جهود علمية لمنع تلوث البحار
قبل 1972، أدت بعض الأحداث مثل، هلاك مجموعات كبيرة من الطيور البحرية بسبب مادة الدي دي تي، وانتشار مرض الميناماتا بصورة وبائية في اليابان بسبب تلوث الأغذية البحرية بالزئبق، وتسرب النفط من الناقلة توري كانيون وتسربات النفط الأخرى، إلى أن يهتم مؤتمر إستكهولم بقضايا تلوث البحار وتمثلت الاستجابات السياسية لذلك في تحريم إنتاج واستخدام بعض المواد، وإصدار قوانين لتقليل تصريف المخلفات، ومنع دفن النفايات في البحار، بالإضافة إلى بذل جهود علمية كبيرة لتحسين المعارف حول هذه الملوثات.
اتفاقيات دولية
ضمنت هذه الاستجابات في عدد من الاتفاقيات الدولية، تشمل معاهدة لندن حول دفن النفايات 1972 والبروتوكول الملحق بها عام 1996، ومعاهدة بازل 1989 حول التحكم في حركة النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، وبرنامج العمل العالمي لحماية البيئة البحرية من الأنشطة البرية عام 1995 كما يحظى التلوث البحري باهتمام برامج البحار الإقليمية التابعة لليونيب القائمة في أجزاء عديدة من العالم.
الصرف الصحي
يظل الصرف الصحي المصدر الأكبر حجماً لتلوث البيئة البحرية والساحلية على نطاق العالم وقد زاد تصريف مياه المجاري والصرف الصحي على السواحل زيادة كبيرة خلال العقود الثلاث الماضية إضافة لذلك، وبسبب ارتفاع استهلاك المياه في المناطق الحضرية الساحلية، أصبحت إمدادات المياه تفوق طاقة شبكات المجاري المتاحة مما يزيد من حجم المخلفات السائلة.
تفشت في السبعينيات المشاكل الصحية الناتجة عن تلوث المياه الساحلية بالجراثيم التي تحملها مياه الصرف الصحي، وقد ساهم تحسين معالجة مياه الصرف الصحي وتقليل تصريف الملوثات الصناعية والبلدية في الدول المتقدمة إسهاماً كبيراً في تحسين نوعية المياه.
أما في العالم النامي، فلم يواكب توفر المرافق الصحية الأساسية وأنظمة المجاري ومعالجة مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية، التوسع الجاري في هذه المناطق وقد وقفت التكاليف الرأسمالية الباهظة، وسرعة التحول الحضري، وفي كثير من الحالات، قصور الإمكانات الفنية والإدارية والمالية اللازمة لتخطيط وإدارة المناطق الحضرية والتشغيل المستمر لأنظمة معالجة الصرف الصحي، عائقاً يحول دون معالجة مياه المجاري بفعالية وهناك حاجة عاجلة إلى إزالة هذه العوائق بالإضافة إلى إيجاد مداخل بديلة.
تشير الأدلة التي ظهرت مؤخراً إلى أن الاستحمام في المياه في ظل مستويات التلوث الجرثومي الحالي يحمل مخاطر كبيرة للإصابة بالأمراض والنزلات المعوية، ويشكل تلوث مياه البحار بمياه الصرف الصحي مشكلة صحية ذات بعد عالمي.
المخصبات
من القضايا التي حظيت باهتمام كبير في مؤتمر إستكهولم تفاقم ظاهرة تراكم المخصبات في مياه البحار والسواحل، وتتسبب الأنشطة البشرية في أكثر من نصف أملاح النيتروجين العالمية حالياً وقد ارتفع تصريف أملاح النيتروجين في المحيطات ارتفاعاً كبيراً وتشكل مياه الصرف الصحي عادة المصدر المحلي الرئيسي للتلوث بالقرب من المناطق الحضرية بينما يشكل الصرف الزراعي والرواسب من الغلاف الجوي مصادر التلوث الرئيسية على المستوى العالمي.
تنقل الأنهار في أوروبا وجنوب وشرق آسيا أعلى معدلات النيتروجين غير العضوي المذاب، من كل المصادر البرية إلى البحار ويضاعف مستويات النيتروجين الفقدان الواسع النطاق للحواجز الطبيعية مثل الأراضي الساحلية الرطبة والشعب المرجانية وغابات القرم.
لم يشكل جرف المخصبات الزراعية «مشكلة عالمية رئيسية» حتى انعقاد مؤتمر إستكهولم وكان استخدام الأسمدة بوتيرة متسارعة في الدول النامية متوقعاًوبينما استقر معدل استخدام الأسمدة في الدول المتقدمة، إلا أنه أخذ يتصاعد في الدول النامية ، ليشكل توجهاً يتوقع استمراره.
