رئيسة قسم الإحصاء وبحوث العمليات بكلية العلوم
د. فهيمة العوضي : أم الهيمان "آمنة" بالدليل الإحصائي ولاخوف من الأوزون بالكويت
رجب أبو الدهب
يقف قسم الإحصاء وبحوث العمليات بكلية العلوم بجامعة الكويت، بحيادية تامة ومنهجية علمية، بين كافة الجهات المعنية بالشأن البيئي في الكويت، وبين صناع القرار في الدولة من جهة والمجتمع الكويتي من جهة أخرى.. فمن خلال استقرائه وجمعه وتحليله لكافة الرصودات والقراءات العلمية الموثقة من قبل الجهات المسؤولة أصبح لديه بنك احصائي شامل ومنظم.. مجلة «بيئتنا» التقت رئيسة القسم الدكتورة فهيمة عبدالحميد العوضي في لقاء «علمي» للوقوف على أبعاد العمل بالقسم ومدى شموليتها وآلياتها.. ولإلقاء الضوء على واقعنا البيئي في دولة الكويت.. خاصة فيما يتعلق بأبرز القضايا البيئية المثارة.. فمع تفاصيل اللقاء:
* يمتلك القسم قاعدة إحصائية كبيرة. بالتأكيد تعد مرجعية بيئية وعلمية، فنود إلقاء الضوء على مسيرة القسم مع العمل الاحصائي البيئي.
في عام 2005 كان هناك مشروع احصائي بيئي فيما بين قسم الإحصاء وبحوث العمليات بكلية العلوم بجامعة الكويت وبين الهيئة العامة للبيئة، حول تطبيق التقنيات الإحصائية الحديثة على ملوثات الهواء في دولة الكويت، حيث حصلنا على قرارات ملوثات الهواء من 6 مراصد تابعة للهيئة فيما بين عام 1997 و2004، وكانت تلك الدراسة المتكاملة حول كل ملوث من هذه الملوثات حتى يصبح لدينا «دالة» الخطر تبعا للتصنيف العالمي، خلال سنوات الدراسة.
وقد حللنا هذه البيانات بحيث تلقي الضوء على أهم نقاط الخطورة، وكذلك لنعرف في أي وقت من اليوم تزيد وبماذا تتأثر فضلا عن العوامل المؤثرة لها.
ومثال على ذلك، أخذنا غاز ثاني أكسيد الكربون (Co2) وحللنا قراءاته في المراصد الستة المختلفة، حتى نقف على أوقات زيادته في اليوم والشهر ومتى يزيد ويقل، وأجرينا معادلة إحصائية نستقرئ بها قياس Co2 في الجو خلال ظروف وشروط معينة، ومنها درجة الحرارة ونسبة الرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها، وبالإضافة إلى تلك المعادلة الإحصائية للتنبؤ بالملوثات جميعها أخذنا منحى آخر ويتمثل في أننا قارنا ملوثاتنا مع دول العالم المختلفة (خاصة كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا)، ومن واقع تلك المقارنة اتضح أن الكويت لديها طبيعة رائعة، على الرغم من عدم وجود زراعة وبها ملوثات بيئية، سواء بسبب المصانع أو النفايات والمخلفات أو المصافي النفطية.
وهناك عامل سرعة الرياح، لأن الكويت دولة مسطحة، فإذا حدث أن تلوث مكان فلابد أن يتأثر تبعا لذلك مكان آخر. وبالفعل لمسنا ذلك في منطقة الرابية ومنطقة المنصورية، فمثلا ملوثات الرقة تؤثر على أم الهيمان، ولكن اتجاه الرياح دائما يكون (شمالية شرقية)، بمعنى أنها تتجه صوب البحر، وعندما يأتي الهواء من العراق يمر على المناطق الكويتية الملوثة ومن ثم يتجه الهواء بملوثاته تجاه البحر.
* د.فهيمة، ماذا عن الملوثات الغازية التي يحملها الهواء في دولة الكويت وما مدى تأثيراتها أو خطورتها؟
أهم الملوثات الغازية التي يحملها الهواء في دولة الكويت هي كالتالي:
- غاز أول أكسيد الكبريت So1، والناتج عن حرق الوقود الأحفوري وعوادم السيارات، والتي تشكل المصدر الرئيسي لملوثات الهواء بالكويت.
- غاز ثاني أكسيد الكربون Co2، والناتج عن عوادم السيارات، بالإضافة إلى تصاعده من المصانع ومصافي النفط.
- حرق النفايات، ومنها غازات ثاني أكسيد الكربون Co2 وغاز أول أكسيد الكبريت So1 ومجموعة Nox وتشمل أول أكسيد النيتروجين No وثاني أكسيد النيترجين No2، وهي غازات نيتروجينية ضارة صحيا وبيئيا.
