بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

تلوث المياه

تلوث المياه

مشكلة خطيرة في المجتمعات الصناعية


تلوث المياه في الوطن العربي : تأثيرات معاكسية لسوء التخطيط البيئي

عنود القبندي

الماء عصب الحياة، وأهم مورد على وجه الأرض لبقاء الإنسان، فهو القوة الموجهة التي ترتكز عليها التنمية بأنواعها ونظم الحياة. وتظهر أهمية قيمة المياه في المنطقة العربية بشكل أكثر وضوحاً، وذلك بسبب وقوعها في نطاق الأراضي الجافة وشديدة الجفاف من العالم، فهي أكثر الدول ندرة في المياه على مستوى العالم.

واليوم تتعرض معظم الدول العربية لمخاطر كبيرة بسبب التلوث البيئي للمياه، والذي أصبح يشكّل مشكلة اجتماعية خطيرة، وبالأخص في المناطق ذات النشاطات الصناعية المكثفة. كما أن من بين العوامل التي أفسدت الأوضاع البيئية مشاريع الصرف الصحي وقربه من المناطق السكنية في معظم المدن العربية بسبب إغفال التخطيط البيئي الذي جعل من البديهي ظهور تأثيرات معاكسة للنشاطات الصناعية على الحياة البيئية، وكذلك الضوضاء والضجيج وتلوّث الهواء والماء، وبالأخصّ مياه الأنهار.

حيث توقعت ورقة عمل عربية أعدتها منظمات المجتمع المدني المعنية بمشكلة المياه في العالم العربي أن يصل عدد الدول العربية التي تعاني من الفقر المائي بحلول عام 2025 إلى تسع عشرة دولة، وذلك نتيجة زيادة عدد السكان وتضاؤل نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 1000متر مكعب سنوياً، وهو المعدل الذي وضعته الأمم المتحدة لقياس مستوى الفقر المائي للدول.ر

نقص المياه

في الواقع إن مشكلة نقص المياه في العالم العربي ليست جديدة، بل هي قديمة، فالعالم العربي يقع في معظمه في خط الفقر المائي. فهو يتوسط الكرة الأرضية، وتتجلى في معظمه الفصول الأربعة، وفيه يقع ما يسمى عند الجغرافيين العرب القدماء «الإقليم الرابع» الذي هو وسط الأقاليم: ثلاثة جنوبية، وثلاثة شمالية، وأهله ما بين السمرة والبياض. ومن هذا الإقليم ظهر الأنبياء والرسل، ومنه انتشر الحكماء والعلماء. والأمطار التي تهطل في العالم العربي منها ما هو شتوي، كتلك الأمطار التي تهطل على سواحل البحر المتوسط من المغرب العربي حتى بلاد الشام والعراق وبعض السواحل الشمالية والشرقية للجزيرة العربية. وهناك أمطار دائمة وهذه الأمطار تسقط على جنوب السودان وفي الصومال، وهناك أمطار موسمية وهي تسقط في اليمن والسعودية وموريتانيا. لكن معدلات الهطول في العالم العربي محدودة، وأعلى معدّل لها في جبال الأطلس في بلاد المغرب العربي، وفي جبال لبنان لا يتعدى 1500ملم سنوياً، وفي المناطق الداخلية والصحراوية لا يتعدى معدل الهطول 100 ملم سنوياً.

صحارى كبيرة

وتتكوّن معظم الأرض العربية من صحارى كبيرة، وأكبر هذه الصحارى هي الصحراء الكبرى التي تشكّل معظم أراضي ليبيا والجزائر وموريتانيا وأجزاء من أرض المغرب وتونس. وتقع مصر في معظمها في قلب صحراء واسعة، ولولا نهر النيل لم تكن هناك حياة في مصر، فمياه الأنهار الرئيسية في البلدان العربية تنبع من خارج المنطقة العربية، وكذلك فإن الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق تتألف في معظمها من صحارى.

