طعام جيد وصحي ومذاقه ممتاز
إذا جاء الجراد .. كب الدواء!
دلال حسين جمال
في خريف سنة 1929م هطلت أمطار غزيرة على الكويت، واستبشر الناس خيراً بهذه الأمطار الموسمية، وتواصلت هذه الأمطار حتى الشتاء، وفي الشتاء ظهرت أعمدة كثيفة طويلة من الجراد، يصل طول العمود إلى 15كم وعرضه 2كم «سرب الجراد يسمى اللهجة المحلية وباللغة الفصحى أيضاً بالعمود». ومازال شيبان البادية والحاضرة في الكويت وفي شبه جزيرة العرب الذين على قيد الحياة يتذكرون أمطار سنة 1929م وأسراب جرادها الهائلة التي أثرت على فرصتهم بأمطار تلك السنة. لقد حجبت أعمدة «أسراب» الجراد في هذه السنة ضوء الشمس عن الأرض وأحالت النهار إلى ظلام. وهذه الأسراب الهائلة من الجراد في تقدمها من الشرق إلى الخليج العربي تلتهم في طريقها كل ورقة خضراء بلا تمييز، ويحاول المزارعون إيقاف زحف الجراد والدفاع عن مزارعهم، ولكن معظم محاولاتهم تفشل أمام إصرار الجراد وزحفه المتواصل بأعداده الهائلة.
الجراد دواء
يقول عرب الجزيرة بادية وحاضرة في كلماتهم المأثورة عن الجراد الجملة التالية: «إذا جاء (ظهر) الجراد كب (أسكب، أنثر) الدواء، وإذا جاء الفقع «الكمأ» صّرّ (احفظ) الدواء».
فالجراد طعام جيد وصحي ومذاقه ممتاز ولا يسبب أي مرض للجسم، وبالتالي فإن الإنسان لا يحتاج إلى حفظ الدواء وصره في محفظة خاصة، وإنما الواجب عليه أن يسكبه وينثره على الأرض، فالجراد هو الدواء والعلاج لأنه يتغذى على الأعشاب والنباتات البرية المفيدة للجسم، وعلى العكس من الجراد إذا جاء «ظهر» الفقع، فيجب على الإنسان أن يصر «يحفظ» الدواء بصرة مخصوصة لأن الإكثار من أكل الكمأ يسبب عسر الهضم وتلبك المعدة وبعض الأمراض، وبالتالي فان الإنسان سوف يحتاج إلى تناول الدواء بسبب إكثاره من أكل الكمأ «يسميه عرب الجزيرة الفقع».
بيع الجراد
وسابقا في مواسم الجراد يجلب البدو أعدادا كبيرة من الأكياس «العدول والخياش» مملؤة بالجراد ليبيعونها في سوق الصفاة بالكويت، وفي السوق تجد بعض الجراد يتطاير من هذه الأكياس، وأولاد الديرة الذين يلعبون حول سوق الصفاة يلتقطون هذا الجراد المنفلت المتطاير ويجمعونه في أكياس صغيرة يحلمونها معهم.
الجراد هي حشرات من رتبة Orthoptera أي الحشرات مستقيمة الأجنحة، التي تضم 28 عائلة من الجراد, حيت يوجد ما يزيد على 20.000 نوع من الجراد في العالم. يعتبر الجراد Locusts نوعا من حشرات الجنادب Grasshoppers التي تمتلك أرجلا خلفية قوية تساعدها على القفز، ويطلق على الاثنين معًا أسم الجراد الحقيقي True Locust.