- وأكثر الغازات، هي غازات ما دون الميثان، وبها نيتروجين ومركبات عضوية، وهي خطرة لأنها غازات مشتقات من المصافي والمنشآت النفطية، ووجدناها في بعض مناطق الكويت وفي ساعات معينة.
- الغبار بنوعيه وهما )PM10-PM2.5( والخطورة بها أنها أكثر أوقات السنة ووجدنا ٪60 من القراءات بها خطورة والنسبة في تزايد.
- غاز الأوزون وحللنا قراءاته ووجدنا نسبته لا تشكل أي خطورة.
* وما هي المضار الصحية لما تم إحصاؤه من ملوثات هوائية؟
طلبنا من مركز الصقر الصحي بالعديلية إحصاء الحالات التي راجعت المركز بشكاوى صحية ذات علاقة بالجهاز التنفسي خلال سنة الدراسة، واستخلصنا من واقع الاعداد وجغرافية الإصابات بالملوثات الهوائية أن الغبار PM10 سبب رئيسي لكثير من الإصابات لما يحمله من ملوثات صناعية بالإضافة إلى الرمل أو مكونات الغبار.
* يحوز قسم الإحصاء على الكثير من الدراسات البيئية الإحصائية، فما أبرز تلك الدراسات التي نستطيع التوقف عندها؟
دراسة عن غاز ما دون الميثان NMCH في منطقة أم الهيمان بعدما أثير حولها الكثير من الجدل فوجدناها مطابقة للمعيار العالمي في معظم الأوقات، وهذا ما يدعو للاطمئــــنان )المعيار العالمي لغاز ما دون الميثان 0.24(، ومن خلال قراءات عديدة وفي أوقات متباينة وجدناها متطابقة لذلك إلى حد كبير. ولكن ثمة قراءات في أوقات قليلة تختلف عن المعيار العالمي دون أن يكون لها تلك الآثار الصحية والبيئية الكبيرة.
ونحن الآن بصدد دراسة شاملة عن ذرات الغبار في دولة الكويت بجميع جهاتها وليس فقط المراصد الثلاثة عشر، ونأخذ العينات من تلك المراصد التابعة للهيئة العامة للبيئة، ومدة الدراسة بحدود سنة إلى ثلاث سنوات، وبهذا الخصوص لن نكتفي بقراءات تلك المراصد وسوف نستخدم القراءات للقياس فيما بين المناطق، فمثلا عندما نحصي الرقة وأم الهيمان نقيس عليها قراءات الفحيحيل، وهكذا في كافة أرجاء دولة الكويت.
* بالعودة للحديث عن التعاون مع «هيئة البيئة»، ماذا لدى القسم من تعاونات بهذا الخصوص؟
منذ سبع سنوات، وابتداءً من عام 2004, وقسم الإحصاء وبحوث العمليات بكلية العلوم يتعاون مع الهيئة العامة للبيئة، ويأخذ التعاون العلمي عدة أشكال وفعاليات منوعة، ويشمل ذلك مشاريع مشتركة وإلقاء محاضرات وعرض نتائج دراساتنا، وكذلك الاستفادة من بياناتهم، كما أننا لدينا استشارات خاصة بأحد الأكاديميين المنتمين للقسم. وقدمنا للهيئة العامة للبيئة دراسة متكاملة عن المراصد مؤخراً، ولدينا نحو 50 مشروع بحث تخرج لطلبتنا بقسم الإحصاء فيما يتعلق بالملوثات، سواء في الهواء أو المياه، ووفق ذلك نطلب من الطلبة الاستعانة بما لدى الهيئة العامة للبيئة من بيانات ومعلومات.
* د.فهيمة العوضي كيف تصف قسم الإحصاء وبحوث العمليات في مفردات قليلة؟
قسم الإحصاء وبحوث العمليات بكلية العلوم بجامعة الكويت بما يقوم به من قراءات للرصودات وما لديه من بيانات يمتلك قاعدة معلوماتية علمية وموثقة بالرسومات البيانية والجداول والتطبيقات الإحصائية المتقدمة، نستطيع بذك الجزم بأننا جهة محايدة في حكمها الدقيق على الواقع البيئي في دولة الكويت، ونرى حتمية الاستعانة بها من قبل صناع القرار.
* مادمنا نتحدث مع خبيرة إحصائية فأرى من الأهمية التطرق لموضوع المياه في دولة الكويت.