ونظراً للتشابك الحاصل في مصادر المياه المشتركة في أنهار النيل ودجلة والفرات والأردن واليرموك والعاصي فإن هذه المسألة تجعل الوطن العربي في ظل تحديات رئيسية متمثلة في التهديد الخارجي من دول المنبع في ما يتعلق بدجلة والفرات والنيل، والتهديد الإسرائيلي بالسيطرة على مصادر المياه العربية في جبل الشيخ والأردن واليرموك والضفة الغربية والليطاني في جنوب لبنان، وأخيرا مصر ودول المنبع لنهر النيل في تقليل نسبتها من نهر النيل، والتهديد بالعطش للعرب إذ أن الندرة والنقص في المياه مرتبطان بقضية الأمن العربي سياسياً واقتصادياً، وغياب الاستراتيجية المائية العربية مما يتيح للآخرين الاستمرار في تنفيذ السيطرة على المياه العربية، هذه المخاطر لم تواجه بجدية وباستراتيجية عربية عملية حتى الآن.

مناطق خصبة

وتنتشر المناطق الخصبة في العالم العربي على سواحل البحر المتوسط، وفي الواحات، وفي أحواض الأنهار. ولم تكن حتى الثلاثين سنة الأخيرة من القرن العشرين ثمة مشكلة مياه في العالم العربي، وذلك على الرغم من فقر المنطقة العربية بالمياه. لكن الانفجار الديمغرافي الذي حدث في الدول العربية والذي ترافق مع مرحلة ما بعد الاستقلال، وفي فترة بناء الدولة الحديثة، أدى على وجه السرعة إلى ظهور المدن الحديثة، وامتدت خطط التحديث والتطوير إلى الأرياف والصحارى في كل مكان من العالم العربي، وزاد استخدام المياه في البناء والصناعة والري. وانقلبت المعادلة فبدأت الدول العربية تشكو من شحّ المياه، وكانت دول الخليج من أوائل الدول العربية التي عانت من هذه المشكلة، لأنها تقع في معظمها في صحارى الجزيرة العربية. وما لبثت هذه الدول أن تغلبت على مشكلة النقص في مصادر المياه من خلال تحلية مياه البحر، وأصبحت المياه المحلاة هي المصدر الرئيسي للمياه في دول الخليج، وتستخدم في الشرب وفي الصناعة والريّ.

ينابيع وعيون

أما الدول العربية الأخرى، فإنها عمدت إلى جرّ الينابيع والعيون لإرواء القرى والمدن، ولجأت أيضاً إلى حفر الآبار الارتوازية. ومن نِعَمِ الباري، أن الصحارى العربية غنية بالمياه الجوفية التي تكوّنت عبر آلاف السنين من خلال تساقط الأمطار. وقد اكتشفت ليبيا وجود بحيرة هائلة من المياه في صحرائها، وقامت ببناء النهر الاصطناعي الكبير لجرّ تلك المياه إلى المناطق المأهولة بالسكان. ولعل أخطر مشكلة تواجه المياه في العالم العربي هي التلوّث، ذلك أن انتشار المدنية والعمران على مساحات واسعة من الأرض العربية أدى إلى ظهور النفايات البشرية والصناعية. وأصبحت هذه النفايات مشكلة كبيرة قائمة تحتاج إلى المعالجة في مصانع، لكن افتقار الدول العربية إلى التكنولوجيا المطلوبة دفعها إلى رمي هذه النفايات من دون معالجة، وتتسرّب هذه النفايات إلى مجاري الأنهار وإلى خزّانات المياه الجوفية وتقوم بتلويثها. وقد أصبحت المياه الصالحة للشرب عزيزة الوجود في العالم العرب. فمثلاً، كان نهر النيل ونهرا دجلة والفرات مصادر أساسية لمياه الشرب، فكان أهل مصر والسودان يشربون ماء النيل، وكان أهل العراق يشربون ماء دجلة والفرات. أما الآن، فإن أحداً لا يجرؤ على شرب القليل من مياه هذه الأنهار خوفاً من التلوّث. وما ينطبق على هذه الأنهار ينطبق على سواها من الأنهار الصغيرة الداخلية في الدول العربية.