يندرج الجراد تحت رتبة orthoptera أو الحشرات مستقيمة الأجنحة، وهي التي يخرج من تحتها 28 عائلة من الجراد تحتوى على ما يزيد على 20.000 نوع حول العالم، واحدة من تلك العائلات تسمى بـ Acrididae، وهي عائلة حشرة الجندب grasshoppers التي تمتلك أرجلا خلفية قوية تساعدها على القفز، ويُعتبر الجراد locusts نوعا من حشرات الجندب.. ويطلق على الاثنين معًا «الجراد الحقيقي» أو «True locust»، هناك ما يقرب من 18.000 نوع من الجندب حول العالم، وهي حشرات آكلة للنبات تستطيع القفز إلى 20 مرة أطول من جسمها –يقفز الإنسان 40 ياردة (36.6 مترا) إذا قفز 20 مرة أطول من جسمه. طول حشرة الجراد الناضجة يتراوح بين 3 إلى 13 سم، ويقسم جسمها إلى: رأس وصدر وبطن (مقسم 11 قطعة)، كما أن لها 6 أرجل تستخدمها في المشي. يغطي جسمها طبقة من الكيتين chitin، وتتمتع بأسنان حادة، كما تحمل قرنين قصيرين متميزين للاستشعار، وتتميز بما تصدره من أصوات موسيقية تصدرها من خلال كحت الأرجل الخلفية أو الأجنحة الأمامية مع الجسم. تمر دورة حياة حشرات الجراد بثلاث مراحل أساسية هي البيضة، الحورية، الحشرة الكاملة وتختلف الفترة الزمنية لكل مرحلة تبعاً للظروف الجوية السائدة، ويختلف طول عمر الجراد المكتمل النمو الفردي، إذا يتراوح ما بين شهرين ونصف إلى خمسة أشهر وبصفة عامة تعتمد مدة الحياة على الوقت المستغرق لاكتمال النمو من الناحية الجنسية، فإذا اكتمل النمو سريعاً أصبح طول الحياة الكلي قصير.
غذاء الجراد
قد يكون الجراد صغير الحجم... ولكنه يمكن أن يأكل قدر وزنه في 24 ساعة... فيمكن لطن من الجراد أن يأكل في يوم واحد طعاما بقدر ما يأكله 2500 شخص، الحقائق العلمية تؤكد أن الحشرة الواحدة من الجراد تستطيع أن تلتهم طعاماً بمقدار حجمها كل يوم، أو ما يعادل 2 جم لكل يوم؛ فسرب صغير يُقدر بـ1 طن متري (ألف كجم) يستطيع أن يأكل كعشرة أفيال أو 25 جملا أو 2500 إنسان في يوم واحد، ورغم أن بعض أنواعه تلتهم نوعا معينا من النباتات فإن غالبية الأنواع تلتهم كل شيء يقابلها.. فتستطيع أن تنهي محاصيل كاملة من القطن والذرة والقمح والأرز والشعير وأشجار الموز والبلح وغيرها، وتأكل كل شيء في النبات ورقه، جزعه، ساقه، ثماره، فواكهه, يعتبر الجراد أكلة مفضلة عند كثير من الشعوب في آسيا وبعض الدول العربية، فحشرة الجراد غنية بالبروتين الذي يمثل 62 % ودهون 17 % وعناصر غير عضوية تمثل الباقي مثل: الماغنسيوم، الكالسيوم، والبوتاسيوم، المنجنيز، الصوديوم، الحديد، الفوسفور وغيرها.
أنواع أخرى من الجراد تقسم بحسب المناطق
الجراد الأفريقي المهاجر في أفريقيا، الجراد الشرقي المهاجر في جنوب شرق آسيا، الجراد الأحمر في شرق أفريقيا، الجراد البني في جنوب أفريقيا، الجراد الأسترالي في أستراليا، جراد الشجر في أفريقيا وحوض المتوسط باتجاه الشرق.
أما الجراد المغربي Dociostaurus marcoccanus الذي كان بطل الوباء الأخير في أفغانستان؛ فهو يتواجد في المناطق شبه الجافة وشبه الصحراوية.. يتواجد في جنوب شرق آسيا ووسطها مثل تركيا وإيران والعراق وأفغانستان وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.. ويسبب مشكلات أيضا في المغرب والجزائر، وتحاول منظمات الإغاثة جاهدة أن تبحث عن كل جديد لمقاومة هذا البلاء الذي ما زال يُعد من أخطر الأوبئة التي قد يتعرض لها محصول.
طرق معالجة أوبئة الجراد
1- الطرق الكيميائية: وهي عن طريق رش المبيدات الحشرية بواسطة الطائرات وعربات الرش.
2- الطرق الميكانيكية: وهي مطاردة الحشرات حديثة الفقس لحرقها في خنادق تُحفر خصيصاً لذلك.
3- أما أحدث الطرق وآمنها فهي الطريقة البيولوجية التي جُربت في أفريقيا عام 1997؛ حيث استُخدم فيها فطر الـ Metarhiziuim (على شكل زيوت رُشت من الطائرات) تصيب الجدار الخارجي للحشرة، وتخترق تجويف الجسم؛ فيتسبب الفطر في موت الجرادة خلال (4 - 10) أيام، ومن مميزات هذا الفطر أنه ينتقل من حشرة إلى أخرى سريعاً، ولا يؤذي النباتات والحيوانات والحشرات الأخرى في المنطقة كما تفعل الطريقة الكيميائية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 106