بشهادة منظمة الصحة العالمية
أبخرة عوادم الديزل تسبب سرطان الرئة؟
محمد فوزي
أكدت جميع الدراسات أن تلوث الهواء سبب رئيسى للاصابة بالعديد من الإمراض القاتلة كالسرطان والقلب، بالاضافة إلى التأثير السلبى على النساء الحوامل، حيث يصيب الاطفال بالقلق والاحباط وقلة التركيز والفهم. وأكد خبراء بمنظمة الصحة العالمية أن أبخرة عوادم محركات الديزل تتسبب في الإصابة بسرطان الرئة، وربما تؤدي إلى ظهور أورام بالمثانة. واستند الخبراء إلى دراسة شملت أشخاصا يتعرضون لمعدلات كبيرة من أبخرة العوادم، مثل العاملين في المناجم وخطوط السكك الحديدية وسائقي الشاحنات. ونصح الخبراء بتقليل فرص التعرض لعوادم الديزل. وفي الوقت الحالي تصنف الهيئة الدولية لأبحاث السرطان، التابعة لمنظمة الصحة الدولية، عوادم الديزل بأنها مادة مسببة للسرطان. ويعتقد أن العاملين الذين يتعرضون لمعدلات مرتفعة من هذه العوادم تزيد احتمال إصابتهم بسرطان الرئة بنسبة 40%.
دراسة وأدلة
ويقول كريستوفر بورتير، المشرف على الدراسة: «كانت الأدلة العملية قوية، وكان ثمة إجماع على نتائج مجموعة العمل، فأبخرة عوادم محركات الديزل تؤدي إلى إصابة البشر بسرطان الرئة». ويضيف كورت ستريف، من الهيئة الدولية لأبحاث السرطان: «في معظم المواد المسرطنة عندما يتعرض شخص لهذه المواد بدرجة أكبر، تزيد احتمالية الإصابة بالسرطان، وعندما تقل معدلات التعرض لها يقل احتمال الإصابة». ويبذل جهد كبير لتنقية عوادم الديزل، ويُستخدم حاليا وقود يحتوي على قدر أقل من الكبريت ومحركات تحرق الوقود بكفاءة أفضل.
وتقول وزارة الصحة البريطانية: "سندرس هذا التقرير باهتمام. تمثل المواد الملوثة للهواء مبعث خطر للصحة للعامة، وسننظر في هذه القضية في إطار خططنا لتحسين الصحة العامة." وتقول مؤسسة أبحاث السرطان البريطانية إنه يتعين على الموظفين والعمال السعي لتقليل فرص تعرضهم لأبخرة عوادم الديزل بأماكن العمل.
صحة القلب
على صعيد متصل أظهرت دراسة علمية حديثة، أن استنشاق الهواء الملوث، يؤثر في القلب، ولكن بطريقة غير مباشرة، من خلال التأثير في زيادة ضغط الدم الذي يؤدي إلى التأثير سلباً في الأوعية الدموية.
فقد بينت دراسة قام بها علماء في جامعة ميتشغان الأمريكية بقيادة الدكتور روبرت بروك، أن نوعية الهواء الذي يستنشقه الفرد، يمكن أن تؤثر بشكل فوري في زيادة ضغط الدم، والتسبب بإصابات بالأوردة الدموية تستمر لساعات أو لأيام.
وقامت الدراسة بقياس تأثير استنشاق الهواء الملوث في مدينتي آن أربر في ميتشغان، وفي تورنتو، وبينت الدراسة أن أولئك الذين استنشقوا هواء غير نقي، سجلوا زيادة في ضغط الدم بعد وقت قصير من تعرضهم للهواء، مقارنة بأولئك الذين استنشقوا هواء نقياً، كما أظهرت الأوعية الدموية ضعفاً استمر لمدة 24 ساعة، وهي أعراض معروفة بتسببها خطراً على القلب. وبينت الدراسة التي نشرت في «جيرنال هابيرتنشن» فهماً جديداً، للآلية التي يؤثر بها استنشاق الهواء المليء بالغبار في القلب، بعدما أشارت دراسات عديدة لذلك التأثير دون التوصل للكيفية التي يؤثر بها في القلب.
ولم يكن واضحاً أي الهواء الملوث أكثر خطورة على القلب، هل هو الهواء الملوث بعوادم السيارات في الشوارع المزدحمة في المدن، أم الهواء الملوث بالغبار في المناطق الصحراوية المفتوحة.