تحلية المياه

والواقع أن الدول العربية باتت مدعوة إلى القيام بحلول جذرية للتغلّب على مشكلة نقص المياه فيها. ولعل الحل الأمثل يكمن في تحلية مياه البحار رغم ارتفاع كلفة تقنيتها حتى الآن، ومن حسن حظ الدول العربية أنها كلها لها منافذ على البحار. وهكذا، فإن هذه الدول تستطيع بناء محطات التحلية، وبالتالي الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الماء، وبغير هذه الطريقة ستبقى مشكلة المياه قائمة في العالم العربي من غير حلّ، إلاّ إذا تعاونت جميع الجهات الحكومية وكافة طبقات الشعب لحماية مياه الأنهار. وذلك بتأكيد أهمية اعتبار الحفاظ على المياه ضمن عناصر الثقافة والتعليم وإصدار ميثاق للتربية البيئية وإدراجه ضمن المناهج الدراسية من أجل تعزيز الوعي والاهتمام بترابط المسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في جميع المناطق الريفية والمدنية العربية والقيم وأنماط سلوكية الفرد، وإبراز أعراض ومشاكل تلوث مياه الأنهار وأسبابها وتبصير الناس بغوائل الطبيعة البشرية.

نصيب الفرد

على الرغم من أن مساحة الدول العربية تغطي 10.2% من إجمالي مساحة العالم، إلا أن نصيبها يمثل 2.1% من المعدل العالمي السنوي لهطول الأمطار، وتمتلك حوالي 0.3% من الموارد المائية المتجددة سنوياً. وتمثل الموارد المائية الداخلية المتجددة سنويا في هذه الدول 6.3% فقط من المتوسط السنوي لهطول الأمطار مقابل 40.6% للمتوسط العالمي. إضافة إلى ذلك تمتلك المنطقة العربية موارد مائية داخلية محدودة للغاية تقل عن 50000 مليون م³/ سنة في المتوسط، كما تعاني دول شبه الجزيرة العربية من نقص شديد في المياه، حيث لا تتعدى حصة الفرد فيها 169م³/ سنة.

ويعد متوسط نصيب الفرد العربي من الموارد المائية الداخلية المتجددة من بين الأقل في العالم حتى مع الأخذ في الاعتبار تدفق الأنهار الكبرى فيها مثل نهر النيل الذي يتدفق من أفريقيا الاستوائية ونهري دجلة والفرات اللذين يتدفقان من تركيا. وبينما يبلغ متوسط نصيب الفرد في الدول العربية 1060م³/ سنة، فإن هذا المؤشر ينخفض في 12 دولة عربية إلى أقل من 500 م³/ سنة وهو يمثل خط الفقر الحاد في المياه، ويعكس تطرفا عاليا من 10 أمتار مكعبة للفرد في دولة الكويت إلى ما يزيد عن 4000 متر مكعب للفرد في موريتانيا.

تلوث الموارد

وفي دول المغرب العربي توجد العديد من الأمثلة على تلوث الموارد المائية نتيجة لمياه الصرف الصحي غير المعالجة، وتلوث المياه الجوفية بالنترات بسبب الأسمدة الزراعية، وطرح المياه الغنية بالكادميوم من مناجم الفوسفات وكذلك انتشار الطحالب في خزانات السدود نتيجة التلوث العضوي وخاصة في المغرب.

ويعاني نهر النيل في مصر من نضوب الأكسجين على نحو أكبر من منطقة مصب النهر وهو ما يمثل خطراً محتملا على الكائنات المائية، كما تعاني الأراضي الرطبة في المنطقة الشمالية من نهر النيل من عملية زيادة محتوى المياه في كثير من المواقع بالغذيات، ويمثل الاستخدام المفرط للأسمدة الزراعية الغنية بالنترات والفوسفات مصدرا آخر من مصادر التلوث كما تتسبب زيادة كميات المغذيات في مياه النيل في نمو ورد النيل في مصبات الطرق المائية.

