صراع الكويت مع الطبيعة للتغلب على أزمة المياه
محمد داود الأحمد
الماء هو أساس الحياة وهو العنصر الأغلى والأثمن في هذا الكون، وعلينا أن نهتم به اهتماماً بالغاً فهو من نعم الله الكبرى على الإنسان والبشرية.
جابر الأحمد
الماء عنصر رئيسي من عناصر الحياة .. لا غنى عنه للكائنات الحية .. ويشكّل أهمية كبيرة لجميع دول العالم خاصة التي تقع في المناطق الصحراوية ولا تتوافر فيها مصادر للمياه العذبة الطبيعية .. وينطبق ذلك على دولة الكويت التي أهّلها موقعها الجغرافي والصحراوي لأن تتعايش دائماً مع هاجس أزمة مياه الشرب، وزاد من ذلك ارتفاع معدلات الاستهلاك منذ فترة طويلة مما يضعها بين أكبر مستهلكي المياه في العالم ..
وفيما يلي نقدم لك عزيزي القارئ رحلة الكويت مع مياه الشرب وكيف تغلبت على تلك الأزمة قديماً وما هي مجهوداتها حديثاً في صراعها مع الماء العذب ..
استهـلاك المياه بالكويت ... قصة مـئة عامـاً
زاد استهلاك مياه الشرب في الكويت خلال ما يقارب ثلاثين عاماً إلى حوالي 150 ضعفاً ... وتلك الزيادة تؤكد أنها ليست حالة كويتية بل هي منتشرة في كافة أرجاء العالم .. حيث تشكل المياه أهمية خاصة لجميع دول العالم ومنها الكويت التي تقع في منطقة صحراوية لا تتوافر فيها مصادر طبيعية للمياه العذبة، إلا فيما ندر، غير أن موقعها على ساحل البحر مكّنها من إنشاء محطات التحلية التي وفرت المياه العذبة لتكون دعامة أساسية للتطور الاجتماعي والاقتصادي خلال الخمسين عاماً الماضية .
ويعتبر الماء عنصراً رئيسياً من عناصر الحياة لا غنى عنه لإنسان أو حيوان أو نبات، وتواجه الكويت معدلات استهلاك عالية منذ فترة طويلة مما يضعها بين أكبر مستهلكي المياه في العالم .
وقديماً اعتمد الكويتيون على الأمطار لتأمين حاجتهم من المياه، وقاموا ببناء السدود الرملية وتشييد البرك في بعض الشعاب والوديان للاحتفاظ بمياه الأمطار أطول مدة ممكنة .
ولجأ بعض السكان إلى بناء برك في منازلهم لحفظ مياه الأمطار التي تتساقط على الأسطح، ومن الوسائل التي استخدمت في هذا المجال » الشتر « وهو عبارة عن قطعة مربعة كبيرة من القماش تنصب على سطح المنزل وفي وسطها فوهة تصب الماء المتجمع من المطر في البركة .
كما استخدم السكان الأوعية الخشبية والفخارية لجمع مياه الأمطر وحفظها لوقت الحاجة .
ونظراً لعدم كفاية كميات المياه المتجمعة من الأمطار اعتمد السكان في سد حاجتهم في الماء على الآبار التي حفروها وسط المدينة وفي مناطق الشامية والعديلية والنقرة والفنطاس والفحيحيل والجهراء .
وفي بداية القرن العشرين أدى ازدياد عدد السكان لعدم كفاية مياه الآبار وظهرت أزمة المياه للمرة الأولى في عهد الشيخ مبارك الصباح، وبالذات عام 1907 / 1908 وذلك بسبب قلة سقوط الأمطار في ذلك الشتاء، وقد بادر أحد المواطنين إلى استيراد المياه من شط العرب على ظهر سفينته الشراعية لسد حاجات السكان من الماء لأغراض الشرب والاستعمالات اليومية .
وبدأت مزاولة هذه المهنة عام 1909م بسفينة عرفت باسم » التشالة « واستمر تزايد السفن التي تنقل المياه حتى بلغ عددها عام 1932م نحو 49 سفينة من النوع المعروف باسم » البوم « ، وقام الشيخ مبارك الصباح بشراء باخرة كبيرة لهذا الغرض أطلق عليها اسم " سعيد ".
وفي عام 1939م تأسست شركة وطنية لتنظيم عملية استيراد المياه وتوزيعها برأسمال قدره حوالي 300 ألف روبية وكان رئيسها الشيخ عبدالله السالم الصباح .
وبلغ أسطول هذه الشركة 25 سفينة يجري ملؤها في شط العرب وتفريغها في الكويت بواسطة مضخات تتصل بخزانات خاصة » برك « أنشئت قرب الساحل .
ومنذ أوائل الخمسينات بدأت صناعة تكرير المياه في الكويت، حيث قامت شركة نفط الكويت بإنشاء محطة لتقطير مياه البحر في ميناء الأحمدي بلغت طاقتها الإنتاجية آنذاك 600 ألف غالون يومياً، ارتفعت إلى 800 ألف غالون منذ عام 1957م، وكان الغرض من إنشاء هذه الوحدة هو توفير احتياجات منشآت النفط ومدينة الأحمدي من المياه، كما كانت تمد مدينة الكويت بمعدل 250 ألف غالون يومياً .
وتشير إحصاءات وزارة الطاقة إلى أن استهلاك المياه العذبة لعام 1954م كان حوالي 246 مليون غالون إمبراطوري ارتفع عام 1985م إلى 36904 ملايين غالون إمبراطوري أي أنها تضاعفت 150 مرة خلال 31 سنة .
وكثيراً ما حث سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح على الاقتصاد في استهلاك المياه، وخلال استقبال سموه أعضاء اللجنة الوطنية للمحافظة على المياه، أكد أن الماء هو أساس الحياة وهو العنصر الأغلى والأثمن في هذا الكون، وعلينا أن نهتم به اهتماماً بالغاً فهو من نعم الله الكبرى على الإنسان والبشرية .
