بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

حدائق طوكيو المعلقة

حدائق طوكيو المعلقة تخفض درجات حرارة المدينة 

اليابانبون يقيمون حدائق فوق الأسطح لمواجهة تصاعد درجات الحرارة

تتصاعد درجات الحرارة في العاصمة اليابانية طوكيو بشكل أسرع أربع مرات من سائر مدن العالم  ديفيد تريسي يصحبنا في جولة ممتعة إلى الحدائق التي أقامها اليابانيون فوق أسطح منازلهم ومبانيهم لمقاومة تلك الظاهرة. 

الاحتباس الحراري

يجمع العلماء على أن تسارع النمو الاقتصادي وما يرافقه من انتشار المصانع ووسائل المواصلات التي تستخدم الوقود الأحفوري، يشكل أحد أبرز أسباب نشوء ظاهرة الاحتباس الحراري والتلوث الخانق في المدن وخاصة الكبرى منها  وتشير إحصائيات الوكالة اليابانية للأرصاد الجوية إلى أن متوسط درجات الحرارة في العاصمة طوكيو قد ارتفع بواقع ثلاث درجات على امتداد الأعوام المائة المنصرمة. 

وتتضح مدى صعوبة الموقف حين نعلم أن درجة الحرارة في العاصمة اليابانية وضواحيها ارتفعت إلى رقم قياسي جديد وغير مسبوق بلغ 39.5 درجة مئوية خلال شهر يوليو  تموز  الماضي. 

تصاعد معدلات التلوث

ولكي نتفهم مدى صعوبة تحمل مثل هذه الحرارة التي تعتبر عادية في الكثير من مدن العالم، يجب ألا ننسى أنها تترافق مع ارتفاع شديد في معدلات الرطوبة الناجمة عن تبخر مياه المحيط في خليج طوكيو، وتصاعد معدلات التلوث في المدينة، التي تعتبر من كبرى المدن الصناعية وتكتظ بالملايين من وسائل النقل والمواصلات، بحيث يشعر المرء بالضيق بمجرد بلوغ الحرارة 20 درجة مئوية، الأمر الذي يفسر سبب الانزعاج الشديد للمقيمين حين تجاوز متوسط درجات الحرارة 30 درجة على مدى 68 يوماً خلال الصيف المنصرم. 

مكيفات الهواء

ويلقي العلماء باللوم على الغازات الساخنة المنبعثة من مكيفات الهواء ومن الخرسانة المسلحة المستخدمة في البناء والعمران في تعزيز ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة في طوكيو بهذا الشكل وهذه السرعة. وتتوقع وكالة الأرصاد الجوية الحكومية تدهور أحوال الطقس في المدينة بشكل أكبر على المدى البعيد  ويشتمل ذلك التدهور على تحول المدينة إلى ما يمكن وصفه بـ «الجزيرة الحرارية». 

حلول مبتكرة

وفي إطار هذه الخلفية الدراماتيكية المخيفة، انطلقت الروح اليابانية المتوثبة لتجابه التحدي كعادتها، بحلول مبتكرة قد تبدو غريبة بعض الشيء في أعين الآخرين  وجاء الرد في شكل مزارع أرز وحدائق أقامها سكان طوكيو فوق أسطح منازلهم ومبانيهم المرتفعة لتبدو أشبه بحدائق بابل الأسطورية المعلقة  وتتضح الصورة بشكل أكبر حين يعتلي المرء سطح أحد المجمعات السكنية والتجارية الكبيرة في قلب طوكيو، مثل مجمع «كياكيزاكا» القائم في إطار مشروع تلال «روبونجي» العقاري الضخم، ويطل المرء من ذلك الموقع على مشهد بانورامي ساحر للمئات من الحدائق التي تعتلي أسطح المنازل والمباني، ما يدفعه إلى الشعور بأنه غادر طوكيو وبات وسط ضواحيها الريفية الجميلة. 

سبق أوروبي

ولا تنفرد طوكيو في الواقع بوجود مثل تلك الحدائق، حيث سبقتها إليها العديد من مدن أوروبا وبخاصة مدن ألمانيا، ولحقت بها بسرعة مدن أميركا الشمالية، حيث تعهد عمدة مدينة شيكاجو الأميركية مؤخراً، بتحويل هذه المدينة الكبرى الملوثة صناعياً، إلى أكثر مدن البلاد غنى بالمساحات الخضراء ومن أنظفها بيئياً، عبر المئات من مشاريع الحدائق المقامة فوق أسطح المنازل والمباني العالية وفي غيرها من المناطق فوق سطح الأرض. 