وقد ساهم انتشار الدعم دون شك في زيادة استخدام الأسمدة، مما يعكس الأولوية السياسية القصوى الموجهة نحو مضاعفة الإنتاج الغذائي وتقليل تكلفته.
انبعاثات صناعية
تشكل الرواسب من الغلاف الجوي الناتجة أساساً من الانبعاثات والمركبات الصناعية، وفي بعض المناطق، التبخر من روث الحيوانات والأسمدة الأسباب الرئيسية في زيادة مدخلات النيتروجين الناتجة عن أنشطة بشرية في بعض المناطق الساحلية ومن المتوقع زيادتها مع زيادة التحول الصناعي واستخدام المركبات، خاصة في الأقاليم النامية وسوف يزيد ترسب النيتروجين من الغلاف الجوي في المحيطات المفتوحة ذات التركيز المحدود من النيتروجين، مع احتمال وقوع آثار كبيرة على الإنتاج الأساسي ودورة الكربون.
العوالق النباتية
برزت أترفة البحار والمناطق الساحلية الناتجة عن زيادة المدخلات النيتروجينية كظاهرة مثيرة للقلق لم تكن منظورة قبل ثلاثة عقود وهناك أدلة متراكمة على أن انتشار وازدهار العوالق النباتية السامة أو غير المرغوبة يزداد حدة وتكراراً وانتشاراً جغرافياًوقد حدثت أترفة حادة في العديد من البحار المغلقة أو شبه المغلقة، بما في ذلك البحر الأسود وفي مناطق أخرى، أدى النمو المتصاعد وما يعقبه من تحلل العوالق النباتية إلى استنزاف موسمي للأكسجين في مساحات واسعة من المياه انظر الخريطة وقد يترتب على ازدهار العوالق النباتية آثار اقتصادية كبيرة على مصايد الأسماك والمزارع السمكية والسياحية.
سلامة المحيطات
على أيام انعقاد مؤتمر إستكوهولم تركز الاهتمام حول سلامة المحيطات على التلوث بالملوثات العضوية المستعصية خاصة مادة دي دي تي وثنائي الفنيل متعدد الكلور والمعادن الثقيلة والنفط واتسمت بعض اجراءات الاستجابة بالفعالية، مثلاً ساعد إدخال الجازولين الخالي من الرصاص على تخفيض مستويات الرصاص في برمودا وقد ساهمت القوانين الوطنية والاتفاقيات العالمية مثل معاهدة منع التلوث من السفن في تقليل تصريف النفط المستهلك من السفن، واستعادت الطيور البحرية في أميركا الشمالية أعدادها التي تأثرت بمادة دي دي تي السامة بعد تحريم استخدامها في الإقليم.
في الحالات الأخرى، ساهم تحسن المعلومات في تبديد بعض المخاوف البيئية مثلاً، ثبت بأن المستويات العالية من الزئبق في سمك التونا والسيف قد نتجت عن مصادر طبيعية، كما ثبت أن معظم آثار تأثير التلوث بالمعادن الثقيلة باستثناء الزئبق والرصاص، ينحصر في نطاق ضيق جداً وتأثيره طفيف نسبياً باستثناء حالات التركيز العالي من جانب آخر، هناك مخاوف أخرى لا تزال قائمة حول هذه الملوثات وربما تكون للبقايا النفطية آثار خفية بعيدة المدى، وقد تتسبب تسربات النفط الصغيرة المزمنة في موت الطيور البحرية، وفي غيرها من الآثار البيئية ( GESAMP in prep ) كما يثير التلوث بالمعادن الثقيلة مخاوف كبيرة في القطب الشمالي، ويمكن أن يترتب عليه آثاراً حادة على هذا الإقليم.
تشكل الملوثات العضوية المستعصية أكثر القضايا خطورة على المستوى العالمي، وينتقل العديد منها إلى كافة أرجاء العالم من خلال الغلاف الجوي والانتشار في المحيطات وهناك أدلة تراكمية تدل على أن التعرض الطويل إلى مستويات منخفضة من بعض الملوثات العضوية المستعصية يسبب مشاكل في الخصوبة والتكاثر ومشاكل عصبية ومناعية وغيرها للكائنات البحرية، وربما للبشر، إلا أن الأدلة حول الآثار واسعة النطاق على البيئة وصحة البشر في ظل مستويات التلوث الحالي لا تزال محايدة لا تثبت ولا تنفي.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 71