وفي السودان فإن المستويات المرتفعة من العوالق النباتية وورد النيل وزيادة أحمال الرواسب في المياه السطحية تشكل جميعها مشكلات كبيرة في مجال إدارة المياه ومعالجتها كما تؤدي أيضا إلى ارتفاع معدلات تكون الطمي في خزانات السدود المائية، علاوة على ذلك فإن امدادات مياه الشرب ومنشآت جمع ومعالجة مياه الصرف غير الكافية تؤدي إلى احتمال حدوث مخاطر صحية.

لقد رفضت مصر حظراً على التخلص المباشر من مياه الصرف الصناعية غير المعالجة في النيل منذ عام 1999.

مياه الصرف

أما في دول المشرق العربي فقد سببت عملية صرف مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً والناتجة من الزراعة والصناعية والبلديات في مجاري المياه قلقا عميقا لما لها من آثار على الصحة، وتسبب في تعرض الأراضي الزراعية والموارد المائية للتلوث الحاد، ولا سيما أثناء جريان مياه الأنهار في فصل الصيف حيث تتوقف الأمطار، وكان الدليل على ذلك أيضا هو تلوث خزانات المياه الجوفية الرئيسية. كما ظهرت أعراض التلوث ذاتها في أحواض الأنهار التي توجد ببلدان تركيز النيترات في بعض الآبار الداخلية في الضفة الغربية وغزة إلى 40 ملجم/ لتر. ومن المعروف أنه يصعب بعد تلوث المياه الجوفية إجراء عملية إزالة هذا التلوث منها، وعادة ما تكون تكلفة إعادة تأهيلها باهظة، ولاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار معدلات تغذية المياه الجوفية المنخفضة في المنطقة.

مبادرات حماية

في الوقت الحالي اعترف الكثير من بلدان المنطقة بالمشكلات المتعلقة بتلوث المياه الجوفية، حيث أطلقت المبادرات لحماية هذه الموارد الحيوية من المزيد من التدهور، منها على سبيل المثال القانون الذي صدر في سلطنة عمان لحماية مياه الشرب من التلوث في عام 2001، والذي أسهم في تحديد مناطق حماية آبار مياه الشرب في أحواض مياهها الجوفية، كما حشدت كل من سوريا والأردن واليمن الموارد المالية والفنية للتعامل مع هذه التحديات، وذلك بالتعاون مع كل من المركز العربي لدراسات المناطق الجافية والأراضي القاحلة (أكساد) ولجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الاسكوا) والمعهد الفيدرالي الألماني للعلوم الجيولوجية والموارد الطبيعية (BGR) والوكالة الألمانية للتعاون من أجل التنمية، وكان من بين هذه التحديات صياغة سياسات إدارة نوعية المياه وتحديد الإجراءات القانونية اللازمة وتحديد المسئوليات في داخل الأطر المؤسسية بما يسمح بالتنسيق الفعال بين جميع الأطراف المعنية. أجل

تغير المناخ

تشير الدراسات الحـــديثة كالتقرير الأخير للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الصادر إلى عام 2007 أن المنطقة العربية – وبالرغم من مساهمتها في الانبعاثات الغازية العالمية لا تشكل أكثر من %5، ستتأثر إلى حد كبير بظاهرة تغير المناخ، حيث أيدت التوقعات المستقبلية لكميات هطول الأمطار لمعظم نماذج المناخ العالمي تناقص كميات الأمطار، وذلك من خلال جميع سيناريوهات انبعاث الغازات وبشكل خاص في إقليم شرق حوض المتوسط، وهناك اتفاق عام أيضا على أن تغير المناخ وشدة ازدياد تكرار الحالات المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات سوف تزداد. وسيواكب ندرة المياه الحالية انخفاض في المياه بسبب انخفاض كميات هطول الأمطار حيث تشير التقديرات إلى أنها سوف تنخفض بمعدل %20 خلال السنوات الخمسين القادمة.

