «إننا على اغلب الظن نعلم عن الديناصورات ما هو أكثر مما نعرفه عن الحبار الضخم». ويوضح روبر هذا الأمر بالقول أنه لم يسبق لأحد حتى الآن قام بتصوير حبار ضخم وهو يسبح في مياهه بشكل مفصل.


فكل ما تم الحصول عليه من معلومات كان من خلال حيوانات تم صيدها  وفي هذا الصدد يعتزم العالم أوشيا القيام في العام المقبل بأول رحلة يغوص فيها إلى عمق 600 متر بهدف فك طلاسم حياة هذا الكائن اللغز.


  


ميثان قيعان المحيطات والبحار قنبلة موقوتة


تسبب انفجار الميثان بكميات كبيرة في محيطات العالم منذ 250 مليون عام في افظع موجة انقراض للأحياء على الأرض  هذا ما توصل إليه عالم أحياء تطورية أميركي في جامعة نورث وسترن في الينوي  ويقول جورجي ريسكين استاذ الاحياء بالجامعة المذكورة أن أحداثاً مشابهة على نطاق أصغر قد تكون وقعت منذ ذاك التاريخ وهذا يفسر الفيضانات التي وردت في الكتب الدينية مثلاً.


ويضيف ريسكين أن نحو 95 في المئة من الأحياء المائية على الأرض اختفت في نهاية العصر البرمي، كما أن 70 في المئة من الأحياء البرية ومنها النباتات والحشرات والفقاريات اختفت أيضاً في تلك الفترة.


ويقول اندرو نول استاذ الأحياء التطورية بجامعة هارفارد الأميركية أن هذا هو أكبر حدث مفرد وقع على سطح الأرض يدور حوله الجدل، لكنه ليس هناك اجماع على ما حدث بدقة.


ويعتقد ريسكين أن الميثان المتصاعد من تحلل بكتيريا أو من تجمد هيدرات الميثان في اعماق المحيطات بدأ في الانطلاق إلى السطح في ذاك الوقت  وفي ظل الضغط الهائل من المياه التي تقع فوقه، ذاب الغاز فيها عند قاع المحيط وحوصر هناك وارتفع تركيزه بشكل كبير.


وعندما حدث شيء يهز هذا الواقع مثل ارتطام نيزك صغير أو حتى حركة سريعة لاحدى الثدييات كبيرة الحجم، انطلقت المياه العميقة المشبعة بالميثان نحو السطح.


وعندئذ خرجت في شكل فقاعات متحررة من الضغط الكبير، ثم بعد ذلك لم تتوقف تلك العملية، أو لم يكن هناك ما يستطيع ايقافها  فالحركة الهائلة لطبقات المياه اطلقت كميات هائلة أيضاً من غاز الميثان.


ويمكن أن تكون المحيطات قد احتوت على كميات كافية من الميثان تنفجر بقوة تزيد عشرة آلاف مرة على أكبر الاسلحة النووية على سطح الأرض كما يقول ريسكين، وهذا وحده كفيل بأن يكون قاتلاً لمعظم الأحياء.


لكن بول وجنال استاذ الجيولوجيا بجامعة ليدز البريطانية يقول إن هذه فكرة مجنونة، لكنها جديرة بأن تؤخذ في الاعتبار وتدرس.


وهناك أدلة على أن النشاط توقف في المحيطات في نهاية العصر البرمي  وتشير الآثار الحفرية لذلك العصر إلى حدوث تغيير هائل في كميات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي  فلابد أن ثاني أكسيد الكربون قد نتج عند تكسر غاز الميثان أو انطلق في الغلاف الجوي بكميات كبيرة. ويقول وجنال إن انطلاق غاز الميثان من البحيرات والمحيطات نادر، لكنه خطر بحري معروف.


 


تحذير من الفيضانات


وقد توضح أو تفسر الظاهرة نفسها الأحداث التي وقعت في عصور جيولوجية لاحقة مثل الفيضانات العظمى التي جاءت في الكتب الدينية وقد يكون ذلك اشارة إلى فيضان البحر الاسود الراكد في أوروبا وهناك أدلة جيولوجية على أن هذا الفيضان العظيم قد وقع بين 7 و 8 آلاف عام مضت.


وقد تكون البحار الراكدة الأخرى لا تزال تراكم الميثان في الأعماق وقد تمثل خطراً نائماً، كما يقول ريسكين، ويضيف حتى إذا كانت احتمالات صحة نظريته ضعيفة، فلا بد من فحص المناطق والبحار التي يحتمل أن يحدث منها ذلك.