بدأنا بمياه الشرب، وكنا نرى مدى المياه الصالحة للشرب من مكوناتها المختلفة، وأخذنا القراءات من وزارة الكهرباء والماء لعشر مناطق في الكويت لمدة عشر سنوات، وبالتحليل الاحصائي تبين لنا أن العينات جميعها مأخوذة من مستوصفات صحية، وفقا للتعاون فيما بين وزارة الكهرباء والماء ووزارة الصحة، وهذا بالنسبة لنا غير دقيق أو غير صحيح إحصائيا لتأثر النتائج بعوامل خارجية، خاصة وأن القراءة كانت مرة واحدة بالشهر وبتاريخ ووقت محددين، وهذا لا يضمن الحيادية التي هي المطلب الأساسي للبيانات المطلوبة ومدى مصداقيتها ودقتها، وباستقراء وتحليل القراءات اكتشفنا أن مياه الشرب بالكويت متوافقة تماما مع المعايير والمقاييس المطلوبة، وبالطبع النتائج مترتبة على القراءات الممنوحة لنا من قبل وزارة الكهرباء والماء، والتي من المفترض أو المؤكد خلوها تماما من افتراضية العشوائية، لذا أود أن أشير إلى أنه وفق تحليلنا للقراءات ومدى تطابقها للمعايير المستقاة تبين لنا بالدليل العلمي أن مياهنا «سليمة» وصالحة لكافة الاستخدامات الإنسانية والنباتية والحيوانية.
ولدينا دراسة أخرى عن قياسات من أماكن مختلفة عن المياه الإقليمية لدولة الكويت، للتأكد من وجود أي ملوثات بها وذلك بعدما ظهرت أحداث ذات علاقة، ومنها نفوق الأسماك والمد الأحمر، فضلا عن الروائح الكريهة لبعض الشواطئ، وبموجب الإحصاءات التي استقيناها من معهد الكويت للأبحاث العلمية، بالإضافة إلى فرق عمل ومجموعات من جانبنا لعمل وأخذ القياسات والقراءات والعينات، توصلنا لحقيقة علمية موثقة بالأدلة وهي أن ثمة أماكن بالدولة بها نسبة تلوث عالية، خاصة المناطق القريبة من الشواطئ، وبالمقابل هناك مناطق خالية من الملوثات لبعدها عن مصادر التلوث.
حيادية ومشورة
تؤكد الدكتورة فهيمة العوضي أن «علم الإحصاء ضروري جدا للدراسات البيئية المختلفة في جمع المعلومات وتنقيتها والحكم على مصداقيتها، ومن ثم تصنيفها وتحليلها واستخلاص النتائج بدرجات دقة وخطأ مختلفين، ويتحكم في ذلك حجم العينة وتجانسها، وبالإضافة إلى «سيناريوهات» مختلفة للنتائج، وجميع ذلك يوفر قاعدة بيانات دقيقة وصحيحة لتقديمها لصناع القرار، ويستمر دورنا في المشاركة في تقييم الحلول والعلاجات المطلوبة، ومن واقع ما لدينا من قراءات وبيانات دقيقة نستطيع تقديم أفضل مشورة حول الحلول المطلوبة للتغلب على مشكلة بيئية ما».
أستاذ مساعد بين العمل الخاص ورئاسة القسم
دكتورة فهيمة العوضي، خريجة كلية العلوم بجامعة الكويت، قسم الحاسب الآلي، حصلت في مستهل رحلتها العلمية على ماجستير في الإحصاء، وذلك التخصص كان نادرا آنذاك، كانت الأولى على دفعتها بالماجستير، درست للطلبة بعد حصولها على الماجستير، حدث لها تشبع «علمي» من الدراسة العلمية فاتجهت للعمل «لبعض الوقت» بالقطاع الخاص، لأهمية توقفها «كما تعتقد» عن الدراسة العلمية وحتى تعود مرة أخرى، بقوة وعزيمة لمواصلة دراسة رسالة الدكتوراة، وسعت كذلك للعمل بالقطاع الخاص حتى تكتسب مهارات العمل الجماعي والتواصل مع الآخرين، واستمرت بهذا العمل لنحو ثلاث سنوات، بعدها التحقت بالعمل في معهد الكويت للأبحاث العلمية بدائرة الاقتصاد التقني لمدة سنة، سعيا كذلك لشمولية التزود بالمهارات اللازمة للبحث العلمي.
خلال ذلك أتيحت لها ثلاث بعثات علمية، واحدة من جامعة الكويت «قسم الإحصاء»، والثانية من الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب «كلية الدراسات التجارية- بنات»، والثالثة من قبل معهد الكويت للأبحاث العلمية، ومن نفس دائرة الاقتصاد التقني.
اختارت بعثة جامعة الكويت إلى جامعة «باث» البريطانية لمدة ثلاث سنوات حتى حصلت على الدكتوراه في تخصص «تحليل الصور الاحصائي».
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 143