دجلة والفرات

انعكاسات التغير المناخي سوف تعمل على تفاقم الأزمة المائية في المنطقة العربية، حيث تشير التوقعات أيضا إلى أن مياه النيل سوف تزيد بحوالي 30% بخلاف توقعات أخرى تشير إلى انخفاضها 70%، أما بالنسبة لنهري دجلة والفرات فمن المتوقع لأن ينخفض تصريفهما بنسبة 30-50 %. كما أكدت نتائج مشروع الاتحاد الأوروبي الذي أجري في منطقة حوض البحر المتوسط أيضا حدوق قحط شديد وجفاف عام مستمر مع تنامي العجز في المياه في منطقة حوض المتوسط. ولاشك أن حدوث مثل هذا الجفاف وانخفاض الأمطار سوف يزيد من الضغوط على الموارد المائية المتاحة وخاصة الأنهار الكبرى، علماً بأن الأحباس العليا لهذه الأنهار سوف تشهد أيضا زيادة في الطلب على الماء نتيجة التغير المناخي، وبالتالي سوف يزداد التنافس على مياه تلك الأنهار وخاصة دجلة والفرات في ظل غياب اتفاقيات واضحة معتمدة من الحكومات المعنية.

مناسيب البحار

بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع درجات الحرارة وما سينجم عنه من ارتفاع في مناسيب البحار سوف يؤدي إلى طغيان مياه البحر على بعض المناطق الساحلية في المنطقة العربية وسيصاحب ذلك آثار اجتماعية واقتصادية عديدة، مثل منطقة الدلتا في مصر وغمر أجزاء من سواحل البحرين، وفي الحالة الأخيرة في أرخبيل مملكة البحرين المحدود المساحة والذي لا تتجاوز مساحته أكثر من 745كم² قدرت المساحات التي سيغمرها البحر بحوالي 36 إلى 70 كم² أو ما يعادل 5 إلى 10% من المساحة الكلية للمملكة، وسينجم عن ذلك خسائر اجتماعية واقتصادية جسيمة خاصة أن 80% من التجمعات السكانية والبنى التحتية تقع على هذه السواحل.

ولعل الأثر الأكبر لتغير المناخ في المنطقة العربية يتمثل في تهديده للأمن الغذائي نتيجة للتراجع المتوقع في الموارد المائية وتقلص الإنتاج الزراعي، ولذا لا بد من الاستعداد لتجنب الآثار السلبية المحتملة لتغير المناخ والتي أصبح الكثير منها أمراً واقعاً، وذلك باتخاذ إجراءات تكيف لمجابهة المخاطر المحتملة وإدماج إجراءات التكيف في صميم السياسات والخطط الوطنية المائية.

المدن العطشى

يمثل نقص المياه مشكلة دائمة في بعض المدن الرئيسية في المنطقة العربية، ففي اليمن يتجاوز استخراج المياه الجوفية السنوية معدلات التغذية الطبيعية بنحو مرة ونصف المرة، وترتفع هذه المعدلات في حوض صنعاء. وبسبب النمو السكاني السريع والذي يعادل 3.6% في السنة الذي يتجاوز معدلات إنشاء مشاريع إمدادات المياه الجديدة، فإن مدينة صنعاء تواجه نقصا حاداً مزمناً في المياه المنزلية. وفي عمان والأردن وصل النقص إلى مرحلة حرجة حيث إن الكثير من السكان تصلهم المياه يوماً واحدا فقط في الأسبوع، ولمواجهة هذا النقص تتخذ الحكومة سلسلة من المبادرات لمعالجة هذه المشكلة، مثل نقل المياه في أنابيب إلى المدينة في خزان الديسي المائي الجوفي على بعد 325كم، إلا أن استدامة هذه الإمدادات تبعث على القلق، حيث إن هذا المصدر المائي يحتوي على مياه جوفية غير متجددة الدلائل الهيدروجيولوجية تبين مؤشرات النضوب وازدياد ملوحة مياهه.

