التوليب .. جنون الربيع الملون
عنود محمد القبندي
يشتهر الهولنديون بزراعة الزهور، فتصدير الزهور إلى كل مكان في العالم أصبحت صناعة ضخمة تجذب الزوار إلى حقول «التوليب» الهولندية الشهيرة.
ولنتعرف على تطور زراعة الهولنديون للنباتات والأزهار النادرة والحقول الملونة الجذابة، يجب علينا أن نرجع إلى الوراء أي نعود إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي.
قبل أن تهبط الطائرة إلى مطار شيفول في العاصمة الهولندية امستردام سوف ترون جمال الألوان الطبيعية من خلال حقول زهرة الخزامى (التوليب) حول المطار الأمر الذي يجعله ذا منظر جميل وخلاب وآمن لهبوط الطائرات، بسبب اهتزاز أزهار التوليب الدائم الذي يكون رادع للطيور التي قد تتسبب في إلحاق الضرر بالطائرات أثناء هبوطها الأمر الذي قد يتسبب في سقوط الطائرة، بالإضافة إلى أن القوارض والفئران التي تتغذى عليها بعض الطيور تنفر من رائحة التوليب والبصيلات الصفراء.
تاريخ التوليب
يعتقد الكثيرون أن زراعة التوليب بدأت في هولندا والتي كانت تعرف في السابق باسم «الأقاليم المتحدة» وذلك في عام 1593، وذلك عندما تمكن تشارلز دي لوكلوس من تحسين نوعية توليب قادرة على تحمل صعوبة المناخ في المناطق المنخفضة باعتماده على أبصال أرسلت إليه من تركيا من قبل أوجير دي بوسبيق. وسرعان ما تحولت الزهرة إلى موقع تفاخر ورمزا للرفعة، فهناك أنواعا معينة من الزهور أخذت أسماء خاصة مميزة اشتق بعضها من أدميرالات البحرية الهولندية. وأكثرها كانت رائعة بما تحمله من ألوان حية وخطوط بدت كألسنة اللهب وذلك بعد أن تعرضت بعض أنواعها لعدوى فيروس خاص بأبصال التوليب.
لقد تزايد الطلب على أبصال زهرة التوليب إلى درجة ليست طبيعية وهو ما عرف بجنون التوليب Tulippomania وهو الاسم الذي يشير إلى فقاعة اقتصادية كبيرة مرت في مرحلة في تاريخ هولندا في القرن السابع عشر وما بين 1635 و1637. شعبية التوليب تعاظمت في هولندا وذلك بعد أن تعرفت عليه أوروبا عن طريق الإمبراطورية العثمانية في منتصف القرن السادس عشر.
وصف الزهرة
التوليب من أكثر الأبصال انتشاراً في عالمنا المريض، حيث يوجد منه حوالي 150 نوعاً ويزرع بشكل أساسي في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وفي آسيا، وموعد زراعته يكون في أواخر فصل الصيف وأول الخريف ويزهر التوليب في الربيع حيث أنه ينمو في المناطق المعتدلة المائلة إلى البرودة كما أنه يتميز بسهولة زراعته وبقدرته على تحمل برد الشتاء القارص.
تجارة الهواء
في عام 1636 دخلت أبصال التوليب السوق المالي في كثير من البلدات الهولندية لكي يتم تداولها الأمر الذي شجع كافة فئات المجتمع على الدخول بأموالهم وممتلكاتهم للمضاربة عليها، فبعضهم من حقق الربح الضخم وآخرون لم يجنوا شيئا، لقد قام البعض ببيع أبصال التوليب التي زرعوها للتو وآخرون باعوا أبصال التوليب التي ينوون زراعتها! وهذا الأمر يشبه تدوال العقود الآجلة وقد وصفت هذه الظاهرة بأنها (قبض الريح) أو تداول الهواء.
بعدها قل الطلب أو شراء أبصال التوليب ومنهم من شك بأن الطلب على التوليب سيختفي وهذا ولد ذعراً عارماً. أصحاب العقود الآجلة باتوا يحملون عقوداً لا يساوي سعرها الحالي عشر ما نصت عليه العقود، وكثيرون آخرون ما لبثوا أن وجدوا أنفسهم يحملون أبصالاً لا تساوي قيمتها جزءاً صغيراً من السعر الذي دفعوه للحصول عليها. و حسب ما زعم، فإن آلاف الهولنديين بمن فيهم رجال الأعمال وأصحاب المناصب انهاروا مالياً.
والنسخة المشابهة لهذا الحدث والذي عرف بجنون التوليب اجتاح باقي مناطق أوروبا، ولكنها لم تصل إلأى الأمر الذي وصلته هولندا ففي انجلترا على سبيل المثال عام 1800 كان من الشائع أن يشتري المرء بصلة توليب واحدة بمبلغ يكفي عاملاً وعائلته حاجتهم من الطعام والشراب والملبس طوال 6 أشهر!.
التوليب في اسطنبول
تعتبر تركيا هي الموطن الأصلي لزهرة التوليب، فهي بالأصل جاءت من شرق تركيا وسهول آسيا الوسطى وزروعها العثمانيون ونقلوها إلى اسطنبول عاصمة الامبراطورية آن ذاك حيث أنها كانت تزين قصور السلطان وحدائق الصفة، وكلمة «توليب» مأخوذة من كلمة « تولبنت» وهي تشير لعمامة السلطان التي تشبه زهرة التوليب شكلاً. وفي القرن الثامن عشر اندلعت انتفاضة غوغائية غاضبة وأتت على كل حدائق التوليب واختفت الزهرة من المدينة إلى حد كبير منذ ذلك الحين. واليوم تحف ازهار التوليب بساحل بحر مرمرة وتبدو ظاهرة للعيان وسط الازدحام المروري الذي تشتهر به اسطنبول وتحيط بالوانها الزاهية الأماكن السياحية الشهيرة في المدينة. إن هذه الزهرة لها مكانته وذكرياتها عند الشعب التركي فهي جزء من الثقافة التركية، وتوجد في تركيا صناعة توليب قوية فهي تطمح بأن تكون دولة مصدرة لهذه الزهرة، كما أن أزهار التوليب أصبحت أجمل شيء في اسطنبول وفي حال وفي حالة تحقيق المشروع التركي انطلاقة فانه سيفوز بحصة من نشاط تجاري ضخم فقد ذكر مجلس الزراعة لتجارة الجملة في هولندا ان صادرات هولندا أكبر دولة مصدرة للزهور في العالم من الزهور والبراعم والنباتات بلغت 6.6 مليار يورو عام 2007.
كما ان حقول التوليب تجتذب آلاف السياح سنويا مما يسمح للاقتصاد الهولندي بالتربح من الزهرة التي اوشكت ان تتسبب في افلاسه قبل 400 عام.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 110