  


يمكن الاستفادة منها لتنقية مياه البحر


عندما غرقت السفينة العملاقة «تيتانيك» في أولى رحلاتها عام 1912، تحولت السفينة إلى مقبرة داخلها جثث جميع من كان على متنها من رجال ونساء واطفال، وصل عددهم إلى 1523 شخصاً غير أن القدر شاء أن تتحول مإساة السفينة إلى مصدر حياة لكائنات أخرى اجتذبها حطام السفينة بمجرد أن استقرت في اعماق البحر  ففي باديء الأمر جاءت إلى السفينة افواج من كائنات ميكروسكوبية اخذت تقتات على بقايا الطعام الذي كان موجوداً على السفينة، وذلك لمدة عشرة أيام حتى نفد كل ما كانت تحويه من غداء ومؤونة، فتحولت هذه الكائنات البحرية لأكل حطام السفينة نفسه.


وبعد ذلك بـ 73 عاماً تمكن افراد بعثة علمية بقيادة روبرت بالارد من اكتشاف حطام «تيتانيك» على بعد 750 كيلو متراً جنوب شرقي نيوفاندلاند بكندا وعلى عمق 3800 متر من سطح البحر.


وكانت أولى الصور التي شاهدها العالم لهذه السفينة قد أظهرت جسمها وقد ملأته آثار الصدأ، وأخذ شكل الكتل الحديدية المتمركزة تحت سطح البحر، تسكن كل كتلة منها كائنات بحرية تحولت على مر العقود إلى حيوانات غريبة. فكل كتلة من كتل السفينة أضحت تتكون من مجموعة من المواد البكتيرية والفطريات والميكروبات التي تعاونت فيها بينها لتكون ما يشبه كتلاً عملاقة تحتمي بداخلها هذه المخلوقات من العالم الخارجي.


ومنذ اكتشاف وجودها، وما شيدته من ابراج تحت الماء، بدأ العلماء محاولات كشف الحياة السرية لهذه المخلوقات.


الهدف من هذه الدراسات ليس انقاذ «تيتانيك» التي تبدو وأنها تمر بحالة حتمية من التآكل والانهيار، ولكن للمساعدة على توفير مياه نظيفة في بلدان العالم النامي وتطوير مواد بناء جديدة يمكن انباتها وانماؤها بدلاً من تصنيعها كما حدث مع مواد البناء حالياً.


وقد بدأت القصة عام 1996 عندما تم استدعاء العالم البيئي روي كاليمو من جامعة ريجينا في ساسكاتشوان وتكليفه بمهمة البحث في النشاط الحيوي الحاصل على السفينة الغارقة بعدما لاحظت الشركة المنوط بها عملية اخراج حطام السفينة من اعماق الحياة أن هذا الحطام آخذ في الانهيار بفعل مخلوقات غريبة.


وباستخدام المعدات والأدوات الحديثة للغواصة الفرنسية «نوتيل» تمكن كاليمور والفريق العلمي المصاحب له من جمع اجزاء من هذه الكتل وأجريت عليها مجموعة متنوعة من التحاليل، ثم قام برحلة اخرى عام 1998 لإحضار عينات أكبر من هذه الكتل عندما تم رفع جزء ضخم من السفينة من قاع البحر  وكان طول أكبر قطعة استطاع كاليمور الحصول عليها من القاع حوالي 45 سنتيمتراً.


أثناء اجراء التحليلات اللازمة، تبين أن كتلة من هذه الكتل المتكونة تحت البحر تحتوي على 5 مجموعات من الميكروبات المختلفة على الاقل تعيش مع بعضها في حالة من التناغم والانسجام وفي معظم الاحوال تتجمع حول القنوات المائية التي تسير وتشق طريقها خلال الهيكل الموجودة فيه.


وهناك كذلك انواع من الفطريات التي تنمو إلى خارج هيكل السفينة حيث تتلاقى القنوات مع السطح  وبجانب هذه الميكروبات، فإن هذه الكتل تحتوي على حوالي 35 في المئة من الحديد الذي يأخذ شكل خيوط التجمعات الحديدية التي تتخلل الهيكل الكلي للكتل بالطريقة نفسها التي تشق بها الاعصاب أو الأوعية الدموية طريقها في الجسم.


 


نتائج التحاليل


وقد كشفت التحاليل والبحوث التي قام بها العالم كاليمور أن هذه الميكروبات تعمل معاً لتقتات على السفينة حيث تقوم معاً بانتزاع الحديد من داخلها  وفي عام 1996، وصل هذا العالم والفريق العلمي المصاحب له إلى تقرير يفيد بأن هذه الكائنات تقوم بالتغذي على 100 كيلوغرام من هيكل السفينة يومياً.