آلية البيع وطريقة الحساب
تعددت قديما وسائل تخزين المياه العذبة للاستفادة منها لأكثر مدة من الزمن ومن أجل تحقيق هدف التخزين قامت الحكومة في أواخر الاربعينات بحفر عدد من البرك لتخزين المياه فيها وقد توزعت على مناطق العاصمة حيث كانت هناك بركة في المرقاب، وأخرى في ( نقعة غنيم ) وثالثة في الحي الشرقي عند شارع عبد الله الأحمد، والرابعة في منطقة الصالحية قرب المقبرة القديمة، وكان باعة المياه يأتون إلى هذه البرك ويملأون قرباً جلدية ذات فوهة واحدة ويحملونها على الحمار الذي كان يحمل قربتين أو ثلاث قرب ويطوف البائع بالأحياء السكنية وهو ينادي ( شوط شوط ) وأن من يريد الماء كان ينادي عليه حيث يملأ الأواني بالماء ثم يقوم بوضع خط على جدران المنازل الطينية كحساب لعدد تنكات الماء وفي أخر الأسبوع أو الشهر يدفع الأهالي قيمة الماء إلى البائع .
وإلى جانب هؤلاء الباعة كان بائع أخر يطلق عليه ( الكندري ) والجمع لهؤلاء الباعة كنادرة، وهؤلاء يحمل كل واحد منهم عصاً غليظة على كتفه معلق بطرفها حبل وفي نهاية كل جانب معلق بالحبل تنكة ماء ويطوف هذا البائع على الأحياء لتفريغ ما لديه من مياه على البيوت وبالسعر الذي حددته البلدية .
5 مراكب لنقل الرمل تحولت إلى نقل مياه شط العرب
في يوليو 1939 استجابت البلدية لاقتراح المجلس البلدي بتوفير خمس مراكب لنقل المياه من شط العرب .
وقد أجرى التجار بعض التغيرات في مراكبهم حيث وضعوا عليها ( توانكي ) لنقل المياه بعد أن كانت مخصصة لنقل الرمل، وبسبب شرط وضعته البلدية يتعلق بقيمة سعر تنكة المياه التي تباع من أصحاب المراكب إلى البلدية والبالغة ( نصف آنة ) دخل الطرفان في مناقشات حول إعادة النظر بالتسعيرة المذكورة وتوصلا إلى قرار من المجلس البلدي وكتاب من رئيس البلدية آنذاك جاء فيه :
( أحيطكم علما بأن المجلس البلدي أقر بجلسته إلزامكم تحميل التوانكي في بومكم بالماء بناء على أمر من المجلس التشريعي ضمن كتابه246 الخاص بإلزام خمس سفن بشرط أن تشتري الحكومة الماءبسعر2 /1 آنة للتنكة الواحدة إلى أن تمتليء البرك المخصصة لذلك من قبل الحكومة وبعد ذلك يسمح لكم بالبيع على حسابكم بسعر لا يزيد على السعر المذكور وفي حالة نزول الأسعار عن ذلك فإن الحكومة تكمل لكم المبلغ وهذه المعاملة يجري تاريخها إلى ثلاثة أشهر، فيجب عليكم المبادرة في ذلك دون تأخير ) وبعد هذا الخطاب استقر الرأي على اختيار السفن الخمس للقيام بتلك حتى عام 1952 .
أزمة المياه .. عوامل ومسببات
أرقت مياه الشرب الكويتيين قديماً ولكنهم بما عهد عنهم من إرادة وعزيمة تغلبوا عليها بجلبها من الخارج .. لكن و مع تنامي عجلة التقدم والتطور في كافة مناحي ومناشط الحياة تطلب توفير كميات مياه تناسب ذلك وتلبي كافة الاحتياجات والمتطلبات .. وللكويت جهود طيبة في هذا المجال .. بيد أن تلك الأزمة كانت في شد وجذب مع تلك الجهود، غير أن هناك أسباب وعوامل عديدة تقف وراء تلك الأزمة وفيما يلي نلقي الضوء عليها :
الأسباب القريبة والبعيدة
المياه سلعة حياتية تحولت بسبب ندرتها في العديد من دول العالم، إلى سلعة استراتيجية ترتبط بها حياة الناس، ووجود أزمة مائية في بلد ما يعني بكل وضوح وبساطة أن المعروض منها أقل من الطلب عليها، فهي تخضع ككل سلعة إلى قانون العرض والطلب، وعندما تستحيل تلبية الطلب كالعادة، تعمد السلطات إلى » القطع المبرمج « للمياه عن الأحياء تباعاً، وهو ما حصل في الكويت مؤخراً، الأمر الذي لم تعرفه البلاد منذ ستينات القرن العشرين وعندما تم هذا » القطع « شعر الكويتيون بوجود أزمة مياه في بلدهم وراحوا يحللون الأسباب .
إلا أن موضوعاً بهذه الخطورة لا يعالج إلا من موقع وبأسلوب علميين. فما هي الأسباب القريبة والبعيدة لهذه الأزمة؟
الأسباب الطبيعية ( الجغرافية )
إن دولة الكويت بمساحتها البالغة 18 ألف كيلومتر مربع هي من أقل دول الخليج في مواردها المائية، وتتميز بمناخ شديد الجفاف وشدة أشعة الشمس وقلة الغيوم وارتفاع معدلات التبخر ( بين 2500 - 4500 ملم ) وبالتالي شح المطر وانعدام وجود الأنهار والبحيرات وندرة الغطاء النباتي الطبيعي وضعف خصائص التربة، إن المعدل الوسطي لسقوط الأمطار في الكويت يتراوح بين 70 ملم - 130 ملم ( معظم المراجع تجعله 110 مم أو 118 ملم ) وما يسقط على البلاد يصل إلى 2 . 27 بليون م3 يضيع معظمها بالتبخر العالي ولا يسهم إلا جزئياً في تموين الخزانات الجوفية القليلة، ما يسقط على الكويت من أمطار للهكتار يساوي 100م3 .