وفي سوريا كانت مدينة دمشق مثالا دائما لوفرة مياه الشرب النظيفة والمياه المنزلية، ولكن مع زيادة نمو السكان بشكل متسارع إلى حوالي 3.8 مليون في عام 2000 بدأ النقص في المياه يظهر ببطء وبشكل تدريجي، وفي الوقت الراهن تعاني المدينة من تقنين للمياه لفترات زمنية طويلة يتراوح بين 16-20 ساعة كل يوم لأشهر عديدية وخصوصا في أشهر الصيف، بالإضافة إلى النمو السكاني ودورات الجفاف المستمرة والقاسية فإن شح المياه يرجع أيضا إلى عدم كفاءة الاستعمال وتسرب كميات كبيرة من المياه من شبكة توزيع المياه البلدية.

العام والخاص

يتطلب التطبيق السليم للسياسات المائية تخصيص الموارد المالية اللازمة، فغالبا ما يحتاج تنفيذ المشروعات المائية والزراعية مبالغ هائلة من الأموال، حيث يقدر البنك الدولي الاستثمارات المطلوبة لقطاع المياه في المنطقة العربية خلال العشرة أعوام التالية بمبلغ يتراوح ما بين 45000 و60000 مليون دولار أمريكي.

ونظرا لأن القدرة المالية للقطاع العام في معظم البلدان العربية والتي تفاقمت سوءا بسبب أوضاع الاقتصاد العالمي الحالية تعتبر إلى حد ما محدودة ولايمكنها توفير الموارد المالية الضرورية للاستثمار في قطاع المياه، والكثير من الدول العربية نتيجة لذلك بدأ في تشجيع مشاركة القطاع الخاص في العديد من المشاريع المتعلقة بالمياه والتي تمثلت في مد شبكات وخطوط النقل، وتحديث وإدارة شبكات مياه الشرب والصرف الصحي، وبناء محطات معالجة وتطوير أنظمة الري. والتعاون بين القطاعين العام والخاص هو أحد الخيارات الممكنة لرفع الكفاءة الاقتصادية لخدمات توزيع المياه والإسراع في انجاز المشروعات المائية المتعددة مما يساعد في رفع المستوى الصحي والبيئي في المجتمع، وبالتالي فإن على الدول العربية الحد من تحكمها ولو جزئياً في القطاع المائي الوطني والسماح للقطاع الخاص بالمساهمة في تمويل المشاريع المائية تحت رقابة المؤسسات الحكومية وتشريعاتها، بدأت عدد من الدول تطبيق هذه التجربة، يذكر منها المغرب وتونس والأردن بينما بدأت المملكة العربية السعودية أيضا في عملية إشراك القطاع الخاص في بناء وحدات تحلية المياه.

ولاستمرار مثل هذا التعاون وضمان نجاحه، فلا بد من وجود الهياكل المؤسسية الجيدة وتدريب الكوارد الوطنية القادرة على مراقبة ومتابعة التطور التقني، ولاشك أنه لضمان نجاح مثل هذه التجارب يجب إشراك مستخدمي المياه بسبب الدور الرئيسي الذي يقومون به في نجاح المشاريع التي يشتركون فيها، كما يجب أن لا يكون إشراك القطاع الخاص هدفا بحد ذاته وإنما وسيلة لزيادة الفعالية الاقتصادية وتحسين مستوى الخدمة.

مستقبل المياه

إذا استمرت القوى المؤثرة حاليا على استخدام المياه على ذلك المستوى الضعيف وغير المناسب في إدارة الموارد المائية فمن المتوقع في المستقبل أن تواجه الدول العربية تحديات كبيرة وخطيرة في توفير الإمدادات الكافية لسد الطلب على الماء لتلبية الاحتياجات التنموية. وطبقا لاتجاهات النمو السكاني الحالية ودراسات الاكتفاء الذاتي من الغذاء فإن المنطقة سوف تتعرض لعجز مائي شديد في المستقبل القريب، وفي ظل معدلات نمو سكانية متعددة، فإنه يتوقع بحلول عام 2025 أن تزيد الحاجة للمياه إلى حوالي (500000 – 550000) مليون متر مكعب، وهو ما يعني أن الحفاظ على السياسات والممارسات الحالية، سيحتاج حوالي (242000 – 292000) مليون متر مكعب إضافة من المياه.