وكلما زاد نمو هذه الكائنات زاد معدل التهامها لما حولها من مواد ومن هنا يتوقع كاليمور أن يختفي حطام السفينة في فترة تصل إلى حوالي 100 عام تقريباً.


وتبين من خلال البحث والتجربة أن هذه الكائنات تستعمر اجزاء معينة من السفينة دون غيرها  ولمعرفة السبب وراء هذه الظاهرة قام كاليمور بوضع عينات من الفولاذ على سطح السفينة وألمحت الكشوفات التي توصل إليها ذلك العالم إلى أن أكثر المناطق حساسية وجذباً لهذه الكائنات هي تلك التي يكون فيها الفولاذ ملوياً نتيجة لغرق السفينة، وذلك لأن الانكسارات أو الشقوق تسمح للميكروبات بالعثور على موطئ قدم لها داخلها.


واتضح أيضاً أن هذه الكائنات تفضل الحديد المطاوع أو اللين على الفولاذ  يقول كاليمور " الامر لا يقتصر على أن الحديد يستسلم بسرعة لهذه الكائنات ولكن المسامير من هذا الحديد وأماكن وجوده بشكل عام تتحول إلى ما يشبه سوبر ماركت لنمو هذه الكائنات الأمر الذي قد يحمل اخباراً سيئة ليس فقط للسفينة تيتانيك ولكن للسفن والهياكل الأخرى الموجودة تحت سطح البحر مثل حفارات النفط ".


غير أن هذه البكتيريا المحبة للحديد يمكن أن تكون مفيدة، كما اوضحت البحوث والتجارب التي اجريت في هذا الشأن  فقد تبين أنه يمكن استخدام هذا النوع من البكتيريا في التخلص من كميات الحديد الموجودة في المياه الجوفية التي يمتنع عنها الناس بسبب احتوائها علي كميات من الحديد تضر بالصحة وسوف تثبت الابحاث الجارية في الوقت الحالي على هذه الميكروبات مدى القدرة على استخدام هذه البكتيريا كمرشحات للتخلص من الحديد الموجود في المياه الجوفية.


ولا تتوقف أهمية هذه البكتيريا عند هذه النقطة  فقد تبين لكاليمور أن هذه الميكروبات يمكن الاستفادة منها في عدد كبير من المجالات والاستخدامات الصناعية  فقد وجد أن هذا النوع من البكتيريا يمكن اضافته إلى الاسمنت الطبيعي لتحسين ادائه واستخدام البكتيريا في هذه الحالة كأسمنت حيوي يمكن انباته وانماؤه  كما يمكن هندسة هذه الكائنات لتصنيع منتجات مثل البوليميرات والمواد الخافضة للتوتر السطحي الخاص بالسوائل المذابة، والتي يمكن استخدامها في اغراض طبية.


وفي هذا الشأن يقول كاليمور إذا نجحنا في التعرف على كيفية قيام هذه الكائنات بالتواصل مع بعضها البعض، أي اللغة التي تستخدمها في التعاون فيما بينها، فإننا سيمكننا تطويعها واستخدامها في اغراض شتى.


  


تقنية جديدة تكشف أسرار قيعان البحار


تمكن باحثون بريطانيون من كلية امبريال في لندن مؤخراً من تطوير تقنية حديثة لمسح قيعان البحار وكشف اسرارها وكنوزها الأثرية  وهذه التقنية المتطورة المسماة «باثيمتري» والتي تستخدم السونار في عملها يمكن توظيفها في رسم خرائط لقاع البحر والتقاط صور لا تقل دقة وتفصيلاً عن الصور التي تلتقط على اليابسة.


ويعتزم فريق الباحثين الذي يرأسه الدكتور ناجيف غوبتا استخدام هذه التقنية في اجراء دراسة مسحية لقاع البحر داخل المياه الاقليمية البريطانية بهدف التعرف على التراث الانجليزي الذي من الممكن أن يكون محفوظاً بشكل جيد في الأعماق.


ويقول الدكتور ديفيد مايلز كبير علماء الآثار لدى هيئة التراث الانجليزية "إن معظم قيعان البحار في العالم لا تزال تعتبر لغزاً بالنسبة للبشر،  فنحن لدينا صور أفضل لكوكبي المريخ والزهرة مما لدينا عن ثلثي مساحة كوكبنا، الآن يمكن تصحيح هذا الخلل".