فالكويت قبل الدولة وقبل الطفرة النفطية كانت تعتمد على الآبار القليلة لتأمين مياه الشرب ( موجودة في حقول : الصليبية - الشقايا - أم قدير - الوفرة - العبدلية ) ولكنها كانت تستورد المياه العذبة من شط العرب بواسطة المراكب الشراعية، وتعبيراً عن هذا الواقع فإن نسبة الأراضي المزروعة في الكويت هي من الأدنى في العالم 0.06 في المئة.
الأسباب الاجتماعية والاقتصادية
إن الإشكالية الكبرى في هذا الموضوع تكمن في المعادلة ( والصحيح اللامعادلة ) الآتية : ان مدخول الكويت من المياه أي رصيدها المائي أو مواردها المائية المتاحة هي ثابتة ( أو شبه ثابتة ) تتأثر ظرفياً بسنوات المطر ( وهذه قاعدة لدى مختلف الدول ) ، في حين مصروفها من المياه يتغير تصاعدياً بفعل العوامل الاجتماعية - الاقتصادية لاسيما ما يلي :
- زيادة متصاعدة لعدد السكان هي من الأعلى في العالم 4,2 في المئة ( لنا عودة إلى الأرقام ).
- زيادة في الإقامة في المدن ( عدد سكان مدينة الكويت يعادل نصف سكان دولة الكويت ) والإقامة في المدن تتطلب مصروفاً زائداً من المياه ( نسبة التمدين في الكويت 97 في المئة ).
- ازدياد الطلب على المياه لتلبية نمو الصناعة من جانب، وهو أدنى من " الأمن الغذائي" الزراعي من جانب آخر، وتأمين حد معين من المظهر الحضاري لمدن الكويت من خلال الحدائق والمزروعات ما يستدعي زيادة في الاستهلاك من جانب ثالث.
- زيادة تصاعدية في مياه الشرب والاستعمال المنزلي والصناعة والزراعة من جانب، أي تفوق حجم الاحتياجات المائية على الموارد المائية المتجددة والمتاحة ما يخلق ما يسميه الاختصاصيون » الفجوة المائية « ويؤدي بالتالي إلى أزمة مائية.
الأسباب الجيوسياسية والعسكرية
لا تعاني الكويت من فجوة المياه فقط، بل هي تعاني من نظرة محيطها إليها، أي المحيط الجغرافي القادر على إمدادها بالمياه لسد أو تقليص هذه الفجوة.
لهذا إختارت تحلية مياه البحر وهي كلفة باقية في نظر الكويت رغم إرتفاعها.
الأسباب التقنية
وتشمل ما يلي :
- أساليب تأمين المياه، السطحية والجوفية والمحلاة وهذا عمل الفنيين في الدرجة الأولى.
- الحرص على نوعية المياه كي لا تصاب بالتلوث أو بالتملح.
- تجنب المشاكل الفنية التي قد تعترض محطات التحلية وهي محطات لا يمكن أن تخدم إلى ما لا نهاية عمرها وإقفال منافذها البحرية بالطحالب ( كما حصل لمحطة الدوحة ).
- تلبية عدة متطلبات في آن : الزيادة والتحكم بالكمية والنوعية والنضوب وحجم المياه المالحة وتقلب الأسعار والتوزيع الجغرافي للسكان.
- الأخذ في الاعتبار أن دعم الدولة لقطاع المياه مفيد ( إذ يخفف الأعباء عن المواطنين ) ، ولكنه من جهة ثانية مضر لأنه يسمح للمواطنين أن يستهلكوا المياه من دون مسؤولية مادامت تصل إليهم بأسعار رمزية، فهذا الوضع يشجع زيادة الاستهلاك في المياه، وبحسب المصادر فإن أرقام الرسوم التي تتقاضاها السلطات الكويتية لتأمين المياه منخفضة جداً بل رمزية، فثمن متر المياه المكعب للمنزل يبلغ 0.58 دولار، وللصناعة 0.18 دولار، وللزراعة 0.15 دولار، وللآبار 0.7 دولار !
أرقـــــام " مخيفة "
ان مساحة الكويت ثابتة ونسبة الأمطار ومعدلها السنوي شبه ثابتة، لكن سكان الكويت يتزايدون بنسبة عالية، وهذه صورة عن الزيادة السكانية :
عام 1995 : 1,576 مليون، عام 2000 : 1,935 مليون، عام 2002 : 2,300 مليون، عام 2010 : 2,921 مليون، عام 2025 : 5,414 مليون .
إن رصيد الكويت من المياه التقليدية ( أي السطحية والمتجددة ) ومن دون المياه الجوفية غير القابلة للتجديد ومن دون مياه التحلية، هي في حدود 217 مليون م3، تضاف إليها مياه الصرف المصفاة بحدود 83 مليون م3 فيصبح المجموع 300 مليون م3، إذاً موارد الكويت المائية هي في حدود 300 مليون م3 .
كان استهلاك المواطن الكويتي مثلاً 45 غالوناً يومياً عام 1975 فأصبح في العام 2003 حوالي 110 غالونات يومياً . إن عملية حسابية بسيطة تعطي فكرة واضحة عن كمية الاستهلاك المطلوبة يومياً ومن ثم سنوياً للشعب الكويتي : ( الآن المتر المكعب من المياه يساوي ألف لتر أو غالون ). 253000 360 ( يوماً ) = 910,8 مليون م3 في السنة .
وهي كمية ترتفع خلال فصل الصيف حين يصل مصروف الكويت إلى 326 مليون غالون يومياً ما يرفع الكمية المطلوبة لتلبية حاجات المواطنين بمعدلها الحالي إلى 1,190 بليون م3 .
إذا نظرنا إلى الأرقام يمكننا القول ان لدى الكويت 300 مليون م3 كرصيد ورأسمال وأن عليها مصروفاً يصل في حده الأدنى إلى نحو 900 مليون م3، أي أن موارد الكويت العادية تعادل فقط ثلث مصروفها الحالي من المياه، وبالتالي عليها أن تؤمن الثلثين الباقيين أي بحدود 600 مليون م3 وهذا ما تقوم به محطات تحلية المياه الست الموجودة في الكويت، والسابعة التي لم توضع بعد الخدمة، والتي تكلف بليون دينار كويتي أي أكثر من ثلاثة بلايين دولار، ما عدا الوقود والتشغيل .