علاوة على ذلك، فإن العجز المائي المتوقع سوف يتفاقم بسبب التغير المناخي وتكرار دورات الجفاف وآثارها المتوقعة على المصادر المائية في المنطقة العربية والتي ستؤدي إلى انخفاض معدلات تجدد الموارد المائية مع زيادة كل من تذبذب معدلات الأمطار واستهلاك المياه في قطاعي الزراعة والشرب وبالذات دول في حوض البحر المتوسط وجنوب السودان، وهي المناطق الأكثر إنتاجية زراعية في المنطقة العربية.

لولا نهر النيل لم تكن هناك حياة في مصر

مصادر سطحية

فضلا عن ذلك فإن كثير من الدول تعتمد على مصادر مائية سطحية مشتركة مع دول خارج حدود المنطقة العربية. وبعض هذه المصادر تحكمها اتفاقيات دولية، في حين أن هناك أنهارا أخرى لاتزال تفتقر إلى اتفاقيات نهائية تحقق التقاسم العادل والمنصف لمياهها، ولا شك أن لجوء الدول المتشاطئة إلى تكثيف استثمار مياه هذه الأنهار لمواجهة الطلب المتزايد على المياه سيزيد من المنافسة على مصادرها مما يؤثر بالتالي على توفير المياه عند الأحباس الدنيا من هذه الأنهار.

إن أسلوب زيادة إمدادات المياه دون الاهتمام بتحسين وزيادة فعالية توزيع حصص المياه واستخدامها، أفرز عدة سلبيات في قطاع المياه في العديد من الدول العربية كتدني كفاءة الاستخدام، وتزايد الطلب المستمر للقطاعات المختلفة وارتفاع معدل استهلاك الفرد، وارتفاع تكلفة إنتاج وتوزيع المياه وتدني نوعية المياه وإنتاجية الأراضي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع وبدوره أدى إلى عدم تطوير سياسات واستراتيجيات مائية شاملة بعيدة المدى وقائمة على اعتبارات العرض والطلب في معظم الدول العربية، بالإضافة إلى الضعف المؤسسي وتعدد الجهات المسئولة عن المياه، وعدم كفاية القدرات المؤسسية والبشرية، وعدم مشاركة المجتمع بالقدر الكافي.

الأنشطة البشرية

بالإضافة إلأى افراط الدول العربية في استخدام موارد المياه بأنواعها سواء جوفية أو سطحية، فقد تسبب سكان هذه المنطقة أيضا بتلوث هذه الموارد، حيث باتت مهددة بالتلوث بسبب الأنشطة الزراعية والصناعية والمنزلية مما يؤدي إلى تدهورها من الناحية النوعية وبالتالي خروجها من دائرة الاستثمار الفعلي، وتفاقم العجز في إمدادات المياه وكذلك تزايد حدة مشكلة ندرة المياه في المنطقة العربية، ناهيك عن المخاطر الصحية والأضرار التي يمكن أن تلحق بالبيئة بما فيها الأنظمة البيئية الهشة.

وهناك العديد من الحالات التي تبين خطورة الوضع في المنطقة العربية، فعلى سبيل المثال في قطاع غزة ارتفعت مستويات النيترات التي تنتج من التلوث الزراعي ومن مياه الصرف الصحي في المياه الجوفية بالقطاع حتى وصلت إلى ما بين 600 و 800 ملجم / لتر، وهذا الرقم يزيد بكثير عن الحد الأقصى المسموح به للنيترات في مياه الشرب للبالغين، وفقا لمواصفات منظمة الصحة العالمية والتي تصل إلى 50 ملجم / لتر، وهذا الأمر يشكل خطرا كبيرا على صحة سكان المنطقة، ولقد شهدت منطقة رأس الجبل في شمال تونس هذه الظاهرة أيضا، حيث وصل تركيز النيترات الناتجة عن التلوث الزراعي إلى حوالي 800 ملجم / لتر.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 130