ويشير بروك إلى أن الجسيمات التي تكون موجودة في الهواء، تكون أكثر تأثيراً من الأوزون، وحال استنشاقنا الهواء الملوث، فإن ذلك يؤدي إلى قيام الجسيمات الصغيرة للتأثير في الجهاز العصبي، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم كوسيلة من وسائل مقاومة التغير الحاصل داخل الأوعية الدموية. وعند زوال استنشاق الهواء الملوث، فإن ضغط الدم يعود إلى ما كان عليه قبل الارتفاع، وقد تنتقل الأجزاء الدقيقة التي دخلت مع الهواء إلى الرئتين، وتبقى هناك 24 ساعة، وهذا يؤدي إلى مخاطر صحية جديدة في الرئتين.
النساء الحوامل
من جهة اخرى أكدت دراسة نشرتها مجلة «تايم» على الآثار السلبية العديدة لاستنشاق النساء الحوامل للهواء الملوث، والأمراض التي يمكن أن يتأثر بها الأطفال بعد الولادة، وخصوصا في ما يتعلق بسلوكيات الأطفال. وجاء في الدراسة أن تلوث الهواء يؤثر بشكل مباشر على تطور أمراض مثل القلق والإحباط، بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بالقدرة على التركيز والفهم، والتي تتطور عند الأطفال مع مرور الوقت في مراحل النمو الأولى. وأشارت الدراسة إلى أن عنصر الهيدروكربونات العطرية «PAHs»، والذي يتوفر بكثرة في الأجواء الملوثة، هو السبب الرئيسي وراء تطور مثل هذه المشاكل السلوكية. وبينت الدراسة أن مصادر عنصر الهيدروكربونات العطرية، تأتي في الأغلب كنتاج عمليات حرق الوقود العضوي وخصوصا من عوادم السيارات، بالإضافة إلى الدخان الصادر عن حرق السجائر. ونوهت الدراسة التي شملت عددا من النساء الحوامل في مدينة نيويورك، إلى أن ما معدله 100% من عينات الدم التي تم أخذها وفحصها تحتوي على عنصر الهيدروكربونات العطرية، الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على السلوكيات المستقبلية للأطفال المولودين في هذه المدينة، بشكل كبير كسائر المدن الكبرى في العالم.
ملوثات المدخنين
فى هذة الاثناء، أفاد خبراء بأن المدخنين يصدر عنهم هواء ملوث أكثر عشر مرات من العوادم الصادرة عن السيارات. فقد اكتشف العلماء أن الدخان الصادر عن التبغ ينتج كميات أكبر من المادة المسببة للتلوث والأكثر تهديدا لصحة الإنسان من العوادم الناتجة عن احتراق الديزل.
وأوضح فريق العلماء من المعهد الوطني الإيطالي للسرطان في تقرير رفعه لهيئة الرقابة على التبغ أن نتائج الدراسة الأخيرة تكشف عن سبب تضرر رئات غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان السجائر. يذكر أن المواد الجزيئية المنبعثة تزيد مخاطر الإصابة بسرطان الرئة والربو. وتنتج هذه المواد من عوادم السيارات والشاحنات والحافلات وأبخرة المصانع ومواقع البناء. ويعد الدخان الصادر عن احتراق التبغ أحد مصادر هذه المواد الجزيئية الضارة التي لم يولها جيوفاني إنفرنيتزي وزملاؤه في هيئة الرقابة على التبغ، الذين أجروا البحث الأخير، الكثير من الاهتمام وأجرى فريق الباحثين تجربة لمعرفة درجة انبعاث المواد الملوثة من السجائر مقارنة بعادم السيارات. ونفذت التجربة في مرآب خاص للسيارات يقع ببلدة جبلية صغيرة في شمال إيطاليا تتميز بقلة معدلات تلوث الهواء فيها، فاكتشفوا أن معدل المواد الملوثة الصادرة عن السجائر أكثر بمعدل عشر مرات من العادم المنبعث عن احتراق الديزل في الساعة الأولى للتجربة. وزاد عادم الديزل من كمية الجزيئات الملوثة في الهواء بمقدار الضعف عندما فتح باب المرآب، بينما أدى دخان السجائر إلى زيادة معدل هذه المواد بمقدار 15 مرة.
ملوثات الدم
أكدت دراسة علمية مصرية أن استنشاق الهواء الملوث بعوادم السيارات أكثر خطورة على الصحة من تناول الأغذية الملوثة. ويقول الدكتور مسعد شتيوي، الباحث بجامعة قناة السويس إن عوادم السيارات التي يتم استنشاقها مع هواء التنفس تنتقل بنسبة 100% إلى دم الانسان، في حين ان نسبة معينة فقط من الملوثات التي نتناولها عن طريق الغذاء، تمتص من الأمعاء إلى الدم أما الجزء الباقي فقد يكون مركبات غير ذائبة تخرج من الجسم عن طريق البراز.