هذا الفارق هو ما يسمى » الفجوة المائية « التي تحاول الكويت أن تسدها بالمياه المحلاة بواسطة محطات التحلية الضخمة التي تجعل الكويت ثالث دولة في العالم بمعدل تحلية المياه .
وحسب مدير العلاقات العامة في وزارة الطاقة محمد الملا، فإن إنتاج الكويت حالياً من المياه المحلاة يصل إلى 278 مليون غالون يومياً والاستهلاك إلى 268 مليون غالون يومياً . وهذا يعني بلغة الأرقام سنويا :
- كإنتاج : 278 مليون م3 * 360 يوماً = ألف بليون م3 .
- كاستهلاك : 268 مليون م3 * 360 = 964 بليون م3 .
أي أن الاستهلاك يكاد يعادل الإنتاج، مع الإشارة إلى وجود تسريب دائم في المعدات والقساطل وهو ما يسمى الهدر ونسبته مهمة جداً هنا لأنها هي التي تقلب المعادلة وتجعل المطلوب أكبر من المعروض، أي الاستهلاك أكبر من الإنتاج .
ولتلافي هذا الواقع عمدت السلطات الكويتية إلى الصرف من مخزونها المائي للكويت هو بليون غالون، أي ما يعادل مليوني م3 من المياه، وهي كمية قابلة للنفاذ بمعدل السحب الحالي في غضون أربعة أشهر : 2 مليون م3 : 15 ألف م3 = 133 يوماً .
وهذا يؤكد أن الأرقام » مخيفة « حقاً، خصوصاً أن تأمين المياه المحلاة إمكان معرض للعطب !
إدارة المصادر المائية الكويتية
إن تأمين المياه في المناطق الجافة مسألة صعبة، ليس فقط بسبب ارتفاع التكاليف أما بالتبخر بالتناضح المعكوس، وهي كلفة تصل إلى 1,45 - 1,69 دولار للمتر المكعب في محطات التحلية الصغرى ( مليون غالون في اليوم ) وتصل إلى 0,57 - 0,75 دولار للمتر المكعب في محطات التحلية الكبرى ( مئة مليون غالون في اليوم ) ، وإنما لأن التحلية توفر نظرياً إمكانات غير محدودة للحصول على المياه ( لأن البحار لا تنضب ) ولكن الحصول على هذه المياه يطرح احتمالات ومخاطر عدة :
* الزيادة في تكاليف الإنتاج مع تقادم المحطات.
* محدودية الكميات وهي لخدمة الشرب والاستعمال المنزلي في الدرجة الأولى مع قيود على الاستعمالات الزراعية والصناعية.
* تأمين حرية الخيار للدولة ( الكويت ) فلا تقع في التبعية لدول أخرى وذات مطامح سياسية إقليمية ( العراق وإيران وحتى تركيا ) ، ولكن هذه الحال لا تنطبق على لبنان مثلاً.
* يخضع هذا المشروع لمخاطر حقيقية تتمثل بأمرين : تلوث مياه البحر والتعرض لأعمال عسكرية تخريبية.
* إن مشاريع كهذه تفترض لإدارتها جهة واحدة مسؤولة ذات ثقافة تقنية حديثة وخبرات إلى جانب علماء وباحثين متخصصين قادرين على توقع مشكلات المياه قبل وقوعها والعمل على حلها بعد وقوعها.
* وفي كل هذا تعتبر الكويت في شكل عام من الدول الرائدة في استخدام المياه المحلاة إنتاجاً وتوزيعاً وتخزيناً لحفظ الأمن المائي للبلاد ولكنها الآن لأسباب بعضها داخلي وبعضها خارج عن إرادتها ( الحروب ) ، لم تقدر على استباق التوقعات ولا على التحكم في الاندفاع الاستهلاكي للمياه في ظل إمكانات محدودة للإنتاج بتسهيلات غير معقولة للمواطنين ( المياه شبه مجانية ).
في الخلاصة إن أزمة الكويت المائية هي صورة عن أزمة المياه في مختلف أنحاء العالم، إن التقليدية وغير التقليدية هو اليوم في حدود 434 م3 في السنة ( 1,00 بليون م3 : 2,300 مليون شخص = 434 م3 ) في حين أن هذه النسبة هي حالياً 7700 م3 للشخص .
إن الكويت كلها، مسؤولين ومواطنين، موضوعة أمام ما يسميه فدريكو مايور الأمين العام السابق للأونيسكو » ثقافة خلقية المياه « أي أن نربي أولادنا وشعبنا ونثقفهم على خلقية المياه باحترام هذه المادة الحيوية وترشيد إنفاقها واستهلاكها واتخاذ كل الإجراءات واعتماد الأساليب لإشعار المواطنين بضرورة الحفاظ على هذه الثروة واستهلاكها في حدها الأدنى من دون إسراف، وهو ما وضعته حملة الكويت تحت شعار : » الماء عديل الروح « ، وأن البلاد لن تقدر على اقتراح حل سحري بنقل المياه من شط العرب أو من نهر قارون في إيران أم من سيحان وجيحان في تركيا .
و يبقى خيار المياه اللبنانية قائماً في أصعب الاحتمالات إذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة على استثمار الفائض من ثرواتها المائية، والذي يذهب هدراً كل عام إلى البحر بملايين الأمتار المكعبة، فهل يمكن الجمع بين الذهب الأسود الكويتي والذهب الأزرق اللبناني لوضع لبنة أقوى في مداميك العلاقة بين البلدين وكلاهما يعاني من محيطه وإما من ثروته النفطية وإما من ثروته المائية؟
إنه سؤال مطروح منذ الآن على أجيال المستقبل !
ارتفاع تكاليف تقنيات التحلية قد يعمق الأزمة !
أدى ارتفاع التكاليف الرأسمالية والتشغيلية لمحطات التحلية الموزعة في مختلف مناطق الكويت إلى ارتفاع تكلفة إنتاج المياه بواسطة تقنيات التحلية ...