كما أعلنت بلدية مدينة فانكوفر الكندية اعتزامها إقامة حدائق على مساحة 2.4 هكتار فوق أسطح مجمع مركز المؤتمرات الجاري توسعته في المدينة. 

إلا أن سائر المدن اليابانية لم تلحق بالركب بالسرعة الكافية على مايبدو، بما في ذلك طوكيو التي تظل على الرغم من الجهود المبذولة لنشر الحدائق فوق أسطح منازلها ومبانيها، مثالاً واضحاً على تراث التنمية الصناعية المتسارعة التي شهدتها اليابان على امتداد القرن العشرين، وما خلفته من آثار على البيئة والصحة. 

اكتظاظ السكان

فقد أدت الحركة العمرانية التي واكبت تلك التنمية الصناعية، إلى ظهور مدن شديدة الاكتظاظ بالسكان والمباني الخرسانية وعشرات الملايين من وسائل النقل والمواصلات، والتي كانت ستفتقر بالتأكيد إلى الحد المقبول من المشهد المدني الحضاري الجميل، لولا وجود بعض الحدائق والساحات العامة الجميلة والتي تتنفس من خلالها تلك المدن وتوفر لسكانها ملاذاً بعيداً عن التلوث العام. 

ولا توجد حلول سهلة للمشاكل الناجمة عن التلوث والاحتباس الحراري في مدينة مكتظة يقطنها    مليون نسمة مثل طوكيو  وتكفي إطلالة سريعة من الطابق الخامس والأربعين من مبنى بلدية المدينة لإدراك مدى ضخامة وتعقيد المشكلة  فباستثناء حدائق القصر الامبراطوري والحدائق العامة الصغيرة والقليلة المتناثرة في أنحاء المدينة، لم تعد هناك أي مساحات من الأرض تخلو من مظاهر العمران في العاصمة اليابانية، بحيث باتت تبدو أشبه بغابة من المباني الاسمنتية والطرقات وشبكات السكك الحديدية العلوية. 

وهكذا باتت أسطح المنازل والمباني العالية المساحات الحرة الوحيدة المتبقية للاستعمال في محاولة جديدة ومستميتة لتخفيف حدة التلوث والاحتباس الحراري في المدينة  ويعمل المهندسون اليابانيون بهمة ونشاط في إقامة الحدائق فوق أسطح تلك المنازل والمباني، معربين عن تفاؤلهم بنجاح هذا التحرك الذي يستهدف تحويل طوكيو إلى نموذج ساطع تحتذيه سائر مدن وعواصم العالم، والتي قد تسعى مستقبلاً إلى الاستعانة بالخبرات اليابانية لإقامة مثل تلك الحدائق في المستقبل.

إلزامية منذ 2001

وقد أصبحت الحدائق المعلقة إلزامية في طوكيو منذ عام 2001 الذي صدر فيه قانون محلي بهذا ا. لصدد  وعلى الرغم من أن تكلفة الحديقة المعلقة تناهز ضعف تكاليف إقامة مثيلتها على سطح الأرض، فإن الفوائد التي ارتأتها البلدية تعوض إلى حد كبير ذلك الفارق على المدى البعيد

ومن أبرز تلك الفوائد، الالتفاف حول تعذر إعادة تصميم المدينة، وإطالة عمر أسطح المنازل والمباني العالية. 

كما تتولى الحدائق المعلقة تقليص مساحات الخرسانة المسلحة التي تعكس حرارة الشمس التي تختزنها إلى الهواء وتتسبب في ارتفاع حرارة المدينة وتسهم بالتالي في تبريد وتنقية الهواء بفضل كميات الأكسجين الإضافية التي تطلقها النباتات نهاراً. 

وتروى تلك الحدائق من مياه الأمطار بدلاً من ترك تلك المياه تنساب في المجاري إلى البحر، وتسهم في تخفيض فواتير التدفئة والتبريد، في الوقت الذي توفر فيه للسكان فرصة العودة إلى أحضان الطبيعة الجميلة في أوقات فراغهم من دون الاضطرار إلى مغادرة منطقة سكنهم. 