وأوضح أن العادم المنبعث من معظم السيارات يحتوي على أربعة أنواع من السموم الخطيرة في مقدمتها غاز أول أكسيد الكربون عديم الرائحة واللون، مما يزيد من سيئاته، اذ يعتبر من أكثر أنواع التسمم شهرة وخطورة، فهو يتحد بشراهة مع هيموغلوبين كريات الدم الحمراء فيعوقها عن أداء عملها في حمل الاكسجين لجميع خلايا الجسم, مما يسبب الاختناق لعدم وصول الأوكسجين إلى المخ. واذا استمر التعرض لهذا الغاز مدة طويلة فإنه بعد الاختناق يحدث تلف مستديم للخلايا العصبية في المخ تقود للوفاة.
ويذكر الباحث أن أخطار هذا الغاز تتركز على المرضى والمسنين والأطفال والحوامل، اذ أوضحت الدراسات التي أجريت في مصر ان التسمم بهذا الغاز يشكل 63% من أسباب الاعاقة لدى الأطفال مقارنة بأنواع التلوث الأخرى المسببة للاعاقة، وقد بلغ عدد الأطفال المصابين بالاعاقة بسبب التلوث بصفة عامة حوالي 3.5 مليون طفل. ويشير إلى أن هذا الغاز يتركز في دماء الأجنة بحوالي 3 أضعاف تركيزه في دماء أمهاتهم، الأمر الذي يكشف خطورة غاز أول ثاني أكسيد الكربون بصفة خاصة وعوادم السيارات بصفة عامة.
وتحتوي عوادم السيارات إلى جانب هذا الغاز الخطير، على أكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون والتي تنبعث من محركات الديزل ومن المصانع أيضاً وتسبب أضراراً رئوية خطيرة. وحتى في ظل وجود مستويات منخفضة منها فانها تؤذي المصابين بالحساسية الصدرية والربو، هذا بخلاف مجموعة الملوثات الأخرى التي يقل قطر جزئياتها عن 10ميكرونات، وتسبب بصغر حجمها المتناهي آلاماً شديدة في الرئتين وأزمات تنفسية بسبب تراكمها في الشعب الهوائية. المملكة الاردنية
وتؤكد الدراسات أن استنشاق الهواء الملوث بعوادم السيارات أكثر خطورة على الصحة من تناول الأغذية الملوثة، حيث أنه فى الحالة الأولى تنتقل الملوثات بنسبة 100% من الهواء المستنشق إلى الدم، أما في حالة الملوثات المأخوذة عن طريق الغذاء فإن نسبة معينة منها فقط هى التى تمتص من الأمعاء إلى الدم والجزء الباقي قد يكون مركبات غير ذائبة تخرج عن طريق البراز.
الأكاسيد الحمضية
الغاز المنبعث من معظم السيارات يحتوي على أنواع من السموم الخطيرة ومنها أكاسيد النتروجين NO & NO2، ثانى أكسيد الكبريت SO2: تنبعث هذه الأكاسيد الحمضية من محركات الديزل ومن المصانع أيضاً، وتسبب أضراراً رئوية خطيرة، حتى فى المستويات المنخفضة منها فإنها تؤذى المصابين بالحساسية الصدرية والربو، وتزداد خطورة هذه الأكاسيد عند سقوط الأمطار حيث تتحد مع مياه الأمطار مكونة أحماض حمضية تسقط فوق رؤوس المشاة، وينتقل هذا المطر الحمضي Acid rain بفعل الرياح ويتساقط فوق الغابات والأنهار والبحيرات والأراضى الزراعية فيلوثها ويقضى على الحياة فيها. وقد لاحظ العلماء أن المطر الذى يسقط فوق أوروبا حالياً يحوى من الحامض حوالى ثمانين ضعفا عما كان عليه سنة 1950م. هذا بالإضافة إلى أن المطر الحمضى أثناء سقوطه يختلط بكثير من المعادن السامة مثل الزئبق والزنك والألمنيوم والرصاص والمنجنيز فيؤدى إلى اختناق وتسمم الكثير من الكائنات الحية.