هذا ما أكده الباحث في إدارة موارد المياه بمعهد الكويت للأبحاث العلمية عدنان أكبر لافتاً إلى أن التنبؤ باحتياجات القطاعات المختلفة من المياه، لاسيما في المناطق المأهولة يعد أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد نتيجة لتشابك العلاقات بين العوامل التي تؤثر في الطلب على المياه وتتمثل بالتالي في الجانب البشري، والعامل الصناعي كمتطلبات الصناعات التخصصية من المياه، والوحدات السكنية كالمنفردة التي تسهل مراقبة استهلاك المياه فيها مقارنة مع المجمعات السكنية الاستثمارية التي تعد مراقبة استهلاك المياه فيها أمراً في غاية الصعوبة، علاوة على متطلبات المياه للحدائق العامة والأنشطة التجميلية والتحضيرية ضمن المساحات المفتوحة في الدولة .
مشيراً إلى أن المعهد قام بدراسة وتحليل البيانات المتعلقة باستهلاك المياه العذبة في البلاد خلال الفترة ما بين عامي 1970م و1998م، حيث أوضحت النتائج ارتفاع كل من الاستهلاك الكلي خلال الفترة المذكورة، كما لوحظ ازدياد كبير في معدلات استهلاك المياه العذبة نتيجة النمو المطرد في عدد السكان، إضافة إلى التوسع الكبير الذي شهدته شبكة توزيع المياه العذبة وما استتبع ذلك من زيادة في عدد الأفراد المستفيدين من هذه الشبكة، وأكد عدنان أن البيانات المتوافرة عكست تغيراً واضحاً في أنماط استهلاك المياه العذبة خلال الفترة التي تلت تحرير الكويت من الاحتلال العراقي مقارنة بالسنوات التي سبقت الاحتلال، موضحاً أن الارتفاع السريع في معدلات الاستهلاك خلال الفترة التي أعقبت التحرير راجع إلى قيام الدولة بتوفير المياه العذبة وتوصيلها عبر الأنابيب إلى معظم المناطق السكنية، إضافة إلى إنشاء مناطق سكنية جديدة .
من جانبها قالت الباحثة في إدارة موارد المياه في المعهد إيمان العوضي : إن الماء يساعد على تقوية العضلات والأنسجة ويساهم في تغذية الأنسجة والخلايا بغاز الأكسجين والمواد الغذائية، كما يساعد الجسم على التخلص من الفضلات، ويعمل كنظام تهوية طبيعية للجسم، موضحة أن الأطباء ينصحون الأفراد بشرب 8 أكواب من المياه يومياً للمحافظة على صحة البدن .
ونوهت العوضي بأن الزيادة في أعداد السكان وارتفاع المستوى المعيشي ساهما في تفاقم الطلب على المياه، مشيرة إلى أن العديد من دول العالم لجأت إلى البحث عن مصادر بديلة أو إضافية للمياه، في حين أن الأمر بدأ بالتغيير بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة نتيجة لندرة الموارد المائية الإضافية من جهة، والقيود التي أضيفت إلى المعايير والمواصفات المطلوبة في مياه الشرب من جهة أخرى، مما أدى إلى جعل عملية توفير كميات إضافية من المياه لتغطية الطلب المتزايد عليها أمراً مكلفاً للغاية .
مؤشر الضغط المائـي
تمثل الزراعة المستهلك الرئيسي للمياه في غرب آسيا، مسجلة ما يقرب من 82% من استهلاك المياه الكلي مقارنة مع 10% و8% لاستهلاك القطاعين المحلي والصناعي على التوالي، وفي شبه الجزيرة العربية تستخدم الزراعة حوالي 86% من موارد المياه المتاحة وفي المشرق تبلغ النسبة حوالي 80% ( Khouri 2000 ). وقد ارتفع استخراج المياه الجوفية بشكل ملحوظ في خلال العقود الثلاث الأخيرة لمقابلة الطلب على المياه، خاصة للري .
في دول مجلس التعاون الخليجي ارتفع إمداد المياه السنوي من 6 كلم3 في عام 1980 إلى 26 كلم3 في عام 1995 مع استخدام 86% من هذه المياه للأغراض الزراعية ( Zubari 1997 ). وفي عام 1995 امتلكت دول مجلس التعاون الخليجي موارد مياه توازي 466م3 للفرد في السنة، وبلغ استهلاك الفرد 1020م3 / السنة، مما تسبب في عجز سنوي بلغ في المتوسط حوالي 554م3 للفرد تم سده من مخزون المياه الجوفية ( Zubari 1997 ).
يبلغ مؤشر الضغط المائي في غرب آسيا ( يعبر عنه بالنسبة المئوية للمياه المستخدمة إلى موارد المياه المتاحة ) أكثر من 100% في خمسة من دول شبه الجزيرة العربية السبعة، ويبلغ حداً حرجاً في الدولتين الباقيتين . وقد استنفدت هذه الدول مواردها المائية المتجددة وبدأت حالياً في استغلال مخزونها غير المتجدد.
مصادر غير تقليدية للمياه في الكويت
تعاني الدول التي تقع في المناطق الجافة وشبه لجافة من الكرة الأرضية ندرة في الموارد المائية، ونظراً لوقوع دولة الكويت ضمن الإقليم الصحراوي، فإنها تعاني من مناخ شديد الحرارة شحيح الأمطار وبيئة قاسية وفقيرة في مصادر المياه العذبة، الأمر الذي جعل أهل الكويت ومنذ القدم يتجهون للبحر ليكون مصدر رزقهم ومعيشتهم ونشاطهم . وتنحصر المصادر التقليدية للمياه العذبة بدولة الكويت في كمية ضئيلة من مياه الأمطار والتي يقدر متوسطها بحوالي 115مم سنوياً وكمية محدودة من المياه الجوفية تستخرج من مجموعة الكويت والدمام وغالبيتها مياه قليلة الملوحة وناضبة، لذا اتجهت دولة الكويت إلى الاعتماد على المصادر غير التقليدية للمياه فتوسعت في إنشاء محطات تحلية مياه البحر لإنتاج المياه العذبة للأغراض المختلفة فضلاً عن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها بأغراض محددة مثل الري والزراعة، واهتمت الدولة بتوفير المياه العذبة لتلبية الاحتياجات المتزايدة نظراً للنمو السكاني والعمراني والتنمية الاقتصادية الشاملة في دولة الكويت، كذلك عنيت بحماية مصادر المياه من التلوث ونظافة البيئة والنظر بعين الاعتبار لنوعية المياه بجانب كميتها .