غير أن المراقبين يشيرون إلى أنه وبعد مرور ثلاث سنوات على صدور قانون الحدائق المعلقة، لا تزال طوكيو غارقة في الحرارة والرطوبة وبمعدلات متزايدة وقياسية، فهل توقف تطبيق القانون أم أن هذه المبادرة غير كافية لإحداث التحول المطلوب؟

وترد بلدية طوكيو على ذلك بالقول إن القانون نجح حتى الآن في تحقيق 10 في المئة فقط من هدفه المعلن خلال السنوات الثلاث الماضية، والذي يقضي بتغطية ما مساحته 1200 هكتار من الأسطح بالحدائق بحلول عام  2015، حيث يدعوا إلى تغطية 50 في المئة من سطح أي مبنى تتجاوز مساحته المبنية 300 متر مربع بحديقة  وتؤكد تلك المصادر أن البلدية تسهم في بعض الحالات بتغطية نحو نصف التكاليف بهدف تشجيع أصحاب المنازل والمباني على تنفيذ القانون. 

فرق واضح

ويمكن للمرء التأكد من التأثير المخفض للحرارة الذي تحدثه الحدائق المعلقة، من خلال زيارة الحديقة المقامة فوق سطح مبنى وزارة الأراضي والبنى التحتية والنقل اليابانية في طوكيو  إذ توضح موازين الحرارة الموجودة داخل الحديقة وخارجها بأنه بينما تبلغ درجة الحرارة 47 درجة مئوية داخل الحديقة فإنها ترتفع إلى 4 درجة في المناطق المحيطة بها. 

ويقدر الخبراء أن هذا التأثير المبرد للحدائق المعلقة يوفر نحو   في المئة من تكاليف فاتورة التبريد سنوياً  كما أن مثل هذه الحدائق تصبح مقراً للعديد من فصائل الطيور غير أن مفهوم الحدائق المعلقة يثير مشكلة الأوزان التي تستطيع الأسطح أن تحملها تبعاً لتصميماتها الهندسية وبصفة خاصة المباني التي تم بناؤها قبل سريان مفعول القانون في عام 2001، مما لا يسمح في معظم الحالات بتغطية السطح بطبقة من التربة يزيد عمقها على 4 سنتيمترات، ويقيد بالتالي فصائل النباتات التي يمكن زراعتها.

وقد دفع ذلك وزارة الأراضي لاستخدام الحديقة الموجودة على سطحها لتجربة استخدام بدائل أخف من التربة العادية وزراعة فصائل أكثر تنوعاً من النباتات سواء لفوائدها البيئية أو لمظهرها الجمالي. 

وشجع هذا الاهتمام بإقامة الحدائق مراكز التسوق الكبرى على الاستفادة من الدعم السخي الذي تقدمه البلدية للحدئق المعلقة، لتحويل تلك الحدائق إلى مصادر جديدة للدخل وللترويج لشتى متاجرها. 

ويلاحظ في حديقة سطح مركز تلال «روبونجي» العملاق للتسوق مثلاً، أن هناك  رسوماً يتوجب دفعها لزيارة الحديقة كما يتطلب الخروج من الحديقة المرور بالعديد من أقسام مركز التسوق. 

وقد سبق عدد من أصحاب ورؤساء بعض كبرى الشركات اليابانية مقتضيات القانون الجديد، بإقامة حدائق معلقة فوق أسطح منشآتهم قبل عشرات السنين  ومن أشهر تلك الحدائق، الحديقة التي أقامها يوشيناري كاواي، الرئيس السابق لشركة «كوماتسو» للمعدات الثقيلة فوق أسطح مصانع ومكاتب المقر الرئيسي للشركة قبل 40 عاماً مضت. 

غابات صغيرة

وقد أدى عشق كاواي لأشجار الكرز إلى زراعة غابة صغيرة وشديدة الكثافة من تلك الأشجار على مساحة 360 متراً مربعاً فوق تلك الأسطح تشكل نقطة خضراء مشرقة تكتسي بوشاح أبيض في موسم تفتح زهور الكرز، وقد أسس كاواي مؤسسة خيرية قامت حتى الآن بزراعة أكثر من مليوني شجرة كرز في مختلف أنحاء اليابان. 

من ناحيته، قام شونيشي شيراتوري، الذي يمتلك الآن امبراطورية حقيقية لصناعة منتجات ومستلزمات التعبئة والتغليف، بتغطية أسطح المصانع ومكاتب شركته بمزرعة حقيقية للخضراوات والفواكه التي ينتجها بكميات تجارية  وقد نجحت التجربة بفضل التخطيط المسبق، إذ طلب شيراتوري من المكتب الهندسي تصميم المباني بشكل يتيح لها حمل ما زنته 120 طناً من التربة، التي فرشها بسماكة 60 سنتيمتراً وزرع فيها الخضراوات وأشجار الفاكهة  ويمارس شيراتوري أعمال البستنة بنفسـه فـي حدائـقه المعلقة، على الرغم من كبر سنه وبلوغه الثانيه والتسعين من العمر. 

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 81