ويتحمس الباحثون بشكل خاص لإعداد خرائط لقاع البحر لكي يتمكنوا من التعرف على أماكن ربما كان الإنسان قد اختارها لتكون موطناً له، بالإضافة إلى الخلجان المحمية والجروف الصخرية التي تحتوي على الكهوف وبحيرات المياه العذبة، ويمكن أن يتم ارسال غواصين إلى قيعان البحار واستخدام غواصات روبوتية للبحث وأخذ العينات.


والهدف هو العثور على أدوات حجرية وأخشاب بناء ودلائل أخرى على النشاط الإنساني.


غير أن استخدام تقنية «باثيمتري» لن يكون محصوراً بدراسة التضاريس المفقودة والمستوطنات الغارقة وإنما سيساعد أيضاً في تحديد أماكن حطام السفن القديمة التي من الممكن أن تقدم معلومات في غاية الأهمية عن الحضارات القديمة والكنوز الغارقة في أعماق البحار منذ ألوف السنين.


  


أسرار الحياة في المحيط المتجمد الشمالي


يزداد توتر رالف غرادنيغر بينما ينظر إلى مساحات الجليد المترامية الاطراف المتراكم عبر السنين على سطح المحيط المتجمد الشمالي  لقد مضت خمسة أيام على انطلاق رحلة البحث الاستكشافية على متن كاسحة الجليد «لويس» التابعة لخفر السواحل الكندي، ولكن خبير الجليد الألماني الذي يدرس البيئة البحرية في جامعة الاسكا فيربانكس، لم تطأ قدماه بعد المياه المتجمدة.


وفي الاسفل، يئن بدن السفينة، بينما يصارع الصفحة البيضاء قد يكون سمكها حتى الآن ثمانية أعوام ويصدر اصوات ارتطام وصرير عندما يلتقي الفولاذ بالجليد.


وينحني رالف فوق حاجز السفينة لكي يراقب مقدمتها وهي تهوي كالسيف على الكتل الضخمة من الجليد فتحدث شقوقاً تتقدم للأمام بسرعة مثل افعى مرتعبة ومكعبات من الجليد بحجم سيارة الخنفساء من فولكس واجن تتدحرج بجوار بدن السفينة  وينتظر رالف أن يسمع قبطان السفينة يعلن أن البحث المتعلق بالجليد يمكن أن يبدأ.


هكذا كانت الحالة بالنسبة لرالف و 43 عالماً آخراً في الرحلة التي تستمر 24 يوماً وتقطع مسافة 400.2 ميل بحري - الممولة بشكل مشترك من قبل برنامج استكشاف المحيط التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والجو ومركز اليابان لعلوم وتقنية البحار ووزارة الثروة السمكية والمحيطات في كندا.


كانت مهمتهم الجماعية هي استكشاف حوض كندا، الذي هو عبارة عن هوة بعمق 3.2 ميل في المحيط المتجمد الشمالي  وهذا المكان النائي الذي يمتاز بالبرودة القارصة والذي تغطيه الثلوج معظم ايام السنة يروق بشكل اساسي للحيتان وحيوانات الفقمة والدببة القطبية والبشر الذين لديهم ميل للاستكشاف ويملكون السفينة الملائمة للوصول إلى هنا هم فقط الذين لديهم سبب وجيه لزيارته  وحالما يصلون إليه، فإنهم يكابدون المصاعب الجمة.


وعلي هذا الاساس حذرت رئيسة طاقم العلماء فيونا ماكلالين من معهد كندا لعلوم المحيطات جميع العلماء من المصاعب في اليوم الأول  وتحقق صدق كلماتها سريعاً  فبعد أقل من ساعة على مغادرة مدينة وي الكندية التابعة لمقاطعة كوغلوكتوك، استدارت السفينة «لويس» فجأة وعادت ادراجها.


فقد تم استدعاؤها للقيام بمهمة في البحث والانقاذ  وكانت المهمة هي البحث عن صيادي سمك الانويت وصبي تم الابلاغ عن فقدانهم  وتمكن طاقم المروحية التابع للسفينة من مشاهدة الاشخاص الثلاثة يخيمون على احدى الجزر وسار كل شيء على ما يرام  ولكن بالنسبة للعلماء، فإن يوماً كاملاً من الرحلة قد ضاع.


وبعد عودة السفينة إلى مسارها كانت فرق العلماء متلهفة للعمل في المراكز العلمية الـ 25 الموجودة في الطريق  ولكن كل نقطة توقف كانت تعني نوعاً جديداً من ذرائع الانتظار  فبعضها طلب منهم الانتظار حتى ينقشع الضباب والبعض الآخر حتى تتوقف الرياح أو حتى تظهر نتائج تجربة علمية معينة وتبدأ تجربة أخرى.