وقد بلغ إجمالي إنتاج المياه العذبة في عام 1997م حوالي 73306 مليون جالون إمبراطوري ( 334,2 مليون متر مكعب ) في السنة، بينما وصل إجمالي الاستهلاك في نفس العام ما يقارب 73284 مليون جالون إمبراطوري ( 334 مليون متر مكعب ) في السنة بزيادة سنوية حوالي 8٪ خلال الأعوام الخمس الماضية .
للمواد المائية أهمية قصوى في الهيكل المؤسسي لدولة الكويت، بحيث لا تكاد تخلو أي مؤسسة من مؤسسات الدولة الرئيسية من إدارة خاصة بالمياه والبيئة، إلا أن مسؤولية توفير المياه في دولة الكويت تقع أساساً على عاتق وزارة الكهرباء والماء التي تقوم بتخطيط موارد المياه وتنميتها وإدارتها وإمداد قطاعات الاستهلاك المختلفة بما تحتاجه من مياه سواء كانت مياه عذبة أو قليلة الملوحة، وتقوم بعض الوزارات والهيئات الأخرى بالدولة كل في حدود اختصاصاته مثل وزارة الأشغال العامة والهيئة العامة للبيئة بالمساهمة في تأمين الموارد المائية وتنميتها وحمايتها من التلوث .
ميــاه الصرف الصحـي
يوجد في الكويت ثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي كل منها يقوم بالمعالجة الثلاثية للمياه، وهذه المحطات هي :
- محطة العارضية : وهي أكبر محطات المعالجة في دول الكويت وبدأ تشغيلها في عام 1970م بسعة 100 ألف متر مكعب / اليوم، ثم تم توسعتها عام 1984م لتصبح طاقتها الاستيعابية 150 ألف متر مكعب / اليوم، وبعدها في عام 1993م لتصبح طاقاتها الاستيعابية 190 ألف متر مكعب / اليوم .
- محطة الرقة : وقد تم إنشاؤها عام 1981 بطاقة إنتاجية تبلغ 85 ألف متر مكعب / الثوم، ثم تم توسعتها عام 1995م لتصل طاقتها الاستيعابية إلى 120 ألف متر مكعب / اليوم .
- محطة الجهراء : وتم إنشاؤها عام 1981م بطاقة إنتاجية تبلغ 70 ألف متر مكعب / اليوم .
5 توصيات لترشيد الاستهلاك
هل يصبح 2050 عام الجـدب في الكويت؟
هل ستحتل الكويت مرتبة متقدمة من بين 17 دولة ستعاني ندرة كاملة في مياه الشرب عام 2050 ؟ هذا ما أكدته دراسة علمية أشارت فيها أن الكويت ستأتي في المرتبة الثانية من بين سبع عشرة دولة لديها أزمات ومشكلات في مجال مياه الشرب، حيث سيصل نصيب الفرد إلى 44 متراً مكعباً بحلول عام 2050 .
دعت الدراسة الصادرة عن مجلس النشر العلمي والتي قام بإعدادها الأستاذ في قسم الدراسات الاجتماعية في كلية التربية الأساسية في جامعة الكويت الدكتور غانم سلطان أمان إلى محاولة الحد من الإسراف في استهلاك المياه مع استحداث نظام تحصيل مبالغ الاستهلاك شهريا دون تأخير بأساليب تقيس الاستهلاك الفعلي للمنازل مشددة على ضرورة مشاركة المنهج المدرسي في التوعية وكذلك ضرورة إسهام المواسم الثقافية لمؤسسات التعليم العالي وجمعيات النفع العام في الحملات الإرشادية مع الحد من استخدام المياه العذبة في ري الحدائق المنزلية وتنمية الوعي بعدم ترك صنابير المياه مفتوحة بعد استخدامها.
وأوضح الدكتور أمان في دراسته التي حملت عنوان » حكم وأنماط استهلاك المياه في دولة الكويت والعوامل الجغرافية المؤثرة فيها « أن الكويت تعاني شأنها شأن دول مجلس التعاون وأغلب أقطار الوطن العربي شحاً في مواردها الطبيعية من المياه نتيجة وقوعها في الأقاليم الجافة أو شبة الجافة وتجدرالإشارة إلى أنه إذا نقص معدل نصيب الفرد عن 500 متر مكعب من الموارد المائية فإن الوضع يوصف حينئذ بالفقر المائي، ومعنى ذلك أن الأمن المائي غير متحقق وهذا ما يعيق جميع عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشير مصادر الأمم المتحدة إلى أن مسألة المياه تصبح هماً أساسياً في حياة الإنسان إذا ما تراجعت حصة الفرد عن هذا المعدل لارتباط ذلك بالتأثير السلبي على وجه الحياة الحضرية والتنموية.
لقد وضع تقرير المعهد الدولي لإدارة المياه والذي نشر في منتصف عام 1999 نحو 17 دولة في عداد ضحايا الندرة الكاملة للمياه حتى 2050من بينها دول شرق أوسطية منها ليبيا التي ستحتل المرتبة الأولى بين الدول السبع عشرة إذ لن تتجاوز كمية المياه المتوفرة لكل فرد فيها 31 متراً وستحتل الكويت المرتبة الثانية ( 47م3 ) تليها قطر ( 58م3 ) وستحتل البحرين المرتبة السابعة عشر ( 177م3 ).
أما تقرير التنمية البشرية الوارد في التقرير الاقتصادي العربي لعام 1998 فقد شخص المشكلة بتراجع نصيب الفرد من الموارد المائية المتوفرة في بعض دول مجلس التعاون فذكر أن نصيب الفرد في دولة الإمارات سيتراجع من 625 م 3عام1966 إلى 32 م3 فقط في عام2050 وسيتراجع في قطر من 61 م3 إلى14 م 3عام 1996إلى44 م3 فقط عام2050 .