السموم الخطيرة
العادم المنبعث من معظم السيارات يحتوي على أربعة من السموم الخطيرة ومنها:
أول أكسيد الكربون CO: غاز عديم اللون والرائحة- هذه توضع فى ميزان سيئاته- وهو ينتج بسبب الاحتراق الغير كامل للوقود، ولذلك فإنه مكون رئيسى من مكونات عوادم السيارات، وتشير التقارير إلى أن قطاع النقل يولد %60 من CO الموجود فى الجو على المستوى العالمى. والتسمم بهذا الغاز يعتبر من أكثر أنواع التسمم شهرة وخطورة، فهو يتحد بشراهة بالهيموجلوبين الموجود فى كرات الدم الحمراء فيعوقها بالتالى عن القيام بأداء وظيفتها الطبيعية فى حمل الأكسجين لجميع خلايا الجسم فيحدث الاختناق Anemic hypoxia بسبب عدم وصول الأكسجين إلى المخ؛ وقد تم اكتشاف هذه العملية قديما 1865 على يد العالم الفرنسى الشهير كلودبرنارد Clude Bernard، وأمكن صياغتها رياضياً بواسطة دوجلاس وهالدين Douglas & Haldane سنة 1912م في صورة معادلة عرفت باسم معادلة هالدين، وتحدد العلاقة بين غاز CO، وغاز الأكسجين ومقدرتهما على الاتحاد بالهيموجلوبين «الحديدوز Ferrous» بداخله ولحسن الحظ )إلى حد ما( فإن هذه المادة (COHb) – رغم سميتها الشديدة – إلا أنها قابلة للتحلل، والتخلص من CO عن طريق الرئتين إذا ما تم تهوية المكان وتعريض الشخص المصاب للأكسجين، وبالتالى يعود الهيموجلوبين إلى طبيعته ويتحد بالأكسجين. أما إذا ما استمر التعرض لغاز CO مدة طويلة بكميات كبيرة فيحدث اختناق وتلف مستديم Permanent damage للخلايا العصبية في المخ ثم تحدث الوفاة. ويعد التلوث بغاز CO من أخطر أنواع التلوث التى يتعرض لها الإنسان خاصة المرضى والمسنين والأطفال والحوامل، وأوضحت الدراسات التى أجريت فى مصر أن التسمم بهذا الغاز يشكل %63 من أسباب الإعاقة لدى الأطفال مقارنة بأنواع التلوث الأخرى المسببة للإعاقة. وقد بلغ عدد الأطفال المصابين بالإعاقة بسبب التلوث بصفة عامة حوالى 3.5 مليون طفل وتشير الدراسات أيضاً إلى أن الأجنة والنساء الحوامل كانوا من أكثر الفئات تعرضاً وتأثراً بتلوث الهواء بغاز CO، وأن الكاربو هيموجلوبين يتركز فى دماء الأجنة بحوالى ثلاثة أضعاف تركيزه فى دماء أمهاتهم، وبالمثل فان ثانى أكسيد الكربون CO2 من الغازات الضارة بصحة الإنسان لأنه يتحد أيضا بهيموجلوبين الدم، وكلما زاد تركيزه فى أنسجة الجسم قلت قابلية الهيموجلوبين للاتحاد بالأكسجين هو ما يعرف بتأثير بوهر «Bohr»، ولذلك فإنه يسبب الاختناق عند زيادة معدلاته بدرجة كبيرة.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الأنشطة البشرية تتسبب فى اطلاق 177 مليون طن من CO2 على مستوى العالم، وفى الكويت وحدها أدت حرائق آبار النفط (حوالى 8 ملايين برميل يوميا) بسبب الغزو العراقى إلى اطلاق حوالى مليونى طن من هذا الغاز فى سماء الكويت. ويؤدى غاز CO2 رفع درجة حرارة مناخ الكرة الأرضية، وهو ما يعرف بتأثير الدفيئة أو الصوبة الزجاجية Green house effect، فالأشعة الشمسية عندما تصل إلى سطح الأرض يتم امتصاص جزء منها وانعكاس الجزء الآخر، هذا الجزء الأخير لا يمر بطلاقة عبر الهواء الجوى إلى الفضاء بل يتم امتصاص جزء منه بواسطة CO2 وبخار الماء وغازات أخرى فيسخن الهواء، ويقوم بدوره باطلاق بعض الحرارة إلى الأرض، وبالتالى تصبح الأرض أكثر دفئا نتيجة هذا الاحتباس الحرارى. ويساهم غاز CO2 بمقدار النصف فى حدوث هذا التسخين وتساهم غازات الكلوروفلوروكربون (CFC) مع بقية الغازات بالنصف الآخر. ويعتقد أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب غازات الدفيئة هو السبب وراء ارتفاع مياه البحار وكثرة الفيضانات والعواصف وانخفاض معدلات سقوط الأمطار وقلة المياه الصالحة للشرب، ويتوقع الخبراء اختفاء %19 من الأراضى الزراعية فى مصر بحلول عام 2050م، كما أن المحاصيل الزراعية فى مختلف دول العالم ستنخفض بشكل كبير فى المستقبل إذا لم تتخذ الاحتياطات الكافية للحد من التلوث.
المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 151