 


التركيب الكيميائي


الأمر الذي زاد من توتر العلماء هو انهم كانوا يعلمون جميعاً أن هناك عملاً كثيراً ينبغي القيام به في الوقت المخصص فعلماء المحيطات يريدون أن يستخرجوا كميات من البيانات حول التركيب الكيميائي للمحيط وخاصية الانتشار من الاعمدة المائية الطباقية في الحوض وذلك بهدف فهم صلتها بالمحيط الكلي.


وعلماء الاحياء يريدون أن يأخذوا عينات من اشكال الحياة من الجليد وحتى قاع المحيط  فالمياه العميقة في الحوض ظلت هادئة ومعزولة طوال اكثر من 500 عام ولا أحد يعرف على وجه اليقين طبيعة ما تحتويه وتقول كاتلين كرين، وهي عالمة في المحيطات في الإدارة الوطنية للمحيطات والجو ومنسقة البعثة الأميركية.


عبرت السفينة منطقة بحر بيوفورت الجنوبي حيث المسطحات الجليدية نادرة في شهر اغسطس التجمد يحدث في سبتمبر مما سبب احباطاً لرالف وأعضاء الفريق الياباني المتحمسين لنصب معداتهم لمراقبة المحيط وقد لاحظ العلماء ذوبان الغطاء الجليدي بنسبة تصل إلى 40 في المئة خلال السنوات الثلاثين الماضية.


وهذه الانباء سيئة بالنسبة للحيوانات والبشر الذين يعتمدون على الثلج في تأمين السكن ومناطق الصيد ولكنها انباء طيبة بنظر اولئك الذين يتربحون من طرق الشحن بين أوروبا وآسيا في فصل الصيف والثروات السمكية الجديدة وحقول النفط مع أن القضايا الرئيسية المتعلقة بالاقتصاد والبيئة والسيادة قد تشوش على الفوائد.


وفي غضون ذلك، كان العلماء يبحثون في الظواهر المعقدة المرتبطة بذوبان الجليد ومن بينها التسخين الارضي ونظام الضغط العالي فوق القطب الشمالي  فهذا النظام قد يتغير ليحول فصول الشتاء المعتدلة في أوروبا إلى فصول باردة جداً مما يؤثر سلباً على الزراعة واستهلاك الطاقة والسياحة ويقول رالف «مهما يحدث فإنه لا شك لدي بأن الجليد يتغير مما يعني أن عملي لا يستطيع الانتظار».


أخيراً، توقفت السفينة «لويس» ونزل العلماء لالتقاط العينات من الثلج السطحي، ومن اعماق البحر، وخرجوا بعد 5 ساعات متواصلة من العمل بكم كبير من العينات التي ستدرس بعناية وتمحص بعد انتهاء الرحلة للتوصل إلى استنتاجات حول اشكال الحياة البحرية في هذه المنطقة المعزولة من العالم.


  


سبعون عشبة لتنقية البحيرات


من أجل الحفاظ على نقاء مياه البحيرة الغربية وتعزيز قدرتها على التقنية الذاتية، لم يقطع فقط العاملون في مشروع حماية البحيرة الغربية بمدينة هانغتشو مصادر تلوث نهر تشيانتانغ من منبعها، بل زرعوا أكثر من 70 نوعاً من الأعشاب المائية في مجال الماء الجديد للبحيرة الغربية، لمساعدة البحيرة الغربية على «التنفس» و «عملية الأيض» طبيعياً.


قالت «لوه شياو ينغ» بقسم حماية البحيرة الغربية الشاملة في منطقة المناظر بالبحيرة الغربية، زرعنا هذه النباتات المائية، التي تفيد في رفع نوعية وزيادة المناظر المائية وتنقية المياه.


لا تمتص فقط هذه الأعشاب الطمي في قاع النهر، بل يمكن أن تمتص المعادن الثقيلة السامة في المياه تستهلك عملية الأيض للأعشاب المائية ونموها كمية كبيرة من ثاني اكسيد الكربون والنيتروجين في المياه، وتكبح تكاثر الطحالب فأصبحت المياه نقية، وازدادت شفافيتها، وأصبحت مستقرة مع ذوبان كمية كافية من الاكسيد، وتحسنت بيئة حياة الأحياء المائية.


كثير من هذه الاعشاب كما يقول موقع شبكة الصين من النباتات المائية الموجودة أصلاً في منطقة البحيرة الغربية، إلى جانب زراعة الأعشاب المائية المحلية بكمية كبيرة، استقدم العاملون نوعاً من الأعشاب من خارج البلاد، يعيش هذا العشب تحت الماء، ويطهر نوعية المياه، ويسمى «الغابات تحت الماء».


 


 


المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 67