وتوصلت الدراسة إلى نتائج عدة مهمة حيث يؤكد الدكتور غانم أمان أن نتائج الدراسة التطبيقية تلاقت مع نتائج الدراسة النظرية المؤيدة بمعاملات الارتباط القوية الموجبة بين المتغيرات المختلفة) فيما يتعلق بدور الظروف الجغرافية الطبيعية( ارتفاع الحرارة صيفاً وارتفاع نسبة الرطوبة واقترانها بدرجات الحرارة العالية ومواسم هبوب الرياح وتأثيرها في معدلات استهلاك المياه في الكويت، مشيراً إلى أن نتائج الدراسة التطبيقية تلاقت أيضاً مع نتائج الإطار النظري للدراسة في تأكيد دور بعض السلوكيات المسؤولة عن زيادة معدلات الاستهلاك التي وصلت إلى حد الإسراف مثل التراخي في حنفيات المياه المعطوبة أو إصلاح الخرير خصوصاً عند شرائح بعض المستهلكين من غير الكويتييين بالنظر إلى عدم تحملهم تكاليف استهلاك المياه في منازلهم كمستأجرين وتحمل الملاك لهذه التكاليف، وأوضح أنه اتضح من الدراسة أن نسبة استهلاك المياه في الكويت تلتهم جملة الإنتاج وأن القطاع المنزلي مسؤول عن استهلاك ما يربو على 80 في المئة من جملة الاستهلاك من المياه العذبة، واتضح كذلك أن معظم شرائح المستهلكين تدخل في نمط الاستهلاك المرتفع ( المفرط ) الذي يقع بين 4200 - أكثر من 36,000 غالون شهرياً بنسبة 78 في المئة من جملة المستهلكين وهو ما يتفق مع أحد فروض الدراسة .
واشار الدكتور أمان في النتائج التي توصل إليها في دراسته إلى أنه بتزايد معدل استهلاك المياه في الكويت من وجهة نظر الإناث ( في شريحة العينة ) بشكل أوضح إذ كانت النتيجة ( 45.20) في المئة مقابل 50,97 في المئة للمستويات التعليمية الأول وكانت النسبة الحرجة دالة عند مستوى ( 0.05) ، ويرى الجامعيون كذلك أكثر من أقرانهم ذوي المستويات التعليمية الأدنى أن ترشيد المياه بات ضرورة ينبغي مراعاتها، منوهاً بأن الدراسة أوضحت أن القاطنين في المناطق الداخلية ( محافظات العاصمة وحولي والفروانية) يبادرون بشكل أوضح إلى إصلاح الخلل والأعطال التي تطرأ على شبكات المياه الداخلية في المنازل ( بنسبة 820.8 في المئة مقابل 69.48 في المئة لقاطني المناطق الخاجية أي في محافظتي الأحمدي والجهراء والنسبة الحرجة دالة عند مستوى(0.01).
وانتهى د . أمان في دراساته وتوصيات عدة لخصها في الآتي:
- توصى الدراسة بضرورة تنمية المصادر المائية سواء الجوفية العذبة أو قليلة الملوحة أو المياه العذبة المقطرة من مياه البحر، وذلك لتلبية احتياجات السكان ومواجهة نموهم المستقبلي.
- في محاولة للحد من الإسراف في استهلاك المياه توصي الدراسة بمراجعة سعر كلفة البيع ورفعها إلى حد معقول، يؤدي إلى تنبيه المستهلكين إلى قيمة المياه وضرورة استهلاكها بشيء من العقلانية.
- ضرورة متابعة خدم المنازل بصورة مستمرة حتى لا يتجاوزوا حدود المعقول في استهلاك المياه للأغراض المنزلية وري الحدائق وتنظيف سيارات مخدومهم.
- استحداث نظام لتحصيل مبالغ استهلاك المياه شهرياً دون تاخير وبأساليب تقيس الاستهلاك الفعلي للمنازل ( دون الاعتماد على التقدير ).
- العمل بنظام شرائح الاستهلاك أسوة بما هو معمول به في دول مجلس التعاون وذلك باعتماد نظام الأسعار التصاعدية على الذين يتعدون في استهلاكهم المعدلات المعقولة لاستهلاك الأسرة ( بحسب عدد أفرادها ).
المزيني الاتجاه نحو الاستفادة من مياه الصرف الصحي
أشارت الدراسات بأن كمية المياه العذبة الموجودة على سطح الأرض كافية لتلبية احتياجات الإنسان في الوقت الحاضر، ولكن هذه المياه غير منتظمة التوزيع، فعلى سبيل المثال يحتوي نهر الأمازون وحده على نحو 15% من إجمالي كمية المياه العذبة، فيما يحتوي 15 نهراً غيره من العالم على 33% فقط من هذا الإجمالي .
وحول هذا الموضوع، التقت مجلة » بيئتنا « الدكتور صالح محمد المزيني الباحث في معهد الكويت للأبحاث العلمية الذي تناول العديد من القضايا المتعلقة بأزمة المياه ورؤيته العلمية والحلول التي يراها مناسبة، وفيما يلي تفاصيل اللقاء :
* هل يتساوى توزيع المياه العذبة حول العالم؟
* في الوقت الذي لا تستطيع فيه دول عديدة تأمين احتياجاتها وكفايتها من المياه العذبة كما هو الحال في معظم الدول الأفريقية، نجد أن دولاً تعاني من الفياضانات الموسمية مثل دولة بنغلاديش دون استفادة تذكر من الكم الهائل من المياه أو تأخذ الاحتياطات في هذا الصدد . وعلى الرغم من حوض الكونغو - زائير - يضم أقل من 10% من مجموع سكان القارة الأفريقية، إلا أنه يملك أكثر من 50% من إجمالي مياهها العذبة، وهذا يعطينا مؤشراً واضحاً على توفير المياه الذي يجب أن يستغل في مناطق تكون في حاجة إلى ذلك.
