ماذا تعرف عن الكربون المنشط؟
أ. د. عبدالحكيم عبدالله ضيف الله - هيئة الطاقة الذرية - مصر
جاء في تقرير وكالة حماية البيئة الأمريكية (US - EPA) في عام 1991، وعام 1995 أن الامتزاز على سطح الكربون المنشط يعد أفضل تكنولوجيا متاحة لمعالجة كل من المياه الجوفية، والمياه السطحية من المركبات التالية: المذيبات العضوية، الهيدروكربونات عديدة الحلقات، كلوريدات الفينولات، المبيدات، ا لأمينات الأليفاتية والأروماتية، المواد الملوثة الذائبة والمعادن الثقيلة.
فماذا تعرف عن الكربون المنشط؟ الكربون المنشط هو اسم عائلة كبيرة من المواد ليس لها تركيب كيميائي محدد، وتعرف أنواع الكربون المنشط بعضها من بعض بخواصها الامتزازية أو خصائصها الحفزية، ويرجع تاريخ الكربون المنشط إلى قدماء المصريين منذ عام 1550 ق. م. فقد استخدموه في تطهير الماء أثناء إجراء العمليات الجراحية، ثم أستخدم كبديل عن الفحم الحيواني في عمليات تكرير السكر في عام 1900م، ثم استخدم أثناء الحرب العالمية الأولى في الأقنعة الواقية للحماية من الغازات الحربية السامة، وتزايدت وتوالت استخدامات الكربون المنشط حتى يومنا هذا.
تطبيقات عديدة
وجدت تطبيقات عديدة للكربون المنشط في دول الشرق الأوسط، ومن أمثلتها: في صناعة الأغذية المحفوظة، المشروبات الغازية، السجائر، فلاتر المنازل، محطات تنقية المياه الملوثة، معالجة مياه الشرب وصناعة البترول.. ويصل الاستهلاك السنوي من الكربون المنشط عدة آلاف من الأطنان وهذه الكمية يتم استيرادها بالكامل نظراً لعدم وجود هذه الصناعة في البلدان العربية.
وبناء على المصادر العلمية المختلفة فإن الكربون المنشط يتم إنتاجه على نطاق تجاري من مواد ذات محتوى كربوني عال، المواد الطبيعية: الفحم بكل درجاته، الكتلة الحيوية من أصل نباتي: مثل الخشب والمخلفات الحقلية الزراعية، أو من أصل حيواني: مثل العظام والجلود، وحديثا تم تحضير الكربون المنشط من البوليمرات .
ولابد من الإشارة إلى أن الكربون المنشط مادة غالية الثمن عند استيراده من الخارج فقد يصل سعر الطن الواحد أحياناً إلى 10000 دولار بناء على درجة نقاوته والتطبيق المستخدم فيه. ولذلك توجهت بحوث كثير من العلماء في منطقة الشرق الأوسط للاستفادة من المخلفات الزراعية في صناعة الكربون المنشط للأسباب الآتية:
1- الاستفادة من المخلفات الزراعية في معالجة التلوث البيئي يمثل عملاً هاماً ويؤدي إلى التخلص منها أولاً كملوث بيئي والاستفادة منها ثانياً في إنتاج مواد مازة تفيد في معالجة التلوث المائي والهوائي.
2- الحاجة الملحة لتوفير وإنتاج الكربون المنشط من خامات محلية متوافرة نظراً لتزايد استخدامنا إلى الكربون المنشط خاصة في العقدين الأخيرين في منطقتنا العربية اضطراراً بسبب الاهتمام المتزايد بالصحة العامة، وكذلك نتيجة لتزايد التلوث الناتج من النشاط الصناعي. ومن الضروري التأكيد على حقيقة وهي أننا لا يمكن إيقاف هذه الأنشطة التنموية وإلى أن يتم التوصل إلى أنظمة صناعية قليلة التلوث فليس أمامنا سوى حل وحيد قد يستمر لعقد أو أكثر وهو التحكم في معالجة التلوث البيئي الحالي.
3- إحلال التكنولوجيا المستوردة بأخرى بديلة، محلية، منافسة، اقتصادية وسهلة التداول.
4- توفير العملة الأجنبية.
أسود الكربون
ويجب أن نفرق بين كل من الكربون المنشط (activated carbon)؛ وأسود الكربون Carbon black) (وأسود الكربون عبارة عن بودرة سوداء اللون، ناعمة الملمس، خفيفة جداً ويتم الحصول على أسود الكربون بإشعال مواد ذات محتوى كربوني عالي Turpentine «التربينتين» في معزل عن الهواء ويمرر الدخان المتصاعد في هزازات من القماش لمسامي حتى تنفصل البودرة الناعمة بالاهتزاز. ويستخدم أسود الكربون في صناعة أحبار الطباعة، والبويات، والمطاط.
ويتشابه الكربون المنشط مع الجرافيت من ناحية التركيب، نجد أن كل منهما يتكون من حلقة سداسية من الكربون، مع ملاحظة أن حلقات الكربون المنشط غير منتظمة وغير متكاملة وبخاصة عند الحواف
وهذا التركيب يضيف بعض الخصائص المميزة للكربون المنشط فمثلاً عشوائية توزيع حلقات الكربون المنشط تؤدي إلى تواجد ثقوب (فجوات) متنوعة في الحجم ومتفاوتة في الشكل لدرجة أن المساحة السطحية للجرام الواحد من الكربون المنشط (مجموع هذه الفراغات) تصل إلى 1000م2. ومعنى هذا أن 5 جم من الكربون المنشط تساوي في مساحتها ملعب كرة قدم!!
