وقفة أمام القهوة والشيكولاته
ترجمة عن Principles of Environmental Science
هل توارد إلى ذهنك يوما أن شراءك للبن والشيكولاتة قد يساهم في حماية الغابات الاستوائية أو في دمارها؟ نعم… إذ يشكل كل من البن والكاكاو نموذجين من المنتجات الغذائية التي تنمو حصريا في دول العالم الثالث وتكاد تستهلك بشكل كامل من دول العالم الأول (حالها كحال الفانيليا والموز). ينمو البن في مناطق جبلية باردة من المنطقة الاستوائية، في حين ينتمي الكاكاو أصلا إلى الهضاب المنخفضة الرطبة والدافئة، وكل منهما عبارة عن أشجار صغيرة تنمو في ظل أشجار الغابات وتتأقلم مع الضوء الخافت. ولعقود خلت، ظل البن والكاكاو يزرعان في كنف أشجار الغابات الضخمة، أما اليوم فقد تم تطوير مجموعة من هذه المحاصيل لتزرع تحت أشعة الشمس المباشرة. وبما أن المساحات المشمسة تتسع للكثير والمزيد من البن والكاكاو، وبما أنهما هكذا يتعرضان للطاقة الشمسة أكثر من تواجدهما في الظل أخذت مساحات زراعة هاتين النبتتين تتوسع.
البن والكاكاو
إلا أن هذه التكنولوجيا الجديدة مكلفة. فالأشجار التي تنمو في الشمس تموت بسن أبكر بسبب الضغط والأمراض الشائعة في هذه الأراضي، إلى ذلك اكتشف علماء الطيور أن عدد أنواع الطيور ينخفض إلى النصف في الزراعة تحت أشعة الشمس، أما عدد بعض الطيور الفردية فينخفض بنسبة 90 %. ومن المعروف أن نبات البن والكاكاو الذي ينمو في الظل يحتاج عادة إلى نسبة قليلة جدا من المبيدات (وتنعدم في بعض الأحيان) ذاك أن الطيور والحشرات التي تعيش في كنف الغابة تقتات على تلك الحشرات. كما أن النبات الذي ينمو في الظل عادة ما يحتاج إلى كميات قليلة من السماد الكيميائي لأن غالبية النباتات في هذه الغابات تضيف السماد إلى التربة، ومن جهة أخرى نادرا ما تحتاج المحاصيل النامية في الظل إلى الري لأن الأوراق الكبيرة عندما تتدلى تحمي التربة في حين يقلل غطاء الغابة من عملية التبخر.
وحاليا تم تحويل ما يقارب 40 % من زراعة البن والشيكولاتة في العالم إلى الزراعة تحت أشعة الشمس، كما أن 25 % منها على الطريق لذلك. هذا وتستحق تقنيات إنتاج القهوة والشوكولاتة التقليدية عناء المحافظة عليها إذ أن 13 من أصل 25 موقعا من مواقع التنوع الاحيائي الساخنة في العالم تتواجد في مناطق زراعة البن والكاكاو. وفي حال تم نقل كافة مساحات زراعة هاتين النبتتين البالغة 20 مليون هكتار من مواطنها الأصلية إلى أماكن أخرى، سنشهد خسارة عدد لا يحصى من أنواع التنوع الاحيائي تلك.
ساحل العاج
وتشكل حالة باهيا في البرازيل النموذج الأمثل إن من حيث الأهمية الإيكولوجية لتلك المحاصيل أو من حيث الطريقة التي تساعد فيها على المحافظة على أحياء تلك الغابات. ولفترة من الزمن، كانت البرازيل تنتج الجزء الأكبر من الكاكاو، ولكن مع أوائل العام 1900 أدخل هذا المحصول إلى غرب أفربقيا. واليوم تنتج ساحل العاج وحدها 40 % من إجمالي الإنتاج العالمي كما أن قيمة المحاصيل البرازيلية قد انخفضت بنسبة 90 %. وما يساعد ساحل العاج في خوض هذه المنافسة نظام العمالة لديه، إذ أن العمال البالغين في ساحل العاج يتقاضون ما قيمته 165 $ في السنة مقارنة مع الحد الأدنى للأجور البالغ 850 $ في البرازيل. وبما أن إنتاج الكاكاو يرتفع تدريجيا في أفريقيا يتجه مالكو الأراضي في البرازيل نحو تحويل زراعاتهم إلى مراعي أو غيرها من المحاصيل.
مملكة الكاكاو
وتعد منطقة باهيا التي شكلت في ما مضى مملكة الكاكاو جزءا من غابة البرازيل الأطلسية، إحدى أكثر المناطق الأحيائية المهددة عالميا في الغابة (Biomes). 8% هي فقط المساحة التي لم تمس من تلك الغابة، ورغم أن زراعة الكاكاو لا تشكل التنوع الكامل للغابات غير الممسوسة، فهي تحمي بشكل يبعث للدهشة، نموذجا واسعا مما كانت عليه من قبل، وهكذا فإن زراعة الكاكاو في الظل توفر الأساس الاقتصادي لحماية التنوع الاحيائي، ومن المرجح أن الكاكاو البرازيلي لن يتمكن من منافسة المحاصيل الأخرى الآتية من أماكن متدنية الأجور إلا أن السوق يفسح المجال للمنتجات المتخصصة، فإذا ما أبدى المستهلكون نية دفع المزيد لقاء الشيكولاتة والقهوة العضوية التي تزرع في الظل ومن خلال تجارة عادلة، يكون ذلك بمثابة الحافز المطلوب لحماية التنوع الاحيائي. وهنا لا بد من التساؤل: الا تود التأكد من أن القهوة التي تشربها أو الشيكولاتة التي تتذوقها لا تتأتى عن استغلال العمال؟ وأنها تساهم في حماية حيوانات ونباتات معرضة للانقراض؟
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 102