* من هو المستهلك الأكبر للمياه العذبة؟
* وتعد الزراعة المستهلك الأكبر للمياه العذبة، وللأسف فإن نحو 75% من مياه الري تضيع هباء اًبسبب استخدام أساليب قديمة في الري مما يضيع كميات كبيرة من المياه العذبة بدون فائدة تذكر، وعلى الرغم من أن الصناعة تحتاج إلى كميات أقل بكثير من الزراعة إلا أنها تعمل على تلويثها بشكل واضح ومزعج حتى أن بعض المصادر المائية قد تلوثت بسبب المصانع ولم تعد صالحة للاستعمال الآدمي أو الصناعي.
* ماذا عن مشكلة المياه في دولة الكويت؟
* تعتبر مشكلة المياه في الكويت من أبرز وأهم المشاكل التي تواجه الكويت حالياً ومستقبلاً، والتي تتلخص في عجز مصادر المياه المتوفرة محلياً لسد حاجة السكان، وليس هناك من شك في أن استهلاك الماء في دولة الكويت في ارتفاع نظراً لزيادة عدد السكان والتوسع العمراني والصناعي في مناطق كثيرة من البلاد، بالإضافة إلى تدني التكلفة الحقيقية التي يدفعها المستهلك مقابل هذه الخدمة.
* ونود أن نشير هنا إلى أن عملية توفير المياه الصالحة للشرب تتطلب جهوداً كبيرة وإنفاق الكثير من الدولة في هذا القطاع.
* وعلى الرغم من أن نصيب الفرد من المياه العذبة المتجددة، الأمطار قليل جداً مقارنة مع باقي دول العالم، حيث أن نصيب الفرد من هذا المورد حوالي 11 متراً مكعباً في السنة، إلا أن بيانات وزارة الطاقة تشير بأن متوسط استهلاك الفرد في دولة الكويت ( كويتي وغير كويتي ) من المياه العذبة بلغ حوالي 38,000 جالون إمبراطوري في عام 1998م، ويعد هذا المستوى من المستويات العالية في العالم، ويلاحظ أيضاً أن هناك تزايداً في معدل النمو السنوي في استهلاك المياه العذبة بصورة كبيرة، وبلغ هذا النمو حوالي 8,25% من 1995م - 1998م، وهو معدل يتجاوز كل معدلات النمو السكاني . وتشير المعلومات أن الدعم الذي تقوم به الدولة في هذا المجال والذي يصل حوالي 75% من التكلفة في المتوسط مسؤول بصورة مباشرة عن هذا النمو في الاستهلاك.
* مما لاشك فيه أن تدني الأسعار الحقيقية للمياه يساعد بلاشك على الإسراف في استهلاك الحياة بشكل واضح، وهذا بدوره سوف يساعد على استنزاف الموارد الحقيقية للدولة وكان الهدف الأساسي في دعم هذه السلعة رفع قدرة محدودي الدخل على دفع تكلفة استهلاك المياه عملاً بمبدأ العدالة الاجتماعية، ولكن في دولة الكويت أظهرت نتائج الدراسة بأنه عكس ذلك ومتناقض مع مبدأ العدالة الاجتماعية إذ ترتب على ذلك استهلاك أكثر مما كان متوقعاً للجميع، بالإضافة إلى تشجيع الاتجاه نحو الزراعة بالنسبة للأفراد والحكومة وما يتبع ذلك من زيادة على طلب المياه خاصة المياه العذبة، وكذلك الاتجاه نحو التنمية الصناعية وما يتطلب ذلك من ضرورة توفير المياه العذبة اللازمة بالإضافة إلى أن توصيل شبكات المياه العذبة والصليبية إلى المنازل ترتب عليه ارتفاع في نصيب الفرد من المياه وجميع هذه العوامل بدون شك ساعدت في زيادة نسبة استهلاك المياه العذبة على اختلاف مصادرها.
* يتضح مما تقدم أن إنتاج المياه العذبة في ازدياد مستمر من سنة إلى أخرى، وذلك لمواجهة ما يتوقع أن يصل إليه الاستهلاك من زيادة، لهذا فإن الاتجاه مازال مستمراً لزيادة طاقة محطات تحلية المياه وإنشاء مقطرات حديثة لها طاقة إنتاجية كبيرة.
* وهل من الممكن الاستفادة من المياه الصرف الصحي ؟
* تتجه الجهود في الوقت الحاضر إلى الاستفادة من مياه المجاري في الأعمال الزراعية، فقد أثبتت الأبحاث إمكانية استعمال هذه المياه لري بعض المحاصيل، هذا بالإضافة إلى التطلع لمشاريع المستقبل وما تحمله في طياتها من توسع وزيادة في كمية المياه العذبة والنظر في مصادر أخرى لتلبية حاجة المواطنين من المياه .
* ما هي الإجراءات الوجب اتباعها للمحافظة على المياه ؟
* إن الماء هو العنصر الأساسي للحياة لذا يجب المحافظة عليه من جميع أنواع التلوث، ويجب زيادة مصدره ومكافحة السلوكيات غير السليمة التي تؤكد المحافظة على مصدره ويمكن تحقيق ذلك من خلال ما يلي :
1 - عمل جميع الاحتياطات اللازمة لمنع تسرب وتصريف مياه الصرف الصحي إلى مصادر المياه أو مصادر مياه الشرب، وتحريم ذلك قانونياً ووقف هذا النوع من التصرف بكل شدة .
2 - التشديد على عدم تصريف مياه الصرف الصحي أو الصناعي إلى المصادر المائية إلا بعد معالجتها بطريقة سليمة والإقلال من آثارها الضارة .
3 - الاهتمام بشكل واسع بخزانات مياه الشرب سواء بالمنازل أو داخل المباني الحكومية من الناحية الصحية والعملية .
4 - نشر الوعي ما بين المواطنين في المحافظة على المياه عن طريق وسائل الإعلام بكافة أنواعها .
5 - إنشاء مراكز ونقط رقابية ثابتة لمتابعة أي طارئ قد يحدث لشبكات تمديد المياه ومراقبة الجودة لتلافي الأخطار البيئية الناجمة عن ذلك .
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 69