بالإضافة إلى أن عدم اكتمال حلقات الكربون المنشط عند الحواف يؤدي إلى تواجد بعض المجموعات الذرية على السطح وهذا بدوره يحدد طبيعة سطح الكربون (حامضي، قاعدي، متعادل).
ويلاحظ أن طبيعة المادة الخام المستخدمة في تحضير الكربون المنشط بالإضافة إلى أسلوب التنشيط من أهم العوامل المؤثرة في نوع وكمية المجموعات السطحية.
والتساؤل الآن ما هي وظيفة الكربون المنشط؟
يقوم الكربون المنشط بامتزاز الملوثات من خلال المجموعات المنتشرة على السطح (بخاصية الامتزاز الكيميائي) وهنا تتكون رابطة بين المادة المازة (الكربون المنشط) والمادة الممتزة (الملوثات) أو من خلال الفراغات والفجوات الموجودة (بخاصية الامتزاز الفيزيائي) حيث تنتقل المادة الممتزة بين الفراغات حتى تصل إلى السطوح الداخلية للفجوات، وفي هذه الحالة نجد أن القوة الامتزازية تعتمد على نوع الفجوات والمساحة السطحية المتاحة لعملية الامتزاز بالإضافة إلى حجم الجزيئات الممتزة (الملوثات).
طرق تحضير الكربون المنشط
وعلى وجه العموم، يتم تحضير الكربون المنشط بإحدى طريقتين :
1- التنشيط الحراري : ويتم غالباً على خطوتين:
الخطوة الأولى : تحويل المادة الخام إلى كتلة كربون ثابتة بالتسخين في معزل عن الهواء.
وفي الخطوة الثانية : تستخدم غازات مؤكسدة مثل بخار الماء أو ثاني أكسيد الكربون عند درجات حرارة مرتفعة 850 1100 ْم.
وحديثاً يتم استخدام التحلل الحراري المباشر في وجود تيار من بخار الماء معاً في خطوة واحدة (600 700 ْم) ويتميز التنشيط بخطوة واحدة بميزات عديدة: الاقتصاد في استهلاك الطاقة الحرارية، توفير الوقت وزيادة الإنتاج الكربوني.
2- التنشيط الكيميائي : ويتم استخدام مواد حمضية (حامض الكبريتيك، حامض الفوسفوريك) أو تستخدم مواد قلوية (هيدروكسيد البوتاسيوم) ويتلو ذلك المعالجة الحرارية عند درجات حرارة متوسطة نسبياً (400 700 ْم). وتتم عملية التنشيط في أفران ذات مواصفات خاصة وأهم الأنواع المستخدمة هي:
1. الفرن المتميع Fluidized Bed Furnace : ويتميز بجودة المنتج من الكربون المنشط لتعرض المادة الخام بصفة دائمة للغاز المؤكسد بالإضافة إلى توزيع منتظم من الحرارة طوال فترة التنشيط ومن عيوبه يختص بإنتاج نوع واحد من الكربون المنشط Powdered Active Carbon.
2. الفرن متعدد بيت النار العمودي Vertical Multiple Hearth Furnace : يحتاج عند بدء التشغيل إلى مصدر خارجي للطاقة ومن عيوبه أن الكربون المنشط الناتج غير منتظم الشكل علاوة على قلة حجم الإنتاج بسبب قلة سعة الفرن.
3. الفرن الدوار Rotary Kiln يتميز بالسعة الكبيرة ومن ثم وفرة الإنتاج ومن أهم عيوبه : تعرض المادة الخام إلى حركة دائمة أثناء عملية التنشيط بسبب دوران الفرن مما يؤدي إلى حدوث تآكل للمادة الخام وفاقد (هالك) من الإنتاج، وبعد تمام عملية الامتزاز وفيها يتم التخلص من الملوثات قد تحدث عملية أخرى تسمى «إعادة التنشيط» Regeneration بهدف إعادة استخدام الكربون المنشط واسترجاع المادة الممتزة وهناك أساليب عديدة لإعادة التنشيط أهمها التنشيط الحراري.
بالإضافة إلى ما سبق، نجد أن للكربون المنشط دورا مميزا في بعض تفاعلات الحفز بسبب خصائصه المميزة (مساحة السطح الكبيرة، المجموعات السطحية الفعالة)، ويختلف هذا الدور باختلاف نوع التفاعل. ومن المعلوم أن تفاعلات الحفز تخدم الصناعات المختلفة وتفيد في زيادة الإنتاج علاوة على توفير الوقت والجهد. على سبيل المثال: نجد أن كبريتيد الهيدروجين يتفاعل مع الأكسجين ويعطي ماء وكبريت كما في المعادلة:
H2S + ½O2 = H2O + ½S2
ووفقاً لظروف التفاعل وطبيعة الكربون المستخدم قد يحدث تفاعلات جانبية تعطي نواتج إضافية غير مرغوب فيها مثل غاز ثاني أكسيد الكبريت وحامض الكبريتيك، ومن هنا لابد من اختيار الكربون المنشط المناسب لظروف التفاعل حتى ينعدم أو يقل تكوين هذه النواتج الجانبية، ونظراً لأهمية اختيار نوع الكربون المنشط، يتبادر إلى الذهن ما هي المواصفات والخصائص التي يتم اختيار نوع الكربون على أساسها. وعلى وجه العموم نجد أن أهم هذه الخصائص: الكثافة، حجم الفجوات، الصلابة، محتوى الرماد والرطوبة والمساحة السطحية بالإضافة إلى بعض نتائج بعض الاختبارات للكربون المنشط اللازمة في بعض التطبيقات.
فمثلا في حالة تطبيق إزالة الألوان يجب معرفة إختبار صبغة الميثيلين الزرقاء وفـــي حالة معالجة المياه الملوثة يجب معرفة اختبار دليل الفينول وهكذا.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 94